أم رمزي ساندت زوجها «الدحيم» ضدّ سرطان القولون حتى الشفاء.. وتوفيت بسرطان الكبد واحدة من قصص التعافي والإيمان والتوكل.. ووفاء الأزواج
الخبر: ليلى العوامي
أصيب عبدالله الدحيم بسرطان القولون، وشُفي منه.
هذه هي الحكاية باختصار شديد جداً، وفي 7 كلمات لا غير.. لكن القصة أكبر وأكبر وأكبر من ذلك بكثير، أنها قصة إيمان بالله واتكال عليه، وتسليم الأمور إليه، وقناعة بطلها بأن «الله لا يبتلي المخلوق بشيء إلا لخير له».
هذا هو الجانب الأول منها، والأهم؛ إلا أن في تفاصيل الجانب الآخر منها قصة زوجة، كنيتها «أم رمزي»، قررت طوعاً – لا فرضاً – أن تكون «ممرضة» زوجها، تخدمه بأهداب عيونها طوال 24 ساعة طوال ثلاث سنوات. لا تكل ولا تمل. وحين منّ الله عليه بالشفاء؛ أصيبت هي بالسرطان.
ولأن الدحيم «أبن أصل»؛ لم ينس صنيع زوجته في مرضه وقبل ذلك؛ طوال عقود عاشاها على «الحلوة والمرة». وقف معها كما وقفت هي معه، ولكن إرادة الله شاءت أن تسترد أمانة «أم رمزي»، التي سلمت روحها لخالقها.
تجربة الدحيم مع المرض، وفقدانه الحبيبة «أم رمزي»، لم تشعره لحظة واحدة بالقنوت واليأس؛ قرر أن يكون كل ما مر به دافعاً لمساندة من يصابون بالسرطان وأسرهم.
في عامه الـ91؛ يبدو بروح شاب، يتنقل من مكان إلى آخر، ناشراً ثقافة الأمل والتوكل على الله، وحين فرضت عليه الجائحة البقاء في البيت خلال العامين الماضيين؛ سخر حسابه على منصة «تويتر»، ليواصل المسيرة.
في أكتوبر؛ شهر التوعية بالسرطان؛ «صُبرة» تقدم لقرائها حكاية عبدالله راشد الدحيم؛ السرطان، الإيمان بالله، الأمل.. وأم رمزي:
سيرة.. ورسالة
الدحيم أصلاً؛ من دارين. سكناً؛ يقطن حالياً حي العزيزية في مدينة الخبر. مهندس مولدات كهربائية متقاعد من شركة «أرامكو السعودية» عام 1998. حالياً؛ مستشار في لجنة الأمل في جمعية السرطان السعودية، عضو في لجنة الشفاعة الحسنة للتبرع بالأعضاء منذ 1414هــ، وسفير خدمة «أطفال التوحد»، ضمن جمعية «طيف» في الجبيل.
روى قصته لـ«صُبرة» بكل حب، ليوصل رسالة لكل من يعاني من هذا «الخبيث»، مفادها بأن «الله معك، لا تيأس، أشعر بالسعادة لأنك مريض، فهذا هو العلاج. أما الحزن؛ فطريق الهلاك. أجعل يقينك بأن الله هو الشافي المعافي. وقد سخر لنا في مستشفيات المملكة أطباء قادرون – بما وهبهم الله من علم وخبرة – أن يساعدونا – بعد الله – على الشفاء. لا تظن أن هذا الخبيث – إذا أصابك – فأنها نهاية المطاف؛ بل هي بداية طريق جميل بعد الشفاء، وهو التقرب من الله أكثر، وأكثر، وممارسة عمل الخير، والتطوع فيه».
عبدالله راشد الدحيم وأولاده وأحفاده.
ما بعد رحلة الشواء
في نهاية 2008؛ علمّ الدحيم بمرضه، يقول «لمدة ثلاث سنوات؛ كنت أشعر بألم في معدتي؛ حرقان. كنت أعتقد أنه بسبب الدهون أو البهارات الحارة. وكنت أتابع في المستشفيات، وكانوا يصفون لي أدوية خاصة بالمعدة. إلا أن جاء ذلك اليوم، وقد كنت مع العائلة في شاطئ «أرامكو»، في رحلة شواء. أكلنا، وكنا سعداء».
مكرماً أحد أبطال نادي الجزيرة في دارين بالتزامن مع احتفالات اليوم الوطني قبل أيام.
