[بيعة المؤسس 2] الشيخ علي البلادي.. شاهدٌ من أهلها قال عن الملك عبدالعزيز "فعَلَ فعل الحرّ الكريم"
القطيف: صُبرة
في موقف بالغ الحسّاسية والخطورة؛ اجتمع نفرٌ من زعماء القطيف في قصر “السّراي” المعروف أيضاً بـ “الدرويشية”. وموضوع الاجتماع هو اتخاذ الرأي المناسب تجاه حدثٍ كبير سوف يُغيّر مجرى التاريخ في القطيف. “ابن سعود” ضمّ الأحساء إلى حكمه، وأرسل سرية بقيادة عبدالرحمن بن سويلم، وقد خيّمت السرية عند موقع يُعرف بـ “المريجيب”، عند مشارف سيهات. وقد يصله المدد من الأحساء، لدخول القطيف.
القطيف، وقتها، كانت تحت حكم الدولة العثمانية، كما هو وضع الأحساء. ورسالة “ابن سويلم” واضحة. والحاكم العثمانيّ في “السراي”، والنقاش يدور بين المجتمعين الذين حسموا أمرهم، وقرروا الانضمام إلى حكم “ابن سعود” طوعاً وسلماً، ودون إراقة قطرة دم واحدة.
وفي تاريخ 9 من شهر جمادى الآخرة عام 1331، الموافق 15 مايو 1913م، انضمّت القطيف فعلياً إلى حكم “سلطان نجد” عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. لتكون القطيف رابع منطقة تنضمّ إلى الحكم الجديد، بعد نجد والقصيم والأحساء. وبعد 11 سنة فقط؛ من تأسيس الدولة السعودية الثالثة، وقبل إعلان توحيدها تحت اسم “المملكة العربية السعودية”، بـ 20 سنة.
وحسبما ذكره السيد علي العوامي، في كتابه “رجال عاصرتهم”؛ فإن المجتمعين في قصر “السراي ـ الدرويشية”؛ كانوا ثمانية، وهم:
- الشيخ علي الخنيزي، أبو عبدالكريم: قاضي القطيف، القلعة.
- الشيخ علي البلادي: عالم دين، القديح
- عبد الحسين بن جمعة: حاكم القطيف، القلعة
- علي بن أخوان: رئيس البلدية، الدبيبية، القلعة.
- علي بن فارس: متضمّن الجمارك في ميناء القطيف والعقير.
- حسن بن سنبل: عمدة الجش
- حسين بن نصر: عمدة سيهات
- سيد حسين السادة: عمدة صفوى.
“صُبرة” تتناول سيرة الشخصيات التي اتخذت القرار في الاجتماع، حسبما يتوفر لها من معلومات ومصادر.
————
فقيه بلادي.. بحراني.. قطيفي.. قديحي
على الرغم من علميّته وفقهيّته؛ لم يشتهر الشيخ علي البلادي (1274 هـ – 1340 هـ)؛ بأكثر من شهرته بمصنّفه المهمّ تاريخياً “أنوار البدرين”. إنه الكتاب الذي تحوّل إلى مرجعٍ أساسي في توثيق سير عشرات من علماء القطيف والأحساء والبحرين من الطائفة الشيعية تحديداً.
وفي السير الكثيرة التي تناول فيها العلماء والفقهاء في الجزء التاريخي القديم من بلاد البحرين؛ حفظ الشيخ البلادي جوانب مهمة من تاريخ المنطقة، وهو ما جعل منه مؤرخاً، فضلاً عن كونه فقيهاً وأديباً، تتنازعه القطيف والبحرين، وينسبُه كلٌّ منهما إليها.
وواقع الأمر؛ هو أن الشيخ البلادي بحرانيٌّ الأصل والمولد وبداية النشأة. فقد وُلد في “البلاد القديم” سنة 1274هـ. وحين بلغ العاشرة؛ هاجر مع والدته إلى القطيف، سنة 1284هـ، في فورة اضطرابات بحرانية عنيفة، وصلت إلى قتل حاكم البحرين ـ وقتها ـ علي بن خليفة. وقد هاجر بسببها كثيرٌ من السكان إلى القطيف التي كانت آمنة آنذاك، واستوطنوا حواضرها وقراها. وكثيرٌ منهم حملوا أسماءهم من القرى البحرانية التي هاجروا منها.
ذرية
جاء الشيخ علي من “البلاد القديم” رفيقاً لوالدته، فاستقبلهما الفقيه الشيخ أحمد آل طعّان الذي سبقهما في الهجرة من البحرين أيضاً. وقد تبنّاه الشيخ آل طعّان وعلّمه، وحين شبّ زوّجه ابنته. وقد استقرّت ذرية الشيخ البلادي في القديح، وحملوا لقب “القديحي”، و “الشيخ”، لاحقاً. وأبرزهم نجل الشيخ البلادي، الشيخ حسين القديحي.
كما برز من ذرية الشيخ البلادي حفيده “علي الشيخ حسين” الذي كان وجهاً اجتماعياً بارزاً في القطيف وفي القديح، وشارك في تأسيس مؤسساتها الأهلية، والأهمّ هو أنه ناشر كتاب جده “أنوار البدرين” الذي انتشر بعد طباعته.
