الملا عبدالعظيم المرهون.. رحل في ذكرى دفن الحسين لاحقته الأمراض ولم يترك المنبر.. وتوفي عن عمر 77 سنة
القطيف: صُبرة
في مثل هذا اليوم من عام 1424 ودّعت القطيف واحداً من أهمّ خطبائها الخيّرين، الملا عبد العظيم ابن الشيخ منصور المرهون الذي واجه سلسلة من الأمراض أقعدته طويلاً. وقد ترك رحيله أثراً حزيناً في القطيف، خاصة أنه رحل في ليلة ذكرى دفن الإمام الحسين، عليه السلام، وفي مناسبة طالما أحياها منذ صباه الأول، إلى أن أقعده المرض، رحمه الله.
“صُبرة” تنشرة سيرة استعادية للراحل، نقلاً عمّا حرّره الباحث لؤي سنبل في كتابه “على أعتاب الحسين”، بإذنٍ منه، وبتصرّف سبق إشعار المؤلف به.
لؤي سنبل
نشأته وتعليمه
ولد الملا عبدالعظيم المرهون في أم الحمام في 14/5/1347هـ، تعلم القراءة والكتابة على يد أخوته الشيخ علي والخطيب سعيد والحاج محمد، ثم واصل دراسته عند والده الشيخ منصور والشيخ عبدالحي المرهون والشيخ فرج العمران والشيخ عبدالحميد الخطي والشيخ علي المرهون، رحمهم الله جميعاً.
ثم توجه إلى النجف الأشرف للاستزادة من المعارف والدراسة الحوزوية، إلا أن ظروفه لم تساعده في مواصلة مشواره فعاد بعد فترة قصيرة قضاها هناك.
وقام بدور بارز في إدارة أوقاف كثيرة رجعت له بعد أن تركها أخوه الخطيب سعيد المرهون، وهي أوقاف جده الحاج علي، وهي متعددة المصارف فمنها الحسيني ومنها أوقاف المساجد ومنها الحسينيات وغيرها.
الشيخ منصور المرهون
خطابته
نشأ الملا عبدالعظيم مع بقية أخوته نشأة دينية منذ الصبا، فوالده كان ربَّ الخطابة القطيفية في وقته، وأخوته كلهم متجهون لهذا الاتجاه الحسيني، فكان هو أحدهم في هذا المجال.
وبعد وفاة والده المبرور، حاول ترك الخطابة ــ لقلة ذات اليد ــ وتجه للعمل، فاتجه هو وأخوه الشيخ عبدالحميد للظهران محاولة منهما في الالتحاق بشركة أرامكو، التي تعدّ في ذلك الوقت الأمل في حصول لقمة الرزق الحلال، فما كان من أخيهم الخطيب سعيد إلا الانزعاج من ذلك وأمرهما بالرجوع إلى البلد، وخاطب معارفه هناك بأن لا يستقبلوهم ولا يساعدوهم في أمر التسجيل في الشركة أو الإقامة في الظهران، فعادا إلى البلد واستمرا في طريق الخطابة الحسينية، حتى صارا من أبرز خطباء المنطقة.
وقد تتلمذ على يديه الكثير، سواء في القراءة والكتابة أو في الخطابة، ومن جملة من تتلمذ على يديه :
- أخوه الشيخ عبدالحميد المرهون.
- ابن عمته الخطيب راضي المرهون.
- الملا حسن آل سلام.
- الملا سلمان آل إبراهيم.
وقد تعرض لمرض منعه من مزاولة حياته اليومية بشكلها المعتاد، فكان طريح فراشه لسنوات عدة، إلا أنه مع ذلك لم يترك الخدمة الحسينية، فكان يقرأ في بيته وإن امتنع عن بقية المجالس لصعوبة الحركة عليه، وبعد عدة سنوات من المرض، ضغط على نفسه وخرج للقراءة في مجالس محدودة، وواصل القراءة في منزله حتى آخر يوم من حياته.
الشيخ فرج العمران
في لسان أخيه
الملا كاظم المرهون أخوه وتلميذه وأحد المعجبين به، وقد وفّى أخاه حقه في ترجمته التي نشرت في ديوانه، ونقتبس هنا بعض المقاطع من قوله عنه (هو الخطيب العظيم والشاعر الكبير.. كان رجلاً عصامياً من جانب ومتواضعاً من جانب آخر، كان واسع الصدر، باسم الثغر، حاضر النكتة، واسع المدارك، لا تكاد تفلت من إدراكه كلمة، أعجب به جلساؤه من أهل العلم والفضيلة .
كان دائماً مرحباً بالقادم له ومودعاً إلى المنصرف من مجلسه بالدعاء والابتسامة، حتى حين كان يصارع المرض المرير ما فقدت شفتاه الابتسامة، ولا غاب النور الوضّاء عن وجهه، فوجهه مشرق بالنور وقلبه مفعم بالمحبة والترحاب حتى آخر ساعة من حياته، قد كان يستقبل الموت مبتسماً ويودع الحياة هادئاً مطمئناً ويردّد جملةً استعارها من كلام سيده ومولاه ومنبع إلهامه (الإمام الحسين) ، فيقول: (وما هو إلا الموت وقدوم على ربٍ كريم).
كان عظيم الثقة بربه، وشديد التمسك بأهل بيت نبيه الكرام، فخوراً بولائهم ومحبتهم وخدمتهم ودؤوباً على إنشاد الشعر فيهم مديحاً ورثاء.
