بعد السرطان والكيماوي والاشعاعي.. أمينة الفرج صارت «أجمل» خطيبة حسينية وثقت يوميات مرضها.. صوراً وعبارات

القديح: ليلى العوامي

لعل شعر الرأس واحداً من أبرز مظاهر جمال المرأة، ما جعل حجبه «واجباً» عليها أما الأغراب. تغطيه، تمشطه، تصبغه، تعتني به.

كيف سيكون شعورها حين تفقد هذا الشعر في فترة وجيزة بعد تلقي جرعات العلاج الكيماوي؟ مصحوباً بذبول الوجه، وآلام تقطع الجسد من آثار السرطان؟

ما حجم الألم والإحباط الذي يصيب امرأة في عقدها الخامس، حين يحدث لها كل ذلك؟

غالباً؛ ستتحطم، تنهار، أو في أقل الأحوال ستضعف.

أمينة عبدالله الفرج خاضت هذه التجربة، بكل ما فيها من تفاصيل «قاسية». لم تُحبط، لم تضعف، خرجت منها أكثر قوة، وأكثر جمالاً.

في «اكتوبر الوردي»؛ تقدم «صُبرة» حكاية أخرى في مواجهة السرطان، والانتصار عليه.. حكاية «ألم وأمل»، بما فيها من تفاصيل دعم أسري، إيمان، شجاعة وصمود.

أمينة أم لأربعة أولاد وفتاة. تعمل «مساعد إداري» في المتوسطة الأولى بالقديح. هي امرأة «صلبة» لم يهزمها سرطان الثدي، لأنها – كما قالت – «متمسكة بحبل الله المتين، كلما شعرت بألم الجرعة الكيماوية؛ قلت: يا الله كُن معي، فأنت أرحم الرحمين».

بعد عامين من إصابتها؛ روت لـ«صُبرة» الحكاية، بوجه بشوش، باسم، فرحة حامدة.

حبة صغيرة.. لم تكبر

في عامها الـ45؛ اكتشفت فجأة حبة صغيرة، راقبتها يوماً بعد آخر. لم تكبر ولم تصغر، لم يتغير فيها شيء. تيقنت أمينة بأنه «لا بد من مراجعة الطبيب». تقول «قبل أن يبدأ المرض؛ لم تكن هناك أي بوادر، كانت صدفة، فصدفة كنت أمرر يدي على صدري؛ لألاحظ أن هناك كتلة غريبة لم تكن موجودة من قبل. وبعد ذلك أصبحت ألاحظها، وألمسها بين حين وآخر. كنت اسأل: هل هي كتلة وتذهب؟ أم ماذا؟ بدء الخوف يتسلل إلى قلبي. حينها بدأت اقرأ عنها، عن أعراضها، فكان الوصف الذي قرأته شبيهاً بما لدي. كانت كورة صلبة بمقدار حبة حمص. وكنت أرى أنها لا تكبر ولا تصغر، بقيت أراقبها، ولم تتغير».

أخبرت زوجها، ذهبا إلى مستشفى المواساة في القطيف، خضعت إلى فحص «السونار»، أخبروها «ألا شيء ظاهر«، في ما كانت أجرت فحص «الماموغرام» قبل ذلك بوقت قريب. لم تمر سنة بين الفحص وبين اكتشافها الحبة. كانت تجري الفحص سنوياً.

تضيف «عندها؛ اخبرتني الطبيبة بأن أراجع جراحاً. وهنا؛ بدأ مشوار الإحساس بالعدو الذي سأواجهه. كنت حينها أكذب إحساسي، أقول: لا؛ أكيد أنا خائفة وأعطي الموضوع أكبر من حجمه. وهو شيء عادي، فلم يكن السرطان في مخيلتي مُطلقاً».

في غرفة الجراح؛ طلبوا منها أخذ خزعة، للتأكد. وفي انتظار النتيجة؛ كانت بين الرجاء والأمل. شعرت بأن زوجها «قلقاً ومتعباً، يسهر كثيراً، وكلما سألته؛ قال: لا شيء، فقط انتظار النتيجة.. هذا الانتظار دام أكثر من أسبوع. كنت أقول لنفسي أحياناً: لا يوجد شيء.. أحياناً؛ أقول: نعم، قد يكون هناك شيء ما. كنت أحاول أن أبعد تفكيري بعيداً جداً عن احتمال السرطان».

