المرأة في مسيرة السيد حسن العوامي

امتثال أبو السعود*

مساءُ الحبِ الجامعِ لكل معاني الخير والبذل والعطاء، مساءٌ يعانق بفرحٍ حضورَكم الزاخرِ بصنوفِ الأمنياتِ الرائعات، وتحيتي إليكم بالسلام عليكم ورحمة الله وبركات.

إخوتي وأخواتي، بيني وبين أرضي حكايةُ عشق لا تنتهي، لا ينأى بها زمان، ولا يحدُها مكان، وعلى غير المألوف في الحكايا من تداخل شخوصها الخيرين والأشرار؛ إلا أن حكاية عشقي مع هذه الأرض زاهرةٌ دوماً، منتشيةٌ أبداً، بشخوص وأبطالٍ خيرين أعطوا لها، وأغدقوا عليها من مهجهم وجهودهم لكي يأخذوا بيدها في مواكبةٍ حضارية لمسيرة الإنسان بما تستحقه وجديرة به، وما هذا بقول مزهوة معتدة متعصبة لأرض وإن كانت هي الجمال في كل ملامحه، أو لقوم هم بُناة له، وإن وجدتُ ذلك قد سكنني في بعضِ وقت، إلا أني أُبعده عني حالاً كما أبعد وهجاً لافحاً عن بصري، لأعيد قراءة هذا المنحى الوجودي بناء على حقيقةٍ ومعطى، فالتاريخ إن ناب عني وحكى؛ سيحكي الكثير، وسيرسم الأكثرَ لقداسة أرض امتد تاريخُها لما يربو على ستة آلاف من السنين، وهذا مما لا فسحة لدي ولا لكم لسرد أدنى مكنوناته وصيرورة عظمته، وبين صفحات الكتب، وفي الصدور ما حُفظ ووثق من أبنائها ومن غيرهم.

أعزائي؛ لي قناعةٌ أن احتياجاتِ المجتمع ومشاكله، وما يمر به من أحداث؛  تُسقط ورق التوت عن أبنائه وتبرز خفايا غير منظورة قبلاً، لتضعهم على المحك، وأبناء هذه الأرض وجيلاً بعد جيل اثبتوا أن العزائم لا تلين، وإن هي هجعت حيناً؛ فسرعان ما تقوم  لتحيك لهم ثوباً جديداً صلداً في مواجهة ما يمرون به وما يعتريهم من خطوب، فلم تزدهم المآسي إلا حماساً وشجاعة، ولم تأخذهم الانتكاسات إلا علواً وتمكناً وسعياً دؤوباً نحو تميز متنام، هذا رغم بعض الهنات التي هي طبيعةٌ بشريةٌ كونية، نخطئ إن لم نعترفْ بها أو تعامينا عن الإقرار بوقوعنا فيها، لكنها مع هذا تضمحلُ عند مقارنتها بالإنجازات، وتُغتفرُ عند رصدها مقابلِ سمو الأهداف.

وقد قيض الله لهذه الأرض من يحمل الهمَ الجمعي بفكر ثاقب، مبعثُ ذلك إيمانٌ ووعي بالمسئولية. والشخصية الموقرةُ التي نتساهم جميعاً تكريمَ صاحبِها الليلة وهو العم العزيز السيد حسن العوامي رعاه الله، هي على قدر كبير من كل ذلك، إذـ وبمعية رجالات مثله ـ لم يقف ولم يركن يوماً للتذمر من وضعٍ ما حين تدلهم الخطوب، أو حين يحتاج حدثٌ لمن ينبري له، بل كان ساعياً لإيجاد الحلول لإصلاح ما هو قائم، إنْ مكاتبةً، أو حراكاً ميدانياً، داخلياً على مستوى الوطن، أو متجاوزاً حدوده.

ولا أخفيكم فقد تهيبت للحظة من قبول هذه الدعوة الكريمة، إذ حمّلتني عظيم المسئولية، وخشيت أن أبخس صاحبَها ـ عن غير قصد ـ حقاً له علينا وهو سيد من سادات العطاء، لكن عندما يتحدث الإنسانُ عن شخص في مثل موقعه تصبح الرياحُ كلها مواتية لتسيير مركبه نحوها، وإبحار شراعي الليلة نحو محور”مسيرة السيد في قضايا المرأة”. وحديثي عنه هنا ليس منبعه علائق الصداقة الوشيجة، أو رفقة الدرب التي ربطته بوالدي ـ أحسن الله مثواه ـ ولا منبعه النسب الذي ربط أخي بابنته، وأختي بابن أخيه، وليست وليست…، مما منحني فرصاً كثيرة لمجالسته، والإستئناس بأحاديثه، إنما هي أكبر من ذلك بكثير، هي علاقة ابنة هذه الأرض وابنة هذا المجتمع بهامة وقامة لها حضورٌ خلاّق، وثري في شتى المجالات.

ولأن المرأة تأتي إلى العالم بحكماء وأدباء وأجلاء ومخلصين أمثاله، كان للمرأة في فكره موقعاً ايجابياً لم ينأى عنه، مدركاً أهميةَ تمكينها، عارفاً بمكاسبها وبمكاسب المجتمع من حضورها الفاعل فيه، فهذا كتابه ” المرأة في التشريع الإسلامي والحياة الغربية” حاور فيه الأفكار التي أخذت تتسلل في أوساط المثقفين في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وتأثيرها عليهم، كما أن له دراسة ضمنها الجزء الأول من سلسلة “وحي القلم” تحت عنوان ” المرأة في القطيف بين عصرين” يقصد عصر ما قبل البترول وما بعده، متناولاً فيها دور المرأة وأوضاعها في الحياة الإجتماعية والدينية، ونظرة الرجل والمجتمع إليها. وأقتبسُ منها ما يشي بنظرته إلى المرأة في قوله: ” ولا شك أن تلك الأنماط من السلوك في معاملة المرأة أو التحكمِ فيها وفي شئونها، والحدِ من تحركها وحريتها؛ كلُها أمور مخالفة إلى نظم الإسلام وتعاليمه وموقفه من المرأة، ورؤيته لحقها وحريتها”.

