شيخ المصورين عبدالله الدبيس.. العمر يتقدّم.. والكاميرات لا تتقاعد صور ملوكاً ووزراء ووثّق طريق الحرير من الصين إلى أوربا
سيهات: شذى المرزوق
مع الكاميرا بدأت الرحلة، وبـ “الصورة” كان التوثيق الأهم للحظات يمكن القول إنها “تاريخية”، ليس لأنها صنعت اسمه فقط، ولكن لأنها جسدت سيرة قادة ومسيرة وطن.
هكذا رسم شيخ المصورين، عبد الله الدبيس (70 عاما) بكاميرته غالبية التطورات المهمة التي شهدتها المنطقة الشرقية، طيلة 4 عقود من العمل منطلقاً من شركة أرامكو، ووثق فيها زيارات ملوك المملكة المتعاقبين، بدءاً من الملك خالد حتى الملك عبدالله ـ رحمهم الله ـ ورافق فيها عديد المسؤولين وتدرج في سلمها الوظيفي من متدرب تصوير حتى بات سينور فوتوغرافيك حتى تقاعده عام 2015.
البدايات والتدريب
عن البدايات قال ابن مدينة سيهات العريقة: تخرجت من مدرسة ابن خلدون الابتدائية حتى متوسطة سيهات منها إلى الثانوية النموذجية، قبل أن أنضم إلى شركة أرامكو في منتصف السبعينات ـ بتوصية من معلمي الأول علي عبدالله الخليفة ـ واستمر التدريب سنتين نظرياً دون الاقتراب من الكاميرا، بعدها عملت في مختبر التصوير لطباعة الصور وتحميل الأفلام، لتكون المفاجأة بإعجاب أحد المسؤولين بعملي وإهدائي كاميرا دون فيلم، تعلمت عليها عملياً، ثم تدربت على التقاط الصور على يد آل خليفة الذي وثق بي وآمن بقدراتي وعملت معه حيث تدربنا كثيرا وسافرنا لتغطية ما كلفتنا به إدارة أرامكو.
لمسات لا أنساها
وعن الإدارات الأمريكية التي عمل معها في “أرامكو”، رأى الدبيس، أن لهم فضلاً كبيراً في تطوير الكادر السعودي بالشركة، حيث كان لتشجيعهم ومعاملتهم المعنوية دور كبير في مزيد من الثقة بالنفس والتطور والارتقاء، إضافة لتواضعهم ولباقتهم ومحاولتهم الدائمة للافتراب منا نفسياً ومعنوياً.
ويحكي: عملت تحت رئاسة رئيس اسمه “كيلبر” وقد كان من التواضع واللطف أنني بلا قصد مني أسقطت كوب ماء على ملابسه وهو جالس، ارتبكت بعدها ودخلت في حالة من الصمت والتوتر، لكنه قام بسرعة من مكانه وربت على كتفي لطمأنتي وتهدئتي، وقال لي:” لاتقلق ، إنه مجرد ماء”.
موقف آخر مع رئيس اسمه “جنكر”، حيث كنت في مهمة تصوير فعالية احتفال كانت فيها مباراة غولف، وكان التصوير بكاميرا عادية تحتم آلية عملها ضرورة سحب البكرة وإرجاعها لالتقاط الصور، وما حدث أنني كنت التقط الصور باستمرار معتقداً أنني أتممت المهمة وفوجئت في نهاية الحفل أنني لم التقط شيئاً لأقع في مأزق.. فعدت خجلاً إلى رئيسي المباشر أعتذر منه بانجليزية مكسرة ولكن كان الرد: لابأس.. لاتقلق!
وبعفوية قام بتجميع المشاركين وتصويرهم صورة جماعية.
الحرم المكي الشريف
صورة استغرقت منه أسبوعاً كاملاً ـ حسب ما ذكر ـ ليحصل على صورة الشفق الأحمر خلف الحرم النبوي
مسؤولون وملوك
عن مسيرته الوظيفية قال إنه تدرج من متدرب إلى مصور أول ومصور ثانٍ ثم فني فوتوغرافي وصولاً إلى سنيور فوتوغرافيك، رافق فيها عدداً من المسؤولين في أرامكو وعمل تحت إدارة عبد الله بن صالح جمعة وعلي النعيمي، وغيرهما خلال 15 عاماً.
وأضاف: أعتبر نفسي محظوظاً، لأني وثقت بـ “الكاميرا” زيارات ملوكنا العظام لشركة أرامكو في فعالياتها ومناسباتها بدءاً من الملك خالد والملك فهد والملك عبدالله، رحمهم الله أجمعين.. ومن تلك الزيارات زيارة الملك عبد الله للشرقية في افتتاح معمل شيبة للغاز وكان وقتها المدير التنفيذي للمشروع هو نظمي النصر، فيما وثقت قبلها افتتاح الملك خالد مجمع الجعيمة وكنت وقتها السعودي الوحيد بين عدة مصورين تم اختيارهم لتوثيق الحدث فوتوغرافياً.