خزعة.. وعمرة

لم يخبرها زوجها أن الطبيب أخبره نتيجة الخزعة. احتفظ بها هو وأبنها أحمد، الذي سيكون علاجها في مستشفى «أرامكو السعودية» من خلاله، فهو موظف في الشركة. انتهى الاثنان من إجراءات دخولها المستشفى.

تقول «في هذا الوقت؛ تركاني أذهب لأداء العمرة قبل بدء العلاج. وبالفعل؛ ذهبت لزيارة بيت الله. وأنا بين يدي ربي؛ كنت أدعو، ولكن ليس لنفسي؛ بل لأمي فاطمة، المُتعبة من مرض ابنة أخي. فكنت أدعو: يا الله؛ أمي لا قدرة لها على تحمل مرضي، فأجعل الوقع خفيفاً عليها، يكفيها ابنة أخي»، مضيفة «هنا؛ كان زوجي يسألني: ماذا تتوقعين النتيجة؟ هل تتوقعي أن يكون فيها شيء؟ كنت أقول له: لا، إن شاء الله كل الخير».

أصعب يوم مر عليَّها

أديا العمرة، التي استمرت رحلتها يومان. وجاء الأحد 24 رجب 1440هـ، اليوم الموعود لمعرفة نتيجة الخزعة التي أخذتها «كان أصعب يوم مر عليَّ في حياتي».

تضيف «وصلنا مستشفى المواساة، وفي غرفة الانتظار؛ كنت جالسة أتخيل ماذا سأسمع من الطبيب. علا صوت الممرضة: أمينة عبدالله الفرج.. دخلت وزوجي غرفة الدكتور، جلست على الكرسي، لاحظت ارتباك الطبيب، شرود عينيه عني، وكأنه يريد أن يقول: لتسامحيني أختي، لا أريد أن أكون سبباً في ألمك بإخبارك النبأ العظيم».

أطرق الطبيب برأسه لوهلة؛ أخبرها أن «النتيجة ايجابية. أنا آسف لأنني أخبرك بإصابتك بالمرض»، وسكت. وقع الخبر عليها كان «مؤلماً»، لكنها تضيف «كنت متوقعة ومتقبلة، رغم أنه كان صعباً للغاية، طمئنني بحديثه عن المرض والعلاج. شعرت وأنا أسمع كلامه بأن هذا المرض بحاجة إلى إرادة قوية، ولكنني لا أخفي أن مجرد ذكر اسمه كان وقعه مرعباً».

طلب منها الطبيب أن تسأله إذا كان لديها ما تريد معرفته، فقالت له «كم سأكون مُغيبة، وفي عالم ثان غير هذا الذي أنا فيه؟ فقال: لا، الأمر طبيعي، ستأخذين الكيماوي وتعودين إلى منزلك، كما المغذي تماماً.. كلامه أعطاني جرعة أمل. هوّن عليّ ما بيّ، وما أفكر فيه. شعرت أن أسرتي كله تعبت، حتى قلت في نفسي: يجب أن أقوي إرادتي.. وقررت ألا أستسلم للمرض، وأخبرتهم بأنني سأقوم وأشفى من المرض. هو عدو يجب أن نقف في وجه، أنتم ساعدوني، وأنا سأساعدكم. صعب علي رؤية أبنائي، وتحديداً ابنتي، وهي تبكي خائفة، رغم أني لم أخبرهم بما يجول في نفسي. كنت فقط أخبرهم بأنني سأجري عملية، رغم أن ابنتي شعرت بما بيّ».

قالت لأبنائها «لا تحزنوا؛ ساعدوني كي نقضي عليه. إن تمكن مني؛ فلن أنجو. وأنتم سبب نجاتي بعد الله«. لكنها تقر «تعبت كثيراً في أول الأيام، سقطت متعبة منهكة من سماع الخبر، حتى أنني لم أذهب لوظيفتي حينها».

فحوص وكيماوي.. وشعر يتساقط

المكان؛ مركز «جونز هوبكنز أرامكو الطبي»، كانت أوراقها وإجراءات دخولها انتهت. فابنها عمل على ذلك، فهي تتعالج على حساب تأمينه الطبي.

