“وفاة النبي”.. ألّفها قطيفي قبل 7 قرون.. ونشرها نجفيون.. وقرأها شيعة الخليج يوسف بن أُبيّ كتب "التهاب نيران الأحزان" ليُقرأ في نهاية شهر صفر

“التهاب نيران الأحزان ومثير الاكتئاب والأشجان في وفاة سيد ولد عدنان”.. كتاب يحظى بشعبية واسعة في منطقة الخليج العربي، ويحرص الشيعة على قراءته، رجالاً ونساءً، في نهاية شهر صفر من كلّ عام، في ذكرى وفاة النبي (ص)، حسب الرواية المعتمدة عند الشيعة.

وقد اكتسب الكتاب شعبيته من الطريقة التي يُقرأ بها، ونبرة الحزن التي يؤدّيها القاريء، أو القارئة في المجلس، على الرغم من أن أسلوبه يتبع الطريقة السردية القديمة، ولغته مكتوبة قبل قرابة 6 قرون ماضية، لأن مؤلفه عاش في القرن التاسع الهجري.

والمؤلف هو الشيخ يوسف بي أبيّ القطيفي الذي عاش في قرية اندثرت اسمها “رشالا”، وتقع جنوب غرب المنطقة القديمة من قرية القديح في محافظة القطيف السعودية.

حسين منصور الشيخ

كان صدوع نبينا الكريم محمد (ص) بالدين الإسلامي فاتحة عصر جديد للمجتمع العربي في العديد من النواحي، ومن ذلك ما عرفه العرب تاليًا من تدوين لتراثهم الأدبي والتاريخي والثقافي. إذ تعد «صحف القرآن الكريم أقدم مدوّنة كاملة وصلت إلينا عن اللغة قبل أن تصل إلينا قصائد مدوّنة من الشعر الجاهلي»، كما يصرّح بذلك المستشرق إ. ولفنسون[1]. وليكون القرآن، بعد ذلك، فاتحة الكتاب العربي المدوّن.

كما أنّ اهتمام المسلمين بتدوين السيرة النبوية الشريفة كان مدخلًا مهمًّا لاهتمام العرب بتدوين الأحداث التاريخية في مرحلة لاحقة، سواءً ما قبل حادثة البعثة النبوية من ذكرٍ لأيَّام العرب في الجاهلية، أو ما بعدها من تتابعٍ للدول الإسلامية وما رافقها من وقائع وأحداث. وقد تفرّع عن ذلك العديد من المدوّنات التاريخية، فظهرت كتب المغازي، وكتب قصص العرب، وكتب التاريخ الأخرى التي دوّنت الحكايات الشفهية التي كانت متداولة بين العرب وما يتناقلونها من أخبار، بعضها قد ينسجم والمنطق العقلي في رواية الأحداث التاريخية، وبعضها يكون أقرب لحكايا القصّاصين المليئة بالمبالغات والبطولات الخيالية، وبخاصّة مع ما يروى عن الأمم المتطاولة في القدم.

ولأنّ العديد من المجتمعات الإسلامية تحتفي بإحياء المناسبات الدينية، وبخاصّة ما يرتبط بنبيّنا الكريم محمد (ص)، حيث يحيون، مثلًا، ذكرى مولده الشريف وفق طقوس وأعراف وتقاليد اجتماعية بهيجة، فإنهم بحاجة إلى تطعيم الاحتفاء بذكر للأحداث التاريخية المرتبطة بالمناسبة بلغة اجتماعية مباشرة خالية من العنعنات والأحداث الجانبية، والمطعّمة باللغة الاحتفالية، ولذلك خُصِّصَت مجموعة من الكتب التي تروي قصّة المولد، التي تتخلّلها مجموعة من الأبيات الشعرية المنتقاة المتلائمة وهذه المناسبة السعيدة. والتي تضفي روحًا من الطراوة على الرواية التاريخية الجافة.

وكما يحتفي المسلمون بذكرى ميلاد نبيهم الكريم محمد (ص)، يحتفون بذكرى رحيله، وهي ذكرى يحيونها بعواطف جياشة تروي قصّة ارتحاله إلى بارئه سبحانه، وتتخلّلها الأبيات الشعرية المنتقاة المؤجّجة لمشاعر الحزن والأسى على رحيله وفقدان أهل الأرض لذلكم الارتباط الوحياني الذي كان يمثّله (ص). وقد انتشر هذا النوع من التصنيف الذي أسّس لاحقًا لما يعرف اليوم بكتب المجالس، التي تكتب بغرض جمع المادة الروائية والأدبية ذات الصلة بالنبي (ص) أو أحد الأئمة (ع).

الصفحة الأولى من كتاب وفاة النبي

ولعلّ من أوائل ما صنّف في هذا الباب كتاب: «التهاب نيران الأحزان ومثير الاكتئاب والأشجان في وفاة سيد ولد عدنان» لمؤلّفه الشيخ يوسف بن حسين بن أبيّ القطيفي (كان حيًّا سنة 860ﻫ)، والذي يعرف بين الناس بـ (وفاة النبي (ص))، إذ «لم يكن في بلادنا القطيف كتاب في وفاة الرسول (ص) مشهور متداول غير كتاب (التهاب نيران الأحزان)»[2]، كما يعبر الشيخ فرج العمران (ره).

