[بيعة المؤسس 3] الشيخ علي الخنيزي.. مُحرّر “براءة الذمة” للحاكم العثماني هزائم الأتراك في أوروبا والحرب العالمية جعلتها عاجزة عن حماية نفسها
القطيف: صُبرة
في موقف بالغ الحسّاسية والخطورة؛ اجتمع نفرٌ من زعماء القطيف في قصر “السّراي” المعروف أيضاً بـ “الدرويشية”. وموضوع الاجتماع هو اتخاذ الرأي المناسب تجاه حدثٍ كبير سوف يُغيّر مجرى التاريخ في القطيف. “ابن سعود” ضمّ الأحساء إلى حكمه، وأرسل سرية بقيادة عبدالرحمن بن سويلم، وقد خيّمت السرية عند موقع يُعرف بـ “المريجيب”، عند مشارف سيهات. وقد يصله المدد من الأحساء، لدخول القطيف.
القطيف، وقتها، كانت تحت حكم الدولة العثمانية، كما هو وضع الأحساء. ورسالة “ابن سويلم” واضحة. والحاكم العثمانيّ في “السراي”، والنقاش يدور بين المجتمعين الذين حسموا أمرهم، وقرروا الانضمام إلى حكم “ابن سعود” طوعاً وسلماً، ودون إراقة قطرة دم واحدة.
وفي تاريخ 9 من شهر جمادى الآخرة عام 1331، الموافق 15 مايو 1913م، انضمّت القطيف فعلياً إلى حكم “سلطان نجد” عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. لتكون القطيف رابع منطقة تنضمّ إلى الحكم الجديد، بعد نجد والقصيم والأحساء. وبعد 11 سنة فقط؛ من تأسيس الدولة السعودية الثالثة، وقبل إعلان توحيدها تحت اسم “المملكة العربية السعودية”، بـ 20 سنة.
وحسبما ذكره السيد علي العوامي، في كتابه “رجال عاصرتهم”؛ فإن المجتمعين في قصر “السراي ـ الدرويشية”؛ كانوا ثمانية، وهم:
- الشيخ علي الخنيزي، أبو عبدالكريم: قاضي القطيف، القلعة.
- الشيخ علي البلادي: عالم دين، القديح
- عبد الحسين بن جمعة: حاكم القطيف، القلعة
- علي بن أخوان: رئيس البلدية، الدبيبية، القلعة.
- علي بن فارس: متضمّن الجمارك في ميناء القطيف والعقير.
- حسن بن سنبل: عمدة الجش
- حسين بن نصر: عمدة سيهات
- سيد حسين السادة: عمدة صفوى.
“صُبرة” تتناول سيرة الشخصيات التي اتخذت القرار في الاجتماع، حسبما يتوفر لها من معلومات ومصادر.
قصر “السراي”.. الدرويشية في القطيف
الشيخان
ورد اسم الشيخ علي الخنيزي المعروف بـ “أبي عبدالكريم”؛ في قائمة المجتمعين بصفته فقيهاً وقاضياً، ما يعني الإشارة إلى موقعه الدينيّ والاجتماعي في مجتمع القطيف. وكان لوجوده ووجود الشيخ علي البلادي في القائمة؛ ثقلٌ وازنٌ جداً، على اعتبار أن موضوع الاجتماع لم يكن سياسيّاً يدرسُ الممكن في التعامل مع دولة آيلة للسقوط، وأخرى آتية بقوة فحسب.
سفك دماء
الموضوع شرعيٌّ أيضاً، ومن المحتّم أن تتدخل لغة الرصاص والسيف بين جيش “ابن سعود” الذي ظفر بالأحساء قبل أيام من جهة، وبين جنود الحامية التركية التي تحكم القطيف. ما يعني أن دماءً سوف تُسفك من الطرفين، وأن القوة العسكرية التركية في القطيف أضعف من أن تواصل قوة “ابن سعود”. فضلاً عن ذلك؛ لا يمكن للأهالي أن يشاركوا في خوض المواجهة العسكرية، خاصة بعد سلسلة الاضطرابات والمواجهات المسلّحة التي عاشتها القطيف بين عامي 1326 و 1329هـ مع بعض قبائل البدو.
وتجربة سنوات الاضطراب وضعت الأهالي ـ وأصحاب الرأي ـ أمام واقع لا يمكن إبعاد الانتباه عنه. الدولة العثمانية ضعيفة، وعاجزة حتى عن تحقيق الأمن في محيط القطيف، فكيف ستواجه “ابن سعود” الذي بسط حكمه على نجد، والأحساء، وهو على وشك المجيء بجيشه إليهم في القطيف..؟
وهذا كلّه يُشير إلى سفك دماء، وسقوط ضحايا، ودمار، في حال وقعت المواجهة. فمن يتحمّل مسؤولية الدماء والقتال من الناحية الشرعية..؟
ومن الواضح أن لوجود الفقيهين، الخنيزي والبلادي، في اجتماع “السراي” أثراً في قرار المجتمعين، وهو قبول دخول القطيف في حكم “ابن سعود” سلماً وطوعاً.
