[بيعة المؤسس 4] حسن بِنْ سنبل.. الجش تصوّت بـ “نعم” تصدّى لقضايا الشأن العام.. وكاتب الملك عبدالعزيز متظلماً من الخرّاصين
القطيف: صُبرة
في موقف بالغ الحسّاسية والخطورة؛ اجتمع نفرٌ من زعماء القطيف في قصر “السّراي” المعروف أيضاً بـ “الدرويشية”. وموضوع الاجتماع هو اتخاذ الرأي المناسب تجاه حدثٍ كبير سوف يُغيّر مجرى التاريخ في القطيف. “ابن سعود” ضمّ الأحساء إلى حكمه، وأرسل سرية بقيادة عبدالرحمن بن سويلم، وقد خيّمت السرية عند موقع يُعرف بـ “المريجيب”، عند مشارف سيهات. وقد يصله المدد من الأحساء، لدخول القطيف.
القطيف، وقتها، كانت تحت حكم الدولة العثمانية، كما هو وضع الأحساء. ورسالة “ابن سويلم” واضحة. والحاكم العثمانيّ في “السراي”، والنقاش يدور بين المجتمعين الذين حسموا أمرهم، وقرروا الانضمام إلى حكم “ابن سعود” طوعاً وسلماً، ودون إراقة قطرة دم واحدة.
وفي تاريخ 9 من شهر جمادى الآخرة عام 1331، الموافق 15 مايو 1913م، انضمّت القطيف فعلياً إلى حكم “سلطان نجد” عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. لتكون القطيف رابع منطقة تنضمّ إلى الحكم الجديد، بعد نجد والقصيم والأحساء. وبعد 11 سنة فقط؛ من تأسيس الدولة السعودية الثالثة، وقبل إعلان توحيدها تحت اسم “المملكة العربية السعودية”، بـ 20 سنة.
وحسبما ذكره السيد علي العوامي، في كتابه “رجال عاصرتهم”؛ فإن المجتمعين في قصر “السراي ـ الدرويشية”؛ كانوا ثمانية، وهم:
- الشيخ علي الخنيزي، أبو عبدالكريم: قاضي القطيف، القلعة.
- الشيخ علي البلادي: عالم دين، القديح
- عبد الحسين بن جمعة: حاكم القطيف، القلعة
- علي بن أخوان: رئيس البلدية، الدبيبية، القلعة.
- علي بن فارس: متضمّن الجمارك في ميناء القطيف والعقير.
- حسن بن سنبل: عمدة الجش
- حسين بن نصر: عمدة سيهات
- سيد حسين السادة: عمدة صفوى.
“صُبرة” تتناول سيرة الشخصيات التي اتخذت القرار في الاجتماع، حسبما يتوفر لها من معلومات ومصادر.
موقف صعب
لم يكن موقف “حسن بن سنبل” سهلاً في الأزمة. فهو عمدة الجش.. القرية المسورة الواقعة إلى الغرب الجنوبي من قلب القطيف. وهذا يعني أن القرية ستكون التالية بعد سيهات؛ لو دخل جيش “ابن سعود”.
وهذا مبرّر أمنيٌّ يمكن تفسيره في ترجيح كفة “ابن سعود” على كفة حاكم الأتراك، خاصة مع اتفاق المجتمعين في “السراي” على أن القطيف ليس فيها طاقة لمواجهة الجيش المنتصر في الأحساء.. القادم إلى القطيف.
وهكذا ضمّ “بـنْ سنبل” صوته إلى الموافقين..
فمن يكون “بن سنبل هذا”..؟ وما هي قصته..؟
المعلومات الآتية وردت “صُبرة” نقلاً أحد أبناء ذريته، المعلم لؤي سنبل، وهو باحث في التراث، ولديه مجموعة كبيرة من وثائق العائلة..
هو الحاج حسن بن أحمد بن كاظم بن علي بن محمد بن عبد الله بن عيسى آل سنبل. ورث الزعامة في الجش عن والده الذي كان “أحد وجهاء البلدة الأثرياء الموصوفين بالكرم والجود، وموقوفاته الكثيرة تدل على حسٍ ديني واجتماعي يتمتع به، توفي عام 1325هـ”.
