سيهات.. جامع الجُمعة الأولى يتجدد بعد 115 سنة من تأسيسه بناه الشيخ جعفر أبو المكارم في العهد العثماني.. وتتابع أبناؤه على إحيائه

سيهات: معصومة المقرقش 

أول ما بُنيَ؛ كان خارج السور، حين كانت سيهات مسوّرة. وفي منطقة كانت فاصلة بين القرية وبين جارتها الغربية.. النابية. بُنيَ بحجارة من البحر، في أواخر العهد العثماني، وعلى الأرجح في أواخر عشرينيات القرن الرابع عشر الهجري.

لكنه اليوم يوصف بأنه من مساجد “الديرة”، وهي المنطقة القديمة من مدينة سيهات.

بهذا الترجيح يكون قد مضى على تأسيسه 115 سنة، وقد شهد تحوّلات كثيرة في تشييده وإعادة بنائه، لكنّه يستعد اليوم لإعادة بناء جديدة، عجّلت بها الأمطار الأخيرة، حيث اضطرّ أبناء الحيّ إلى استخدام القدور والأواني لحماية ما يمكن حمايته من السجّاد.

من آثار الأمطار الأخيرة داخل المسجد

أول مسجد جمعة

جامع المهدي، أو جامع الإمام المهدي، أول مسجد أقيمت فيه صلاة الجمعة في القطيف على الإطلاق. أقامها مؤسِّسهُ الشيخ جعفر بن الشيخ محمد بن الشيخ عبدالله الذي جمع لقبين في الانتماء: العوامي، البحراني، استناداً إلى أصول أسرته البحرينية في جزيرة سترة، وقبل سترة في أصولها الأقدم من قرية (جدعلي)، وتردّده عليها وعلى العوامية وسيهات. فضلاً عن لقلب “أبي المكارم” الذي تحمله العائلة أصلاً.

قبر الشيخ جعفر في البحرين (المصدر: موقع سنوات الجريش، وبإذن من صاحب الموقع شخصياً)

أقام الشيخ جعفر صلاة الجمعة فيه، ثم تلاه نجله الشيخ علي (1313 ـ 1364)، ثم حفيده الشيخ عبدالمجيد (1344 ـ 1423)، ثم حفيد نجله الشيخ محمد علي (1372 ـ 1438)، رحمهم الله جميعاً. وحالياً يقوم حفيد حفيده الشيخ منتظر على إمامة المسجد وجمعته.

بدءاً من يوم الجمعة المقبل؛ سوف تنتقل صلاة الجمعة ـ مؤقتاً ـ إلى مسجد الإمام العسكري في سيهات، وسوف تعمل المعدات على هدم المسجد القديم تمهيداً لإعادة بنائه، بحسب ما ذكره الشيخ منتظر لـ “صُبرة”.

الشيخ عبدالمجيد أبو المكارم

أبو المكارم

تعود علاقة أسرة “أبي المكارم” بالقطيف عموماً، إلى العام 1263؛ حين استقدم الشيخ عبدالله ـ جدّ الشيخ جعفر ـ أسرته إلى قرية العوامية، وقد استقر فيها عقدين من الزمن، وعاش متنقلاً بينها وبين البحرين، حتى وفاته في العوامية، سنة 1282، حيث دُفن فيها. وفيها أيضاً؛ وُلد ونشأ ابنه الشيخ محمد، ثم حفيده الشيخ جعفر الذي بقي متردداً هو الآخر بينها وبين البحرين التي تُوفي فيها سنة 1342، ودُفن في قرية “أم الحصم”، إلى جوار الشيخ ميثم البحراني.

ويقول الشيخ منتظر أبو المكارم إن الشيخ جعفر بنى المسجد أثناء تردده بين القطيف والبحرين، مرجّحاً أن  يكون عمر المسجد الجامع أكثر من 110 سنوات، إذ لا يوجد تاريخ دقيق لسنة تأسيسه، وكل الدلائل التاريخية تُشير إلى أنه من أقدم جوامع سيهات أي بعد مسجد الخضر، في سيهات. ويُشير الشيخ إلى بعض كبار السن أخبروه بأن تأسيس المسجد تمّ قبل ذلك، لكن الشيخ منتظر يراها رواية شفاهية، وقد لا تكون دقيقة.

