عدنان العوامي يكشف أسماء عبدالغني الشماسي “المستعارة” في صحافة الستينيات أديب غطى ذهبُه أدبَه وحمل هموم المجتمع والوطن العربي

عبد الغني الشماسي..

أديب غطى ذهبُه أدبَه

عدنان السيد محمد العوامي

 أبا محمد، أتعذرني على قصوري وتقصيري؛ إذ لم أمش في جنازتك؟ إن عذرتني فالعفو خيمُك، و السماح سجيتك، وإن عتبت فهذا حق لك لا غضاضة فيه، فما بيننا من العلائق لا يكفي معه العقاب على القصور والتقصير، فضلاً عن اللوم والعتاب، أما أنا فلا ذريعة لي في التخلف سوى التعلل بعدم العلم بوفاتك إلا في اليوم التالي لها.

أوجعني نبأ رحيلك المفاجئ وجعين؛ وجع فراقك الممض، ووجع الجهل بك حتى من ذوي قرابتك. عبارة الخبر المنشور في صُبرة قالت: (كان يعمل 16 ساعة يوميًّا، يبدأ من 5 صباحًا وحتى  9 مساءً، بلا كلل ولا ملل. قدرته على القيام بعمل المقاولات جعلت منه مقاولاً مع شركة كويتية في ميناء سعود، فاستمر عمله بين الميناء والقطيف، لكن تركيزه كان على مسقط رأسه. “لم يكن متعلِّمًا”، لكنه كان مثقَّفًا، يبدع في الحديث والنقاش، وفهم الأشياء وتقريبها للأذهان، يمتلك مكتبة في منزله غنية بالكتب المختلفة الثقافات).

 ألله! أهذا كل شيء عن عبد الغني؟

بقية ما في “صُبرةَ” مشاعرُ وذكرياتٌ سطرها أهلٌ ومحبُّون من أصدقاءَ خلَّص، جادوا بما يعرفون من كرمه وسخائه، ونشاطه، وجُلُّها انصبَّ على الجانب المادي البحت، ونجاحه فيه، جانب آخر هو أنه (لم يكن متعلمًا)، وهو جانب لا يعيب، بل على العكس هو مشرفٌ لو كان حقيقة، فكم من الأميين غير المتعلمين فاقوا – كثيرًا – متعلمين كبارًا في ذكائهم، وفطنتهم، ووفائهم، ونفعهم لمجتمعهم. أقول ذلك شرفٌ لو كان صحيحًا، لكن نعته بغير المتعلم منافٍ للواقع، فهو ليس متعلِّمًا وحسب، بل كاتبٌ مجلٍّ أتى في مقدم النخبة الطليعية، ومن أبرز كتابها وأجهرهم صوتًا في سبعينيات وثمانينيات القرن الهجري، ستينيات القرن الميلادي الماضيين([1]).