بعد العودة إلى المنزل؛ شعر بآلام في بطنه. لم تكن على غرار الآلام السابقة أو بوتيرتها؛ يكمل «حرقان زائد. نمت وحينما أصبحت الصباح وذهبت إلى دورة المياه كانت المفاجأة؛ دم. سألت نفسي: كيف ولماذا؟! حينها؛ استبعدت السرطان، وقلت قد يكون من كبر السن. فأنا كنت حينها في نهاية الخمسينيات. تعجبت كثيراً من الكمية التي خرجت مني. ذهبت إلى أحد المستشفيات الخاصة، وما أن أخبرت الطبيب المختص بالمناظير بما حدث لي؛ لم يتركني أكمل، وكأنه فهم شيئاً، وأراد أن يتأكد منه، فقال: يجب أن نجري لك فحصاً بالمنظار، من أعلى وأسفل. وافقت، وتوكلنا على الله».
بعد أسبوع؛ عاد الدحيم إلى المستشفى ذاته، ليحصل على نتيجة المنظار. كان موعده مع استشاري الباطنة، وكان يرافقه ابنه وليد. يقول «دخلت على الطبيب، نظر لي متسائلاً: أنت عبدالله؟ قلت له: نعم؛ أنا هو.. وكنت مُبتسماً، وهو يسألني. وكان ملفي أمامه على الطاولة، وأنا واقف وهو ينظر لي نظرات استغراب. طلب مني الجلوس، وقلت له: تفضل؛ أنا لم أت إلا لأجل العلاج، فسألني: ألست خائفاً؟ قلت: لا، أنا لا أخاف إلا من رب العالمين، وإذا أنا مصاب بشيء؛ فهذا دليل على حب الله لي».
مع أبطال الصحة الذين ساهموا في مواجهة الجائحة.
سرطان القولون
يتابع الدحيم سرد ما جرى بينه وبين طبيبه «قال: أنت مُصاب بسرطان القولون، منتشر بطول 17 سنتيمتراً، ودرجته تراوح بين 2 إلى 2.5». توقع الطبيب أن أحزن، ولكنني قلت: الحمد الله. الله يحبني»، مضيفاً «لم أجزع؛ فمرضي خير من الله، وإن كان الظاهر فيه ابتلاء».
كان ولده وليد الوحيد الذي علم بحاله. أخذ الابن التقارير لطبيب يعرفه في مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام. وما أن رآها الأخير حتى قال «أحضر والدك الآن وحالاً». يضيف الدحيم «أدخلوني المستشفى لعمل فحوصات جديدة، وهي لازمة لمثل هذه الحالات، إذ أنهم لا يعتمدون فحوصات المستشفيات الأخرى. وأخبرني الطبيب بأنه بعد أسبوع سأدخل التنويم، وسيبدأ العلاج الكيماوي مباشرة. فطلبت من الطبيب أن أخذ أسبوع قبل ذلك. كانت لدي خططي، فطلبت من أبني نايف أخذ إجازة لمدة عشرة أيام، حين سألني: «لماذا؟»، اجبته: قل إن شاء الله من دون أن تسألني، فأنا أبوك».
يكرم طالباً مساهماً في الأعمال التطوعية.
حين يعالجك طبيب الأطباء
قبل دخول مرحلة العلاج؛ شعر عبدالله الدحيم بالحاجة إلى زيارة بيت الله، ليعتمر ويستنشق عبق مكة المكرمة الطاهر. ذهب إلى أقدس البقاع برفقة ابنه «وصلنا بيت الله، وكنت لا أترك الحرم إلا إلى الفندق للنوم. وكان طعامي خلطة أعدتها لي زوجتي الغالية أم رمزي؛ مكونة من التمر، ملفوفة بالنارجيل المطحون. وسبعة أيام متتالية كان أكلي منها، والشرب من ماء زمزم فقط».
يتوقف عن الحديث للحظة؛ متذكراً «حتى أن ابني نايف كان خائفاً عليّ، كان يبكي. قلت له: إن مت وأنا هنا؛ فالله يحبني، إذ سيصلي عليَّ خمسة ملايين مسلم وأنا في بيت الله، ولكن إن مُت في الخبر؛ فلن يصلي عليَّ إلا 20 أو 30 مصلياً. فجلس يبكي. قلت له: لا تبكي، ولا تجعلني أنهار نفسياً، فأنا أريد منك كلاماً إيجابياً محفزاً، ووقفة بجانبي. أريدك أن تكون معي؛ تشجعني وتتحدث معي بكل ما هو جميل. ولا تنسى؛ نحن هنا مع أعظم الأطباء، وهو الله عز وجل. ونحن في بيته، وأنا كليّ ثقة بأنه هو طبيبي».
