حتى – الفاء.. مشابهة تكاملية تلامس السماء

جمال رسول

في السياقات المفهومية عادة ما يتم البحث عن المعادلة التي تصف واقعا خارجيا وواقعا ماورائيا أو اعتباريا ذهنيا، حيث علاقة المساواة التي تعبر عن علاقة التوازن أو علاقة الهوية والذات في نفسها، بين طرفين حينما تكون الظواهر متعددة بملاحظة:

1. قيمة المتغيرات التي تحقق شرط التعادل، أو ما يحقق شرط التعادل في القيمة المطلقة كما في: س = ص

2. حفظ المادة: في توازنها النسبي من حيث عدد الذرات من كل عنصر كما في: تركيب الجزيء المائي H2O

3. القيمة المنطقية: حيث التكافؤ في القيمة الحقيقية كما في: (صح/خطأ)

4. السياقات الدلالية: بما تحمل من شروط ضمنية تربط بين دلالات مشتركة في سياق محدد، بمعنى أن المساواة هي أداة تمثل التوازن أو الهوية، ولكن دلالتها مختلفة باختلاف مجال موضوعها، فهي:

1. كمية في الرياضيات

2. مادية في الكيمياء

3. وظيفية في المنطق

4. دلالية في اللغة والحوار

إذن، يمكن اعتبار المساواة أداة اكتشاف فعالة بآليات ودلالات مختلفة حسب سياقاتها في عمليات الاكتشاف والبناء المعرفي. وبهذه النظرة، يجدر بي أن أستثمر ذلك وأوظفه في جهدي المفهومي لاستنطاق النص كلما تجلى السياق وتسامت لحظة تأمل وانبثقت معان ملهمة.

صيغتان في التعبير متقاربتان في الشكل متداخلتان في المعنى:

كثيراً ما أقف عندهما طويلا وأتأملهما عميقا عند قراءة إحداهما، في حين أن كلا منهما وبشكل تلقائي تستدعي الأخرى:

– العبارة الأولى في زيارة مسلم بن عقيل ع: أشهد أنك قد بالغت في النصيحة وأعطيت غاية المجهود (حتى) بعثك الله في الشهداء.

– العبارة الثانية في زيارة العباس بن أمير المؤمنين ع: أشهد أنك قد بالغت في النصيحة وأعطيت غاية المجهود (فـ) بعثك الله في الشهداء.

(حتى) و(الفاء)، ما الفرق؟ ولماذا قد تتفوق كلمة على أخرى في فهم المجد الذي تشير إليه؟

(حتى).. سُلّمٌ إلى المجد:

لنتأمل معا العبارة: بذلتَ جهدًا عظيمًا (حتى) نِلْتَ الشهادة، فهنا صناعة سرد متصاعد:

المعنى، هنا، يشير إلى أن الذي يحدث في الخارج هو تقدم أو تصاعد في بذل الجهد حتى ارتقى إلى مقام يتطلع إليه كغاية قصوى ولا يصل إليه إلا الأفذاذ.

هنا، (حتى) تمثل جسرٍا يربط بين الجهد المبذول والنتيجة الهدف، لكنها تترك فاصلا أو مسافةً بينهما.

(حتى) تُظهر تدرجا وصبرا واجتهادا حتى النهاية، تكشف قصة البطل في رحلته ارتقاء نحو ذروة مجده – رحلة عناء شاقة، بمعنى أن التحول هنا موقعي زمانا ومكانا.

(الفاء).. برق يضيء الحقيقة:

لكن ماذا لو قلنا: “بذلتَ جهدا عظيمًا فنِلْتَ الشهادة”؟ ماذا عسى أن يكون المفهوم لدينا، وكيف يتكون في قالبه؟.

لنرى، فهنا، المشهد مختلف:

– الفاء تُحيلك إلى السببية المباشرة، كأن الجهد والشهادة وجهان لشيء واحد.

– بل أبلغ من ذلك: حين تكون الفاء كاشفةً للحقيقة، حين تكون الفاء أداة التساوي بين طرفي المعادلة الدلالية.

لنتأمل العبارة التالية: أنت تُنفق بلا حساب فأنت جواد، حيث الجود صفةٌ أصيلةٌ في الذات، لا مجرد فعل عابر.

هنا لا نشهد تحولا، ولكننا بصدد كشف عن مخبوء، كشف عن الذات والهوية.

وهنا نشهد تُحوّل وفارق جوهري في المعنى والوظيفة للأداة (حتى) وللأداة (الفاء) في القيمة الدلالية:

من (حتى) >>> إلى (الفاء)!

من وصلتَ إلى القمة >>> إلى القمةُ الموجودة في الذات منذ البدء!

مقارنة درامية:

– حتى: مشاهد متتالية لفيلمٍ سينمائي طويل، لمسيرة البطل، يمارس، يتعلم، ثم يكون حيث الهدف.

– الفاء: لقطة سينمائية واحدة مذهلة بكل ما حولها من قبل ومن بعد، البطل حيث هو، منذ اللحظة الأولى لا مزيد عليها.

الخلاصة- كلمة السر – السياق:

– استعمال (حتى) لإبراز رحلة الكفاح – تحول وصيرورة.

– استعمال (الفاء) لكشف عظمة مختبئة(الهوية/الذات)، إظهار جزاءٍ فوريٍّ مذهل في عمل متحقق (العمل/الجزاء).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×