[ميناء القطيف 35] عن الصيد وأدواته ومواسمه

[من أوراقي 35]

(1)

ميناء القطيف

مسيرة شعر وتاريخ

عدنان السيد محمد العوامي

بقية حديث السمك

لم يبق في الذاكرة من حكايات السمك العابر من هذا الميناء سوى صنفين؛ أحدهما مر ذكر الكبير منه، وهو الشحدود، فهذا – إذا كبر – يسمونه الشعري، والآخر العومى، وهو الجواف الطري، والفضل في رجوعي إليه يعود للأخ المهندس الأستاذ زكي ابن الحاج عباس الخنيزي (أبي سلام)، فقد غَفِلت عن التفصيل فيه عند ذكره في الحلقة الماضية، مع أنني أستطيع أن أزعم معرفتي به معرفة يحسن السكوت عليها.

العومى: هو سمك الجواف المجفف، كما مرَّ. هذه تسمية أهل القطيف له، وفي الفصحى (العُوْمَة) بتاء مربوطة بدل المقصورة، قال ابن منظور:

العُومَةُ: ضرب من الحيَّات بعُمان؛ قال أُمية:

المُسْبِح الخُشْبُ فوقَ الماء سَخَّرَها

في اليَمِّ جَرْيَتُها كأَنَّها عُوَمُ

والعوم هنا بمعنى عائم، وغير القطيفيين يسمونه: عُوم

وعند المعلم البستاني: (دويبة تسبح في الماء كأنها فُصٌّ أسود مدملكة([1]))، والعومى الذي رأيناه يرد من عمان هو الجواف المجفف، وكان يستخدم علفًا للأبقار، وسمادًا لشجيرات الخضرة الموسمية، كالبطيخ، والجح،(الحبحب)، الباميا، والطماطم والبادنجان، والفلفل وما إليها، وطريقة تقديمه للأبقار أن يطبخ مع صنف من الحشائش يسمى (الفرفخ)، إضافة إلى فضلات المائدة (الكسَّة: عظام السمك، وحسكه، والطعام: نوى التمر والرطب)، إذ كانت ظروف معيشتهم تقتضي عدم التبذير في أي شيء يستفاد منه، حتى فضلات الطعام يجمعونها في (جُراب)، يخصصونه لهذا الغرض. وكانت للعومى سوق خاصة كبيرة، موقعها في الركن الشرقي الجنوبي من بلدة ميَّاس، وقد تضاءل عددُ حوانيتها بالتدريج حتى لم يبق منها سوى (12) دُكَّانًا، وفي عام 1373هـ قامت البلدية ببناء (12) دُكَّانًا إلى الشرق من سوق السمك (حاليًّا سوق السمك بالجملة)، نقلت إليها من تبقَّى من بائعي (العومى)([2]).

صيد السمك؛ آلاته وكفيته

توطئة

طعنَ غلامٍ لم يجئك بالسمك

ولم يُعلَّل بخياشيم عَنك

شاعر من العهد القرمطي

لاحظت أنَّ لدينا – نحن المتعصبين لتفوِّق النسب – حتى لا أعمَّ البشر كافة – سمةً أو خليقةً لم أتبين كنهها؛ إن كانت غريزةً أم كسبًا، فأنا لست من هواة قراءة كتب العلوم، وبالخصوص كتب علم النفس؛ تلك الخليقة هي ازدراء كلِّ ما هو نافع مفيد في هذه الحياة، وكلما ازدادت الحاجة لشيء ما اشتد احتقارنا له، وزهدُنا فيه، فنحتقر – مثلاً – مهنة الفلاحة ومن يمتهنها، ومثلَها عاملَ النظافة، بل حتى الشيء الذي تتوقف عليه حياتنا مثل السقاء (الروَّاي)، والفلاح (النخلاوي)، والكنَّاس (عامل النظافة) ولأنني مولع بالاستلاف من (خريطتي)؛ فرارًا من الاستدانة من غيري فسأعيد ما قلته في أولى صفحات كتابي: (عيون القطيف؛ الفردوس الموؤود): >لم يستهن الإنسان المعاصر بعنصر من عناصر الحياة كاستهانته بالماء والهواء، وهما العنصران الأساسيان لحياته، ولا أدلَّ على هذه الاستهانة من تضحيته بهما؛ وصولا إلى المال<. ولكنني تبيَّنت، لاحقًا، أننا نحتقر المالَ ووسائل كسبه أيضًا، وفي البيت المصدر به هذه المقالة برهان احتقار السمك، فهذا الراجز المغوار الذي صدرنا برجزه هذه المقالة، لم يجد أحقر من السمك يشمخ عليه فقال:

طعنَ غلام لم يجئك بالسمك

ولم يُعلل بخياشيم عنك

ازدراء ليس للسمك وحسب، بل ولمدينة وسكانها (عنك كانت مدينة في زمن القرامطة)[3]، وهم المتفضلون عليه بقُوته، وقوت عياله. هذا الازدراء للسمك والسمَّاكين استمر إلى عصرنا الراهن، فالبحارة المشتغلين بصيد السمك يسمونهم (ﭼـلاب السيف)، كذا كلاب الساحل! أسمعت بألأمَ من هذا نكرانًا للفضل، وجحودًا للمعروف؟   

تمهيد

كلمة لا بد منها مدخلا لما سيقابلنا من اختلاف بيِّن في كثير من التسميات عند أهل الحرفة وهم الصياودن، وبين معاجم اللغة، والذي أراه أنَّ أهل الحرفة هم الأصدق في إعطاء ما يحتاجون إليه من التعريفات الملائمة لهم وله، وليرجمني المتحجِّرون بما يملكون من أحجار، فرأيي، في نقص معاجم اللغة، معروف منذ أعلنته في صُبْرة بتاريخ: 30 ذي الحجة 1439هـ، 20 سبتمبر 2018م([4])، ولم أكن أعلم أن الصديق النبيل الأستاذ محمد عبد الرزاق القشمعي، قد سبقني إليه بكتابه: (أخطاء وقصور بعض القواميس والمعاجم)، فلا منافاة في أنَّ المعاجم أنتجتها جهود فردية، وهذه بذاتها تكفي سبيلا إلى النقصان والنسيان، إلا عند عبدة التراث ومقدسي القديم بحسبانه قديمًا، وهؤلاء ليس لنا معهم كلام، وإنما كلامنا مع المؤمنين بأنَّ اللغةَ كائنٌ حيٌّ تنمو وتتطور وتموت، كما الناطق بها تمامًا.

نشر السيد علي ابن السيد باقر العوامي (رحمه الله) في مجلة الواحة([5]) مقالاً بعنوان: (المنطقة قبل النفط)، ثم ضُمِّن كتابَهُ (جهاد قلم)([6])، وإذ لم يستوف السيد آلاتِ صيد السمك وأدواته، وسائله وأساليبه؛ وعَدتُ بأن أتمِّم ما فاته ذكره حين تسنح المناسبة، وها قد واتت المناسبة، فلنشرع في إتمام ما بدأه؛ متوكلين على الله.

القرقور

القرقور في اللغة: السفينة الطويلة، أو العظيمة، والجمع قراقير. (محيط المحيط)، وفي القطيف: شباك كروي ضخم، بأضلاع من الجريد تقوم مقام القاعدة التي يقوم عليها. له ثلاث فتحات؛ اثنتان منه على جانبيه تشبهان القمع، مدخلهما واسع يضيق تدريجيًّا باتجاه الداخل؛ فلا يستطيع السمك الخروج منه، والفتحة الثالثة ذات غطاء في أعلاه لتفريغ الصيد. وكان في ما مضى يصنع من شرائح العَسَق، جمع عَسَقَة: ساق العذق (العرجون)، ثم استبدل في الوقت الراهن بأسلاك الحديد المجلفن. ينزَّل القرقور في الغبِّ وهو الخور العميق، ويثبت في القاع، ويربط به حبل طويل في طرفه الآخر ﭼـيبال (مجموعة من الكرب)، تطفو على سطح الماء كي يعرف مكانه، ويوضع بداخله الطعم (أسماك صغيرة حية أو ميتة، أو عومى، أو حشائش تثبت بربطها في قاعدته).

