صدمة ما بعد الصدمة.. شاعرية محمد المُلّا وصفت طريقة وفاته قبل سنة أصدقاؤه يُعيدون نشر تغريداته وتأمّلاته في الكون والوجود والموت
صفوى: أمل سعيد
في 26 نوفمبر 2021؛ كتب مغرداً “طُرق الباب كثيراً، كان من في الداخل يشعر بأن من وراء الباب لا يُؤتمن، أو ليس في وعيه ربما كالعادة، لكن أبيت إلا أن تحدث أمرأ بالقوة! ففتحت الباب ووضعت من في الداخل في مأزق لطالما أخبروك أن تتحاشاه“.
وفي مغرب يوم الخميس 21 أبريل 2022؛ كان كاتب التغريدة نفسه وأبوه وأمه وأخته في مأزق كما وصفت التغريدة تماماً. كان داخل غرفة، وفيها حريق، وخلف الباب “من لا يؤتمن”، وهو الذي أشعل الحريق، وأقفل الباب، وبقي جيران الحي يطرقون باب المنزل ويُحاولون إخراج من في الغرفة، ولكنّ حدث ما حدث، ورحل كاتب التغريدة ومن معه في الغرفة “رحيلاً أسطورياً”، في حريق فاجع..!
إنه محمد زهير الملّا، الذي كتب قبل أكثر من عام أيضاً “كلمة وداعاً لا تكفي، أريد رحيلاً أسطوریاً، أود إشعال حريق في خندق أرمي وسطه أشعاري وكلماتي، أوراق دفاتري، ولربما أُسقط نفسي فيه..!“.
والصدمة الجديدة التي تلت صدمة فاجعة الحريق؛ هي عودة نشر التغريدات التي كتبها المرحوم محمد الملا قبل أكثر من سنة، بما فيها إشارات عالية الدقة إلى الطريقة التي سوف يموت فيها.. محترقاً، وحصار نيران، وأحدٌ ما خلف باب..!
بعد أيام من رحيله عن عالمنا، عادت كلماته إلى التداول بين أحبته وأصدقائه، حتى انتشرت انتشاراً واسعاً على منصة التواصل “واتساب”.. تغريدات كان ينعى فيها نفسه، بل تعداه ليصف تفاصيل مغادرته الدنيا.
الشاب محمد زهير الملا ذوالـ 27 عاماً، الذي قضى يوم الخميس 21 من شهر رمضان، في فاجعة هزت المجتمع القطيفي، بل المجتمع السعودي بأكمله، وسط حريق التهم جسده إلى جانب أجساد أهله (أمه وأبيه وأخته).
رحل محمد وخلف وراءه إرثاً من الكلمات كان بعضها أشبه بنبوءة لما كان ينتظره في مفترق طريقه إلى الآخرة.
الوجود المشكل
محمد شاب نشط على منصة تويتر، ومن خلال حسابه تتعرف إلى شخصية تميل إلى الشعر والأدب، والقراءات النقدية والفلسفية، كما تمتلئ صفحته بالأسئلة الوجودية، التي ترتفع نبرتها لتبدد صورته الهادئة، وتحيله إلى أتون مشتعلة، ويأخذ قارئه إلى قفزات متتالية في التأمل في الوجود والكون وخالقه، هو نفسه لا يعرف مداها.
“هل كان مفترض لشخص مثلي أن يتساءل في هذا العمر ويتردد في باله ما يلي:
ما السبب الذي يجعله باق على قيد الحياة؟
هذه فوضى وعشوائية وحياة انتقائية، لمَ لم أبق عدماً؟، لا توجد مصلحة عامة أو خاصة لوجودي هنا”
إنها ليست أفكاراً انتحارية، إنه تساؤل عقلاني جداً، أريد سبباً.
الأمل شيء ذو ريش، أريد سبباً فقط، أنا أصدّق الأسباب فقط؛ الأمل خدعني كثيراً ولا أثق به، قلت له ريش ويطير أيضاً.
لم عليَّ أن أكمل حياتي؟ لا الحياة متوقفة عليَّ ولا نظام الكون سيختل بانعدامي، لم يتحتم عليَّ البقاء؟ لم لا أخير على الأقل!.
وفي مساحة أخرى وتغريدات متتالية يأخذك برقة عاشق ونفَس أديب، فيصب مشاعره في كلمات مشحونة بالعاطفة “كانوا متناغمين، يتشاركون بيوتاً من الشعر، يرمي أحدهما للآخر نصاً فصيحاً يكون موضع نقاش الليلة، كانوا حروفاً لنص لم يكتمل في حينه، نفد الحبر ربما أو وقع القلم بيد أحد ما، لكن القصة لم تنته، وأجمل فصولها بدأ بالفعل، انظر جيداً، اقرأ في داخلك، الجواب موجود في أحد زوايا الغرفة.
كنت أركض طالباً مغتسلاً بارداً بعد سفر طويل حاملاً حروف اسمها فوق كتفي، لم يثقل كاهلي ذلك ولكن أهلكني سقوط حرف اسمها الثالث تحديداً، وزاد مصابي عندما التقطه أحمق، لا يعرف في اللغة شيئاً، أبهر بمنظره ولا يدري معناه ولا يعرف ماهيته ولن يكون له ذلك ولو عاش عمره مرتين”.
هذا الكلام كُتب في 26 نوفمبر 2021، وهو وصف لما حدث في أبريل 2022، حين أغلق شقيقه الباب عليهم وأحرقهم
نبوءة الخاتمة
وفي المكان ذاته نثر المرحوم محمد، قبل سنة من الآن، بضع تغريدات، تداولها أحبته في الأيام اللاحقة لوفاته، كانت صادمة لمن يقرأها، وأكثر ما يلفت الانتباه في تلك التغريدات استخدامه لمفردة الحريق (أحترق، حريق، أحرق،..).
وفي تغريدة له، وصفها بعض من قرأها، بأنها رسم دقيق لما حدث له ولعائلته يوم وفاتهم. قال فيها ” كان من الأحرى بك، بل لا يُعتقد من مثلك أن لا تعي وتدرك العلامات، طُرق الباب كثيراً، كان من في الداخل يشعر بأن من وراء الباب لا يُؤتمن، أو ليس في وعيه ربما كالعادة، لكن أبيت إلا أن تحدث أمرأ بالقوة! ففتحت الباب ووضعت من في الداخل في مأزق لطالما أخبروك أن تتحاشاه”.
وذُيلت صورة التغريدة من قِبل أحدهم بعبارة “يا سبحان الله هل هي مجرد صدفه..!”، وفي تغريدة أخرى “ولكن يا رب أفأحترق غداً بجهنم أيضاً؟ هذا كثير ياسيدي، كثيرٌ جداً”.
شاهد تغريدات أكثر في حسابنا بـ إنستغرام
اقرأ أيضاً
رحمة الله عليه و رحمهم الله تعالى جميعاً و إلى حبور و رضوان بإذن الله تعالى فهو اللطيف الخبير و هو السميع الودود، و هو الجواد الكريم.
إلهي و ربي بصبر أحبتهم عليهم و الذي لا يعلم مقداره إلا أنت، أدخلهم في مدخل الصالحين و أكرم مثواهم في عليين مع من كانوا يتوالوهم، خير خلقك وأشرف من في أرضك و سمائك، محمد وآل محمد صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين،،،
و دام صبركم على هذا الرحيل الصعب والموجع.. جميلاً ، و أثبتم عليه من رب الكمال و الجلال..ثوابا جزيلاً..
و الفاتحة لأرواحهم الطاهرة الصابرة، ولموتانا و موتاكم و موتى المؤمنين.