هموم الوطن العريي

وكتاباته لم تقتصر على المطالب المحلية كما غيره من بعض كتاب تلك الحقبة المخلصين، بل إنه تجاوز همَّ البلد إلى همِّ الوطن العربي الفسيح، وقلمه الجريء كان مصلتًا على المستعمر، فمن جريدة واحدة هي (اليمامة) تحفظ له أدراجي سبعَ مقالات، واحدة منها عن الجزائر بعنوان: (ستستقلُّ الجزائر ولو كره المستعمرون. عبد الغني الشماسي – المنطقة المحايدة)([2])، وفيها كتب يقول: (قبل بضعة أيام بدأت الأمم المتحدة مناقشة قضية الجزائر تلك القضية التي سبب اشتعالها طمع الاستعمار في التحكم والاستقلال. ولا شك أن هذه القضية تعتبر أهم قضايا الساعة بالنسبة للبلاد العربية أولًا، والبلدان المتحررة والطامحة إلى الحرية ثانيًا، حيث أن تحرر الجزائر يساعد على تحرير البلدان المستعمرة.. وخاصة البلدان الأفريقية وبطبيعة الحال هذا يغضب المستعمر فتراه يهدد ويتوعد ونحن العرب نعرف النتيجة مقدمًا، نعرف أن المستعمر سيغضب.. ونعرف أنه سيثور ولكن كل هذا لن يرهبنا وقد آلينا على أنفسنا أن نرى الاستقلال يعمُّ بلداننا والعالم أجمع.وليس أدلَّ على هذا من موقفنا نحن أبناء هذا الجزء من الوطن العربي في الأمم المتحدة، لقد كان موقفنا واضحًا صريحًا من هذه القضية؛ أي قضية الجزائر وكل قضايا الحرية والاستقلال.. لقد وصلت مشاعرنا إلى هيئة الأمم معبرة أحسن تعبير عما نحسُّ به تجاه إخوان لنا يصارعون الاستعمار بشتى وسائله وأشكاله.. إن مواقفنا هذه ما هي سوى واجب علينا نؤديه؛ كي نسهم في تحرير تلك الأرض المناضلة، ومما لا شك فيه أن هذه المواقف المشرّفة من جميع الدول العربية والقوى المتحررة في العالم باتت تهز مضاجع الاستعمار.. حتى أن الاستعمار أدرك بأن هذه القوى الفعالة أصبحت تهدده بالخسران؛ لأنها تقول له: أخرج من أرض البطولات، أخرج من الأرض العربية الطاهرة، واتركها لأهلها أبناءِ العروبة، أبناء الجزائر..تلك كانت أحاسيسنا في هيئة الأمم كما كانت خارج هيئة الأمم.. وكان يعبّر عن مشاعرنا هنا في هيئة الأمم السيد أحمد الشقيري ممثلُنا هناك.

نعم لقد أحسن تمثيل ونقل كل ما نحس به من مشاعر إلى العالم أجمع تجاه هذه القضية وغيرها من قضايا الحرية.. لقد كشف القناع عن المستعمرين الذين يحاولون عبثًا السيطرة على البلدان الضعيفة بقوة سلاحهم من أجل إرغام هذه البلدان على الاستسلام إلى أطماعهم الرخيصة، وهذا ما كنا نريد أن يحدث حتى نستطيع أن نرضيَ الله ثم نرضي ضميرنا ونقول: لقد قمنا بشي من الواجب لهؤلاء الإخوان، وقد تحدث السيد الشقيري كثيرًا وقد ذُهل المستعمرون عندما قال ممثلنا: «إن قضية الجزائر أصبحت قضيةً عالمية، وسوف تُناقش على أساس أنها مشكلة عالمية، وليست مشكلة داخلية، كما تزعم فرنسا، ويجب أن تستمر المناقشة بغض النظر عمن يتخلف عن الحضور»، وقد أدركت فرنسا أن هذا الموقف يعني أنه يحق لشعوب العالم أجمع أن يعبروا عن آرائهم في هذه القضية من أجل إيجاد حلٍّ يرضي أهلَها.. وبطبيعة الحال إن الحل الذي يرضي أهلها هو الاستقلال. لقد حاولت فرنسا – وما زالت تحاول – أن تشوّه حقيقة القضية الجزائرية، محاولة إقناع العالم بأن ينسى التاريخ، وينسى القِيم الإنسانية، ويقول بأن الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا.. ما هذه المغالطة يا دولة الغدر؟ ما هذه المغالطة أيها الغاصبون؟ هل نسيتم وجود البحر الأبيض المتوسط؟ هل استطعتم تمزيق جميع كتب التاريخ؟ أم كل هذا من أجل أن لا تروا بأنفسكم انهيار العظمة الفرنسية المزعومة؟

وقبل أن اختتم هذا المقال الموجز استصرخ شعوب العالم بأن تتطلع وترجع إلى تاريخ الجزائر.. ثم تعطي رأيها في قضيتنا العادلة، قضية الجزائر.. عاشت الجزائر.. وعاشت الحرية.. وعاش الاستقلال وليسقط المستعمرون).

عن البطالة

وفي اليمامة ذاتِها، على صفحتها الأولى، نُشر له مقالٌ طويلٌ حول أحد أدواء البلد آنذاك، وهو البطالة عنوانه: (ظاهرة خطيرة تحتاج إلى علاج)([3]) لخَّصته الجريدة، لكنه بقي طويلاً. ويعلم المشتغلون بالصحافة ماذا يعني المقال في الصفحة الأولى من الصحيفة. وفي الهمِّ الوطني المحلي، تنشر اليمامة، رابع مقالاته: (ما هذا يا بلدية القطيف؟)([4]).

