الخطاب العاشورائي: بين التقليد والتجديد

منتظر الشيخ

يقف الخطاب المنبري العاشورائي الحالي على مفترق طرق، متأرجحًا بين نوعين متناقضين، الأول، خطاب تعمد نسيان عصره وحاضره، بل وحتى أفكاره، ليلجأ إلى صفحات التاريخ منتقيًا منها ما يُذرف له الدمع، ممعنًا في رفع وتيرة الحزن، ناظرًا إلى الواقعة الحسينية بعين عوراء، هنا، يتوارى العقل أمام النقل، وتحل محله سطوة التقليد، حيث يُصبح الاتباع مناطًا للإبداع، بينما يُحيل التجديد إلى باب المحظورات، بل ويُمسي الحداثة معادلًا للبدعة، ومحدثات الأمور عنوانًا للكفر والزندقـة.

على الضفة الأخرى، يقف خطاب مغاير، نموذج منه نلمسه لدى بعض فقهاء الشيعة ممن مالوا إلى التجديد وتنقية التراث العاشورائي وتنويعه، وغربلته من موروثات الزيادات والدخيل، على نحو ما ظهر لدى العلامة محمد حسين فضل الله، الذي ناله من الهجوم الحاد والتطرف الديني ما أدى إلى عزله بل وإيذائه ماديًا ومعنويًا.

هذا التناقض يكشف عن جدلية حضارية عميقة: عندما تتقدم الحضارات وتنفتح على محيطها، تتعاظم عوامل الجذب، وحين تتأخر وتنحسر، تتفاقم عوامل النبذ، وتنحصر قيمتها في حرف النص على حساب مضمونه، وتنزوي الحكمة أمام التلقين، وينحسر العلم لصالح الجهل. ولعل حال الخطاب الديني الحالي نموذج لهذا التدهور.

إن المعرفة، كما الحقيقة، لا تستقيم دون ريبة، بل تتخذ من الجدل والتفاعل أداة لصقلها وتنقيحها، فتتجسد فيها جدلية الحضور والغياب، والحرف والمعنى، والمختلف والمؤتلف.

من هنا، يصبح التساؤل مشروعًا: لماذا يخشى البعض “نقد الخطاب الديني”؟، بل ويرفض مبدأ الحق في الاختلاف، متمترسًا وراء خشية على الذات الشعائرية، رغم أن هذا الاختلاف والاعتراف به كفيل بزيادة إثرائها وتطويرها، وتنقية موروثها، وضخ دماء جديدة تتناسب مع تحديات العصر ومتطلباته؟

إن التسامح، وحرية الضمير، وقبول التعدد، ليست مجرد ترف فكري، بل ضرورة حضارية، وضمان لاستمرارية التراث وحيويته، وتأكيد على أصالته ومتانته، فلا سبيل لإحياء خطاب عاشورائي يلبي متطلبات العصر، إلا عبر الحوار الجريء، والنقد البنّاء، وتنقية التراث من كل شائبة، ليحفظ للحسين ومبادئ عاشوراء ألقها المتجدد على مر العصور.

تعليق واحد

  1. الكاتب المحترم إذا عنده انتقاد يناقس الموضوع بموضوعية علمية وأيضا عنده فكره عن الموضوع من كل النواحي
    أنت عندك ازدواجية وأيضا حقد دفين
    هاذي بداية محرم كيف حكمة على الموضوع من بداياته
    أجلس مع نفسك الحاقدة قبل فوات الأوان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×