[تعقيب] الجنبي: “أبارق” ليست “حلة محيش”.. و “الراجحية” باسم أمير عيوني وقف أملاك "بنت بلبول" شهد عليه ثلاثة.. واسم ابنها الشيخ محمد بن بيات

عبدالخالق الجنبي

قرأت بشغف ما نشرته صحيفة صبرة بتاريخ 30-01- 2022م تحت عنوان:

صكّ وقف سنة 1087هـ يؤكّد اسم “حلة محيش” القديم.. ويوثق “الراجحية” المفقودة.

بنت بلبول الخطية أوقفت بيتها وأملاكها في “أبارق” والجارودية” وتاروت

وقد استمتعتُ كثيراً بما كتب؛ ولاسيما أنه يتناول بالتحليل ما ورد في وثيقة قطيفية كُتبت قبل 356 عاماً من وقتنا هذا، وهي مدة يتغير فيها الكثير من المعالم والأماكن والبشر، ولكن يبقى التاريخ الموثَّق بمثل هذه الوثائق لا يتغيّر.

وهنا؛ لدي ملاحظات على هذا المقال الجميل رأيت أن اكتبها هنا لئلا تمرّ على القارئ دون أن يلتفت إليها، وهي كالتالي:

أولاً: قرية أبارق هي غير (حلّة محيش)، ولكنها تقع قريبة منها

ورد في عنوان المقال ما يوحي بأنّ اسم بلدة (حلّة محيش) القديم هو (أبارق)، فقد ورد فيه هذه الجملة:

صكّ وقف سنة 1087هـ يؤكّد اسم “حلة محيش” القديم“.

كما ورد في مقدمة المقال ما هذا نصُّه:

كما كشفت الوثيقة عن اسم قرية “حلة محيش” المندثر، وهو قرية “أبارق“، وهو الاسم الذي ما زال بعض سكان القرية يتمسكون به في موروثهم“.

والصحيح الذي تثبته الوثائق أنّ اسم (حلّة محيش) هو الاسم الأقدم لهذه البلدة، والوارد في وثائق أقدم من هذه الوثيقة، ومنها دفتر الطابو العثماني رقم 282 بتاريخ 959هـ بعنوان (قانون نامه ولاية البصرة)، وهو الكتاب المخصص لذكر ألوية البصرة، ومن ضمنها (لواء القطيف) التي كانت حينها معدودة ضمن هذه الألوية قبل احتلال الدولة العثمانية لواحة الأحساء.

وكان من ضمن القرى التي ذُكرت في (لواء القطيف): قرية (حلّة محيش) هكذا كُتبت في موضعين من هذا السجل؛ أحدهما عند ذكر مجمل أسماء قرى لواء القطيف، والثاني عند ذكر هذه القرى مع تفصيل خاص بذكر أسماء سكانها ومحاصيلها والرُّسوم التي كانت الدولة تأخذ ضريبة عليها، وهذه قصاصتان للموضعين اللذين وردت فيه هذه البلدة باسمها (حلّة محيش) في هذه الوثيقة العثمانية:

الصورة (1): قصاصة من إحدى ورقات كتاب (قانون نامه ولاية البصرة / لواء القطيف) لعام 959هـ؛ ضمن دفتر الطابو رقم 282، وهي من أوراق المجمل، وقد كُتب فيها اسمُ (حلّة محيش) بهذا الرسم المعروف لها حتى الآن، ويتضح في الصورة أسماء بعض قرى القطيف، وهي: (الملاحة – الزويكية – كوع (قوع) الحجر – السلاحف – فان).

الصورة (2): قصاصة أخرى من إحدى ورقات كتاب (قانون نامه ولاية البصرة / لواء القطيف) لعام 959هـ؛ ضمن دفتر الطابو رقم 282، وهي من أوراق المفصّل، وقد كُتب فيها اسمُ (حلّة محيش) بهذا الرسم المعروف لها حتى الآن مع ذكر المحاصيل الزراعية التي كانت تُزرع فيها، وهي (الحنطة – الرز – الذرة – التمر – السمسم – القطن – اللوبياء).

وأما (أبارق) الواردة في وثيقة ابنة بلبول الخطية هذه، فإن كان المراد بها (أبارق محيش)، فهي كانت تقع للغرب من الحلّة؛ فيما بينها وبين الجارودية، وهي الأرض التي توجد فيها مقبرة البلدتين المشتركة، و(الأبارق) تعني في اللغة: الحجارة المختلطة برمل، وهو وصفٌ ينطبق على هذه الجهة الواقعة بين هاتين البلدتين؛ حيث إنّ الأرض هنا هي مزيج من الصخور المختلطة بالرمال، ولذلك فإنّ الأهالي يسمون القسم الشمالي منها بـ(الجبل)، أو (جبل الجارودية) نسبة للقرية الجارة، وقد ورد اسم (أبارق محيش) بهذا الرَّسم كسيحة من سيحات القطيف في وثيقة قطيفية تعود للعام 1282هـ، وهي عبارة عن وقفية بستان يُعرف بالنّصيريّة ذكرت الوثيقة أنه يقع في سيحة أبارق محيش هذه.