وكان وهو طريح على فراش المرض، يعجز أن يحرك جسده الواهن من جانب إلى آخر، يرى نفسه أنه في ضيافتهم وتحت رعايتهم ت ولمدة ثلاث عشرة سنة مضت عليه وهو مريض، لكنه كان مأنوسا بالمرض فالمريض ضيف الله …
كان يؤنسه كتابه وقلمه، ويحادثه شعره الفيّاض وقريحته المتدفقة، التي ما توقفت منذ أن عرف الشعر ومسك القلم وصعد المنبر..
وكان يزوّد جلساءه من أهل بيته وزوّاره بالمعارف العلمية والدينية والتاريخية والنكت الطريفة الهادفة.
لقد كان نبعاً متدفقاً بالإيمان والشعر العقائدي والنصائح والوصايا الحسنة، وكان محباً وبشغف لإقامة مآتم آل الرسول، وقد بذل وصرف في سبيل ذلك ما استطاع إليه سبيلا، وكان يشدد الوصية على أهله وولده بضرورة التزام نهج آل البيت، وإحياء ذكراهم ..
وكان خطيبا فصيحا يملك حصيلة منبرية كبيرة لسعة اطلاعه، قوامها من البحوث العلمية والروائية والأدبية والقصصية، ممزوجة بالروايات والأخبار والمآسي المفجعة والحوادث التاريخية، مع أسلوب خطابي بديع مشوق للسامع، مما جعل منبره مزدحما بالمستمعين المتوافدين لحضور محاضراته، والتي تركت أثراً محفوراً في ذاكرة المجتمع في القطيف ونواحيها بعد رحيله..).
الشعر
يعدّ الملا عبدالعظيم من الشعراء المكثرين، في الشعر الفصيح والشعبي، الحسيني وغيره، ولكن للأسف الشديد كان شعره عرضة للضياع نتيجة عدم تدوينه في وقته، مما تسبب في ضياع كثير منه.
وقد طبع في حياته جزءاً بسيطاً من شعره الحسيني تحت اسم (المرهونيات ــ الجزء الثاني) () ، وأما بقية شعره فبعضه كان مكتوباً لديه في دفاتر والآخر في أوراق مبعثرة والكثير لم يكتب.
وبعد وفاته عُنيَ ولده الأكبر الأستاذ عبدالواحد بمساعدة بعض أخواته وأصحابه بجمع شتات هذا الشعر وجمعه في ديوان أسماه (حروف وقوافي) طبع سنة 1429هـ.
وفاته
توفي ليلة 13 محرم 1424هـ، بعد معاناة طويلة مع المرض، و(تقول إحدى نسائه كنت معه في غرفته آخر ساعات حياته ، وهو مسجى على سريره لا يستطيع القيام، وبعد فترة من الليل ساويت عليه غطاءه وهو بعد لم يزل واعيا، وعدت إلى باب غرفته الخارجي حتى أغلق الباب لأريحه، فأشار إليَّ بصوت خافت لا تغلقيه إني على موعد مع جماعة سيزورونني الآن، فتركته مفتوحا وإذا بعينيه ترقب الباب وهو ينتظر بلهفة والبشر يعلو وجهه الوضّاء، وبعد وقت قصير صارت عيناه تلحظ في الغرفة وكأنما يستقبل ضيوفاً أعزاء على قلبه بالفعل، فعلت وجهه ابتسامة رضا وأريحية، وقال الآن أقفلي الباب وقبل صلاة الفجر بقليل طلب مني قليلاً من الماء، فلما شربه حمد الله وقال الآن أخلدي للنوم فأنا أشعر بالراحة ولا يوجد ما تقلقي عليه .
وما كانت إلا برهة من الزمن حتى شعرت بمن يهمس في أذني لييقظني من النوم، فسارعت إليه وكلمته فلم يجب وحركته فلم يتحرك ففهمت أن روحه لحقت ببارئها، وسلم الأمانة إلى مالكها عن عمر يناهز سبعة وسبعين عاما قضاها في طاعة الله وخدمة أهل بيت رسول الله وكان ذلك فجر اليوم الثالث عشر من شهر محرم عام الرابع والعشرين وأربعمائة وألف هجرية، فإلى روح وريحان وجنة نعيم ومع محمد وآل محمد في الجنان).
ودفن في صبيحة اليوم الثالث عشر في مقبرة (أم الحمام) تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه.
شقيقه الشيخ عبدالحميد المرهون
رثاؤه
وقد رُثي بعدة قصائد منها قصيدة أخيه الشيخ عبدالحميد التي ختمها بتأريخ وفاته، فقال (… وبفقده خسرت البلاد عيناً من أعيانهاً وأباً ومعلماً وشاعراً من شعرائها… وقد قلت في تأريخ وفاته:
أخي لإن فارقتنا راحلاً
عنا فقد عدت لرب كريم
فنم هنيئاً لا تخف عثرة
فقد تلقَّاك غفور رحيم
وإن أهل البيت تلقاهم
كلهم منك صديقاً حميم
وليس مثل الآل من يتـ
ـرك الخادم إلا في نعيم مقيم
لكنَّ في أنفسنا لوعة
من فقدك المؤلم يا ابن الكريم
أبلغ سلامي لأبي يا أخي
ثم لأمي فهما في النعيم
وأنت فيه.. هكذا ظننا
فكلكم لله قلب سليم
وإنك السابق من بيننا
يا ليتني أنا .. وأنت المقيم
يا خادم المنبر قد جاءنا
تاريخكم (منبره عبدالعظيم)
اقرأ ايضاً
ملا احمد شيخ أحمد.. كافح الملاريا في القطيف وبيشة وجيزان ونجران