حميد بن مسلم.. المراسل الحربي المتحول سياسياً
حبيب محمود
“وحمل شمر بن ذي الجوشن في رجّالةٍ معه على ثقل الحسين، فانتهوا إلى علي بن الحسين الأصغر، وهومريض منبسط على فراش له، والرجّالة معه يقولون: ألاَ نقتل هذا؟
قال حميد بن مسلم، فقلت: سبحان الله! أنقتل الصبيان؟ إنّما هذا صبيّ. حتّى جاء عمر بن سعد، فقال: ألاَ لا يعرضنّ لهذا الغلام المريض أحد، ولا يدخلنّ بيت هؤلاء النّسوة، ومن أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه عليهم ، فما ردّ أحد شيئاً*.
بمفهوم الإعلام المعاصر؛ كان حميد بن مسلمٍ الأزدي مراسلاً حربياً في واقعة كربلاء. التحق بجيش عمر بن سعد بن أبي وقّاص، وعايش وقائعها. وبمفهوم عصرنا، أيضاً، تحوّلت رواياته إلى تقارير صحافية أولية، تطوّرت ـ مع الزمن ـ إلى مادّةٍ تاريخية اعتمدها المؤرخون العرب..!
ويبدو أن عمر بن سعد تنبّه إلى مهارات الإخبار عند حميد بن مسلم فخصّه بأمرٍ مهم.. ويروي ابن مسلم عن نفسه “دعاني عمر بن سعد فسرّحني إلى أهله لأبشرّهم بفتح الله عليه وبعافيته. فأقبلت حتّى أتيت أهله فأعلمتهم بذلك. ثمّ وجدت ابن زياد قد جلس، وقد قدم الوفد بالرؤوس عليه”**.
ولكن يبدو أن حميد بن مسلم كان متورّطاً في أكثر من كونه ضمن المُخبِرين عن الواقعة. ***
إن مجريات الأحداث التي تلت كربلاء، وانقلاب أهل العراق على الأمويين، آلت بالأمور إلى نجاح المختار الثقفي في ثورته، وتولّيه أمر العراق. ومن ثمّ إطلاق حملة انتقامٍ واسعة أتت على أهمّ المتورطين في قتل الحسين وأصحابه. وعلى الرغم من انضمام حميد بن مسلم إلى ما عُرف بـ “ثورة التوابين”؛ فإن ذلك لم يشفع له عند رجال المختار…!
لقد كادوا يقبضون عليه، لكنه نجا من القتل، دون أن تنجو صورته من اضطراب الملامح فيما يخصّ موقفه الحقيقي عيناً. إن استنطاق بعض مضامين رواياته؛ قد يُشير إلى أنه حرص على إظهار التعاطف مع الحسين وأصحابه، على الرغم من وجودهِ في المعسكر المعادي. بل تُشير روايته عن نجاة الإمام علي بن الحسين من القتل بعد هجوم العسكر على الخيام إلى أن له يداً في هذه النجاة. وهو يرويها عن نفسه، لكنّ رواةً آخرين ينسبونها إلى “رجل”..!
يبدو أن مضامين التعاطف في رواياته؛ مردودٌ إلى أنه رواها في توقيتٍ غير ملائم له سياسياً. أي في مرحلة كانت الكفة تميل لصالح التوّابين الذين انضمّ إليهم، ومن بعدهم لصالح ثورة المختار الثقفي العازم على الانتقام من كلّ من تورّط في قتل الحسين. في مثل هذه الأجواء؛ على سياسة الإخبار، لديه، أن تتموضع من المتغيّرات المتسارعة. إن الانقلابات السياسية عادة ما تجرّ معها انقلابات في الخطاب الإعلامي، فينتقل صحافيو النظام المهزوم إلى صفّ النظام المنتصر انتقالاً سريعاً..!
وفي تفسيري الشخصي؛ وجد حميد بن مسلم نفسه مضطرّاً إلى الانتقال السريع في اتجاه المُتغيّر السياسي الذي أطاح بحكم الأمويين في العراق، وأوصل المختار إلى قصر الكوفة، ومكّن سيوفه من جزّ رؤوس قادة الحرب على الحسين، بمن فيهم رأس عبيد الله بن زياد بن أبيه، وعمر بن سعد بن أبي وقّاص، وشمر بن ذي الجوشن، وحرملة بن كاهل، ورؤوس كثيرين..!
الانتقال السريع لم يُجدِ نفعاً في فورة الانتقام. بالنسبة لنا نحن؛ ثمة غموضٌ شديد يحيط بدور حميد بن مسلم في كربلاء وما بعدها، باستثناء الدور الإخباري. لكنّ إصرار المختار ورجاله على الفتك به؛ يُثير أسئلةً كثيرة حول معلوماتهم الاستخبارية التي وضعته في قائمة المطارَدين المطلوبين ثأريّاً.
أظنّ أن شخصية حميد بن مسلم؛ جديرة بدراسة رصينة تبحث فيها كنموذج للإعلاميّ الذي يتخطّى دوره المِهْنيّ ليكون جزءاً من تعقيدات الخطاب المُتغيّر. أظنّها شخصيةً خصبة جداً، وقابلة لتحليل الإشارات المتضاربة فيها. إن وضعه على محك “الجرح والتعديل” غيرُ كافٍ على الرغم من أهميته لصالح المختلفين في صدقية مرويّاته. الأهمّ هو محاولة فك الألغاز المتصلة بعلاقته بالسلطة، وتأثير هذه العلاقة في محتوى مروياته.
——-
* وقعة الطف، أبو مِخنف الأزدي، تحقيق الشيخ الغروي، ص: 257.
** المصدر السابق: 260.
*** هناك ثلاثة رواة نقل عنهم أبو مِخنف دون واسطة، بصفتهم شهود عيان على المعركة، وهم: ثابت بن هبيرة، ويحيى بن هانئ بن عروة المرادي، وزهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي. أما حميد بن مسلم؛ فلم يروِ عنه مباشرة، بل عبر واسطة، ضمن 15 آخرين لم يروِ عنهم مباشرة.
يا سبحان الله موضوه كامل لا نجد فيه لفظة عليه السلام بعد اسم الامام