يوم الاثنين بدأت الفحوصات، ليتأكدوا من وجود المرض. وهنا؛ اكتشفوا بأنه وصل إلى الغدد اللمفاوية، غدتان في نهاية الصدر عند الإبط. كانت نسبته حينما بدأت الفحص في مستشفى المواساة 1.5 سنتيمتر. ولكن بعد الفحص في قسم الأورام بـ«أرامكو»؛ وصل إلى الغدد. ولأنه بدايته وجوده في الغدد قد يؤثر على الجسم؛ خاف الطبيب من هذا الاحتمال، وقرر إجراء جراحة لاستئصال الجزء المتضرر من الصدر، وأيضاً استئصال الغدتين.

يوم 20 رمضان 1440هـ، تلقت أمينة اتصالاً من المستشفى بعد حوالى شهر من الفحوصات. بدأت في منتصف شعبان. طلبوا منها زيارة المستشفى وهي صائمة، لإجراء العملية. لم تواجه مشكلة في ذلك، فهي في شهر رمضان. تجهزت وصلت الفجر، قرأت ما تيسر لها من القرآن. وتوجهت لربها بالدعاء «راضية حامدة شاكرة». وصلت المستشفى، ادخلوها غرفة العمليات.

أربع ساعات استغرقتها عملية الاستئصال، وبعدها انتقلت إلى مرحلة النقاهة في المستشفى لمدة أسبوع. ثم عادت إلى المنزل، لتستعد لمرحلة جديدة؛ العلاج الكيماوي.

بعد شهر من عملية الاستئصال؛ خضعت أمينة للعلاج الكيماوي. كانت العائلة تتمنى ألا تخضع لهذا العلاج. ولكن أمينة كانت تشعر بأنه «لا بد أن يكتمل الاختبار بالعلاج الكيماوي».

في «اليوم الموعود»؛ تقول «ذهبنا إلى المستشفى. أخبرنا بأنه لا بد من الكيماوي، بسبب وصوله إلى الغدد، فلو كانت في الجسم خلية واحدة مُلوثة بالسرطان؛ فقد يعود المرض».

خضعت لجرعات الكيماوية اليومية، الوضع كان «صعباً». أثر عليها اعتباراً من الأسبوع الثاني، من خلال تساقط شعر حاجبيها. وتتالت بعده الشعرات المُتساقطة من رأسها وجفنيها. كانت تتقبل ما يجري لها. وتنظر له «بكل أمل». دوّنت في يومياتها حينها «اليوم؛ بدء شعري يسقط، لكنه سينمو يوماً».

من الكيماوي إلى الاشعاعي فالهرموني

تصف أمينة رحلتها «ستة أشهر علاج كيماوي، من الصباح أبنائي يذهبون إلى المدرسة، وأنا أذهب لأخذ الكيماوي، ثم الاشعاعي بعد ما انتهت مرحلة الأول. فصل بينهما شهر راحة، وأنا اليوم في مرحلة العلاج الهرموني، فالطبيب أخبرني أن سبب الورم ارتفاع نسبة الهرمونات، لذا؛ سيعمل على إنزالها. وهذا يستغرق عشر سنوات».

وهي الآن في طور التعافي؛ تشير إلى أن «الكثير تغير. ولكن مهما سيحدث الآن؛ الوضع ليس كما كان أيام العلاج الطويلة والألم والتعب. فلقد عشت في مرحلة الكيماوي أصعب الأيام، ولكنني كنت قوية».

أخذت أمينة نوعان من العلاج الكيماوي. في الأشهر الثلاثة الأولى؛ كانت تحصل كل ثلاثة أسابيع على جرعة، تقول «كان ذلك متعباً، يجلب الغثيان وآلاماً في الجسم، وتسبب في إسقاط شعري. والنوع الثاني كانت تأخذ كل أسبوع جرعة منه. وكان الشعور بالغثيان أقل. ولكنه كان يسبب لها التنميل، حتى آخر شهرين؛ كانت كلما امسكت شيئاً سقط من يديها. كانت تشعر بحال من العجز التام، لدرجة أنها تعجز عن حمل قارورة الماء البلاستيكية».

