في أمريكا وألمانيا.. أطباء القطيف يسجلون شجاعة نادرة في الدول الموبوءة بـ”كورونا” إيثار وتضحية والتزام يتجاوز حدود الوطن

ياسمين تتحدث من مستشفى فيه 3500 مصاب بكورنا

القطيف، الجارودية، صفوى: ليلى العوامي، فاطمة المحسن، بيان آل دخيل

أسوة بأخوانهم السعوديين؛ يواصل أطباء من محافظة القطيف أداء رسالتهم الإنسانية على أحسن وجه في كبرى مستشفيات دول العالم الأول، يوصلون الليل بالنهار في علاج آلاف المصابين بكورونا، في مشاهد تؤكد التزامهم المهني تجاه المجتمعات التي يعيشون فيها..

من أمريكا وألمانيا، وهي من أكثر الدول الموبوءة بالفيروس، يكشف أطباء من القطيف عن شجاعة نادرة في التضحية والإيثار في مواجهة المرض وعلاج مرضاهم من جميع الأجناس، غير عابئين بخطر إصابتهم بالفيروس في أي وقت، بيد أن يقلقهم أن يكونوا سبباً في نقل المرض إلى أفراد أسرهم، ولا يمنعهم هذا القلق من مواصلة رسالتهم بأمانة وصدق.

“صُبرة” تابعت تجارب أطباء القطيف في الخارج، بكل ما تحمله  من تفاصيل وقصص إنسانية وطبية.. وخرجت بهذه الحصيلة..

3500 مصاب

ياسمين زهير الوحيد (من القطيف) مبتعثة منذ 2014 م ولم يتبق لها إلا عام واحد لتعود وتعمل أخصائية أمراض جلدية وتناسلية في مستشفى الشارتيه الجامعي ببرلين، وهو أكبر مستشفى في ألمانيا وأوروبا، ويضم عدداً كبيراً من مرضى الكورونا يبلغ عددهم نحو 3500 مصاب.

وتقول ياسمين إنها طوال الوقت تعايش الظرف الصحي الذي يجتاح العالم حالياً، وهو جائحة “كورونا”، من خلال مكوثها في المستشفى”.

وتضيف “أنا مسؤولة عن مرضى الأمراض الجلدية وأمراض الحساسية، ومن ضمنها أمراض الربو وأمراض الجهاز التنفسي، وحاولنا تقليل عدد المرضى في الحالات غير الطارئة، وحالياً عيادتي الخارجية مستمرة”.

 

صعوبات وتحديات

وعن الصعوبات التي تواجهها في مثل هذه الظروف، تقول ياسمين: “أخاف كثيراً حينما استخدم المواصلات العامة والقطارات، ينتابني خوف شديد، لانها ـ رغم تفشي المرض في المانيا ـ لا تزال مكتظة بالناس، واتخذ أساليب الوقاية والحماية مع التوكل واحتساب الأجر عند الله” .

‎وتتذكر يا سمين موقفاً صعباً تعرضت “كنت في قسم الأمراض الجلدية، وأصيب بعض الزملاء بفيروس كورونا، لهذا طُلب منا جميعاً كأسلوب وقائي، عمل مسحة الكورونا للتأكد من سلامتنا، ذهبنا لمكان الفحص، وتم أخذ العينات، وقيل لنا انهم سوف يخبروننا في إتصال لو كان أحد مصاباً بالفيروس، بعدها بيومين تلقيت اتصالاً من مركز المختبرات، وبعد حديث طويل والسؤال الدقيق عن المعلومات، أخبرتني الطبيبة أن نتيجة الفحص سلبية لله الحمد”.

 

 

ابن سيهات

“تتزايد الحالات المصابة بفيروس كورونا في مدينة توليدو بولاية أوهايو الأمريكية” بحسب الاختصاصي التنفسي عبد الجليل أحمد خريدة (مدينة سيهات)، الذي يعمل في غرفة العناية المركزة الخاصة بمرضى كورونا بمستشفى: St Vincent Hospital. وكان عبد الجليل أنهى دراسته الجامعية واستلم شغله في المستشفى في العام 2002م.

وقال عبد الجليل: “يوجد في المستشفى مبنى من ثلاثة طوابق، يتصل بجسر بالمستشفى الرئيس، وهذا المبنى يعد مركزاً لأمراض وجراحة القلب، وقررت إدارة المستشفى تحويله لاستقبال مرضى الكورونا”.