 

الدغى

ادْغى، بصيغة المجهول، أو لِدْغى، فهم يقيمون اللام المكسورة أداةً للتعريف مقام الدُّغى، بالألف واللام. وفي لسان العرب: (دغا دُغَةُ: اسم رجل كان أَحْمَقَ. ودُغَةُ: اسم امرأَة من عِجْلٍ تُحَمَّقُ، وحكي عن إسحق بن إبراهيم الموصلي أَنها دُويْبَّة. يقال: فلان أَحْمَقُ من دُغَة، ولها قِصَّة قال: وأَصلها دُغَوٌ أَو دُغَيٌ والهاء عوض).

من خلال عرض الكيفية التي يتم بها صيد “الدغى” سنعلم أن السبب الموجب لعرضها على معاجم اللغة هو غباء السمك وحمقه.

يستعمل في صيد السمك بطريقة (الدُّغى) حبل متين طويل ملفوف في سطح السفينة تسمون (لخراب أو الخراب)، وغزل كبير (شِبَاك)، عبارة عن جناحين وسطهما كيس من نسيج الشباك نفسه، وفي أسفله حبل بطوله، مثبت في طرفه السفلي قطع حديد تثقل الحبل كي لا يرتفع عن الأرض فيخرج منه السمك، وفي أعلاه حبل بامتداده مثبت فيه ﭼـيابيل (عوامات) صغيرة (كرب النخيل) لإبقائه مرتفعًا في الماء. يربط كل جانب من الغزل في عمود خشبي يسمونه (مِعْناف)، ينصب الشباك على مقربة من السفينة، ويمسك بكل معناف رجل، بعد نصب الشباك، يربط طرف من الحبل بأسفل أحد المِعنافين، ويدوس عليه الرجل زيادة في تثبيته، وتتحرك السفينة مبتعدة عن الشباك آخذة هيئة الدائرة، والبحارة يلقون الحبل منها حتى تكمل دائرتها عائدةً إلى حيث كانت عند الشباك، ثم يبدأ الرجال في جر الحبل، فتضيق الدائرة شيئًا فشيئًا، حتى يلاصق الحبل الشباك، فيدخل فيه كل ما دار عليه الحبل من السمك. الغريب أن بعض السمك يتذاكى فيتفلت من الحبل، ولكن ليس من فوقه، وإنما يدس نفسه في الرمل فيتخطاه الحبل. فتبارك  {رَبُّنا اْلَّذِيٓ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءِ خَلْقَهُ, ثُمَّ هَدَىٰ}([7]).

الجاروف:

أيسر بكثير من الطريقة السابقة، ويستخدم فيه الشباك نفسه، ولكن بدون الحبل، وإن استخدموا السفينة؛ فلمجرد الوصول إلى مكان الصيد. ينزل الشباك من السفينة ويأخذه الرجال إلى حيث يريدون، وينصبونه بالطريقة السابقة، ثم يجرُّونه نحو السفينة، فإذا انتهوا عندها أقفلوه، ورفعوه إلى سطحها، وأفرغوه، وإذا استعمل الجاروف عند الشاطئ فلا حاجة إلى السفينة، وإنما يكون غايته اليابسة.

لِسكار (السكار)

ينصب الشباك في مكان يختارونه عند خط ينتهي عنده الجزر، ويفرشونه على الأرض، ويضعون حجارة بامتداد أطرافه من أجل تثقيله، وينتظرون حتى يحدث المد، ويأتي معه السمك، ويتجاوز الشباك منتشرًا أمام الساحل، فإذا اكتمل الجزر، وانكشفت الأرض نزلوا ولموا المحصول الذي احتجزه الشباك.

