عين الكعيبة .. “عَذاريْ” القطيف.. تسقي البعيد وتخلّي القريب تنبع غرب الجش.. وتسقي بساتين سيهات

القطيف: معصومة المقرقش
جغرافياً؛ تقع غرب قرية الجش. ولكن ماءها العذب يذهب بعيداً جداً، إلى الجنوب الشرقي، ليسقي بساتين سيهات. وحتى يصل الماء إلى سيحة سيهات، عليه أن يمرّ من بساتين سيحة الجش، وسيحة الملاحة، والسيحة المعروفة بـ “بِرْزة”..!
هكذا كانت عين “الكعيبة” التاريخية، تسقي البعيد دون القريب. وفي المنطقة الخليجية مثلٌ شهيرٌ يُضرب فيمن يحسن إلى الآخرين ويقصّر مع أقاربه.. في المثل يقولون “عين عذاري”، وهي عين جوفية تاريخية في مملكة البحرين عُرف عنها أن ماءها “يسقي البعيد ويخلّي القريب”.
وعين “الكعيبة” الواقعة في محافظة القطيف السعودية، هي عين “عذاري” القطيف، على هذا الشاكلة. تسقي نخيل وبساتين تبعد عنها أكثر من 3 كيلومترات. ودفتر يومياتها للسقاية شاهد على مَهدّاتها وأوضاحها الثلاثة دليل على قوة دفقها لتلك المسافة..
واقع العين عام 2017 (أرشيف صُبرة)
ويُشير الكاتب أثير السادة إلى ما “يهب الفرادة لهذه العين التي يفضل المؤرخون ربطها بتاريخ القرامطة، وقصة الحجر الأسود الذي جرى ترحيله في مروياتهم إلى هنا”. لكن “هنالك سيرة غير مكتوبة عن كرمها وقوة دفقها، وفعلها الاجتماعي، قبل أن تحملها الرمال المتحركة إلى رف المنسيات في الذاكرة”.
مياه الخليج محط رحلها
ويلفت السادة إلى أن البساتين الواسعة التي كانت تحيط بهذه العين إلى ما قبل نصف قرن ليست الدليل الوحيد على نصوص الحياة التي كتبتها العين في سنوات زهوها، بل حتى مساحات النخيل البعيدة التي كانت على أطراف “إبردان” في سيهات، أي على بعد ما يزيد من ثلاثة كيلومترات من موقع العين، كانت هي الأخرى الشاهد على اخضرار المكان ببركات هذه العين التي تسافر في نهاية كل يوم باتجاه الشرق حيث الخليج بمثابة المحطة الأخيرة للفائض من مائها.
واقع العين في بداية تصحّر المنطقة المحيطة بها
دفتر يومياتها
ولأن لا أحد يملك هذه العين النباعة التي يقطع ماؤها مسافات قبل أن يُصرف الفائض منه في البحر، غير أن لها دفتر ينظم يوميات السقاية فيها، دفتر يديره صاحب الأرض التي تصدر عنها، في هذا الدفتر خرائط لهذه الرقعة الزراعية لكنها بلا خطوط، وإنما أسماء وأوقات يعرف من خلالها الماء طريقه اليومي.
أوضاحها الثلاثة
وبحسب السادة فإن العين لا يستطيع أحد أن يوقف ماءها الهادر، فهو يعبر يومياً عبر قنوات السقاية في سرعةٍ مدهشة، قبل أن يأخذه جدول السقاية اليومي عبر الممرات الفرعية إلى نخيل سيحة سيهات الممتدة، ومثلها نخيل الجش القريبة، هناك في سطور الدفتر مقاييس تستند إلى حركة الظل في النهار والنجوم في الليل حيث الساعات لم تزل في حيز الغياب آنذاك، ثمة “أوضاح” يجري توزيعها بين أصحاب النخيل، ويراد بها نهار اليوم ومساؤه، ثمة “ربع وضح” و”نصف وضح” و “وضح كامل”.
ظل الجذع
وبين أن هذه الأوضاح مرصودة بقياس الظل الذي يجري تحديده من خلال ركز جذع في المكان، في ممارسة تشبه طريقة المزولة، فتكون السقاية مستحقة عندما يبلغ الظل مقداراً من الأقدام في واحدة من اتجاهات الظل، عندها يصبح من واجب متعهد النخل، إن كان مالكاً أو مستأجرًا، أن يغلق “مِسكر” النخل الذي قبله، ويفتح الطريق إلى نخله وهكذا.