وأضاف “بدأ عدد المصابين يزداد يومياً، وكان المخطط أن يكون الطابق العلوي جناحاً للعناية المركزة لهذا المرض، والطابق الثاني تأهيلي يضم المتشافين من الكورونا، والطابق الأول مغلق ومعد ليكون جناحاً ثانياً للعناية المركزة”.

وتابع “خلال هذه الفترة القصيرة، التي تقل عن اسبوعين، امتلأ الطابق الثالث، والآن يحتوي على 22 مريضاً على أجهزة التنفس، وقبل أربعة أيام زاد عدد المرضى، وفتح المستشفى الطابق الأول، ويوجد به 10 مرضى على أجهزة التنفس”. وقال: “عدد الوفيات قليل حالياً ولله الحمد، وما بين 5 إلى 10 مرضى خرجوا من العناية المركزة حتى اليوم”.

 

أنسجة الرئة

ويشرح عبد الجليل تأثيرات كورونا على الشخص المصاب به “عندما يستفحل مرض كورونا، يؤثر على الرئة، فتمتلئ الأنسجة المبطنة للرئة بالماء، فلا يستطيع المريض أن يتنفس، بسبب الماء المتجمع في نسيجها، لذلك يحتاج إلى جهاز التنفس”.

وينصح عبد الجليل الناس بأخذ الحيطة والحذر “الوقاية خير من العلاج، وعلينا اتباع الإرشادات الطبية والاستمرار في العزل”.

وأكد “الفائدة من العزل هي أنه إذا تعرض جسم الانسان إلى كمية قليلة من الفيروسات، يمكنه التغلب عليها، ومن ثم انتاج مضادات حيوية تقاوم المرض لو تعرض له الجسم مستقبلاً، أما إذا كانت الكمية كبيرة في بادئ الأمر، فلا يستطيع الجسم أن يقاومها، فتتدهور حالته الصحية”.

أمراض مزمنة

ويتوقع عبد الجليل أن يزول وباء كورونا كما زالت أوبئة سابقاً، مثل الملاريا ويتمنى ذلك قريباً. ويقول: “للإفادة فإن الدواء المستخدم حالياً لعلاج الكورونا، هو مضاد للملاريا، بالإضافة إلى المضادات الحيوية الأخرى، وهناك مرضى يحتاجون إلى رعاية أكثر لوجود أمراض مزمنة أخرى، مثل أمراض الكلى وأمراص الكبد أو أي مرض آخر”.

وخلال دوام يستمر 12 ساعة يومياً، يقوم عبد الجليل بمهام عدة، تتلخص في”الإشراف على أجهزة التنفس، ومتابعة نسبة الأكسجين في الدم لتتبع حالة تحسن المريض وتأهيله للقدرة على التنفس الطبيعي، وهو ما يسمى فطام المريض عن جهاز التنفس”.

سلامة المريض

ويصف عبد الجليل تجربته في أمريكا بقوله: “مرّرنا بحالات مرضية معسرة، لكن لطف الله سبحانه وتعالى بها كبير، حيث بعث الحياة من جديد، وتماثل المرضى للشفاء، ولكن هناك من صارع الحياة حتى توفاه الأجل”. وأضاف “إن مانفعله هو خدمة إنسانية لا يدركها إلا من عاش لحظات الأمل أن يرجع المريض معافى إلى البيت”.

وحول علاقته بزملائه، قال عبد الجليل: “علاقة محبة واحترام وتعاون على إنجاز العمل من أجل سلامة المريض من الأخطار”.

 

 

تجربة مختلفة

وتختلف تجربة الأختصاصي التنفسي زكريا اليوسف (مدينة صفوى)، عن تجربة من سبقوه. فهو يعمل في قسم العناية المركزة بالمستشفى الجامعي The University of Toledo Medical Center  الواقع بمدينة توليدو بولاية أوهايو الأمريكية. وكانت بداية دراسته في برنامج الابتعاث عام 2006م، وأنهى آخر مراحله الدراسية (الدكتوراه) في ربيع 2019م.

ويقضي اليوسف وقته الحالي مع عائلته في المنزل، بعدما رزق مؤخراً بمولود جديد، وحرصاً على سلامته توقف مؤقتاً عن العمل في المستشفى، مكتفياً بالجانب الأكاديمي في تقديم المحاضرات.