دارين مسقط الرأس.. والحنين إلى أيام خوال.
حين تغيرت خطة العلاج
بعد 10 أيام؛ عادا إلى مستشفى الملك فهد التخصصي، أجريت له فحوص ما قبل التنويم. وبعدها دخل الدحيم على الطبيب، فسأله «أين كنت خلال الأيام الماضية؟ أين ذهبت؟ أجابه: كنت مع طبيبي؛ ربي. كنت في بيت الله. رد الطبيب: سبحان الله؛ التحليل تغير فيه شيء بسيط، وبناءً عليه؛ ستتغير خطة العلاج، وستقل كمية الكيماوي الذي سنعطيك إياه».
بدأت رحلة العلاج الكيماوي والإشعاعي لمدة ستة أشهر. في هذه الأثناء؛ كانت جلسة الكيماوي تبدأ من الثامنة صباحاً إلى الرابعة عصراً. يقول «أذهب المستشفى بمفردي، وبنفسي أقود السيارة. ولا أعود مباشرة إلى المنزل؛ بل أمشي في الواجهة البحرية. كانت لدي قناعة بأن أقاوم هذا المرض، ولا أستسلم له، فكنت أمارس مهامي في المنزل كما في السابق تماماً. 6 أشهر علاج كيماوي وإشعاعي، وثلاثة أشهر من الراحة».
مع أطفال جمعية السرطان في أحد المعارض قبل الجائحة.
بعدها؛ قرر الطبيب استئصال الورم كاملاً، وكان ذلك في الـ15 من شهر رمضان. وقبل يوم من العملية؛ أخبره بالخطة العلاجية، قال «سأضع لك كيساً بعد العملية».
وتمت الجراحة؛ التي يصفها بأنها كانت «مُتعبة للغاية؛ 14 ساعة في المستشفى. خرجت من غرفة العمليات، وفي صباح اليوم التالي، وفي ما كنت متعباً؛ جاء الطبيب الذي أجرى لي العملية، وقام بتدليك جسمي. كان يعتني بي كثيراً جزاه الله خيراً دنيا وآخرة. قال لي: ما شاء الله؛ إن الله يحبك كثيراً. سألته: لماذا؟ قال: كل خطة العلاج تم الغاؤها. لن نضع لك كيساً خارجياً، ولن نجري لك أي شيء، فالحمد لله العملية ناجحة 100%. فرحت كثيراً، شعرت بأن إيماني واحتسابي وأملي كانت أموراً مهمة للغاية في رحلة علاجي، وكانت وجبتي طوال أيام التعافي فقط جلو وروب».
فرحة العيد في المنزل
ولأنه دخل المستشفى في شهر رمضان؛ لذا أضاف «كنت أستغل يومي بالتقرب من الله عز وجل، والدعاء بزوال المرض عني، وعودتي إلى أولادي بعد العملية. كنت أدعو الله بأن أعود لهم قبل العيد. وفي ليلة 27 رمضان؛ هاتفتهم وطلبت منهم عسل وروب، فكنت آكله بدلاً من طعام المستشفى. وطوال الليل وصباح اليوم التالي كنت اتقرب إلى ربي بالدعاء. كنت أدعوه بخشوع وقلب متفطر بأن أخرج قبل مغيب شمس ذلك اليوم، لأعيد مع أسرتي، والله إذا أراد الله شيء؛ يقول له: كن فيكون».
بعد صلاة الفجر يوم 27 رمضان؛ دخل إلى دورة المياه؛ شعر بما يشببه بـ«كأنني امرأة ستلد. كنت أبكي من الألم، ولكن أموري تسهلت لاحقاً. وجاء الطبيب وأخبرته بما حدث، فسألني: متى تريد الخروج؟ قلت له: الآن. فكتب ورقة الخروج. وكان ذلك صباح يوم 27 رمضان، والحمد الله عدت إلى المنزل، وما أن جاء ظهر ذلك اليوم؛ إلا وأنا بين عائلتي، ولله الحمد».
فيأحدالمعارض؛ يجهز جناح جمعية السرطان التي ينشط في صفوفها.
