القطيف تردُّ الجميل وتكرّم السيد حسن العوامي في ليلة مشهودة سيرة رائد اجتماعيٍّ سردتها شهادات حفل نظمه منتدى الثلاثاء

المهندس زكي: أبي جريءٌ في مطالباته.. وضعيف أمام قصة امرأة آذاها زوجها

القطيف: أمل سعيد

تصوير: حسن الهاشم

عرفتُ فيه اجتماع الضدّين.. فبقدر ما يحمل من جرأة تكشف عنها رسائله إلى المسؤولين ومخاطبته إياهم ومطالبتهم بتنفيذ وعودهم بإقامة مشاريع التنمية في القطيف.. ترى الدمع يسيل من عينيه إذا سمع عن امرأة أساء معاملتها زوجها”.. بهذه الكلمات اختزل المهندس زكي العوامي شخصية والده السيد حسن العوامي.

كانت كلمة المهندس زكي خِتام حفل البارحة الذي نظّمه منتدى الثلاثاء في قاعة شهاب.

البارحة؛ منحت القطيف السيد حسن العوامي ليلة تليقُ بدوره وسيرته، في حفل التكريم الذي احتشد فيه جمهور ملأ القاعة الملكية. ولأطول من ساعتين؛ تناوب سبعة متحدثين على منصّة الشهادة ليقرأوا سيرة السيد العوامي من زواياها المتعددة، ثقافياً واجتماعياً، ويطرحوا مُنجزه على منضدة البحث والتشريح.

السيد العوامي الذي خلا كرسيُّه منه في الصالة؛ كان الأكثر حضوراً وتعبيراً في الحفل الذي أداره المذيع محمد الحمّادي، وبدأ بالقرآن الكريم، واختُتم بمنح أسرته دروع تكريم تسلمها نجله المهندس زكي العوامي.

قامة سامقة

وفي كلمة منتدى الثلاثاء لخّص رئيسه جعفر الشايب حدث الليلة “تكريم قامة اجتماعية سامقة، وشخصية نذرت حياتها لخدمة المجتمع في مختلف قضاياه، وبادرت بدعم ومساندة أبنائه في شتى المجالات”، كاشفاً عمّا وصفه سرّاً “أنني أكتشف كل يوم مزيداً من عمق المحبة لفارس حفلنا هذا لدى مختلف فئات المجتمع”. وأضاف “لأنه أعطى الجميع فهو يستحق كل هذا التقدير والاحترام”.

أولى الشهادات

الدكتور منصور القطري؛ كان أول شهود المنصة، واضعاً توصيفاً للفكر الاجتماعي الذي حمله السيد العوامي في حياته وأدبه. تناول القطري انفتاح السيد، ورصانة لغته، وأخلاقياته، وجرأته، مارّاً على مؤلفاته مستشهداً ببعض إشاراته المثقفة الجادة.

المرأة والمجتمع

السيدة امتثال أبو السعود؛ تناولت محور المرأة في نشاط السيد العوامي.. فقد “كان للمرأة في فكره موقعٌ إيجابيٌّ لم ينأ عنه، مدركاً أهميةَ تمكينها، عارفاً بمكاسبها وبمكاسب المجتمع من حضورها الفاعل فيه”. وأشارت أبو السعود إلى كتابه “المرأة في التشريع الإسلامي والحياة الغربية” الذي “حاور فيه الأفكار التي أخذت تتسلل في أوساط المثقفين في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتأثيرها فيهم”. كما أشارت إلى دراسته “المرأة في القطيف بين عصرين”، وأضافت أنه “يقصد عصر ما قبل البترول وما بعده، متناولاً فيها دور المرأة وأوضاعها في الحياة الاجتماعية والدينية، ونظرة الرجل والمجتمع إليها”.

وأشادت أبو السعود بأفكار السيد العوامي حول المرأة في القطيف، مستشهدة بحوار متلفز له مع الإعلامي حسن حمادة، ونقلت كلام العوامي عن المرأة “وجدتها عندها تطّلع وحبٌ للعلم والعمل والالتزام، المرأة القطيفية من أفضل نساء المنطقة، معرفة وإدراكاً ونشاطاً، ورغبة في العمل، والذي ينقصها الشيء الكثير، ينقصها إعطاؤها مجالٍ من الحرية لكي تُعبِّر عما في نفسها، وإعطاؤها مجال عمل أوسع، هي عندها قابلية لأن تقدم عطاء جيد جداً  في مختلف المواضيع والفنون، لتقدم الأفضل، ولدينا نساء قدمن كتباً ممتازة جداً، وهذا يبشر بنهضة نسائية عندنا”. مشيراً إلى أن حياتها كانت في الماضي ضيقة جداً، وأصبحت أكثر انفتاحاً وبمشاركة فعالة”.