أما والدته فهي “الحاجة حصة بنت عبد الله المغاسلة”.. ويبدو من الوثائق المتاحة أنها توفيت سنة 1324هـ، أي قبل وفاة زوجها بسنة واحدة.
وهي أيضاً كانت ذات ثروة كبيرة، وذات خبرة في التجارة وإدارة الأملاك، وبعد زواجها من الحاج أحمد اجتمعت أموالها بأمواله، فكانا يشتريان الأملاك سوياً كل حسب نسبته([1])، ويتصرفان على أنهما ملك واحد، وكانت صدقاتهما وعوائدهما المالية تصل إلى كثير من الأماكن، حتى قيل إن (حصة) كانت تدور على حمارها في أكثر من بلدة، ومعها المؤن والثياب لتوزعها على الفقراء والمحتاجين، ولهما موقوفات لا زالت موجودة حتى الآن، ومن تلك الأوقاف :
- مسجد العمارة.
- كثير من النخيل، متعددة الوقفية.. حسيني، عبادات، ذري…
ولد “حسن بن سنبل” سنة 1294هـ، و “قال عنه العلامة الشيخ فرج آل عمران ء “كان أحد الرؤساء المشهورين الموصوفين بالنبل والسؤدد والجود والكرم، والمعروفين بالبطولة والشهامة والإباء وعزة النفس، سافر مع البعثتين من أهالي القطيف، العلماء والأعيان إلى البصرة، في عصر الترك عام 1326هـ، لرفع بعض الشكايات والمهمات …)([2]).
وصفه (الحاج محمد حسين آل عبدالحسن بقوله “صار حسن بن أحمد (حاتم) يذهب للأمير فيأتي له (الفداوي) قائلاً (السلام عليك يا عمي حسن) فيمدّ يده ويعطيه عشر ربيات، وفي أيام الأعياد يذهب ومعه مبلغ من المال فيفرّقه شرهة لهذا وكسوة لذاك، نخله (أم العماري) فيه عريش كبير، دائماً ما يمتلئ بالفداوية وغيرهم من الناس، وتذبح لهم الذبائح… والفلوس تُطحن .. والناس: بن سنبل .. بن سنبل، وخلفه في ذلك ابنه الحاج أحمد([3]).
كان مشاركاً لزعماء القطيف في الأحداث المهمة التي خاضتها القطيف في زمنه، مثل أحداث دخول القطيف في حكم آل سعود، فقد ذكره السيد علي العوامي “تولى الشيخ ([4]) صياغة مذكرة تطلب من القائم مقام الانســحاب وتعفي القائم مقام من مسؤولية الانسحاب، وكان من ضمن الحاضرين بالإضافة إلى الشيخ (أبو عبدالكريم) الشيخ علي البلادي، عبدالحسين بن جمعة، علي بن أخوان، علي بن فارس، حسن سنبل، حسين بن نصر، سيد حسين السادة … ([5]).
توفي 6/6/1352هـ، ويروى بيت شعر شعبي في رثائه:
بعدك يبو محمد ترى هي الجش خرباش
لا قهوة تندقّ ولا ينشرب غليون
والبيت على بساطته يوحي لنا بالكرم الذي اشتهر به، وبالحزن الذي تركه فقده في نفوس عارفيه.
——–
([1]) توجد في وثائق العائلة وثيقة تقسيم الأملاك بينهما.
([2]) الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية، ج4، ص 130ــ131
([3]) شريط مسجل بصوته في جلسة له مع الأخ العلامة الشيخ نزار آل سنبل.
([4]) آية الله الشيخ علي (أبو عبدالكريم) الخنيزي.
([5]) رجال عاصرتهم، السيد علي العوامي، ص106
اقرأ أيضاً
[بيعة المؤسس] حسين آل نصر.. شارك في اجتماع “السراي” وصوّت باسم سيهات
[بيعة المؤسس 3] الشيخ علي الخنيزي.. مُحرّر “براءة الذمة” للحاكم العثماني