رسائل إلى كل النساء

بعد التجربة التي مرت بها أمينة الفرج؛ صار لديها رسالة، مفادها «لا بد أن تتحلى كل سيدة بالشجاعة، خاصة حينما تشعر بشيء غريب في جسمها، فنحن النساء نخاف من مواجهة المرض، وأن يخبرنا الطبيب بشيء لا نريد سماعه»، مُستدركة أن «نسبة الشفاء من المرض في المراحل الأولى منه تكون 100%، وحينما تبدأ المرأة في العلاج حينها؛ سيكون أقل صعوبة مما لو انتشر في جسمها، كما ستقل الآثار على نفسيتها».

وتخاطب كل سيدة «كوني شجاعة، ولا تنتظري – لا قدر الله – أن تصابي، ولتعلمي أن الطب تطور، والعلاج تطور أيضاً، حتى الأعراض الجانبية أصبحت مختلفة. سابقاً مريض السرطان لا يخرج من المستشفى. الآن أختلف الوضع؛ ستكونين بين أهلك. فأنا لم أتوقع أن تأتيني أيام وأنا أخذ العلاج الكيماوي، وأكون طبيعية لدرجة أني أذهب إلى المدينة المنورة، كلما سنحت لي الفرصة. فقد كانت زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ملاذي».

عبارات على صور

عاشت أمينة أياماً تصفها بـ«العصيبة جداً»، مُستدركة «كان الله معيّ، فقبل أن اتوجه إلى مدينة رسول الله؛ كنت اختار اليوم المناسب، حتى لو كانت زيارتي ليومين؛ كنت أعرف نفسي بأن الأيام الثلاثة الأولى بعد الكيماوي صعبة، ولكنها تخف لاحقاً. والأيام التي تسبق الجرعة الأخيرة أكون فيها طبيعية».

أشارت إلى أن الكيماوي «لا يرحم، وهو ابتلاء. ولكن إذا حاولنا محاربة السرطان؛ فإنه سيزول بإذن الله. لم أكن أجلس بمفردي؛ فالشعور بالمرض مؤلم. حاولت أن أحارب الشعور بأنني لا أعطي ما يحدث لي أي أهمية، وإنما كنت أصنع لنفسي جواً آخر. أول جرعة كيماوي كانت في شوال، حينما عدنا إلى المنزل من زيارة الطبيب، وعرف الأولاد بجدول الجرعات الخاص بي؛ تضايقوا كثيراً، فقلت لهم: لا مجال للحزن، أنا سأخضع لعلاج كيماوي، وعلينا أن نتقبل ذلك، وطلبت من زوجي أن نستأجر شقة في البحرين للنقاهة قبل البدء في العلاج».

أصعب الأيام التي مرت عليها كانت «أن يأتي محرم ولا استطيع الخروج لحضور مجالس العزاء». أوه؛ لم نخبركم أن أمينة خطيبة حسينية، تضاعفت آلامها وزاد حزنها لأنها «خذلت سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء سلام الله عليها، حين لم أكن في مجالس عزاء ابنها الحسين عليه السلام» كما جاء في عبارة دوّنتها على يومياتها.

تملك أمينة الفرج اليوم ألبوم يحوي صوراً لكل مرحلة من مراحل العلاج الكيماوي. دوّنت عليها عبارات «إيجابية» منذ اليوم الأول حتى آخر يوم، حتى مع سقوط شعرها، حتى أوقات الجرعات. لم تستلم.

«رغم أنف الكيماوي لازلت جميلة» من العبارات الموجودة على إحدى الصور، تستوقف من يتصفح الألبوم؛ فلقد كانت تملك «أجمل حواجب». وثقت ملامحها في كل يوم، ومع الجرعة الأخيرة؛ دونت «اللهم لك الحمد والشكر». وبعد شهر ونصف الشهر من الكيماوي؛ بدء يعود لها كل شيء.

على صور أخرى؛ وجدت عبارات أخرى، من قبيل «آخر خصلة من شعري»، «سأنتصر بالصبر والرضا». ثمت عبارة لم تكتبها أمينة، دوّنها أولادها، لعلها تلخص كل الحكاية «انتصرت أمنا».

اقرأ أيضاً:

مريم السيهاتي.. سرق السرطان منها 15 غدة.. وانتصرت عليه

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×