ثانياً: الراجحية محلّة كانت في القلعة، وليس حيّاً خامساً فيها، وقد تكون منسوبة إلى الأمير العُيوني راجح بن مسعود.

وجاء في مقدمة مقال صُبرة ما هذا نصُّه:

كشفت وثيقة تاريخية يعود تاريخها إلى سنة 1087 هجرية، عن وجود حي “خامس” كان يقع ضمن قلعة القطيف؛ لم يذكره المؤرخون، وحسب الوثيقة التي تمثّل وصيةً لامرأة من القلعة؛ فإن الحي المغفول ذكره كان يُسمّى “الراجحية“، ويقع ضمن نطاق سور القلعة، مع الأحياء الأخرى: الخان، الوارش، الزريب، السدرة“.

وأقول إنّ القول بأنّ الراجحيّة كانت حيّاً خامساً في قلعة القطيف موازياً للأحياء الأربعة التي كانت قائمة فيها قبل هدمها، وهي فريق الخان، وفريق السدرة، وفريق الزريب، وفريق الوارش هو قولٌ غير دقيق، فهذه الأحياء الأربعة لا يوجد دليل أو وثيقة ترقى إلى تاريخ وثيقة بنت البلبول الخطيّة يُذكر فيها وجود هذه الأحياء، والتي ربما أنشئت – أو بعضها – مع الترميم والتوسعة الأخيرين للقلعة، وعليه، فإنّ الإبقاء على تسمية الراجحية بـ(محلة) كما ورد في الوثيقة هو الأكثر دقة لأنّ القلعة كانت في الزمن القديم تتكون من محلات وليس أحياء، ففي القرنين العاشر والحادي عشر الهِجريين، وفي القسم الخاص بـ(لواء القطيف) من كتاب (قانون نامه ولاية البصرة لعام 959هـ) المتقدّم؛ ذكر الموظفون العثمانيون سبع محلّات بأسمائها للقلعة، وهي: (محلّة بني شيبان – محلّة السّادات – محلّة المشايخ – محلة بني مرّ – محلة مطر – محلّة اليمن)؛ في حين ذكروا محلات أخرى لم يسمّوها، وجملوها تحت اسم عام ترجمته: (محلات متفرقة محيطة بالقلعة وأبوابها)، وكما نرى ليس في هذه المحلات الواقعة داخل القلعة في العام 959هـ أي محلة من الأحياء الأربعة التي كانت قائمة في آخر أيام القلعة؛ أعني الخان والسدرة والوارش والزريب، وينبغي أن لا يفوتنا أنّ القلعة قد تعرَّضت مراراً وتكراراً للهدم والتعمير، ومن شأن ذلك أن يساهم في تغيير أسماء المحلات فيها، وكما نرى في وثيقة ابنة البلبول، فإنّ الراجحية عُرّفت بأنها “محلّة”، وليس حيّاً أو فريقاً.

والرَّاجحية هذه كنتُ قد رجحتُ عام 2012م أنها قد تكون منسوبة إلى الأمير راجح بن مسعود بن محمد بن علي بن عبد الله بن علي العُيوني، وذلك في تحقيقي للطبعة الثانية من (شرح ديوان ابن المُقرَّب العُيوني)، وبالتحديد عند تعليقي على قول الشاعر من قصيدته اللامية التي مطلعها:

رويدك يا هذا المليك الحُلاحل

فما المجد إلا بعضُ ما أنت فاعلُ

ثم على قوله فيها:

فَقد حَاْلَ (فَضْلٌ) دونَ مَاْ أنْتَ طَاْلِبٌ

لَدَيَّ، وَذوْ الإِحْسَاْنِ وَالجُوْدِ (فَاْضِلُ)

وَأصْبَحَ دوْنِيْ ( رَاْجِحٌ ) فَكَأنَّهُ

أخُوْ غَاْبَةٍ صَعْبُ العَرِيْكَةِ بَاْسِلُ

مُلُوْكٌ هُمُ الشُّمُّ الرَّوَاْسِيْ رَزَاْنَةً

إذا مَاْ اسْتَخَفَّ الحِلْمَ حَقٌّ وَبَاْطِلُ

فعلَّقتُ في الحاشية السفلية على البيت الثاني بقولي:

راجح هذا، هو راجح بن مسعود بن محمد بن علي بن عبد الله بن علي أخوهما كما سيذكر الشاعر بعد قليل، ولا زال يوجد موضع في القطيف، ثم في قلعتها يُعرف بـ(الراجحية)؛ كان به مسجد يحمل الاسم نفسه، ويقع في منتصف القسم الغربي من القلعة، وأغلب الظنّ أن هذا الموضع كان عبارة عن ضيعة نخل في القديم تحمل الاسم نفسه، ثم أدخل في القلعة أثناء إحدى التوسعات التي حصلت لها، فلعل لهذا الموضع – الراجحية – صلة ما باسم هذا الأمير العيوني راجح بن مسعود، والله أعلم“.

