طالبات المدرسة الأولى في القديح “يتيمات”.. رحلت هدى الجشي احتضنت بنات ضحايا تفجير مسجد الإمام علي.. وكانت أماً لأمها
القطيف: وردة الطلالوة
تعود رقية الغامدي بذاكرتها خمس سنوات، وتحديداً إلى الـ22 من شهر مايو من عام 2015، حين وقع تفجير مسجد الإمام علي في بلدة القديح، حيث تعمل رقية قائدة لمدرسة المتوسطة الأولى. تتذكر رقية زميلتها المعلمة هدى أحمد مهدي الجشي، التي لعبت دور الأم لعدد من الطالبات اللواتي فقدن آباءهن في ذلك التفجير الإرهابي.
هدى، التي تعدها الغامدي “أحد أعمدة المدرسة”، رحلت أول من أمس (الجمعة)، بعد معاناة صحية، ألزمتها فراش المرض لحوالى الشهر، لتبكيها “بناتها” الطالبات. لم تُرزق هدى ببنات، ولكن كل طالبة درست في المدرسة الأولى المتوسطة في القديح كانت “بنتاً” لها.
“مُربية” قبل “مُعلمة”
هذا ما تشير له الغامدي وزميلات هدى في المدرسة من معلمات وإداريات، فبين جدران هذه المدرسة أمضت الراحلة أكثر من 30 عاماً. تقول رقية لـ”صُبرة” “أدى تفجير مسجد الإمام علي إلى تيتم عدد من طالبات المدرسة، اللاتي فقدن آباءهن. لن أنسى وقفة المعلمة هدى ومبادراتها في التخفيف عن مصابهن”.
لم تكن الجشي معلمة في المدرسة، كانت “مُربية”، تضيف الغامدي “أسست الراحلة ركناً هاماً، سيكون إن شاء الله في ميزان حسناتها، وهو تربيتها الطالبات قبل تعليمهن. كانت حريصة على الستر والمحافظة على الرقي في الحديث بين الطالبات، وتمييز طالباتها وبنات فصلها بالتحفيز والتشجيع”.
تعجز ذاكرة قائدة المدرسة عن اجترار المواقف العديدة للجشي، لكنها تقول “حان وقت الجزاء من الله سبحانها وتعالى على مشوارها التربوي والتعليمي والإنساني”.
هيبة.. هدوء.. صمت
ودعت هدى الحياة “بقوة وحزم” كما كانت حياتها العلمية والعملية، تشير زميلاتها إلى أنها “كانت تخفي وراء كل ذلك الحزم كماً من اللين والعطف”.
تخرجت الجشي من قسم الجغرافيا بكلية الآداب في الدمام عام 1408هـ، تعينت في محافظة حفر الباطن في السنة ذاتها، ولمدة 4 سنوات، حيث تم نقلها إلى المتوسطة الأولى في القديح عام 1412هـ، المكتظة بالطالبات، وقلة مساحتها، ما خلق لمنسوباتها صعوبة في التحكم بإدارة حركة السلوك التنظيمي، فكان لهدى دوراً في عملية تنظيم وقيادة الطالبات، فما أن تمر بين صفوفهن؛ حتى تجد هيبتها خلقت نوعاً من الهدوء، وشيئاً من الصمت.
حزم بعطف
زميلتها المعلمة عصيم كريكيش تقول لـ”صُبرة” “لم تكن المرحومة هدى مجرد معلمة، تحمل همّ المادة العلمية التي تقدمها في حصة تستمر 45 دقيقة، كانت تحمل أعباء التربية والتهذيب وأمومة تقدمها لجميع طالباتها، كانت مُبادرة في متابعة من تحتاج لمساعدة حتى خارج أسوار المدرسة”.
تتذكر عصيم “أخذنا مجموعة من طالبات المدرسة للنزهة. كنا بصحبتها مع حزمها مع طالباتها، إلا أنها لم تستطع إخفاء ما في داخلها من عطف نحو الطالبات اللواتي كن في غاية السعادة وهن يجلسن ويضحكن معها”.
تتذكر كريكيش من تلك الرحلة أيضاً “قامت المرحومة بتمشيط شعر إحدى الطالبات وترتيبه. وهذا قد يكون جمعاً بين قوة الشخصية، وما تخفيه من براءة ولطف نحو طالباتها”.
ترى المعلمة نجاح البلال، أن “عمل الواجب يحتاج لقلوب مبادرة”، وتقول “هذا ما تعلمناه منها، كانت المُبادرة الأولى في مدرستها وعائلتها ومجتمعها”، داعية الله أن “يرحم المعلمة والأم والمربية هدى، ويسكنها فسيح الجنان”.
كانت أماً لأمها
وإذا كانت هذه هي هدى الجشي بعيون من زاملنها في المدرسة، فإن نادر الجشي شقيقة الراحلة تتحدث عن اختها من زاوية أخرى، تقول لـ”صُبرة” “هدى لم تنجب، فهي لم تتزوج، ولكنها استطاعت أن تكون أماً لأولادنا، بكمية الحب الذي كانت تمنحه لكل من كان حولها، ففي يوم الأم هي محور الأولاد والبنات، كانوا في كل عام يحتفلون بها أماً جامعة لكل الصفات”.
تكمل نادرة “أمي رحمها الله كانت في عهدة هدى، كنا نأتي المنزل ضيوفاً، نحن خمس أخوات وأخ واحد (غازي، مليحة، نادرة، صباح وازدهار، إضافة إلى هدى)، عند دخولنا لرؤية الوالدة (المرحومة نعيمة صالح الجشي)؛ كنا نجد أمي عروساً، بسبب اهتمام اختي هدى بالوالدة، والدلال الذي كانت تغدقه عليها حتى رحيل أمي”.
اقرأ أيضاً:
بعد فقْد القطيف المعلمة هدى الجشي.. صفوى تنعى الطبيبة نهاد حميّد