عجيب الترتيب

وقد وصفه الشيخ علي البلادي في أنوار البدرين بأنه: «عجيب الترتيب، وهو أحسن ما صنِّفَ في هذا الباب»[3].

وقد لقي الكتاب شهرة واسعة وانتشارًا في المنطقة، إذ كان الكتاب الرئيس الذي يُقرأ في هذه المناسبة، كما عبّر بذلك الشيخ العمران في أزهاره. وقد كتب عنه أكثر من عالم من علمائها، فها هو الشيخ سليمان الماحوزي المتوفى سنة 1121ﻫ يتحدّث عن الكتاب في كشكوله (أزهار الرياض) ويظنّ أن «مؤلّفه من القدماء، وأنه متقدّم على صاحب (مروج الذهب) [المسعودي] الذي توفي سنة 376ﻫ»[4].

الصفحة الأخيرة من كتاب وفاة النبي

بين السابع والعاشر

وهي الإشارة التي يلتقطها آقا بزرگ الطهراني الذي اطّلع على الكتاب، ويناقشها في كتابه الذريعة، ويثبت أن المؤلف من المتأخّرين وأنه عاش بين القرنين السابع والعاشر الهجريين، ودليله على ذلك وجود «أشعار كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي، صاحب مطالب السؤول المتوفى سنة 652، وبعض أشعار الملك العادل محمد بن أيوب المتوفى سنة 615، وشعر ابن العودي النيلي المنقول في المناقب، فيظهر من منقولاته أنه أُلِّف بعد القرن السابع إلى العاشر»[5].

ولم تقف شهرة الكتاب عند حدود منطقة البحرين التاريخية التي تشمل حاليًّا: القطيف والأحساء ومملكة البحرين، وإنما تتعدّى شهرته المنطقة لتصل إلى إيران، حيث يُعجب الفيض الكاشاني بحسن ترتيبه، ومن ثَمَّ «يضمّنه كتابه (علم اليقين) المطبوع في عدّة فصول» ويضعه فيه مختصرًا[6].

ولذلك، فإن الشيخ فرج العمران، في حديثه عن الكتاب، عندما يتنقد الشيخ علي البلادي بأنه حينما ترجم للشيخ يوسف بن أبيّ وذكر مؤلّفاته، اكتفى بالقول: «له: كتاب وفاة رسول الله (ص) المشهور الذي يقرأ في أطرافنا»[7]، ولم يذكر اسم الكتاب كما سمّاه مؤلّفه، يعلّق على ذلك بأن الشيخ البلادي لعلّه اكتفى بالوصف المميّز، لأنّه «لم يكن في بلادنا القطيف كتاب في وفاة الرسول (ص) مشهور متداول غير كتاب (التهاب نيران الأحزان)»[8].

الشيخ فرج العمران

مؤلف كان مجهولاً

ومع شهرة الكتاب، إلَّا أنّ مؤلّفه ظلّ مجهولًا عند كثيرين، فصاحب الذريعة لم يقف على مؤلّفه، وإنما احتمل أن يكون بين القرنين السابع والعاشر. وهكذا العلامة المجلسي الذي ذكر الشيخ يوسف بن أبي، لم يُشِر إلى كتابه هذا[9].

وقد أسِفَ الشيخ فرج العمران أن يطبع الكتاب وينسب إلى الشيخ حسين العصفور (ت 1216ﻫ)، ويستنكر عدم اطلاع الناشر على «ما ذكره صاحب الذريعة من أنّ ملّا محسن الفيض الكاشاني، المتوفى سنة 1091ﻫ، قد اختصر هذا الكتاب في عدّة فصول،… وهو ما يلزم منه أنّ الكتاب ألّف قبل وفاة الكاشاني بعدّة سنوات»([10]).

وعند مراجعة كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة للشيخ آقا بزرك تحت عناوين الوفيات، لا نقف على كتاب أسبق منه بين ما صنّف في هذا الباب، ما قد يجعله أوّل ما صنّف في بابه، والله العالم.

المؤلف.. صاحب الوفاة

هو: الشيخ يوسف بن حسين بن أُبيّ القطيفي. وبهذا عرف في المصادر التي ترجمت له، وهي ليست كثيرة، وبعضها ينقل عن بعضها الآخر، ولذلك تعدّ المعلومات عن المؤلّف قليلة ومتكرّرة في مظانّ ترجمته. ومن ذلك عدم معرفة سنة ولادته أو سنة وفاته بالتحديد. وكل ما يعلم أنه من مواليد قرية (رشالا) إحدى القرى التي شكّلت ما يعرف اليوم ببلدة القديح، وبها مدفنه في مقبرة تلكم القرية. وأنه كان حيًّا سنة 860ﻫ، حيث وُجِدَت له أكثر من إجازة رواية مؤرّخة في شهر محرّم من هذه السنة[11].

