الشيخ عبدالحميد المرهون.. خطيب بأمر أبيه خاف مواجهة المستمعين في البداية.. وملك وجدانهم في النهاية
نصح طلّابه بالذهاب إلى المدارس.. وتفرّغ للخطابة والتأليف
القطيف: صُبرة
في بداية صباه؛ لم يكن يرى في نفسه مناسباً لأن يكون خطيباً، ولكنّ والده رأى ذلك، وأصرَّ على أن يتدرّب الابن على الخطابة.
وبسبب ضعف رغبته ـ في البداية ـ لم ينجح في تحقيق رغبة والده.. فعلّق ابن عمه على رغبة الوالد وضعف الولد بتشبيهه بـ “حديدة”.. والحديدة لا يُمكن أن يُعطي غليها وطبخها مرقة..!
لكنّ الزمن أثبت أن “عبدالحميد” لم يكن حديدة كما تقول مزحة ابنه عمه، بل كان غصناً في حاجة إلى أن يقوى، بهدوء، وبتدرُّج، وبصبر.
إنه الشيخ عبدالحميد بن الشيخ منصور المرهون.. الخطيب الذين يحتفظ بوقعٍ خاصٍّ في مجتمع القطيف. منذ قرابة 80 سنة. الرجل الهاديء في نبرة صوته، ومشيته، وحديثه. البارع في جذب مستمعيه، وإقناعهم وإبكائهم، وإضحاكهم إذا تطلّب سياق الحديث. المتواضع إلى حدٍّ تتعاقب على مصافحته أكفّ علّية القوم، في القطيف، وأكفّ فقرائهم، وهو كفٌّ واحد في أكفّهم جميعاً.
رجل وقور جمع التعليم والإرشاد وإمامة الجماعة والخطابة والتأليف، علاوة على العمل الاجتماعي الرسمي. ناهز الخامسة والتسعين، وما زال يستعين بالحبّ والإيمان على رقيّ منبر الحسين.
ومساء البارحة؛ بدأت أولى مجالسه في القديح، في حسينية غزوي التي استمرّ في اعتلاء منبرها منذ سنة 1385هـ، أي قبل 59 سنة. وهي مجلسه الأول في كل مساء من مساء عاشوراء، حسبما ذكره لـ “صُبرة” مسؤول الحسينية الحاج علي أحمد سلمان غزوي الذي أكد أن الشيخ المرهون لم ينقطع عن القراءة في الحسينية منذ 59 سنة، إلا حين أصيب بفيروس كورونا قبل عامين.
“صُبرة” تسرد جزءاً من سيرة رجل أحب الناس وأحبه الناس، مستمدة المعلومات الأساسية مما حبّره الباحث لؤي سنبل في كتابه “على أعتاب الحسين”.
لؤي سنبل
تعلّموا في المدرسة
في عام 1378هـ؛ وحين تأسست أول مدرسة حكومية في قرية الجش المجاورة لقريته أم الحمام؛ حثّ طلابه على الالتحاق بها. وكانت رؤيته هي أنها مدرسة نظامية، ما يعني حصولهم على تعليم جديد وشهادات تنفعهم. وحين سجّلوا في المدرسة؛ التحق بعضهم بالصف الثالث مباشرة، وبعضهم في الصف الرابع، لأنهم تعلّموا لديه جيداً.
حتى ذلك العام؛ كان معلماً تقليدياً، يعلّم الناشئة القرآن الكريم ومباديء الكتابة والقراءة والحساب واللغة. ولكنّه توقّف بعدها، متفرّغاً لاستكمال طلب العلوم الدينية، والخطابة التي ما زال يمارسها، على الرغم من مناهزته الـ 95 من العمر.
في جنازة أخيه الشيخ علي المرهون
ملّا بقوة الأمر
كان والده الشيخ منصور المرهون حريصاً على تنشئة أبنائه على سيرته، وألزمهم جميعاً أن يدرسوا ويطلبوا العلم، ويمارسوا الخطابة.
ومثل أخوانه؛ طلب والده منه أن يدرس، وأن يتدرّب على الخطابة؛ ولكنه وجد صعوبات كثيرة، وحسبما روى هو عن نفسه للباحث لؤي سنبل؛ فإنه لم يكن راغباً في ذلك، لما يرى من قصور في نفسه عن هذا المضمار، فهو يرى أن حافظته لا تسعفه في هذه الخدمة الجليلة التي تحتاج إلى حافظة قوية، كما أن صوته لم يكن ذلك الصوت المرغوب فيه للقراءة، خصوصاً في زمن كانت قوة الصوت وحلاوته مقياساً رئيساً في نجاح الخطيب وتفوقه، كما أن هيبة المجلس تجعله يتراجع عن ذلك، فمجلس والده حافل بشخصيات البلد وأعيانها، فهو مجلس يحتاج إلى قوة وجرأة وشجاعة يفقدها الخطيب المبتدئ، وقد كانت عادة أبيه مع أولاده أن يقوم كل ليلة أحدهم بالقراءة، ومما يذكره خطيبنا أن الليلة التي عليه القراءة فيها يختبئ ويتناوم فيأتيه أخوه (الحاج محمد) ويجبره على القيام وربما تعرض في ذلك للضرب حتى يقوم مضطراً”.
ولهذا السبب؛ علّق ابن عمّ له هو الشيخ عبدالحي المرهون قائلاً ما معناه “ألا تنظرون إلى الشيخ منصور يريد من عبدالحميد أن يكون ملا، أيريد مرقة من حديدة“..؟ وهذا التعبير قول سائر في القطيف يُقال للحديث عن استحالة استنتاج شيء من غير مكوناته.
