سميرة.. لم يكسرها تعنيف والدها.. ولا فشل زيجاتها عثرت على رجل احترمها وصنع لها "نهاية سعيدة"
قصص من الواقع، تسردها: نسيمة السادة*
تسارعت نبضات قلبي وأنا في انتظار مقابلتها، لأول مرة بعد شهور من التواصل الالكتروني فقط. كان التواصل الإليكتروني مساحة لوصف مآسٍ عديدة وفظيعة من العنف الأسري بأنواعه. انفصال وزواجات فاشلة وآلام.
هذا كله وهي زهرة لم تغادر الرابعة والعشرين سنة.
تناهت الى مسامعي ووصلت إليّ قضايا لمعنفات كثيرات تابعتهن، حاولت مساعدتهن بما أستطيع. لكن ما ميز هذه القصة؛ هو أنها وصلت إلى نهاية سعيدة وتحول الانكسار الى قوة، والألم الى ابتسامة، والموت ومحاولة الانتحار الى ولادة براءة طفل جديد نتج عن حب جديد أزهر في قلبها وحياتها.
تخلص
ما ان تخلصت منه واطمأن قلبها بأنه لن يستطيع الوصول اليها أو لمس شعرة من رأسها حتى بدأت حياتها من جديد. بل حصلت نفسيتها على التوازن.
كانت تطرق الابواب وتبحث عن خلاص كالغريق الذي يتلمس قشة لإنقاذ نفسه ولكنها ـ وبالإصرار ـ تلمست حجراً مركوزا اًستطاعت بواسطته الوقوف من جديد. كان الحجر؛ قوتها الداخلية.
بعد زياراتها المتعددة الى الطبيبة النفسية أدركت أن علاجها بيدها، وأن دور الطبيبة هو إرشادها إلى تلمس دواخل القوة في ذاتها.
أنت قوية
“سميرة انت قوية”.. هكذا كانت تردد، متسلحة بالإيمان بقضاء الله وقدره، وبكلمات من التشجيع التي رششتها على نفسها المجروحة. استيقظ مارد القوة لتقول “انها بدايتي الجديدة.. سأكمل دراستي وأسعى لتطوير هوايتي، وأكسب عيشي بيدي، ولن أحتاج إلى والد أو أخ أو أي أحد ليتسلط على حياتي من جديد”.
دعم أسرتها الصغيرة، أخوتها وأخواتها، والدتها وأقاربها.. انهت أيام تصفح الماضي واللوم والعتاب الى كلمات التشجيع والمدد، لم يكن من السهل أن تفتح سميرة قلبها مجدداً لحب جديد، حب تضع فيه ثقتها المفقودة المزعزعة ولتجد حباً يؤمن ببراءتها وكونها ضحية بكل معنى الكلمة في مجتمع يلبس الأنثى دوما ثوب المسؤولية ويخلع عنها في كل زلة قطعة من رداء الثقة، ويضع بدلاً عنه خدشاً واتهاماً.
رجل يحترمها
وجدت حباً جميلاً أزهر بقلب رجل شهم تلقفها بأحضانه ليربت على كتفها ويقول “أنا هنا يا حبيبتي مهما قست السنين”. وجدت رجلاً فهم وأيقن أن ما حصل لها صاغ شخصية من ذهب مكتملة النضوج كما تفعل النار في السبائك.
وجدت رجلاً لم ينظر اليها كبضاعة مستعملة أو سقط متاع لكونها تزوجت وفشلت، كما يحلو لأشباه الرجال أن يظنوا.
بل هي إنسان بكل معنى الكلمة قست عليها الأيام وحملتها تيارات عاصفة الى سواحل الألم والبكاء والصراخ ومحاولات الانتحار.
في جلستي معها كانت منحوتة صلبة جميلة مليئة بالعنفوان والطاقة. هذه هي الصورة التي تحسستها في ضحكاتها المتوالية وبسمتها الجميلة، وفي حبها المغدق على طفلها الذي بين يديها.
كان زوجها الحبيب بانتظارها ولولا أنها لم ترد إبقاءه كثيراً في الانتظار لبقينا نتسامر لساعات.
كنت أظن أني مددتها بالقوة ببضع كلمات وإرشادات، لكنني اكتشفت في تلك الجلسة اليتيمة انني من استقى منها القوة، ولأول مرة انهمرت مني دموع الفرح في نهاية قصة امرأة معنفة، نجحت في كسر شرنقة الخوف ونشرت جناحيها للحياة بأمل وحب.
———
*ناشطة اجتماعية، ومهتمة بقضايا المرأة، تحمل الماجستير في الإدارة.
تنويه: اسم “سميرة” هنا مستعار، ولا يدل على الشخصية التي نتحدث عنها.
اقرأ أيضاً
افضل صحيفة إلكترونية أتابعها….. رصانة…صياغة إحترافية….قصص صحفية مشوقة…. افكار صحفية مختصة بالبيئة تميزتم بها ….شكرا لجهودكم .