المنصب

شباك يتكون من قطعة أو أكثر ينصب في وسط الماء، ويعلق به السمك.

المسكر

بكسر الأول وفتح الثالث، وسكون الثاني، والجمع مساكر: جدران مؤلفة من حجارة مصفوفة فوق بعضها، يبورها (يتفقدها) مالكها من أجل جني المحصول.   

الحذوق: الحذاق

يستعمل فيه الخيط والمجدار (الشص)، والطعم، والبِلْد (قطعة حديد للتثقيل)، (تستخدم الآن السنارة)، ولا يستخدم البلد في صيد بعض أنواع السمك كالربيب والحمام وما شابه من الأنواع المسماة (خضرة) التي تعوم طافية على سطح الماء، وإنما يستعمل -عوضًا عنه – لوح عريض من أجل إبقاء الشص طافيًا يستعمل له البلد، ويمارس على الساحل أو بالسفينة، أما الكنعد فيحذق أثناء سير السفينة.

الكنبار (القنبار)

يستعمل فيه جهاز يسمى (الصاخوب)، وهو قفص مربع الشكل من الجريد، له فتحتان السفلى واسعة والعليا ضيقة، ويحمل الصياد مشعلاً من خوص النخل، أو سراجًا يضاء بالكاز، أما الآن فيستعمل المشعل الكهربائي، يمارس عند السواحل ليلاً عند الجزر.

السالية

  شباك دائري مثقل بالبلود (قطع الحديد)، وله حبل في وسطه، يقسمه الصياد إلى ثلاثة أقسام، قسمان يضعهما على كتفيه، والقسم الثالث في يده، ويقذف بها جميعًا في البحر، وينتظر حتى تستقر في القاع، فيشرع في جذب الحبل فتنغلق على ما وقعت عليه من السمك.

 المشخال

 المشخال: هو المصفاة التي يصفَّى بها الرز أثناء الطبخ، يغطي الصياد فتحتها بقطعة قماش، يشدها بخيط قوي أو حبل، ويضع بداخل المشخال طعمًا إمَّا طحين أو عجين، ويضعه في الماء، وينتظر فترة ثم يرفعه ويفرغ ما فيه من محصول، وهذه خاصة بصيد الميد.

القصبة

قصبة مفرغة، تعمل بها ثقوب وتترك مثبتة في الماء، فتدخل السمكة رأسها بحثًا عن الطعم فتعلق بها، وتستخرج بعد الجزر.

الحضرة

 الحضرة، كذا ينطقها أهل القطيف، بالضاد أخت الصاد، وفي اللغة بالظاء المعجمة المشالة أخت الطاء، كأنهم استقوا اسمها من الحظْر، وهو المنع. كتب عنها السيد علي ابن السيد باقر العوامي، فقال:  (. . . كانت هناك طريقة لصيد الأسماك اختفت الآن، ولم يعد لها وجود، هي ما يسمى بـ (الحضور)؛ جمع حَضْرة، وهي مصائد تقام من جريد النخل في مواقع معروفة في البحر، وطريقتها أن يغرس الجريد على شكل جدار ممتد طويل، ويربط الجريد بحبال حتى يظلَّ متماسكًا، ويصمد أمام الأمواج، وهبوب الرياح، وفي نهايته يعمل سياج دائري على شكل “برج” له مدخل ضيق، ثم يعمل جدار آخر مرتبط بمدخل البرج الدائري، فإذا ما جاء المدُّ يجيء معه السمك والروبيان، ويدخل في البرج، وعند الجزر يجيء الصياد بشبكته، ويدخل في هذا البرج ويصطاد ما هناك من سمك وروبيان.