الرقم 122

وعرّجت أبو السعود على مواقف العوامي “يجب ألا يغيب عن ذاكرة المجتمع القطيفي… الرقم ١٢٢ والذي يشكل مجموعاً لسيدات القطيف اللواتي ما زال بعضهن على قيد الحياة وأخريات فارقنها، مثلّن الدفعة الأولى التي التحقت بالمدرسة الابتدائية التي أسسها مع سبعة من رفاقه ذات يومٍ أشرقت به العقول، وتطلعت إليه النفوس من عام ١٣٧٨هـ، وذلك قبل السماح بإنشاء المدارس الرسمية العامة”. وأضافت “وما ذاك بغريب من رجل عشق العلم وأدرك فضله على أي مجتمع يأخذ به أهله، وهو من قال” إذا امتد عطاء الأمة أو المجتمع أو الفرد إلى آخر لينبسط على قاعدة عريضة من الناس والحياة؛ فإنها تكون قد أوجدت لنفسها فسحةً كبيرةً على صفحة التاريخ وسجل المؤرخين”. أما عن علاقته بالمرأة الزوجة، والأخت والإبنة والحفيدة فهو حديث إن رُسِمَ فسيشكل لوحةً فسيفسائية مزدانة بأيقونات الجمال، المتمثلة في الرحمة والحنان والصداقة ورحابة الصدر، والتربية على القيم عالية الرتب”.

شهادة نوعية

فقرة الحفل التالية؛ كانت فيلماً وثائقياً، تلته كلمة للشيخ حسن الصفار الذي أدلى بشهادةٍ جديدة في حق العوامي.. السيد العوامي من أوائل من شجّع الشيخ الصفار على التحصيل العلمي الحوزوي حين وجده يمارس الخطابة في أواخر الثمانينات الهجرية. وحين سافر إلى النجف؛ كان السيد في مقدّمة من عرض المساعدة عليه، وأشار عليه بالانفتاح على الثقافات والعلوم الجديدة، وحذّره من الوقوع في الصراعات والنزاعات التي يقع فيها بعض طلاب العلوم الدينية. الشيخ الصفّار واصل سرده في توصيف العلاقة التي استمرّت مع السيد وامتدّت إلى مرحلة العمل الوطني.. نوّه الشيخ الصفار بنصح السيد ومحاوراته، واحترام المختلفين معه.

وعبّر الشيخ عن سعادته بما شاهده في الحفل.. وقال “كم أشعر بسعادة بالغة وأنا أرى هذا الحشد الكبير من العلماء والأكاديميين والمثقفين والوجهاء وسائر أبناء المجتمع من مختلف الشرائح رجالاً ونساءً، شيوخاً وشباباً، وقد اجتمعوا لتكريم شخصية اجتماعية وطنية ماتزال بين ظهرانينا، وهو الأستاذ الكبير السيد حسن العوامي أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية؛ حيث تعودنا أن نحتفل بالشخصيات بعد غيابها، ولأن المحتفى به شخصية متعددة الأبعاد فلن يتمكن متحدث أن يتناول تجربته في مختلف أبعادها. لكن المأمول أن يتجلى أكبر قدر من جوانب شخصية المحتفى به، عبر تنوع الأبعاد التي يتناولها المتحدثون في هذا الحفل الكريم”.

دور الرواد

عصام الشمّاسي؛ ارتقى المنصّة بدوره، وتناول “السؤال الذي يشغل الأجيال الصاعدة ذات الحس الاجتماعي والوطني.. السؤال هو: ماذا عمل هؤلاء الروّاد..؟”. وتولّى الشماسي الإجابة بنفسه.. إنها “سرد وتلاوة قائمة عريضة وسلسلة من الإنجازات والمواقف المشرقة”. وركز الشماسي “على بعض من الملامح التي أسهمت في تميز هذه التجربة”.. يقصد تجربة الرواد، وتناول سبعة عناوين تميز بها جيل الرواد، هي: “المتابعة الدقيقة والقراءات الواعية للأحداث، السخاء بالوقت والفكر والمشاعر قبل السخاء المادي الذي هو منه على وفرة، المبادرة، احتضان الطاقات والتعامل بالندية حيث تجمد عنده المسافات الزمنية، الصراحة والشجاعة، ملاحقة مستجدات العصر، تقبل الآراء التي تختلف معها”.