وأشار السادة إلى أن مدة السقاية في الليل تقسم على نحو “ربع الفجري” أو “ثمين الليل” وسواها من التقسيمات بالإفادة منازل القمر ومواقع النجوم.
مقدار السقاية
وبين الكاتب السادة أن مدة السقاية تختلف بين نخل وآخر باعتبار المساحة ومقدار الحاجة، وهي مسألة يتصالح فيها أهل الصنعة من الفلاحين بالمنطقة، بحيث تصبح نافذة ومعتمدة ضمن التوزيع اليومي للسقاية، دون أن يعني ذلك تمييزًا بين المستفيدين وفق حسابات خارجة عن ترتيبات السقاية نفسها.
ترتيبات محترمة
وينوه بأن المسافة في الدفتر ترسمها ظلال النخيل واتساعها قبل أي شيءٍ، وهي ترتيبات معتبرة ومحترمة إلى الحدِّ الذي يجعلها ضمن صكوك البيع والشراء لهذه النخيل، كما في صك أرض “نخل الشطبان والمغسلة” الموثق في سنة 1352 هـ ، حيث يرد في نهاية الصك: وليعلم أن لها من الماء يوم الجمعة يلزم من على حقروص وميسور من اثني قدم في الشرق إلى ثمين الليل من ثامن مداورة دور لهما ودور إلى جمة “يمة” الزاكي ولهما أيضاً يوم الثلاثاء من قدم ونصف في الشرق إلى اسلوم الشمس دور في النهار ودور في الليل من بعد نصف الليل بقدم ونصف إلى صلاة العاجز وهو المعروف بما قبل طلوع الشمس”.
إحاطتها بالنخيل
وبحسب المسح الهندسي للمنطقة في عام 1431 هـ، فإن شطرا من العين يقع ضمن نخل الشطبان والمغسلة التابع لبيت خريدة من أهالي سيهات، بينما يقع الشطر الثاني ضمن شارع معتمد في آخر تخطيط للمكان، ويحد العين في جميع اتجاهاتها قطع نخيل تابعة لأهل هذه البلدة، عدا الجهة الشمالية التي تقع فيها أرض وقف تحت يد “محسن باقر العوامي”.
أحد مَهدّاتها الثلاثة القديمة حيث يخرج الماء
أحد مهدّاتها الثلاثة بعد إعادة بنائها (أرشيف صُبرة 2017)
مهداتها الثلاثة
وكانت للعين بحسب الكاتب السادة “مَهدّات” ثلاثة، بفتح الميم وتشديد الدال، وهي جمع “مهدّة” في معجم الفلاحين، وتعني الفتحات التي تدفع الماء إلى خارج العين، واحدة باتجاه الشمال، تسقى منها نخيل أهل الجش القريبة، وثانية باتجاه الشرق وثالثة باتجاه الجنوب، وتستفيد منها نخيل منطقة الشعبة وأم الغزلان وبرزة والعمارة وشريقي وسواها وصولاً إلى “إبردان” على مقربة من الساحل، فيجري الماء من “المهدات” عبر “التناقيب” أي ممرات -قنوات- الماء المغطاة، في اتجاهاتها الثلاثة، لتغسل الشروب الواسعة وتسقي النخيل الفارعة الطول، ومن ثم ينسال الزائد من ماء السقاية في “السيبان”، وهي جمع “ساب” ويراد به قنوات الصرف التي ستأخذ الماء في رحلته اليومية ناحية الخليج.
بعض ما رُصد من “تناقيب” العين قبل إزالتها
أحد “تناقيب” العين بعد إعادة بنائها (أرشيف صُبرة 2017)
هجمات الرمال
ولأنها تموضعت في حدود البر، كانت الرمال المتحركة تزاحمها في وجودها، وهي تطمر بحركتها الدائمة جسمها الخارجي، وتدفع بالكثير من الرمل إلى داخلها، وبمثل ما بنيت قنوات ري مطمورة لمرور الماء من أجل تجاوز مشاكل الرمال المتحركة، جرت محاولة رفع جدران العين أكثر من مرة باستخدام الحصى والصخور، بعد أن كانت العين في بداياتها في شكل “شريعة” كما هي الكثير من العيون الطبيعية بالمنطقة.