وللحضور مواقعُ محدَّدة يعرفها الخبراء، إذ ليس كلُّ مكان يصلح لبناء الحضرة، بل إن موقع الحضرة إذا أخطأ العمال في موقع تركيز الجريد، ومالوا بها عن موقعها، الذي يجب أن يكون فيه، تختلُّ الحضرة، ولا تصيد شيئًا، أو يصبح صيدُها قليلاً، وإذا ما لاحظ أصحابُها ذلك أرسلوا من الخبراء من يقوم بتعديل البناء، وأحيانًا تتسبب الرياح القوية في قلع الجريد وتخريبه، مما يضطر أصحاب الحضرة للقيام بإعادة البناء أو إصلاحه. وكان ساحل رأس تنورة من أهم المواقع التي تبنى فيها الحضور، وفيه موقع الحضرة الشهيرة بكثرة صيدها، وهي المعروفة بحضرة (أم رحيم)، وكانت تصيد، يوميًّا، عشرات الأمنان (المن يساوي 16 كيلو غرامًا). وكانت الحضور ملكًا لأفراد، وكانوا يؤجرونها في الموسم على أناس مقابل قيامهم بأخذ ما فيها من صيد. ولما قامت شركة الزيت بمدِّ خط الأنابيب من مواقع آبار الزيت إلى مصفاة رأس تنورة تعرَّضت الحضور التي هناك للخراب، وقلة الصيد، ومنها حضرة (أم رحيم)، وقد قامت دعاوى بين مالكي تلك الحضور وبين شركة الزيت، واضطرت الشركة إلى دفع تعويضات لمالكي تلك الحضور، لكن هذه الحضور لم يعد لها وجود الآن)

([8]).

ملاحظاتي على ما كتبه السيد:

  الحضرة، صوابها: الحظرة، بالظاء المعجمة المشالة، كما مر، وهي موجودة إلى الآن، وإنما ستبدلت بالقضبان والأسلاك المجلفنة بد الجريد، والروبيان، في الفصيحة: الإربيان، (انظر تاج العروس)، وفي القطيف يسمى الربيان، وأما الذي سماه السيد (البرج)، فاسمه الصحيح: (السرُّ)، وهو سياج دائري يبدأ منه سياجا الحضرة، ثم يمتد السياجان منفرجين باتجاه الساحل، قريبًا من شكل مثلث يشبه حرف (لا)، قاعدته السر المذكور عند خط لا يجزر عنه الماء، وضلعه الثالث مفتوح لاستقبال الصيد وحجزه عند عودته من الساحل مع جزْر الماء. وحين يبورها (يتفقدها) مالكها أو مستأجرها، يأخذ ما يجد فيها من محصول، ويترك ما لا يرغبه فيها، يرتادها المتجني، وهو غير المالك والمستأجر، وإنما مسترزق يمتار من بواقي الحظور، ولذلك يقول في المثل: (المتجنِّي، أي المجتَني، أربح من راعي الحضرة).  

وكانت هذه الحظور تملأ الساحل الممتد من سيهات جنوبًا إلى رأس تنورة وشعاب شمالاً.

الربيان: الإربيان

يستعمل في صيد الربيان وقد مر ذكرها، والشبك أيضًا، ولكنه يختلف عن الغزل (شباك السمك)، فهو عبارة عن كيس اسطواني، مختوم كالخريطة، بفتحة مولج فيها خيط قُنَّب (سوتلي)، أو خيط قطني (حدوگ) سميك، ويقوم بعملية الصيد اثنان يمسكان بفوهة الكيس مفتوحةً، ويسبحان به سبْحًا إن كان البحر عميقًا، أو مشيًا إن كان البحر ضحلاً، وأيديهما منفرجتان بالكيس نحو الأعلى والأسفل. الربيان يسبح باتجاه واحد، ولذلك لا يحاول الخروج من الكيس كالسمك.