يقول اليوسف: “أقضي وقتي مع العائلة في المنزل، في القراءة وتقديم المحاضرات عن بُعد لطلاب العلاج التنفسي لمرحلة البكالوريوس، كما أمارس والأولاد الكثير من الرياضة والأعمال الفنية والمذاكرة بشكل جماعي”.

وحول طبيعة علاقته بزملائه، قال اليوسف: “العلاقة رائعة، فهي علاقة مبنية على المهنية والاحترام المتبادل والتعاون”.

 

الاجراءات الوقائية

ووجه اليوسف كلمة لجميع الناس في ظل هذه الأزمة التي يمر بها العالم “عليكم بالالتزام بالاجراءات الوقائية الصادرة من منظمة الصحة العالمية التي أصبحت اليوم في متناول الجميع”. وأضاف “أدعو الأحبة إلى استغلال الأوقات بشكل مفيد لتطوير الذات والتقرب لله سبحانه وتعالى، خاصة ونحن مقبلون على شهر رمضان المبارك فلنتهيأ له”.

وحول توقعاته فيما يخص حاضر جائحة كورونا، علق اليوسف “المؤسسات والمنظمات الصحية، ليست فقط في أمريكا فقط، وإنما في العالم، تتحدث عن أن العالم يحتاج عدة أشهر، للتغلب على هذه الجائحة والعودة للحياة الطبيعية”، مضيفاً “نسأل الله أن يرفع هذه الغمة عن الأمة”.

 

متابعة المرضى

ونعود إلى ألمانيا مرة أخرى، مع الطبيبة بلقيس علوي آل درويش (جزيرة تاروت) التي تعمل في قسم الجراحة العامة في المستشفى الجامعي (Klinikumrechtsder Isar) بمدينة ميونخ. وقد انضمت آل درويش  إلى برنامج الابتعاث منذ العام 2015، وتبقى على تدريبها عامان.

وتعد المنطقة التي تعيش فيها آل درويش من أكثر المناطق إصابة بفيروس كورونا وتقول: “مع حلول جائحة الكورونا، باتت العمليات مقتصر على حالات الأورام والطوارئ”، مضيفة “إلى جانب إجراء العمليات، مهامنا الحالية تشمل علاج ومتابعة المرضى في العنابر وكذلك في العيادات الخارجية، وبالطبع نحاول أن نكون حذرين باتباع وسائل الوقاية”.

وتلتقي آل درويش ما يقارب 20 مريضاً في قسمها. وتقول: “في المناوبات يكون العدد أكثر، حيث أكون مسؤولة عن خمسة أقسام إلى جانب الاستشارات”.

وواجهت آل درويش مواقف عدة لها علاقة بفيروس كورونا، تحكي بعضها “قبل يومين، كان لدي مريضة أجريت لها عملية استئصال مرارة، ولكن بعد يوم من العملية، فوجئت بحرارة تعتريها، وبعد عمل الأشعة المقطعية للصدر تبين وجود التهاب في الرئة، سببه فيروس كورونا”، مضيفة  “هنا شعرنا جميعا بالقلق”.

وتنصح آل درويش الناس بالشعور بالمسؤولية والأخذ بجميع الاحترازات وسبل الوقاية. وتقول: “كأطباء نشعر دائماً بالمسؤولية، باعتبارنا خط الدفاع الأول لمواجهة هذه الجائحة، ولكن نردد دائماً لسنا وحدنا المسؤولين، ولابد من تعاون الجميع معنا والالتزام بالاشتراطات الصحية”.

وترى آل درويش أن تجربتها متعبة ومرهقة ومقلقة، ولكنها في الوقت ذاته تشعر بالسعادة. وتقول: “أشعر بالرضا بعد خدمة المرضى وبتأدية واجبي كطبيبة في هذا الوقت العصيب، ولكن يبقى القلق، ليس على النفس، بل على عائلتي عندما أعود لها”.

 

قلق على الأسرة

وتقضي آل درويش يومها بدوام كامل مع المناوبات بين المرضى في العنابر وفي العمليات والعيادات الخارجية، وبعد الدوام، تقضي بقية يومها – بحذر- مع عائلتها الصغيرة المكونة من الزوج وابن عمره 3 سنوات.

وكانت آل درويش تخطط لقضاء إجازة في المملكة خلال شهر رمضان وأن تقضي عيد الفطر مع عائلتها، ولكنها تقول: “أعيش في مكان موبوء بالمرض، وأشعر بالمسؤولية تجاه  أهلي في المملكة، لذلك لن أستطيع أن أجازف بالسفر إلى المملكة حالياً”.

