“خماجة” الضاحك المُضحك.. ليس من عائلة “القصّاب” ولا عشيرة “سمارة” ما نقله الشبركة عني غير صحيح.. "وما آفة الأخبار إلا رُواتُها"

عدنان السيد محمد العوامي

وهمْ نقلوا عنّي الذي لم أفُهْ بهِ

وما آفةُ الأخبارِ إلا رُواتُها

الشريف الرضي([1])

لست أدري سببًا لإقحامي بين الحين والآخر في ما يتناوله الإخوة الكتاب من شؤون بلدهم الحبيب (القطيف).

من ذلك؛ ما نُقل عني أنني – أثناء عملي في بلدية القديح – بعثت عمَّالا مصريين لتعديل الجزء الجنوبي من مقبرة الحبَّاكة، وأثناء قيامهم بالتعديل وجدوا جرارًا من الفخار بها جثث، وهذا نص ما نقل بالحرف: (في بداية الثمانينات الميلادية – حينما كان الشاعر السيد عدنان العوامي – مديراً لبلدية القديح تلك الآونة حيث أمر العمال وكانوا من الجنسية المصرية بتعديل الجهة الجنوبية من سور مقبرة “الخباقة” وهي منطقة مهجورة لم يتم الدفن فيها حيث وجدوا جدار كامل فيه حفر “روازن” مدفون فيها جثث بعضها داخل جرات بوضعية القرفصاء . . .)([2]). فلا مقبرة الحباكة تابعة لبلدية القديح، ولا بلدية القديح بها عمال مصريون.

أوجب هذا الاستذكار تفضل الأخ الأستاذ السيد عباس الشبركة بإقحامي في مقالته المنشورة في صحيفة صُبْرة الإلكترونية، بعنوان: (شيخ ظرفاء القطيف حسن القصاب)، والمقصود هو طيب الذكر حسن خماجة (رحمه الله)، فنسب لي القول بأنه من عشيرة “سمارة“، محيلاً في ما نقله عليَّ؛ باعتباري مصدرًا من مصادره، ومع أن هذه “عشيرة سمارة” هذه لا يمتنع وجودها في القطيف، إلا لا أعرف حتى كيفية نطقها لأنني بكل بساطه لم أسمع بعشيرة بهكذا اسم سواء في القطيف أو في غيرها. عبارة السيد بالنص: >كان ناراً على علم، كل سكان القطيف يعرفونه. كان يقطن القلعة، حماسته لا تُحدّ في ضرب الطبلة في زفات المعاريس”. هو من عشيرة “سمارة”، حسب وصف أديب القطيف السيد عدنان العوامي) ([3]).

فأوَّلاً ليس هو من عائلة القصاب، والذي من تلك العائلة الكريمة اسمه مهدي، فهو (مهدي بن قصاب)، وينبز بالدكتور، وعائلة القصاب تقيم ببلدة الشريعة، وهو يمتاز بلبس البنطال والقميص، وحمل “الراديو” يطوف به في الأسواق، في حين أن حسن خماجة من القلعة، وهو من عائلة “نفلة“، ولباسه الثوب والغترة، ورفيقه قرد.

خماجة الظريف الأليف

يمتاز حسن (رحمه الله) بالظرف وخفة الروح، ويضفي على ظرفه وفرادة مشهده قردُه الصغير، فلا يصح أن يُذكر خماجة دون أن يُذكر معه قرده رفيق دربه، وله حكايات كثيرة بعضها يشاركه فيها القرد، وإذ لا يتسع المجال لاستيعابها هنا أكتفي باليسير منها، دون ذكر الأسماء.

مرة وكزه أحدهم ممازحًا، فسقط على الأرض مغمىً عليه، فحاول الحاضرون إيقاظه ورشُّوا وجهه بالماء دون جدوى، فصدقوا أنه مات، فاعترت الواكز حالة من الهلع، وحين حضرت الشرطة أخذ يتحسسون نبضه، فوجدوه حيًّا، فطلبوا خيزرانة، وما أن سمع ذكر الخيزرانة حتى نهض وولى هاربًا.

إنَّ القرود على أشباهها تقع

وأولع القرد بدكان خياط، فكان كلما مر به ترجَّل عن صهوة صاحبه، ودخل الدكان يسرح ويمرح، فضاق صدر صاحب الدكان بذلك الظريف المزعج، وتناول أداة القياس (القدر)، وأوجعه ضربًا، فحين رأى القرد المحبوب يستغيث من قسوة الضرب، التقطه وتوجَّه إلى مخفر الشرطة وأبلغ المدير المناوب بما حصل لقرده، فأحضر صاحب الدكان، واستجوب عن فعلته، فحكى القصة، معترفًا بأنه ضاق صدره من كثرة ما تكرر عبث القرد، بالدكان ومحتوياته، وصاحبه لم يردعه، فقال له الضابط: (لماذا تطلق قردك يعبث بدكان الرجال؟ ولا تمسكه؟). أجاب بلثغته المعهودة: (ثدﮔـني، ياعمي، والله أنا ما أمرته، لكن الـﮕـرود على أشباهها تـﮕـع).