هذا البروز الجلي كان قد مهد له في أول مقال نشر له في اليمامة اختبأ فيه وراء معطف الجدلي الشهير قوي المراس؛ (علي بن منصور القطري)، ربما أعجبه عناده، ومعارضته لأهل سوق السكة كلهم، وأهل سوق شمال مصرًّا على شدة البرد في الأسد، وقسوة الحر في برج الجدي.

وبعد الظهور باسمه الصريح في أعداد ثلاثة تالية؛ عاد إلى التخفي وراء حائطٍ من حيطان (فريق السدرة)، أحد “فرقان” مدينة القلعة، حيث نشأ وترعرع، ابتدع منه اسمه المستعار (عبد الله السدراوي)، فكتب في زاوية (في شؤون العمال) ثلاث مقالات حملت العنوان: (أضواء على المنطقة المحايدة)([5]). وتخفيه خلف جدران ذلك “الفريق”، لم يكن عن جبن بكل تأكيد، وإنما هي (تقليعة ذلك العصر) وكذا الوفاء المقرون بالفخر والاعتزاز بذلك الحي العريق وناسه الطيبين، إن من عاش غيابة يوسف بن يعقوب وارتحل في سيارته، لا يمكن أن يتهيب من مقال.

أراني شطحت بعيدًا، فلم أضف إلى ما ذكره مؤبنوه، ولو نزرًا يسيرًا مما أعرف من سخائه، ومنه خفضه كلفة بناء الروضة النموذجية التي شيدتها اللجنة الأهلية بمركز الخدمة الاجتماعية في حي البحر، وبناؤه الدور الثاني فيها بسعر التكلفة، وهو دور شهد حركة ثقافية في المنطقة ردحًا من الزمن منها إقامة معرض الكتاب، ولم يكن لها عهد بمثل هذا النشاط، كذلك دوره في احتضان (شركة الريادة الطبية) غير الربحية بتوفير مكتب لها بجانب مكتب في عمارته بحي المدارس.

تغمد الله أبا محمد بواسع رحمته وغفرانه، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم ذويه الصبر والسلوان، جزاء ما قدم لوطنه وأمته.

————

([1])افي تلك الحقبة كان مسرح كتاب القطيف صحيفة اليمامة لصاحبها الشيخ حمد الجاسر، وأخبار الظهران، وهذه صدرت في فترتين الأولى رئس تحريرها الشيخ عبد الله الملحوق، ثم الشيخ عبد الكريم الجهيمان، والفترة الثانية تولى إصدارها عبد العزيز العيسى، وكذلك  والخليج العربي للأستاذ عبد الله أحمد الشباط، والقصيم وصاحب امتيازها عبداللّه العلي الصانع.

([2])العدد 255 في 14/7/1380هـ. ص: 4.

([3])العدد 257 في 28/7/1380هـ. ص: 1.

([4])العدد 266 في 29/9/1380هـ. ص: 3.

([5])الأعداد: 278 في 5/1/1381هـ. ص: 5، و279، 12/1/1381هـ، ص: 8. و282، 3/2/1381هـ ص: 5.

اقرأ أيضاً

عبدالغني الشماسي من بيع “النامليت” في قلعة القطيف إلى بناء ميناء بالكويت

تعليق واحد

  1. مقال رائع يبرز فيه دور الأستاذ عبد الغني الشماسي الإيجابي في مجتمعه ومحيطه الأوسع
    فقط أردت أن ألفت نظر سيدنا الكريم إلى أن استخدامه لاسمه المستعار “علي بن منصور القطري” قد يكون اختباءا وراء اسم جده لأمه الذي صادف أن يحمل نفس اسم الرجل الطيب علي بن منصور القطري المعروف بجدليات السلوكية في سكة القطيف القديمة. رحمهم الله جميعا ورحم فقيدنا أبو محمد وجميع موتى المسلمين.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×