موقف الحاكم
ولكن ماذا عن موقف الحاكم العثماني الذي قرر المجتمعون في حضرة مجلس قصره “السراي”..؟
حتى يوم الاجتماع ما زال منصور بن جمعة حاكماً عثمانياً مرتبطاً بالسلطة التركية. ولكن أين هي السلطة التركية؟ أين هي الدولة التركية سنة 1331هـ، الموافقة لسنة 1913م.؟
حين بدأ الملك عبدالعزيز، رحمه الله، استعادة حكم آل سعود في قلب نجد أولاً؛ كانت الإمبراطورية العثمانية في مرحلة الترنّح الأخير، بعد سلسلة من الهزائم العسكرية في أوروبا. وبعض الهزائم وصلت إلى حدّ الكارثة، خاصة في حربها مع إيطاليا وحروب البلقان بين عامي 1911 و 1913. وقد نتج عن هذه الهزائم طرد العثمانيين من شمال إفريقيا وخارج أوروبا تقريباً.
وحين وقعت الحرب العالمية الأولى؛ دخل العثمانيون في رهان خاسر جديد، وتحالفت مع ألمانيا، وقبل أن تضع الحرب العالمية أوزارها؛ كانت “الباب العالي” قد خسر إمبراطوريته”، وتقاسم المنتصرون تركته، فيما عُرف بـ “الانتداب”، والهيمنة. ولم يعد “السلطان” قادراً على حكم غير ما يُعرف اليوم بـ “تركيا”.. وتحت التهديد الداخلي أيضاً.
ووسط كلّ هذه الأحداث العالمية الكُبرى؛ ما هو وضع القطيف، الواحات المترامية على شاطيء الخليج؟ وما الذي سيفعله “ابن جمعة” للسكان، صفته حاكماً لدولة مهزومة عاجزة شبه منفصلة عن مركزها الإقليمي في البصرة، وبالتأكيد من منفصلة عن مركزها الأساسي في إسطانبول..؟
لا خيار
سياسياً وعسكرياً وأمنياً؛ لم يكن منصور بن جمعة يملك أي خيار تجاه دعوة “ابن سعود” للقطيف بالدخول في حكمه. وعلى الرغم من ذلك؛ أوجد المجتمعون حلّاً لتبرير موقفه أمام المسؤولين الأعلى منه في الدولة العثمانية. الحلُّ هو توثيق ما حدث، وتحرير كتابٍ له، بتوقيع المجتمعين، ليكون ذلك شهادة من رجالات القطيف على سلامة موقفه.
والشيخ علي الخنيزي “أبو عبدالكريم”؛ هو الذي تولّى تحرير هذا الكتاب، حسب ما يذكر مؤرخو تلك المرحلة.
قبل الحكم العثماني
كان الشيخ الخنيزي يتمتع بمكانة علمية واجتماعية قبل مجيء الحكم السعودي. وعُرف عنه القيام بمسؤوليات القضاء الشرعي. وبعد مجيء الملك عبدالعزيز إلى القطيف، ومبايعة الناس إياه، رتّب أمور إدارتها، وولّى عبدالرحمن بن سويلم أميراً عليها، والشيخ الخنيزي قاضياً فيها. وهو ما أهّله للقيام بأدوار مستقبلية في التعامل مع الأوضاع والأزمات التي طرأت بعد ذلك.
وقد بقي في منصبه حتى وفاته، رحمه الله، في عام 1362هـ، وسط تداعيات الحرب العالمية الثانية.
سيرة الشيخ
- علي بن حسن علي بن حسن بن مهدي بن كاظم الخنيزي.
- ولد في قلعة القطيف عام 1285هـ/ 1868م.
- بدأ تعليمه بالقرآن الكريم على يد المعلم حسين آل سيف، والكتابة عند محمد علي الماحوزي.
- ثم اتجه إلى التجارة.
- عام ١٣٠٨ه هاجر إلى مدينة النجف في العراق، وتلقّى دروسه الأولية، عند مشايخ أغلبهم من القطيف.
- بين عامي ١٣١٥ و ١٣١٧؛ أقام في إيران.
- عاد إلى النجف لحضور الدروس المتقدمة “البحث الخارج”.
- عام ١٣٢٣ه حصل على إجازات في الاجتهاد، وعاد إلى بلاده.
- له من المؤلفات: رسالة في خصوص الوضوء، رسالة في أحكام الشك العارض في الصلاة، منسك في أعمال الحج، شرح يسير على طهارة تبصرة المتعلمين.
- انتقل إلى رحمة الله في ليلة الثلاثاء ٣صفر١٣٦٢ه، في البحرين، وجيء بجثمانه عبر البحر، وصلى عليه عمه الشيخ علي أبو الحسن الخنيزي، ودُفن في مقابر “الخباقة”.
اقرأ أيضاً
[بيعة المؤسس] حسين آل نصر.. شارك في اجتماع “السراي” وصوّت باسم سيهات