وما ورد في هذه الوثيقة عن الراجحية يقوّي رأيي هذا.

ثالثاً: زينب بنت الحاجي فرج بن بلبول الخطية هي أم الشيخ محمد بن محمد بن بيات، وليس “بن بيان”.

وورد في المقال اسم أحد أبناء زينب بنت الحاج فرج بن بلبول الخطيّة في هذه الوثيقة على أنه “الشيخ محمد بن محمد بن بيان”، وذلك في موضعين اثنين من المقال؛ الأول عند ذكر أولادها الذكور والإناث، والثاني عند ذكر أزواجها، فذكر في الموضع الأول ابنها “الشيخ محمد بن محمد بن بيان!”، وذكر في الموضع الثاني اسم زوجها “محمد بن بيان”، وذكر إنها “أنجبت منه ذكراً يحمل اسم أبيه”.

والحاصل هو أنّ كاتب المقال لم يلتفت إلى أنّ الحرف الأخير في آخر اسم من سلسلة نسب هذين الرجلين هو “بيات”، وليس “بيان”، فزوج هذه المرأة هو الشيخ محمد بن بيات، وليس محمد بن بيان، وابنه منها المذكور في الوثيقة هو الشيخ محمد بن محمد بن بيات، وهو الجدّ الأعلى للفرع المعروف الآن بـ(آل بيات) في القطيف؛ كما إنّ أخاه – غير الشقيق – أبا السعود بن محمد بن بيات هو الجد الأعلى لفرع آل أبي السعود في القطيف أيضاً، وقد ورد ذكر اسمِ الشيخ محمد بن محمد بن بيات في أكثر من وثيقة قطيفية، ومنها وثيقة توزيع أملاك أولاده، وأملاك أولاد أخيه أبي السعود في حاضرة القطيف، وأملاك أولاد ابناء عمه؛ آل عبد النبي وآل عبد الرحيم في سيهات، ومنها وروده كشاهد في وثيقة أخرى كُتبت عام 1111هـ؛ أي بعد تاريخ كتابة وثيقة أمِّه زينب ابنة فرج بن بلبول هذه بـ24 سنة، وهذا نصُّ شهادته فيها بخطّه:

الصورة (3): شهادة الشيخ محمد بن محمد بن بيات على وقفية يحيى بن عبد الله آل عمران لنخله الطريفة الواقع في جشيش التوبي على أولاده وبناته، والوثيقة مؤرخة بالعام 1111هـ.

رابعاً: الوصية شهد عليها ثلاثة لا رجلان فقط

وذكر في المقال أيضاً أنّ هذه الوثيقة الخاصة بزينب بنت فرج بن بلبول الخطية شهد عليها رجلان: الأول اسمه عرفات بن محمد بن حسن، والآخر اسمه أحمد بن محمد بن عبدالإمام الخطي، وهذا صحيح، ولكن غفل عن ذكر الشاهد الرئيسي، وهو الشيخ محمد بن المقدس الشيخ عبد الإمام الخطي كما هو مذكور في الركن الأيمن العلوي من الوثيقة، والمقدّس الشيخ عبد الإمام الخطّي والد الشيخ محمد هذا يبدو من اسمه أنه كان عالماً كبيراً في القطيف، فلفظة (المقدّس) لم تكن تُعطى إلا إلى العلماء الدين الذين بلغوا درجة كبيرة جداً من العلم والاجتهاد ويبدو أنّ ابنه محمد بن عبد الإمام كان مثله في العلم لأنّ اسمه كُتب في أول الركن الأيمن العُلوي للوثيقة، وعادة كانوا يكتبون في هذا الركن اسم القاضي أو متولي الحسبة الشرعية في البلد.

تنويه

الموضوع مستلّ من الحلقة رقم 52 من سلسلة “ميناء القطيف” التي ينشرها الأستاذ عدنان العوامي في الصحيفة. وبالتالي؛ فإن أغلب ما نُشر ـ في شأن الوثيقة ـ منسوب إلى الصحيفة، لا إلى الأستاذ العوامي.

اقرأ الأصل

[وثائق] صكّ وقف سنة 1087هـ يؤكّد اسم “حلة محيش” القديم.. ويوثق “الراجحية” المفقودة

واقرأ أيضاً

[ميناء القطيف 52] القلعة.. بين التاريخ والأدب

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×