أم رمزي.. قلبه الحنون
الزوجة، الأم، الحبيبة، الأخت، الممرضة، العين والقلب الحنون.. بهذه الصفات وصفها الدحيم. كان يتحدث عن أم رمزي والعبرة تخنقه، والحزن واجم على صدره، ملامحه تتغير، ولون وجهه يكاد يفضح حزناً عميقاً يسكن سويداء قلبه، قال «أم رمزي لم تتركني لحظة واحدة طوال السنوات الثلاث التي كنت فيها مريضاً، قبل اكتشاف المرض، أثناء العلاج وبعده كانت معي. تتابعني وتمرضني، هي دمعة عيني، وقلبي الحنون أثناء زياراتي للمتابعة في مستشفى الملك فهد التخصصي».
يضيف «بعدالشفاء؛ أصيبت زوجتي بسرطان الكبد، فأصبح المشوار الجديد مع أم رمزي. كانت تخضع لكل أنواع علاج السرطان طوال ثلاث سنوات. بدا الضعف يدب في جسمها. انتشر السرطان، في كل مكان منه. وكانت نسبته تفوق 3:5. كان الوضع خطراً».
جمعية «طيف التوحد» ميدان آخر ينشط فيه عبدالله الدحيم.
يتابع بالقول «كنت الطبيب الروحاني وكل شيء لها. لكنها رحمة الله عليها كانت مُتعبة للغاية، بسبب انتشار المرض في جسدها. كنت خائفاً عليها. وفي ذات الوقت؛ أشعر بتدهور حالها. وليس في يدي شيء، إلا أن أكون لها كل شيء، كما كانت لي حين كنت مريضاً قبل ذلك بسنوات».
حينما جاء طبيبها؛ استشاري سرطان الكبد الدكتور محمد القحطاني؛ قال له «كنا قررنا عمل زراعة كبد لزوجتك، ولكن الوقت تأخر كثيراً، فلو أجرينا العملية، وقطعنا جزءاً من الكبد؛ ستنزف دماً كثيراً، ولن تنجو، لنتركها بين يدي الله ورحمته».
وما هي إلا أيام؛ حتى رحلت أم رمزي إلى خالقها، يقول الدحيم «ثمان سنوات؛ ومازالت أراها ماثلة أمامي في كل يوم، كل ساعة، كل ثانية تمر عليّ».
حين يذكرها؛ يتذكر ابنه رمزي، الذي سبق أمه بالرحيل قبل سنوات، وتحديداً عام 1990، أبان الغزو العراقي للكويت، حين كان متوجهاً مع صديقه إلى المستشفى، فاصطدمت سيارتهما بأخرى، وانشطرت مركبتهما إلى نصفين.
حين تذّكره؛ قال لـ«صُبرة» «الله يرحم رمزي. ونسأل الله له المغفرة والرحمة، وان يجمعنا الله وإياه في جنات الفردوس».
ثقافة الأمل والتوكل على الله رسالته التي يسعى إلى نشرها في كل المحافل.
التجربة علمته «الأمل»
سنوات مرضه وتعافيه، سنوات مرضها ورحيلها قبل 8 سنوات، بماذا خرج الدحيم منها؟
يجيب «استفدت منها – ولله الحمد – الكثير، من أول يوم أصبت فيه بالسرطان؛ التحقت في جمعية السرطان، وأسسنا لجنة؛ المتعافيات من سرطان الثدي وأنا، اسميناها «لجنة الأمل»، هدفها مساعدة المرضى في مواجهة هذا المرض، من خلال عرض تجاربنا الشخصية، وإيصال رسالة مفادها بأن الله قد يصيبك بابتلاء، لكنك لا تدري ماذا يُراد لك من خير من خلف هذا الابتلاء».
يضيف «لم اتعامل مع مرضي بأنني لن أعيش؛ على العكس؛ تجربتي كانت جداً سهلة ومرنة معه. وكنت أتحدث مع أولادي والأطباء وكل من يزورني بإيجابية وتفاؤل».
اقرأ أيضاً:
13 عملية في 22 سنة.. “تهاني” هزمت السرطان.. بزوج صادق وأبناء لم تُنجبهم
ليلة وفاء في دارين.. نادي “الجزيرة” يكرّم مؤسسيه وصانعي نجاحاته
الحمد لله على سلامتك وعلى حلاوة إيمانك فقد طلبت من الجليل فأعطاك. فأنتم عائلة خير تحبون الخير احسن الله لكم وتقبل أعمالكم وزاد في أرزاقكم والبسكم الصحة والعافية فهو السميع المجيب.