وفي حديثه عن المرأة القطيفية في برنامج “وما يسطرون” الذي حاوره فيه الإعلامي حسن حمادة  يقول”وجدتها عندها تطّلع وحبٌ للعلم والعمل والالتزام، المرأة القطيفية من أفضل نساء المنطقة، معرفة وإدراكاً ونشاطاً، ورغبة في العمل، والذي ينقصها الشيء الكثير، ينقصها اعطاءها مجالٍ من الحرية لكي تُعبِّر عما في نفسها، وإعطاءها مجال عمل أوسع، هي عندها قابلية لأن تقدم عطاء جيد جداً  في مختلف المواضيع والفنون، لتقدم الأفضل، ولدينا نساء قدمن كتباً ممتازة جداً، وهذا يبشر بنهضة نسائية عندنا”. مشيراً إلى أن حياتها كانت في الماضي ضيقة جداً، وأصبحت أكثر انفتاحاً وبمشاركة فعالة. ولأنه رجل المواقف حين تستلزم العملَ الجاد؛ كان لا بد أن نستحضر في هذه المناسبة رقماً تاريخياً يجب أن لا يغيب عن ذاكرة المجتمع القطيفي لما له من أهمية، ولأنه يؤكد على مستوى الوعي المتقدم لديه، ألا وهو الرقم ١٢٢ والذي يشكل مجموعاً لسيدات القطيف اللواتي ما زال بعضهن على قيد الحياة وأخريات فارقنها، مثلّن الدفعة الأولى التي التحقت بالمدرسة الإبتدائية التي أسسها مع سبعة من رفاقه ذات يومٍ أشرقت به العقول، وتطلعت إليه النفوس من عام ١٣٧٨هـ، وذلك قبل السماح بإنشاء المدارس الرسمية العامة. وما ذاك بغريب من رجل عشق العلم وأدرك فضله على أي مجتمع يأخذ به أهله، وهو من قال” إذا امتد عطاء الأمة أو المجتمع أو الفرد إلى آخر لينبسط على قاعدة عريضة من الناس والحياة؛ فإنها تكون قد أوجدت لنفسها فسحةً كبيرةً على صفحة التاريخ وسجل المؤرخين”. أما عن علاقته بالمرأة الزوجة، والأخت والإبنة والحفيدة فهو حديث إن رُسِمَ فسيشكل لوحةً فسيفسائية مزدانة بأيقونات الجمال، المتمثلة في الرحمة والحنان والصداقة ورحابة الصدر، والتربية على القيم عالية الرتب.

من هنا نجد أن السيد حسن ـ حفظه الله ـ اختط لنفسه منهاجاً، ارتأه متوافقاً مع إيمانه وقناعاته، وتربيته الفضلى لامتداد أسري باذخ، وبما دعم به ذاتَه من غزارة علم وثقافة، وموقناً ـ ولعلكم لا تختلفون معي في هذا ـ أن يكون توجهُهُ المجتمعي هو الناظم لكل ما قدم من عطاءات، وذلك حين آمن أن لا فرق في مسالك الناس بين منتفِـع ونافع، فكلاهما مسالكه لنفسه، إلا أن الأولَ معابرُه تبقى جرداء متصحرة، والآخرَ تغدو معابرُه مروجاً مخضرة بما يُبذر فيها، لذا كان خادماً لمجتمعه، فحق له أن يكون واحداً من سادته.

وما تكريمه اليوم وإن كان رمزاً لفضله؛ ما هو إلا غرس شجرة وارفة تستطيل في قلوب الناشئة ليستظلوا بتاريخ يعلمهم أن المجتمعاتِ هي مسؤوليةُ ابنائِها، والعملَ لأجلها أمانة في أعناقهم، وهي رسالة السماء إلينا.

ختاماً أقول؛ كم هو رائع ما توشحت به أمسيتنا من عطاء انيق ندي، عبر كلمات ومعان ترفل بالثراء المعرفي، من قبل المحتفين بهذه القامة، وعطر كلمات انتثرت كحبات لؤلؤ تضيء حفلَنا الزاهي الذي نهديه بكل تفاصيله لمن اجتمعنا لأجله، إلى العم الحبيب السيد حسن العوامي. شاكرة للجميع ما منحني إياه من حسن استماع، مثمنة لإدارة المنتدى المتمثلة في الراعي له الأستاذ جعفر الشايب ومعاونيه هذه الثقة التي غُمرت بها حين أتاح لي فرصة مشاركتي في هذه المناسبة التي شرفت بها بمعية الإخوة الفضلاء.

بارك الله قلوبَكم برضاه، وجعل مساءكم جليلاً باعطياتكم.

———-

* الكلمة التي ألقتها مساء البارحة، في تكريم السيد حسن العوامي الذي نظمه منتدى الثلاثاء.

اقرأ أيضاً

القطيف تردُّ الجميل وتكرّم السيد حسن العوامي في ليلة مشهودة

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×