قصتي مع قرده

اتفق أن رأيته يوم خميس واقفًا أمام إحدى البسطات، وقرده يعبث في الأشياء المعروضة، وقع اختياره على سكين كبيرة من ذوات ذات القفل والزنبرك، وكانت مطوية، فأمسك بها وقربها من وجهه يتفحصها، وفجأة انفتحت وصكت جبهته بعنف، فصرخ صرخة استنكار ودهشة، وقفز إلى صدر صاحبه فاحتضنه.

إلى هنا والأمر عادي، ولا أثر لي في هذه الصورة، لكن في عصر ذلك كنت مع رفيقين من رفاق الصبا نعمل في تمديد أسلاك الكهرباء بأحد البيوت([4])، فجاء صاحب المنزل وجلس بجانب عدة العمل، وأخذ يقلب آلة ثني المواسير (الطعَّاجة)، وقربها من وجهه يتفحصها، ويبدو أنه زلق ربقتها من محلها فانفتحت بقوة وصكت جبهته. كنت على السلَّم أنظر إليه، فاستحضرت مشهد القرد في البسطة، فلم أتمالك نفسي من الضحك، ولكني أجل صاحب البيت وأجله، فحاولت كتم ضحكتي قدر الممكن، ونتيجة لذلك صار بدني يهتز، فسقط الأزميل  على رجلي، وأعقبه اضطراب السلم فهوينا معًا أنا والسلم، وتبعني الزميلان، فكنا أربعة جرحى والسبب القرد.

حكايتي معه أو حكايته معي.

بدأتْ هذه الحكاية عندما شرعت في بناء بيتي الحالي الذي أقيمُ فيه. لقد عانيت الأمرَّين من اللصوص، فكل يوم يُفقد من الموقع شيء، إن من مواد البناء، أو من المعدات، بالرغم من حماية الموقع بشبك، وجود عامل يحرس المكان ليلاً، لكنه لم يجد نفعًا مع أنه متفرغ، ووظيفته الحراسة ليلاً فقط إلا أنه ينام.

في أحد الأيام مر بي حسن حاملا قردَه، فومض بخاطري ما لم يخطر ببال أحد. ناديتُه فورًا:

– أبو علي.

نعم، عمّي. (اللازمة التي يجيب بها كل من يناديه).

– ويش رايك تشتغل عندي؟

– حاضر، عمي، بس ويش الشغل؟

– تحرس البيت في الليل.

– حاضر عمي، أمرك، عمي.

اتفقنا على المرتب، وعملت له مظلة حماية من ندى الليل، وزوَّدتها بالكهرباء، فتحولت – ليلاً – إلى ما يشبه المقهى، فحتى دوريات الشرطة فضلا عن غيرهم من المارة أنسوا به وبمداخن المعسل من شيشته، ولم يعد يسرق من البيت شيء إلى أن اكتمل البناء.

بعد أن عُينت ببلدية القديح، استدعيته، وعينته حارسًا إلى أن توفاه الله، فكان نعم العامل الملتزم (تغمده الله بواسع رحمته ورضوانه.

كثير من أمثال (خماجة) لو قيض لهم ما قيض له فربَّما لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه حتى عُدوا من المجانين.

———–

([1]) ديوانه، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، د، ت، جـ2/212.

([2]) انظر الرابط: https://www.jhaina.net/?act=artc&id=26502.

([3]) رابط المقالة: https://chl.li/w15jV.

([4]) قليل هم الذين يعرفون أنني عمل كهربائيًا أسلك البيوت.

اقرأ أيضاً

شيخ ظرفاء القطيف.. حسن القصّاب

‫2 تعليقات

  1. مشكلة بعض كتاب الزمن الحاضر يريدون الصعود السريع معتقدا انه اذا تطرق لحقبه زمنيه اوشخصيه دينيه اواجتماعيه أصبح معاصر لها من باب الكتابه عنها وزج اسماء وشخصيات ضمن سياق الموضوع دون ادنا رادع

  2. عفوا استاذنا العوامي ( ناقل الكفر ليس بكافر)
    من مثلي والاستاذ الجهبذ العوامي يرد علي.. اتذكر الكثير من جلساتي مع الاستاذ الاديب السيد عدنان العوامي وهو يشكي لي تطاول الزمان عليه كأني طوفة هبيطة.. هذا العملاق التاريخي يشكو ضيم الزمن… من لا يعرف السيد عدنان العوامي مثلي انا فلن يعرفه ابدا..
    لم ولن اتطاول عليك وعلى اسمك َتاريخك وانا من رضعت منك بعض ما تتميز به في التأني والصبر من عدم الرد على الاخرين ممن تسلق ويتسلق على اكتافك.. استاذي وسيدي فقط وفقط للايضاح ما نقلته من عبرة بهلول القطيف انه من عشيوة سمارة او ان اسمه حسن القصاب فهذا نقلا عن كتابة من ( الراحل حامد السعيد) في قراءة بعنوان المثقف والاديب العوامي..( قد نتذكر جميعنا المغيّب مهدي القصاب ااذي يطلق عليه الدكتور ) وكما تفضلت سيدنا الجليل.. وبالتحديد قبل ٤٠ سنة وهو يُرى يوميا ماشيا بزيّه الرسمي ب(البدلة الافرنجية) من منطقة الشريعة الى منطقة العياشي ممسكا بالراديو على كتفه وباليد الاخرى كيس فيه لحم وعظام….

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×