شهرة واسعة
ويقول آل سنبل “ثم شيئاً وشيئاً وإذا به يبرز خطيباً عالياً، بل نجماً قليل النظير من نجوم الخطابة القطيفية، فقد أصبح أحد أكبر خطباء المنطقة، ومن المكثرين في القراءة جداً، فقد سار بقراءته في نواحي القطيف والدمام والأحساء، وتعدّاها إلى البلدان التي يقصدها للزيارة، فإنه أينما حلّ طُلب للقراءة، نظراً لشهرته ولمحبوبية قراءته للنفوس”. وقد جاء هذا الوصف في كتاب آل سنبل “على أعتاب الحسين” الذي دوّن فيه المؤلف قرابة 50 سيرة ذاتية لخطباء من محافظة القطيف.
أم الحمام
ولد الشيخ المرهون في أم الحمام في 28/12/1348هـ، ونشأ في بيت علم وخطابة، تعلم القراءة والكتابة على يدي أخويه الخطيب سعيد والحاج محمد، ثم التحق بكتـّاب الملا حميد المرهون. وبعدها؛ بدأ دراسة القواعد النحوية والمقدمات الفقهية على يد كل من والده المرحوم الشيخ منصور وابن عمه الشيخ عبدالحي المرهون، وأخيه الشيخ علي.
وزامل في الدارسة أخاه الملا عبدالعظيم، ثم الملا راضي المرهون، حيث حضرا عند الشيخ علي المرهون “تبصرة المتعلمين” و “ألفية ابن مالك” و “شرائع الإسلام” وبعض “اللمعة الدمشقية”. كما درسا عند الشيخ فرج العمران شيئاً من “منهاج الصالحين” للفقيه السيد محسن الحكيم المتوفي سنة 1390 ـ 1970م.
الشيخ فرج العمران
بساطة البداية
منبرياً بدأ في حياة أبيه، بالقراءة البسيطة التي يكتفي فيها الخطيب بقصيد فصيح وأبيات شعبية، ثم بدأ في التقديم مع أخيه الملا عبدالعظيم، واستمر في تقديمه حتى بعد وفاة أبيه بسنتين تقريباً ثم استقل بالقراءة.
الملا عبدالعظيم المرهون، توفي ليلة 13 محرم 1424هـ
ويعتبر الشيخ عبدالحميد أخاه الملا عبدالعظيم أستاذه في الخطابة المنبرية، ضمن عديد من خطباء أم الحمام. وقد كرر التعبير عنه بـ “الأستاذ” في أكثر من موطن خلال ترجمته له في الجذوة “شقيقي الأستاذ الملا عبدالعظيم.. ولكن الأستاذ المترجم… وتعجبني من الأستاذ المترجم.. وفق الله الخطيب الأستاذ”. وهذه أوصاف استخدمها بنفسه في أحد كتبه.
المعلّم والمرشد والمؤلف
امتهن لفترة طويلة التعليم في الكتـّاب، فكان مكتبه حافلاً بالتلاميذ الذين يتعلمون عنده القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وله معهم ذكريات جميلة، وقد استمر في تعليمه حتى سنة 1378هـ حين افتتحت مدرسة الجش الابتدائية، فترك التعليم وحثّ طلابه على التوجه لها.
لكنّ نشاطه الديني اتسع بتوليه إمامة الجماعة وإرشاد الحجاج والمعتمرين، ويصفه آل سنبل بأنه “من أشهر المرشدين للحج والعمرة، ومن أهل الخبرة في هذا المجال”.
كما يصفه بأنه “صاحب خدمات اجتماعية كبيرة وكثيرة، فهو من مؤسسي جمعية أم الحمام الخيرية وخدماته الكثيرة في بلده تشهد له”.
وفي مجال التأليف والنشر له باع طويل أيضاً، فقد امتاز بترتيب أوراقه بشكل مفيد، مما شكل لديه مجموعة من المؤلفات النافعة، وبعضها قد طبع ونشر، فمن ذل :
- من سيرة الحسين
- رائق الضمير ، 3 أجزاء
- الجذوة من شعر أم الحمام.
- حول الإنسان.
- سطور النور في ذكرى الشيخ منصور.
- مجالس من التفسير
- شرح الدرة اليتيمة
نشكر صحيفة صبرة الموقرة على هذا اللقاء والحوار الممتع والرائع مع سماحة الشيخ عبدالحميد المرهون حفظه الله، و سماحة الشيخ عبد الحميد المرهون يعد من الشخصيات الدينية و المنبرية والاجتماعية الذي يلقى محبة واسعة بين أبناء مجتمعه وخارجه بفضل ما يمتلكه من ثقافة معتدلة وهو يعتبر واحد من الشخصيات الدينية البعيدة عن المهاترات الدينية والاجتماعية والسياسية ، بل هو يمثل اب للجميع وهو قريب لقلوب الجميع بغض النظر عن انتمائتهم الثقافية والدينية ، وهو متاثرا بنهج أخيه واستاذه المرحوم سماحة العلامة الشيخ علي المرهون أعلى الله درجاته مع اسياده الأطهار محمد وآله الطيبين الطاهرين.. دمتم موفقين
الله يطول عمره ويعطيه الصحة والعافيه خطيب قل ان يجود الزمان بمثله