صياغة مَنْقَبة

ثم جاء دور الشعر؛ بقصيدة طويلة للشاعر علي آل مهنا، كان مطلعها:

يومٌ بمغناكَ قرنٌ فيه تحتشدُ

جحافل النبل مزهواً بها البلد

تصوغ للجيل تلو الجيل منقبة

وفي المروءة منك الصفح والمدد

ومنها:

تأبى انطفاء بما قد عشت من فكر

وهكذا الفكر خلاق ويتقد

تطل بدراً إذا ما أظلمت أفقاً

رؤى يلفعّها الديجور والرمد

وتشعل الرأي إيذاناً لملحمةٍ

يقودها الوعي مهما يبعد الأمدُ

مرافعة ضد السيد حسن

شاعرٌ آخر تسلّم المنصة هو السيد عدنان العوامي، لكنّه قدّم نفسه مترافعاً ضدّ ابن عمّه المُكرَّم، في مناكفةٍ طويلة (تنشرها صُبرة مستقلة). الشاعر العوامي أمسك بإفادة سابقة للسيد حسن قال فيها “بدأتُ النزولَ إلى الميدان عام 1368هـ”. وقدّم الشاعر العوامي دحضاً بالدليل على أنه نزل إلى الميدان قبل ذلك التاريخ..!

“أول تلك الأدلَّة أنَّ عمَّ أبيه السيد ماجد (رحمه الله) تُوفي في ربيع الثاني سنة 1367هـ فكان أحَدَ السواعد المؤازرة لأخيه السيد محمد (رحمه الله) في قضية الخلاف على الأوقاف، وهذا النشاط سابق على التاريخ الذي حدده بعام”.

وأضاف الشاعر العوامي “الثاني – بحوزتي نصُّ مرفوع من أعيان القطيف ووجهائها لأمير المنطقة الشرقية سعود بن عبد الله بن جَلَوي (رحمه الله)، يطلبون فيه تطوير المحكمة الجعفرية بتحويلها إلى هيئة متكاملة، وهو مدوَّن بخط أبي زكي”.. وعلى هذا استرسل الشاعر في مرافعته، مفصّلاً أحداثاً بتورايخها وشخصياتها، ليستدلَّ على أن ابن عمه السيد حسن أسقط جزءاً من سيرته”.

تسعود موسماً

بعد مرافعة الشاعر العوامي المنثورة؛ جاء دور الشعر مجدداً على لسان حبيب محمود، في قصيدة جاء فيها:

طريةٌ هذه الوجوهُ، هُنا

حيِيةٌ، وهْيَ تحضُنُ الحَسَنا..!

لُحتَ لها نخلةً؛ فأذهلَها

أنك تسعون موسماً فطِنا

تُباكِرُ الريحَ قبل بارحِها

وتسحتُ الشوكَتين عن يدنا

الله.. ما أبصرَ الصديقَ، وما

أنجعَ نبضَ القطيف في دمنا

وما ألذَّ المساء.. أنت له

كأنّنا الآن، عصرُ جُمعتنا

تعطّرَ الشايُ في سماورهِ

وقلّبَ الصحبُ سِفر قصتنا

في عاصفاتٍ كأنّ أولها

جوائحُ الدهرِ في أزمّتنا

الليلُ محدودِبٌ، ونجمتُهُ

مشروخةُ الضوء.. والطريق ضنىْ

حبّرتَ إصباحه بروحِ أبٍ

جليّة السطر مشتلاً وجَنىْ

سرُّ أبيه

انتهى الحفل، وكأنه لم يستغرق أطول من ساعتين. كانت الكلمة الأخيرة لنجل السيد، المهندس زكي الذي أشبه أباه في الاستشهاد بالشعر، ونوّه بما رآه “خلال الشهرين الماضيين من العمل الدؤوب والتفاني في الإنجاز والمتابعة الدائمة دون كلل ولا ملل ولا سأم من القائمين عليه وعلى رأسهم الأستاذ جعفر الشايب والأستاذ زكي ..والأستاذ عيسى العيد والأستاذ أمين الصفار والسيد الأستاذ عدنان العوامي ومن خلفهم من الجنود المجهولين”، في إشارةٍ منه إلى التحضير لأمسية الحفل. أشاد بمنتدى الثلاثاء “نعم رأيت ما يثلج القلب؛ ومن هنا عرفت لماذا استمر المنتدى مدة 19 عاماً إلى اليوم، وكل عام يأتي هو أفضل من العام الذي سبقه”.

وكما كان أبوه في خفة الظل؛ ظهر المهندس زكي أيضاً، في قصة قريبة “قبل أيام كنت أقرأ له نصاً من الشعر، وهي عادة يومية، وقلت له “سوف أقرأ قصيدة عن الإمام أبي عبدالله الحسين.. وأضفت “بأبي هو وأمي”.. فقال الوالد: طبعاً أمك وأبوك لكن نفسك لا”.

هنا تموّجت القاعة الملكية بضحكٍ ودود.. ضحك من يعرف مُلَح السيد حسن العوامي.

اقرأ أيضاً

مرافعة وليست شهادة

المرأة في مسيرة السيد حسن العوامي

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×