الاستعانة بالغواصين
ولفت السادة إلى أن قوة الدفع التي تمتاز بها عين الكعبة مكنتها من طرد الرمل عنها في كثير من الأحيان، غير أن الهجمات المتكررة لهذه الرمال كانت تتسبب في إضعاف قوة العين في بعض المرات، الأمر الذي يستدعي تنظيف العين بالاستعانة بـ”الغاصة”، وهم غواصون ممن عرفوا مهنة الغوص في البحر، من أجل إخراج الرمل المتجمع في فوهة العين، وهي مهمة تستغرق مددا طويلة، تصل في بعض الأحيان إلى ثلاثة أشهر متواصلة، يعمد فيها الغواص أو الغواصون إلى عمل حفرة في عمق العين واستخدام “الصخين” بعدها لاستخراج كميات الرمل العالقة فيها.
3 جذوع طويلة ..؟
وبين أن في هذه العملية، تجلب ثلاثة من جذوع النخيل الطويلة التي تصل أطوالها إلى عشرين متراً، وتجر إلى موقع العين بالحبال، بحيث يوضع نصفها بالداخل والنصف الآخر في خارجها لتكون بمثابة الجسر الذي يتيح للعاملين الوقوف عليه ونقل الرمل الذي سيجمعه الغواص في “الزبيل” إلى خارج العين.
تنظيفها كل 10 سنوات
وقال السادة إنّ هذه المهمة كانت شاقة نظراً للكمية الكبيرة من الرمال التي ترفع من داخل العين، وتحدث هذه العملية كل عشر سنوات، غير أنها وفي سنواتها الأخيرة باتت الحاجة إلى التنظيف تتكرر كل خمس سنوات.
الأردبة..؟
ونوه بأنه في المقابل هناك عملية تنظيف أخرى أبسط وأقصر تطال ممرات الماء المغطاة، التي يعمد المنظفون فيها إلى استخدام “الثقبة”، وهو برج صغير للتهوية على طرف المجرى، وفي تجويفه ما يشبه الأدراج تسمح بالصعود والنزول، يستخدمونه لرفع وإزالة الرمال التي تعيق حركة الماء في المجرى وتسمى هذه العملية بالأردبة.
إردبة.. برج بجانب العين (أرشيف صُبرة 2017)
العين المرحومة
وطويت صفحة هذه العين “المرحومة” إلى غياهب النسيان وفقاً للسادة بعد انطماسها بالرمل وانقطاع مائها في ستينات القرن الماضي، وهي مرحومة في وصف أحد الفلاحيين لأنها لم تبتلع أحداً، ولم تكن سبباً لوفاة أحد، على خلاف العيون التي تشابكت مع قصص الموت، و إدعيدع وعبدالعين، وأقاصيص الجن.
ماتت وغاب فريجها
وارجع السادة سبب عدم غرق أحد فيها لقوة دفع العين التي كانت كافية لطرد الأجسام عن الغرق فيها، لافتاً إلى أنها ماتت ومعها غاب فريج “الشعبة” الذي سكنته بعض عوائل الجش على تخوم هذه العين مستفيدة من أسبابه العابرة فيها، وغابت الكثير من البساتين والنخيل التي عرفتها معاول الفلاحين في سيحة سيهات، لتكتب الصحراء بقسوتها شهادة الوفاة لعين فائضة بالكرم.
