“أم السادة” نهاد حميد التي تحدت نظرة المجتمع.. رحلت قبل “الأربعين” "حبابة" عاصفة "ورطت" بلقيس بدراسة التخدير وألهمت من حولها "الإنسانية"
القطيف: ليلى العوامي
قبل أسبوعين؛ أرسلت إلى صديقاتها وزميلاتها رسالة صوتية “مشتاقة لكن بنات، إلى لمتكن، جمعتكن”، طلبت منهن “براءة الذمة”، ورحلت.
رحيل نهاد محمد حسن آل حميد قبل يومين، كان فاجعاً لكل من عرف هذه “الإنسانة”، نعوها “سلامٌ على المبسم الملائكي.. سلامٌ على الروح التي لا تعرف الحقد أبداً.. مرت على دنيانا سحابةِ ربيعٍ ممطرة، لكنها سرعان ما تلاشت وعادت إلى بارئها.. عادت لمن أخلصت له بالصبر أمام كل الرياح العاتية ووفت بتنفيذ عهدٍ عطاء بلا مقابل، ونثرِ زخات غيثها الناعمة لتزهر في الأرض التي فوقها تمر ياسميناً أبيضاً، تماماً كما هو قلبها”.
لسان حال رفيقات دربها يقول “إن رحلتِ عن العين يا سحابة العطاء؛ ستظل فراشاتك تحوم حول الياسمين الذي بمائك أزهر.. ويظل القلب بانتظار ساعة اللقاء عند مليكٍ مقتدر”.
السبت الماضي، رحلت أخصائية تخدير في مستشفى صفوى العام، مخلفة ثلاثة أبناء: مصطفى، علا ورتاج.
واجهت المجتمع لتكون طبيبة
شقيقها علي آل حميد، قال لـ”صُبرة” بصوت جلد صابر، يحمل حزناً عميقاً على فراق أخته “نهاد منذ صغرها هادئة، متدينة تخاف الله، تراعي صلواتها، كانت تساعد الجميع، متفوقة دراسياً، الأولى في جميع المراحل على مستوى المدرسة، حتى أنهت الثانوية”.
كبرت، وكبر حلمها أن تكون طيبة، رغم معارضة الجميع؛ إلا أنها حققت أمنيتها، فالطب في تلك الفترة “غير معروف والأطباء قليلون، والمجتمع كان لا يتقبل عمل بنت في مستشفى، بسبب الاختلاط”، كما يقول شقيقها.
استدرك علي “كانت لديها قناعة، وبصيرة، ورأي. وحينما كبرنا؛ اكتشفنا أنها على حق؛ كانت رؤيتها ثاقبة ونيرة، لأنها رأت أن عمل المرأة في المستشفى سيكون ضرورياً لتقديم العلاج لبنات جنسها وغيرهن”.
استعاد الشقيق كلمات الراحلة “إذا لم أدرس طب وأتخرج دكتورة؛ فمن سيعالج النساء؟”، مضيفاً “كانت لها رسالة إنسانية، كان أملها خدمة المجتمع، فهي تميزت بالإنسانية، فلم تعمل طبيبة من أجل الراتب، أو المنزلة الاجتماعية، على العكس؛ كانت تتعامل مع الجميع معاملة البنت الأصيلة، متواضعة كثيراً”.
صدقة السر انكشفت بعد الوفاة
آل حميد أشار إلى جانب آخر في شخصية شقيقته “كانت تقدم المساعدات للأهل دون أن تتكلم، وحينما انتقلت لبارئها؛ تحدث عنها الأهل وكيف كانت تساعدهم”، لافتاً إلى أن نهاد كانت أيضاً تتواصل مع المشايخ في المنطقة، “تساهم في تقديم مساعدات للفقراء بمبالغ سخية، نحن لم نكن نعلم، هم من أخبرونا بعد وفاتها عن ما قدمته، كان فخراً لنا”.