ويعود الدبيس ليتذكر بشعور ممزوج برائحة الماضي ليقول ” تنقلت في عملي لمراحل كثيرة عاصرت فيها العديد من وزراء البترول، وتم توثيق ذلك بالنشر في قافلة الزيت، وsun Arabian ، وفي مجلة تصدر كل شهرين مرة باسم Aramco world “ وهذه كانت مهتمة بتوثيق الآثار والتقدم في عمل أرامكو.. وأيضاً شاركت في مبادرة طريق الحرير، التي تبدأ بالصين شرقا حتى أوروبا غربا مرورا بالهند، واليمن، وجنوب المملكة، إلى العلا، والأردن وسوريا وتركيا والعمل على التوثيق التجاري وتبادل المنتجات، وكان لي شرف توثيق شمال المملكة والتبادل التجاري بين منتجات الهند واليمن البن والمنتجات اليمنية، وكان نصيبي من التغطية من حدود تبوك إلى حدود نجران، هكذا كانت مسيرة العمل في أرامكو حافلة بالتطوير والتغيير والشغف الذي نقلته تطوعاً إلى جمعية سيهات وناديها من خلال التقاط الصور والأحداث المهمة خلال حقبة الثمانينات.
علاقة حميمية
وعن علاقته بالكاميرا من الأبيض والأسود إلى الديجيتال مروراً بالملونة، يسترجع “الدبيس” مسيرته بابتسامة فيها الكثير من الحميمية، ويقول: بدأت بالكاميرا الأبيض والأسود، تصويراً وطباعة، ثم توجهت للتصوير الملون بذات الكاميرا في تسعينيات القرن الماضي، وتدربت على سرعة التقاط الصور المتزامنة مع سرعة الغالق، لكن الأكثر استخداما كانت الكاميرا الملونة وقد استخدمت هذه التقنية لقرابة 20 عاماً، إلى أن اقتربت من التقاعد حيث كان عصر الديجيتال.
وأضاف أنه مع التطوير في تقنيات التصوير كان الاهتمام يزداد من الناحية التدريبية فابتعث من قبل ارامكو لسويسرا وألمانيا في منتصف الثمانينات وإلى سانتا باربرا بالولايات المتحدة ليتدرب في معاهد التصوير وبعد العودة تولى “سوبر فايزر” ليشرف على قسم التصوير في ارامكو، أما عن جانب العمل والتدريب في شرق آسيا فقد عمل في تصوير بناء السفن بإحدى الصفقات الاقتصادية الكبرى مع الصين.
..ويستمر الشغف
في الختام، كشف أن ابنيه (يوسف وعيسى) سلكا الدرب وتوارثا عشق مهنة التصوير، ثم أردف ضاحكاً: ليت الأمر اقتصر على ذلك.. ها هو حفيدي أحمد يوسف يمشي عليه.. ليستمر شغف التصوير جيلا بعد جيل.
تصوير الدبيس للحاج المطرود
مجموعة من الشهادات وخطابات الشكر والتكريم للدبيس
اسم الدبيس ضمن الطاقم التصويري لدرب الحرير ” الطريق التجاري”
تصوير الدبيس لكسوة الكعبة والعمل عليها واعتمادها لغلاف و موضوع خاص لمجله القافلة عام 1992
عدد من المجلات العربية والعالمية بمافيها قافلة الزيت التي ساهم الدبيس في تصوير مواضيعها واخراج الصور لأغلفة المجلات
لقد أبدعت أخي عبد الله في نقش ذاكرة التأريخ بصورك المتعددة داخليا و خارجيا و لعل صورة واحدة تحكي ألف كلمة مما نسردها عبر قصصنا التأريخية و نتمنى لك طول العمر و حسن العاقبة.
ما شاء الله تبارك الرحمن إنجاز رائع جدا في سيرة ذاتية لرجل عصامي تمكن خلال نصف قرن أن يحفر إسمه بأحرف من ذهب توثيقا بالصورة الفوتوغرافية وتاريخ حافل بصور وتوثيق شفاف تابع حركة تطور الوطن الغالي المملكة العربية السعودية من خلال أعمال شركة أرامكو السعودية العملاقة وساهم في إثراء العمل الفوتوغرافي وترك إرثا ضخما من الصور الوثائقية التي لا يستغني عنها الباحث التصوير مبتدئا كان أو خبيرا..ويستمر العطاء المتدفق كالأنهر عبر أبنائه واحفاده ومازال يتمتع بروح رياضية من خلال فريق مشاة سيهات حفظ الله أبو يوسف ومتعه بالصحة والعافية وطول العمر ..أبوفهد