وترى آل درويش أن الإحصاءات والبحوث حول فيروس كورونا، تؤكد استمرار الجائحة عدة أشهر. وتتمنى أن تنتهي هذه الجائحة بأقل الأضرار.

وحول علاقتها بالزملاء والزميلات تقول آل درويش: “لدي أصدقاء من بلدي ومن منطقتي، وعلاقتي بهم وبزملائي الألمان أو غيرهم ممتازة”.

 

التضامن مع الألمان

ونبقى في ألمانيا، ومنها تعلن الطبيبة سارة الشيوخ (مدينة القطيف) تضامنها مع الأطباء الألمان في علاج المصابين بالفيروس.

وبدأت الشيوخ مسيرتها في الاغتراب، وقدمت على برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، واختارت تخصص الطب البشري في الأردن. وبعد تخرجها، عملت في مستشفى العيون التخصصي في الظهران، ثم قدمت على بعثة مرة أخرى، في تخصص التخدير والعناية المركزة في مستشفى الشارتيه في برلين بألمانيا.

وقالت: “الحياة الدراسية بطبيعتها لا تمر بوتيرة واحدة من الاستقامة، فبعضها سعيد وبعضها مؤلم، وما يُهون الأمر هو وجود صداقات لا تربطها رابط الدم، إلا أنها تجعل منا عائلة جديدة في الغربة، نستطيع معاً تجاوز آلامها”.

 

بداية العمل كطبيبة

ومن خلال عملها في ألمانيا، تشعر الشيوخ بالمسؤولية الملقاة عليها كطبيبة في التعامل مع جائحة كورونا.  وتقول: “أتواجد برفقة زملائي الأطباء السعوديين، لدعم الزملاء الألمان في التعامل مع جائحة كورونا في هذا الظرف الاستثنائي، ولكن ما يهوّن علينا الغربة، هو ترك بصمات عظيمة وانسانية في علاج المصابين في ألمانيا”.

 

خبرة مُستقاة

وترى الشيوخ أن “أزمة كورونا أظهرت قوة ألمانيا الطبية والصناعية وامكاناتها العالية”. وقالت: “جهزت الحكومة هنا مستشفى يضم من 20 إلى 60 ألف سرير، بأجهزة تنفس صناعية، مع امكانية زيادة سعتها عند الحاجة”.

وأضافت “تحول جميع الأطباء في التخصصات المختلفة، إلى أطباء كورونا لمحاولة التصدي لهذا المرض، كما قُدمت دورات مكثفة إجبارية لجميع الطواقم الطبية، وتواجد الأطباء السعوديون فيها، حيث نالوا قدراً كبيراً من الخبرة والمعرفة في إدارة الأزمات”.

ووجهت الشيوخ رسالة إلى الجميع “كورونا ليس حكماً بالإعدام، فالغالبية العظمى تتعافى، وهي ليست أزمة صحية فقط، إنما أزمة صحية واجتماعية وسياسية واقتصادية وأخلاقية، تحتاج منا إلى جهود عالية حتى يمكن تجاوزها”.

واختتمت الشيوخ حديثها لـ”صُبرة”: “الشعوب المتعاونة والملتزمة بالتعليمات هي فقط من ستنجو من الأزمة، وتخرج منها بأقل الخسائر، والعمل يحتاج لوعي الفرد وإلى إدراك الجماعة بأن كل فرد في المجتمع يلعب دوراً مهماً في اجتياز هذه الأزمة”.

‫5 تعليقات

  1. تحية اجلال واحترام لجميع الكادر الطبي بالداخل والخارج بحجم السماء انتم فخر لنا وللقطيف ولجميع المملكه العربيه السعوديه

  2. حقيقة تحية إكبار وإجلال وتقدير بحجم السماء لكم أيها المرابطون (في داخل البلد وخارجها) وسابقا والان ولاحقاً .. فأنتم صمام الامان والسلامة .. فلكم الاااااااااف التحايا والاجر والدعاء بالحفظ والسلامة .

  3. الله عليكم يا بنات و اولاد القطيف. ترفعوا الرأس بأنجازاتكم في كل بقاع الأرض. و نحن نفتخر فيكم. الله يحفظكم و تردوا لينا سالمين.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×