حلمت بمنزل لأولادها وتزويجهم
كانت لها آمال كبيرة، لكن المرض لم يمنحها فرصة، عانت منه كثيراً، وعلى قدر ألمها كانت مُحتسبة، مُفوضه أمرها لله رب العالمين، كان همها الوحيد هو “تربية أولادها، وكانت خائفة عليهم، وتمنت أن ينتهي منزلها لتؤمنه لهم، كانت تحلم أن تزوجهم، لكن رحيلها حكمة من الله سبحانه وتعالى” بحسب شقيقها.
ولفت إلى أن مرضها هو “إن شاء الله غفران ذنوب، نحن مطمئنون عليها بأنها عند رب كريم، مغفور لها كل ذنب، فهي لم تؤذ أحداً”.
مثقفة كريمة
نهاد “مثقفة”، نُشِرت مشاركات إذاعية صوتية، وكان أول موضوع تحدثت عنه هو معاناتها في دراسة الطب، والرفض الذي لاقته، أضاف شقيقها “نهاد نقية صافية، لا تحقد على أحد، متسامحة، كرمها طاول القريب والبعيد، لديها الكثير من البرامج الاجتماعية، وهي من أسست مجلس العائلة، لتجمع الأسرة، وكان لها دور في إصلاح ذات البين”.
مفخرة للوطن
انتهت شهادة الشقيق، ولكن للصديقات والزميلات شهادات، إحداهن أشارت إلى أنها كانت “مقدرة لوقفة الأخ مع اخته”، لافتة إلى أن عائلتها “تميزت بعلاقة أخوية متينة، نتيجة النشأة الأسرية الصالحة”، مضيفة “رحلت ابنة صفوى الحبيبة”.
الدكتورة سمية آل إسماعيل، زاملت الراحلة في مرحلة البكالوريوس، وتفرقتا في التخصص، والتقتا لاحقاً في مستشفى صفوى العام، تجمعهما مواقف كثيرة. قالت “كانت مثالاً للجد والمثابرة، للأخلاق وحب مساعدة الآخرين وأعمال الخير، تتمتع بحسن الخلق، حلوة المعشر، مكافحة، وهي مفخرة للوطن ولذويها”.
أما على الصعيد العملي؛ فأوضحت أن نُهاد “تميزت بالعمل الجاد والتعاون والاستماع للآخرين. حاولت بكل ما تستطيع تطوير قسمها قبل سنوات. وكانت مهتمة في الجانب الطبي والتنظيمي، كما كانت تهتم في سلامة المرضى جميعاً”، مختتمة حديثها “ستظل نهاد قدوة في العلم والعمل، ابنة وأم وطبيبة. تغمدها الله بواسع رحمته وأسكنها فسيح جناته”.
سلاماً لروحكِ
الدكتورة بلقيس المرزوق، استشارية تخدير في مستشفى القطيف المركزي، تصف نهاد بـ”صديقة العمر ورفيقة الدرب؛ صاحبة القلب الطاهر”. بدأت علاقتهما منذ التحاقها في جامعة الملك فيصل، في السكن الجامعي.
قالت بلقيس “كانت تكبرني بعامين، كانت بمثابة الأخت الكبرى، تجمعنا أنا وزميلاتي في السنة الأولى، وتضع لنا خطة مذاكرة، تشجعنا لنبدأ، فخففت عنا غربة السكن وصعوبة الدراسة”.
عندما تخرجت المرزوق؛ كانت نهاد التحقت في برنامج الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، وهي أول طبيبة تخدير وعناية مركزة في مستشفى القطيف المركزي، أضافت “شجعتني على الالتحاق في البرنامج ذاته. لم تبخل طوال مسيرتها الطبية في المستشفى عن تقديم الدعم والتشجيع والتدريب لأطباء البرنامج”.
كانت بلقيس تمازح صديقتها الراحلة عند مواجهة حالات مرضية صعبة، وعند التعرض لضغوط العمل، قائلة لها “سامحك الله يا نهاد، أنتِ من ورطني في هذا التخصص”، فترد عليها بضحكة مميزة جميلة “ألم تجدي نفسك في هذا التخصص؟” فتجيبها “نعم”.