وتظهر منزلته العلمية انطلاقًا من الأوصاف التي أطلقها عليه مترجموه، حيث يصفه الشيخ عبد اللأفندي بأنه أجلّ تلامذة ابن المتوّج البحراني وأن الشيخ يوسف كان أستاذ علماء عصره[12].

كما أنّ تلميذه الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي يصفه بأوصاف عالية جدًّا[13]، إذ يقول في شأنه: «الشيخ الأعظم العلامة والبحر الخِضَمّ صاحب الفنون والمعارف والعلوم الفائضة عنه على كل طالب وهاتف، شمس المشارق والمغارب، ظهير الملة والحق والدين، يوسف بن أبي القطيفي».

تلمذ الشيخ يوسف بن أبي على كلٍّ من: الشيخ أحمد بن المتوّج البحراني (ت 820ﻫ) والشيخ حسين بن راشد القطيفي والسيد عبد الله بن محمد الأعرجي العاملي (ت حدود 750ﻫ)، ومن تلامذته: الشيخ مفلح بن حسن الصيمري البحراني، وابن أبي جمهور الأحسائي، والشيخ أمرس الدين حرز بن الحسين القطيفي والقاضي السيد محمد بن السيد أحمد الموسوي الحسيني الأحسائي.

من مؤلفاته: كتاب (صيغ العقود الشرعية) وتعليقات وحواشٍ على كتاب اختصار (تذكرة الفقهاء) للعلامة الحلي (ت 726ﻫ) من تأليف أستاذه ابن المتوج البحراني.

مسجده الذي كان يصلي فيه يعرف اليوم في القديح بـ (مسجد العبد الصالح).

صور المخطوط

وهي من مقتنيات مكتبة الشيخ حسين القديحي (ت 1387ﻫ). وهو بخط محمد بن عبد المطلب، الذي فرخ من تسويدها: «ضحى يوم السبت السابع عشر من شهر رمضان المعظّم سنة التاسعة والثلاثماية والألف [1309ﻫ]».

——————-

[1] تاريخ اللغات السامية، إ. ولفنسون، دار القلم – بيروت، بدون تاريخ نشر، ص 149.

[2] الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية، الشيخ فرج العمران (ت 1398ﻫ)، دار هجر – بيروت، ط1، 1429ﻫ – 2008م، ج4/ 49.

[3] أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين، الشيخ علي ابن الشيخ حسن البلادي (ت 1340ﻫ)، تحقيق: عبد الكريم محمد علي البلادي، مؤسسة الهداية – بيروت، ط1، 1424ﻫ – 2003م، ج2/ 60.

[4] الذريعة إلى تصانيف الشيعة، الشيخ آقا بزرك الطهراني، دار الأضواء – بيروت، بدون طبعة وتاريخ نشر، ج2/ 289؛ والأزهار الأرجية، الشيخ فرج العمران، ج3/ 473. وقد بحثتُ عمّا أشار إليه صاحب الذريعة في كتاب (أزهار الرياض) للشيخ سليمان الماحوزي، فلم أقف عليه.

[5] الذريعة، آقا بزرگ الطهراني، 2/ 287 – 288.

[6] الذريعة، الطهراني، ج2/ 288.

[7] أنوار البدرين، البلادي، ج2/ 60.

[8] الأزهار الأرجية، العمران، ج4/ 49.

[9] انظر: الأزهار الأرجية، العمران، ج10/ 137.

[10] الأزهار الأرجية، العمران، ج10/ 137.

[11] انظر: الفوائد الطريفة، الشيخ الميرزا عبد الله الأفندي الأصفهاني (ت حدود 1130ﻫ)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مكتبة المرعشي النجفي – قم، ط1، 1427ﻫ – 2006م، ص 467 و4480.

[12] الفوائد الطريفة، الشيخ عبد الله الأفندي، ص 480.

[13] انظر: إجازات الحديث، الشيخ محمد بن علي بن أبي جمهور الأحسائي، تحقيق: الشيخ محمد حسين الواعظ النجفي، مؤسسة ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث – بيروت، ط1، 1439ﻫ – 2018م، ص 305.

‫3 تعليقات

  1. استاذي الغالي ، ليس لاني تتلمذت على يديك كتابة المقال ولكن لانك استاذ بحق ، ف جيلنا يحتاج الى كم هائل من هذه المعارف العلمائية ، سدد الله قلمك

  2. جزاكم الله خير على هذا النشر فعلاً نحتاج نحن الجيل الجديد بمعرفة علمائنا العاملين الذين سكنو في هذه الارض القطيف والحمدلله كل فتره ينشر لنا عن عالم… انصحكم بقراءة كتاب اسمه نجوم في ذاكرة السماء كتاب تاريخي عن علماء القطيف الي ملة الزاير

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×