أصل الوثيقة
نص الوثيقة
وجد التحرير هو أنه قد باع الرجل الأكرم إبراهيم بن حسين الشمر بوكالةٍ عن والدته الحرة المستترة بيبي بنت الحاج حسين بن عباس بشهادة عارفيها الحاج منصور بن الحاج صالح الحلال وعبد العزيز بن الحاج أحمد الشافعي أهل سيهات، ومكي بن الحاج حسن بن عبد الله أهل الجش جناب الرجل الأكرم الحاج علي بن أحمد خريدة لنفسه [……. ] هو قائم مقامهما أخويه لأبويه الحاج حسن والحاج عبد الله جميعاً أهل سيهات […….] وكل مجموع النخلين والمعلومين وبينهما المسميان بالشطات والمغسلة الكائنين في سيحة الجريعة تابع سيهات يحدها غرباً وشمالاً مشروب عين الكعبة وشرقاً ملكاني السيد حسين بن السيد هاشم وجنوباً جعيديات عيسى الخميري بجميع […….] ما للبيع من الحد والحق والتابع واللاحق من أرض ونخيل وفسيل و […….] وماء وممر ومرمى وطرق ومجازات وجميع المتعلقات وكافة المنسوبات و […….] وما يعد منها وينسب إليهما شرعاً وعرفاً ولغة واصطلاحاً عموماَ وإطلاقاً بثمن قدره وعده اربعمائة روبية وعشرون روبيات سكة من سكة الربيات السالكة في المعاملة مقبوض نقداً بمجلس البيع فبرئت من ذمة المشتري ومن هو قائم مقامهما براءة شرعية براءة قبض واستيفاء حق بيعاً صحيحاً صريحاً شرعياً بيناً جارياً مزاهلة في […….] لا وعد ولا نذر ولا قهر […….] ولا إجبار متبوعاً بإسقاط جملة الدعاوى المسموعة شرعاً […….] وجهالة ومواطاة وإيمانها […….] وذلك بعد العلم بالبيع من الطرفين و […….] الخبرة من الجانبين متفرقين من مجلس البيع على الرضا والإمضاء من غير فسخ ولا اقالة […….] لم يبقَ للبيع ولا […….] في البيع المعلوم ولا في ثمنه لقبضة إياه لها [……] المشتري حق ولا مستحق ولا دعوة ولا طلب يوجد ما ولا سبب بل صار ذلك مالاً وملكاَ للحاج محمد ومن هو قائم مقاهما المذكورين من جملة أملاكهم يتصرفون فيه حيث شاؤوا و […….] وأرادوا تصرف الملاك في أملاكهم وذوي الحقوق في حقوقهم لا منازع لهم فيه ولا معارض ولا مصارع وليعلم أن لها من الماء يوم الجمعة يلزم من على حقروص وميسور […….] عشر قدم في الشرق إلى ثمين الليل من ثامنه مداوره دورهما ودور إلى جمعة الزاكي ولهما أيضاَ يوم الثلاثاء من قدم ونصف في الشرق إلى اسلوم الشمس مداوره دور في النهار مدور في الليل بعد نصف الليل يقدم ونصف إلى صلاة العاجز وهو […….] قبل طلوع الشمس […….] يلزم من على غرس أبو السعود ومجموع ماء الثلاثاء ليلاً ونهاراً مداوره مع جمعة الزاكي دورين ليلاً دورين ليلاً ونهاراً لهما دورين ليلاً ونهاراً إلى جمعة الزاكي لكل منهما […….] حتى لا يخفي جارياً باليوم الرابع عشر من شهر ذي الحجة الحرام منشور سنة 1352 الثانية والخمسين والثلاثمائة والألف.
الموقعون
باعتراف بالبيع وقبض الثمن
[…….] بن حسين بن نصر
باعتراف البائع والبيع
[…….] الشافعي
حرره شاهد الوكالة والبيع وقبض الثمن الأقل
منصور بن عبد العزيز بن عبد الرحيم
[……] البيع وقبض الثمن صحيح
إبراهيم بن حسين الشمر وكتب عنه بأمره[…….] بالبيع والقبض يشهد به
[…….] بن حسين بن نصر
باعتراف البائع والبيع وقبض الثمن ويشهد عليه
منصور بن علي الزاكي
باعتراف البائع بالبيع وقبض الثمن ويشهد على ذلك إبراهيم بن رضي
يشهد بذلك مكي بن حسن بن عيسى الوهاب
عن العين:
- 2015: جُرفت العين بواسطة معدة مقاول في مشروع تسوية الأرض ضمن إنشاء مخطط سكني.
- 2017: أعيد بناؤها من جديد بطراز مختلف عن طرازها القديم.
- 2019: تمّ تسييج محيطها لحمايتها.
تنويه:
مصدر الصور غير المشار إلى مصدرها: مواقع مختلفة من الإنترنت
أرشيف صُبرة 2017
للاسف هناك الكثير من يربط عين الكعيبه بحادثة الحجر الاسود وتغييبه عن موضعه لمدة تقارب ٢٠ عام.
كنت رئيس فريق التنقيب واعادة البناء ولم ارى اي دليل يشير الى دعم تلك المقوله التي اعتبرها هي عارية من الصحة.
نعم وجدت اساسات لمصلى صغير من الجهة الشمالية من العين ولم ارى غير ذلك وهذ المصلى كباقي المصليات الصغيرة المنتشرة قرب اغلب العيون في منطقة القطيف