“حبابتي” رحلت
تعرفت الدكتورة عاصفة الفرج على الراحلة نهاد أيضاً في جامعة الملك فيصل قبل أكثر من 20 عاماً، قالت “كانت جارتي في سكن الطالبات بالدمام، كنا نتشارك الشقة ذاتها، لاحقاً فرقتنا الحياة، لنلتقي في مستشفى صفوى بعد انتهاء كل منا من مرحلة التخصص”.
أضافت الفرج “قدر الله أن نكون معاً لأكثر من 6 سنوات في المستشفى، خلال معرفتي لها؛ كانت نسمة ربيع، أخت حبيبة متسامحة، صديقة صدوقة. في مرضها؛ كانت تبث روح الأمل بأنها ستكون أفضل، كان سلاحها قوة إيمانها، كانت لا تبخل بعلم أو جهد أو نصيحة”.
ولفتت إلى أن أكثر ما يميز الراحلة “البسمة الجميلة، فكانت تتلقى الجميع بكلمتها المعهودة “حبابتي”. كانت لها ميزة أخرى أنها قوية الإرادة والعزيمة، فكانت تخطط للشيء وتعزم على عمله؛ فتجيده وتحسنه”.
لبت النداء قبيل الأربعين
بنبرة حزن ممزوجة بدمعة، قالت عاصفة “الجميع أحبها، كل من عمل معها في غرفة العمليات، في قسم الإسعاف، أطباء، تمريض، فنيين، بكى لرحيلها، الجميع يا أم السادة، قلوبنا والهة، وعيوننا باكية لفراقك”.
تدعو الفرج بأن يكون بينها وبين صديقتها الراحلة “لقاء في الجنة إن شاء الله”، مستحضرة لقاء جمعهما قبل 8 أعوام؛ “في ليلة الأربعين عند الحسين عليه السلام، أمام باب القبلة، كانت صدفة خير من ألف ميعاد. وبعدها دائماً ما كنا نذكر هذا اللقاء، وكم تمنينا أن نعود مرة أخرى معاً ونزور الحسين، لكنها استعجلت الرحيل، أو قد تكون لبت نداء الحسين لتزور الأربعين”.
في وفاة والدها؛ طلبت نهاد من صديقتها عاصفة، رقم لجنة كافل اليتيم في جمعية العوامية الخيرية، قالت الفرج “استغربت السؤال؛ فقالت نهاد: أبغى أكفل يتيم باسم أبي رحمه الله”.
تسامح.. تواضع.. إنسانية
وفاء محمد السريح، مديرة الخدمات الصيدلانية في مستشفى صفوى العام، قالت “صعب جداً أن تسمع أن أحداً تعرفه قد توفى، الدكتورة نهاد عزيزة وقريبة منا جميعاً. ورغم المدة التي عرفتها فيها لأكثر من أربع سنوات؛ لم ألمس منها إلا كل خير، متعاونة، متسامحة ومتواضعة لم أشعر يوم بأنها دكتورة أكثر مما شعرت بأنها إنسانة أحبها الله فأختارها لجواره، رحمته عليها”.
أشارت السريح، إلى أن يد الراحلة “معطاء لا توصف، حديثها الطيب لا تستطيع أن تمل منه، وكذا ابتسامتها. كان رحيلها صدمة لنا جميعاً، لكنها مشيئة الله، ونحن نسلم له في قضائه وقدره”.
اقرأ أيضاً:
بعد فقْد القطيف المعلمة هدى الجشي.. صفوى تنعى الطبيبة نهاد حميّد
رحمك الله يا دكتورة دائما على لسانك ياحبيبتي والابتسامة على شفتيك ولم تتضايقي او تزعلي من احد
اخر اتصال بيني وبينكي هو تهنئتك بالعيد
فالى جنان الخلد وعوض شبابك بالجنه مع محمد وال محمد