ثانيًا: الطين

الطين: الإكسير المجهول

 إني لأعجب ممن لا يؤرِّقُه

  نوح النوائح بين الصبح والسَّحَر

يا من يغلِّظ للبنيان طينَته

أغسل يديك فقد نوديت للسفر

خل الديار، وخل الطين يعمره

من سوف يتركه للريح والمطر

إبراهيم الحضرمي

وآدَمُ بيْن الطِّينِ والماءِ كَان قَدْ

 أُقِيمَ نَبِيًّا جَلَّ فِي الفَضْلِ عَنْ نِدِّ

ابن الحاج النميري

عَرفوا لروح الله فيهم فضلَ ما

قد أثَّرتْ من صالح الآثارِ

فتنزَّهوا وتعظّموا وتكرموا

عن لؤم طبع الطين والأحجارِ

ابن الرومي

وإنّما أنتَ فَخّارٌ تكسَّرَ لاَ

 يُرجى لنفعٍ ولا يُعتَدُّ في الطِّينِ

أسامة الشيزري

قَد فَضَحتَ الطينَ والماءَ معاً

 يا سَليلَ الطينِ والماءِ المَهين

إسماعيل صبري

نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طيـ

ـنٌ حَقيرٌ فَصالَ تَيها وَعَربَد

وَكَسى الخَزُّ جِسمَهُ فَتَباهى

وَحَوى المالَ كيسُهُ فَتَمَرَّد

إيليا أبو ماضي

تأتي أهمية الطين، من أنه مادة بيئية طبيعة، وكانت تشكل المادة الأساس لبناء المساكن، وقد عاشت القطيف حِقبًا طوالا الله أعلم ببدايتها، معتمدةً على الطين اعتمادًا أساسيًّا في شتى مناحي الحياة، فمنه منازلها، وأوانيها، وبرم طبخها، وتنانير خبزها، إلى كثر لا يحصى من هذه وغيرها، وينقسم الطين المتوافر في القطيف إلى قسمين رئيسيين، بحري مستخرج من البحر، وهو ما سنعرضه في هذه الفقرة، وبرِّي، سيأتي القول فيه تاليًا.

يقتلع الطين البحري من أماكن قلعه، وتسمى (المقلع)، وينقل إلى البر؛ إما مشحونًا في السفن أو محمولا على ظهور الحمير، وله فرق متخصصة تتعيش من قلعه، وأخرى تستفيد من أجور نقله، وثالثة من حرقه ودقِّه وتحويله إلى جص، ثم تترك المنفعة منه إلى عديد من فئات المجتمع، البنَّاء، ومعاونه والشاﮔـردية، (عمال البناء العاديين)، ثم التاجر، هؤلاء كلهم يعتمدون في معاشهم على هذه المادة المحتقرة، كما مر بك من شعر، بعض مزدرٍ وبعضه هازئ، أو ناظر له نظرة شؤم.

ينقل الطين – بعد قلعه من البحر – إلى مكان نشره، فيفتت ثم ينشر ويترك في الشمس، وبعد أن يجف تمامًا يوضع في الصار، والصار تنور مربع مؤلف من الجِزم، والجزم القطع، فهو قطع من جذوع النخلة، يملأ بقطع الطين المجفف مكوم على هيئة الهرم، ويوقد عليه بالسجِّين، وهي أيضًا شرائح طولية مأخوذة من جذع النخلة، وبعد أن يتم حرقه، يترك حتى يبرد، ويفرز إلى فئتين، الجزء الأكبر منه، ويسمى الخكري، هذا يدق منفصلا عن الجص المستخرج من قلب الصار، ويسمى “العربي”، يستخدم الخكري في عامة البناء كالجدران والأساسات، والسقوف، وما إليها، ويستخدم العربي في النقوش والزخارف، والأقواس، وفي غير القطيف يبنا به مخلوطًا بالتبن.

ثالثًا الطين البري وينقسم إلى فئتين: أخضر ويسمى الطين الخويلدي، مع أنه لا يستخرج من الخويلدية وحدها، بل يوجد في الجارودية والقديح، وربما غيرهما.