كما برز حفيده الآخر “عبدالكريم بن محمد علي الشيخ” الذي أعاد تحقيق كتاب “أنوار البدرين” وأصدره في جزئين بشروحات وإفادات موسّعة. كما حقق كتباً كثيراً لجده البلادي، وهو مؤسس جمعية مضر الخيرية، وتسلّم رئاسة مجلس إدارتها سنواتٍ طويلة.
ومن ذريته؛ حفيده الشاعر عمر الشيخ الذي نشر أول مجموعة شعر تفعيلة في محافظة القطيف، سنة 1985. وهناك شقيقه المصرفي المعروف محمد إقبال علي الشيخ حسين.
الشيخ حسين القديحي
الطبعة الأولى من أنوار البدرين
جاء الشيخ البلادي إلى القطيف في عمر العاشرة. وحين شبّ وجد فيه أستاذه وصهره الشيخ علي آل طعان بوادر النباهة والذكاء، فسافر الشيخ علي إلى النجف لتلقّي العلوم الدينية. وتقول سيرته المنشورة إنه درس على يد محمد حسين الكاظمي، ومحمد طه نجف، ومرتضى مهدي الكشميري النجفي، ومحمود ذهب النجفي، وحسن بن مطر الجزائري.
ثم عاد الشيخ إلى القطيف؛ وأقام فيها، وشارك في تعليم بعض العلماء فيها، كما فرّغ جانباً من وقته للتأليف.
وثيقة
حين وصلت سرية عبدالرحمن بن سويلم إلى المريجب غرب سيهات، وعرَضت على الأهالي الدخول في حكم “ابن سعود”، وعُقد اجتماع لشخصياتها في قصر “السراي”؛ كان الشيخ البلادي واحداً من المجتمعين الذين اتفقوا على دخول القطيف في الحكم السعودي سلماً.
وحسبما نشره الشيخ فرج العمران في كتاب “الأزهار الأرَجية”؛ فإن للشيخ البلادي شهادة مهمة جداً في حق الملك عبدالعزيز، في تلك الفترة. وذكر الشيخ العمران أنه عثر على الوثيقة المكتوبة بخط الشيخ البلادي، قبل أكثر من 70 سنة، في الجزء: 4، الصفحة: 5.
الشيخ فرج العمران
نص الوثيقة
“في الثامن والعشرين من جمادى الأول سنة 1331 تولى عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن سعود الحساء، بقتال يسير جدا، قتلت فيه أربعة رجال اثنان من جنده، واثنان من جند بني عثمان.
وفي اليوم التاسع من جمادى الثاني من هذه السنة تولى القطيف بلا قتال أصلاً، لعجز الحكومة والأهالي عن المقاتلة. فسبحان من يُؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء.
ثم أن جند بني عثمان بعد اجتماعه في البحرين توجهوا إلى فتح العقير بندر الحسآء وكانوا تقريباً من ثمانمائة نفر. وكانوا بعدة حسنة تفقانا وجبخان وأطوابا رشاشة.
أربعة على ما قيل لكن المتيقن اثنان، فنزل منهم إلى البر مائة وخمسون نفراً، والباقي صاروا في السفن يرسلون الرصاص والطوب على الثغر، وكان فيه من جند عبدالعزيز عشرون نفراً، وقيل يزيدون خمسة، فبقي خمسة في القصر يحاربون أهل السفن، ونزل الباقون، وهجموا على من في البر فقتلوا خمسة وأربعين نفراً، وأسروا ثمانين وفر الباقون إلى السفن وإلى البر.
فنُقل أن البداة قتلوا بعض المنهزمين إلى البر.
ثم وصل عبدالعزيز في جيشه فرأى المسألة قد كُفي مؤنتها، لأن السفن أيضاً انهزمت، فمنَّ على الأسرى بالفكاك وحملهم إلى البحرين بعد أن أخذ أسلحتهم. فالنصر بيد الله عز وجل يؤتيه من يشاء.
ولعمري أنه فعل معهم فعل الحُر الكريم، وكانت الواقعة المذكورة في العشرين من جمادى الثاني من السنة المذكورة.
غاب لنا نور
انتقل إلى رحمة الله ليلة 11 جمادى الأولى 1340هـ، أي بعد 9 سنوات من انضمام القطيف إلى الحكم السعودي. وكان لمكانته الكبيرة في مجتمع القطيف أثر كبير في جعل يوم رحيله إلى الآخرة مشهوداً. ويُذكر عن ذلك اليوم أن الناس زحفوا إلى مدينة القطيف، للمشاركة في وداعه.
كما أثر نبأ وفاته في البحرين والأحساء، وأقيمت له مجالس عزاء فيها، ورُثي شعراً.
وقد دُفن في مقابر “الخبّاقة” غرب مدينة القطيف، وما زال شاهد قبره معروفاً في مكانه منذ 104 سنوات.
قبر الشيخ البلادي في مكانه منذ 104 سنوات في القطيف
اقرأ أيضاً: [بيعة المؤسس 1] حسين آل نصر.. شارك في اجتماع “السراي” وصوّت باسم سيهات.
[بيعة المؤسس] حسين آل نصر.. شارك في اجتماع “السراي” وصوّت باسم سيهات