الشيخ محمد علي أبو المكارم

بناء أول وترميم

بُني في أولى عمليات تشيده وفقاً للنمط القديم أي دون سقف، ولا جدار؛ كان نصفه بسقف “مبني رواقين”، ثم أعادت جمعية سيهات بناءه، ضمن برنامج إعادة إنشاء المساكن ودور العبادة، وذلك عام 1391هـ- 1971م بتكلفة بلغت 22 ألف ريال؛ ثم أعيد ترميمه مجدداً عام ١٤١٤ تحت إشراف الشيخ عبد المجيد، وهي آخر أعمال الترميم التي طرأت عليه حتى الآن.

الشيخ منتظر أبو المكارم

دواعي البناء

وعلى الرغم من وجود مسجد الخضر في حي الديرة، وهو يعدُّ من أقدم المساجد في مدينة سيهات؛ فإن الشيخ جعفر وضع حدوداً لجامع الإمام المهدي في سيهات؛ والسبب يعود إلى كونه الحدّ الفاصل بين سيهات والنابية، فالجامع مثل منطقة حدودية بينهما، ولم يكن بناءً بمعنى البناء بمفهومه العام، بل كانت رسم حدود فقط من صخر البحر، وبعد سنواتٍ بني الرواقان فقط، ثم تتابعت عليه أعمال البناء إلى أن أصبح على شكله الحالي.

أكبر المساجد

الباحث في تراث سيهات علي الباشا أوضح أن الجامع يقع خارج سور الديرة -سيهات القديمة- من الجهة الجنوبية، وربما ابتعد عن السور بأكثر من أربعمائة متر، كان من أقدم دور العبادة في سيهات وأكبرها آنذاك تقريباً، وكان الجزء الأمامي هو الجزء المسقوف منه، حيث يتكئ على أعمدة بينها أقواس، وله محراب مقوّس يتجسد شكله من خارج الجدار، ولهذا المحراب البارز باب لإمام الجامع. مما يدل على أنه المسجد الجامع للمدينة.

فلق اللؤلؤ

وبين الباحث الباشا أن منارة الجامع استحدثت لاحقاً، وساهم في بنائها العديد من بنائي سيهات تطوعاً، كما كان الجامع مكاناً لبعض صائدي اللؤلؤ الذين كانوا يجلسون لفلق محارهم فيه، وذلك بحسب رواية كبار سن في المدينة.

جامع الإمام المهدي في وضعه الحالي

جامع الإمام المهدي في مخطط المستقبل

ترجل مؤقت

‏المسجد الجامع الذي عمّر فترة طويلة من الزمن وتعاقبت على إمامته شخصيات علمية من أسرة أبي المكارم، لم يعد اليوم قادراً على متابعة استقبال المصلين لأداء فروضهم الخمسة، بعد تصدّع أجزاء من سقفه، وتصدع جدرانه، وتسرب مياه الأمطار لأركانه كلّها، ولذلك قررت إدارته بحسب الشيخ منتظر التعجيل بإعادة بنائه مجدداً وفقاً للبناء المعماري الحديث.

وأكد أنّ البنية التحتية للجامع لم تكن مؤهلة بشكلٍ جيد حسب البناء الحديث من حيث وسائل السلامة المتمثلة في الكهرباء ونحوها، كما أن كمية الأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة مؤخراً كشفت ما به من عيوب وجب الوقوف عليها، والتسريع في هدمه وإعادة بنائه مجدداً، بعد استخراج الرخصة المطلوبة من البلدية.

المساحة الجديدة

أما عن مساحة الجامع وتوسعته الجديدة فأضاف: المساحة لن تتغير، وذلك لأن الجامع يقع بين أربعة شوارع، حيث تبلغ مساحته الحالية 700 متر مربع تقريباً تنقص قليلاً. وسيحافظ الجامع على هويته الشرعية وطابعه القديم عما كان عليه سابقاً، لكن طرازه المعماري سيكون مفاجأة ستكشفها الأيام المقبلة مع البناء الجديد. كما سيكون المبنى الجديد متسعاً لقسم نسائي أيضاً.

تعليق واحد

  1. إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾
    [ التوبة: 18]

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×