يصنع من الأخضر الأواني الفخارية، البرم، جمع برمة، تستخدم في الطبخ وغيره، وآنية ماء الشرب: الشربات، جمع شربة، والتُّنْـﮓ أو البربوگ (الكوز)، والجرار، والمفرد جرة، والحب، والجحلة، والقدح، وهذه كلها تستعمل لماء الشرب. والمنخضة (الممخضة)، تستعمل لمخض اللبن. والإبريق، والكراز لغسل الأيدي، والتطهر، كما يستخدم لغسل الرأس. كذلك يصنع منه “الداغ”، وهو تنور الخباز، وهذه كلها بعد صنعها تحرق في تنور كبير يسمى (دوغة)، باستثناء الداغ فحرقه يبدأ بعد استعماله، وقد أدركت من الدوغات ثلاثًا: واحدة  في شارع السطر (شارع الإمام علي، قرب نخل الكُتَّاب)، والثانية في شارع الملك عبد العزيز، بين القلعة وباب الشمال، والثالثة بجانب مقبرة الحبَّاكة. أما الطين الأبيض فلا أعلم من أوجه استعماله إلا غسل الملابس، أما النورة فلم أرها تصنع إلا في البحرين.

____________

([1])لسان العرب، ومحيط المحيط.

([2])انظر مقالة: بلدية القطيف مرَّة أخرى، قطيفي – الظهران، جهاد قلم، السيد علي السيد باقر العوامي، جمعه وحرره ونضده ووضع إضافاته وعلق عليه عدنان السيد محمد العوامي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 1440هـ، 2019م، ص: 321.

([3] )التنبيه والإشراف، علي بن الحسين المسعودي، عني بتصحيحه ومراجعته عبد الله إسماعيل الصاوي، الصاوي للطبع والنشر والتأليف، القاهرة، 1357هـ 1937م، ص: 341.

([4])انظر الرابط:

https://www.sobranews.com/sobra/19078.

 

(1) بيروت، العدد، 21، الربع الثاني، 2001م، ص: 89 -93، ومُرادُه بالمنطقة: المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.

(1) مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ودار أطياف، القطيف، الطبعة الأولى، 279 – 290.

(1) طه: ٥٠.

(1)نُشر في مجلة الواحة، بيروت، العدد، 21، الربع الثاني، 2001م، ص: 89 -93، الرابط: https://chl.li/AGsFw ، وجهاد قلم، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ودار أطياف، القطيف الطبعة الأولى، 1440هـ 2019م، ص: 283- 284.

تعليق واحد

  1. استاذنا الكبير ابو أحمد دام عطاؤك المجيد ولاحرمنا من هذه النفحات التاريخيه..
    وكما يقال أن العين لاتعلو على الحاجب وأنت من عاصر تلك الحقبة فأنت تتكلم عنها من منطلق شاهد عيان وإنما وددت أن انوه ببعض المعلومات عن العومه واسواقها لكوني أحد أبناء تجار العومه حيث كان الأهل احد من يستوردها من دول الخليج وعلى رأسهم المنتجة الكبرى له وهي عمان ثم دبي وقطر والبحرين التي بدورها تستورده من عمان أيضا. فسمك فالعومه أولا ليس سمك الجواف الطري المجفف وأنما هو من فصيلة سمك السردين! فسمك الجواف أعرض منه ويكتنزه لحم أكثر وهذا الأسم يعرفه جميع سكان الخليج (راجع مثلا -لاحصرا- مانشرته صحيفة الشبيبه العمانيه الالكترونيه حين تقول بما مؤداه ان عمان من كبار مصدري سمك العومه وهو السردين ). والعومه تسمية خليحيه عامه حيث يقول المثل الخليجي ويتداوله اهل القطيف والبحرين والكويت: (مثل العومه مأكوله ومذمومه). ومن أشهر انواع العومه القنيده والعماني والكسره والفارسي والصلي (بكسر الصاد وتشديدها)، وللعوماية الصليه قصص قد يظنها البعض مبالغة او ضرب من الخيال: فعندما يقترب الصيف يبادر تجار العومة لبيعها بأسرع وقت حتى وان كان البيع بخسارة! فوجود اكياسها المتراصة داخل المخازن فوق بعضها يجعلها (تتجمر في فصل الصيف) أي تتحول الى جمر على شكل اسماك في داخل أكياس الخيش من تلقاء ذاتها ويقال لأنها تحتوي على نسب فسفوريه عاليه وقد شهدت هذا بأم عيني ايام طفولتي وأيام سني المراهقة بل وقد تورطت ذات مرة بأن كنت مؤتمن على مخازنها عند سفر أهلي للتجارة وما كان مني الا أن فعلت كما كان أهلي يفعلون حيث ذهبت لسوق الجبلة لجلب الحمالية لإخراج اكياس العومه (الصليه) من المخازن ونشر تلك الأكياس في الساحة الامامية لتهويتها ولانطفاء النار منها وحتما انها ستفقد قيمتيها الماديه والغذائية ليشتريها المزارعون بثمن بخس من أجل التسميد الزراعي فقط.
    ثانيا: بالنسبه لتاريخ مواقع سوق العومه وتنقلاتها فقد شغلت خلال القرن العشرين الماضي أربعة مواقع بل خمسة لا اثنين كما ذكرت: فأولا عندما كان موقعها في مياس و تاريخ انتقالها الذي ذكرته انت فإنما انتقلت من بعد مياس إلى قلب الشريعه (ثانيا) قبل الموقع الذي ذكرته (وهو شرق سوق السمك) وكانت تمتد من الغرب الى الشرق على شكل صكة بدكاكين متقابلة ولكنها غير مسقوفه وهي تقع جنوب سوق ذهب الشريعه حاليا (جنوب مبنى آل جواد) وشمال سوق الفواكه الحديثه التي أزيلت. وثالثا في عام ١٣٨٢هج انتقلت الى السوق التي ذكرتها وهي من بناء البلديه والتي تقع شرق سوق السمك الكبيرة (سوق الجزازيف/الكبيره) ببديعة البصري وكانت على شكل صكة مزدوجه بقسميها الشرقي والغربي وكل جهة منها تحتوي على ٨ دكاكين: كل اربعة تقابل اربعة أخرى فأما القسم الشرقي منها فقد استخدموه تجار العومه كمخازن (فخار) وحيافيز (مكاتب) فهي تحتوي على ١٦ محلا لا ١٢ محلا. و ورابعا: في عام ١٤٠٤هج انتقلت الى سوق قد قام كل من أهالي سوق العومه والحداده التقليدية ببنائها على حسابهم الخاص بعد أن رفضت البلدية بناء سوق بديلة للتي أزيلت وكان موقعها هذه المرة شرق التوبي وتطل على شارع الملك فيصل مقابل سوق الخميس. وخامسا ،وأخيرا، وذلك بعد مرور سنتين من بناء الرابعة تم نقلها وبناء واحدة أخرى الى الشمال منها بخمسين مترا فقط، وظلت على هذا الحال وقد قسمت جهة منها لبياعي العومه وجهة أخرى للحدادين إلى أن ارتحل جميع بياعي العومه الى رحمة الله وكان استمرارها حتى عام ١٤١٣هج وبقي الحدادون مستمرون فيها حتى ايامنا هذه.
    هنا ايضا أود أن اشير إلى ماذكرت من حيث موقعها حين كانت في مياس -كما ذكرت انت- أن موقعها في الركن الشرقي الجنوبي من بلدة مياس فهذا يعني أنها في الزاوية الفاصلة بين الصكه الكبيره وصكة الحريه.. بينما كلامك يصبح صحيحا لو قلت أنها في الركن الشرقي الجنوبي من السبخه أي عند زاوية مجمع الخنيزي اليوم أي أنها في الركن الشمالي الشرقي من بلدة مياس.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×