هاجر التاروتي تصارح النساء: “حكاية قمر” لم تسِر على سجّادة حمراء استضافتها جمعية العطاء لتسرد قصة بائعة الكاتب والناشرة
القطيف: ليلى العوامي
رسمت هاجر علي التاروتي صورة جميلة للحياة الثقافية في القطيف، وخصت بالذكر مجال أدب الطفل دون سواه، ورأت أن المحافظة لديها تجربتها الخاصة في أن تصبح من ركائز هذا الأدب في الفترة المقبلة، بعدما وجهت وزارة الثقافة بوصلة اهتمامها صوب المبدعين السعوديين القادرين على إنتاج أدب طفل نوعي.
وتمتلك التاروتي تجربة ثرية في مجال تأسيس المكتبات، ودور النشر، وترى أن هذه التجربة فريدة من نوعها، ليس لسبب سوى لنوعية الصعوبات التي واجهتها، وتقول إن النساء يستطعن أن يكن مبدعات في المجالات التي يتفوقن فيها، إن أردن ذلك.
وحلّت التاروتي ضيفة على منصة انستغرام جمعية العطاء النسائية الأهلية في القطيف مساء أمس (الاثنين)، واستضافت الجمعية، أيضاً، المذيعة الزميلة باسمة الغريافي، لإدارة الحوار الذي استمر 57 دقيقة.
مشاريع الفتيات
واستهلت التاروتي اللقاء بنصيحة وجهتها للنساء بصفة عامة، قائلة “يمكن لأية امرأة أن تكون مبدعة وملهمة في مجالها الخاص، وليس بالضرورة أن يكون لديها مشروع”.
ثم خصصت التاروتي حديثها للفتيات الصغيرات “لا تجعلي هاجسك أن تشبهي الآخرين، كوني أنتِ، تُشبهين نفسك، واعملي على أن تبدعي، وابحثي عن النقاط المميزة داخلك، واعملي عليها حتى لا تفقدي ذاتك وهويتك الشخصية، وهذا هو التحدي الأكبر”.
وبدأت الغريافي حوارها مع التاروتي حول الكتاب الورقي والتحول للكتاب الإلكتروني. وقالت الأخيرة “ليس لدي أي مشكلة مع الكتّاب الورقي، المهم أن تكون المرأة قارئة في الأصل”. وتابعت “من تجربتي واحتكاكي في عالم الصغار وعالم المربين، لم نجد أن هناك مشكلة في عالم الصغار مع الكتب الورقية، والمربي هو من يسرب بأن الكتاب الورقي لم يعد له قيمة، والكتب الإلكترونية أصبحت هي المسيطرة؛ ولكن أرى أن الطفل يتعامل مع الكتاب الورقي كأنه لعبة، ما يؤكد أن الكتاب مادة نستطيع التعامل والتفاعل معها كيفما نشاء”.
بائعة كتب ومسؤولة
وانتقلت التاروتي للحديث عن مكتبة “حكاية قمر” التي أسستها، وآلية اختيار الكتب المناسبة فيها قائلة مخاطبة النساء “كوني بائعة كتب، ومسؤولة عن المكتبة، فقد حملنا على عاتقنا هاجس اختيار الكتب المناسبة، والمربي يشعر بعائق ومشكلة في اختيار الكتب المناسبة، وكيف سيكون مطمئناً للكتاب الذي سيسلمه لطفلة، لذا حاولنا تسهيل هذه المهمة من خلال الإطلاع على الكتب التي تقع بين أيدينا، وفي السنوات الأولى، كنا نلجأ إلى معارض الكتب، وبعد تجارب لاحظنا أن الكتب تأتي غير متوافقة مع عادات وتقاليد المجتمع السعودي، ما جعلنا نزور معارض الكتب بأنفسنا، ونطلع على محتواها، تحت تأثير الدور التربوي الذي ينبغي أن نلتزم به، وكنا نهتم أيضاً بالمشاريع المماثلة التي تؤسسها نساء، لأن هاجسي الأمومة والتربية يلعبان دوراً كبيراً، وأقر بأنني باعتباري أماً، وقعت في مطبات في اختيار الكتب المناسبة”.
وترى التاروتي أن مسؤوليتها تزداد أهمية، باعتبارها أيضاً ناشرة. وتقول “هذا هاجس أكبر بكثير جداَ، لأن الناشر هو المنتج للكتاب”.
صباح السبت
وتنتقل التاروتي بالحديث عن قصة برنامج “صباح السبت”، وتقول “كان اسمه من قبل “صباح الخميس”، وأستطيع التأكيد انه من أكثر البرامج التي أحببت الحديث عنه، ليس لسبب سوى انه هدف لأسئلة الكثيرين، خاصة الأطفال والأمهات”.
وتابعت “الفترة التي بدأت فيها بترويج قصة “صباح السبت”، لم تكن عادة الجلسات القرائية الجماعية العامة منتشرة، سوى في فعاليات معينة على مستوى المملكة، وفي هذا البرنامج استطعنا اكتشاف أنفسنا وعلاقتنا بالكتب، وشعرنا أن الكتاب ليس مادة مثالية كما نقرأ ونسمع، بعدما لمسنا أهمية الجلسات القرائية، واهتمام الأطفال والأمهات بحضور سماع القصة، أضف إلى ذلك، أن أوقات القراءة تركت فينا أثراً كبيراً على نشر التوعية للقراءة، وركزنا على قصص الصغار”.
صفوف المعلمين
ولم تنس التاروتي أن تتحدث أيضاً عن وجودها في صفوف المعلمين، ودور ذلك في الانتقال إلى المشاريع الخاصة. وقالت “قدر الله وما شاء فعل، فهذه من اختيارات رب العالمين، فقد تخرجت في عام 2004 ولم يكن هناك بادرة لوجود وظيفة تعليمية، وقبل فتح المكتبة، كنت منخرطة في العمل الاجتماعي، مع إيماني بقدراتي، وأشعر أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لي الطريق للتنفس فضاء أوسع، وأبدأ مشروعي في عام 2010 بفتح “حكاية قمر””.
وتضيف التاروتي “وراء ولادة “حكاية قمر” تجربة في رياض الأطفال، والتحاقي بهذا البرنامج كان بالمصادفة، فهو أول برنامج خاص بالصغار، وكنت مشرفة عليه، ومن أجله التحقت بورشة عمل مطولة لإعداد المناهج، هذه الورشة فتحت لي باب الاشتراك في دورة قصص وأدب الأطفال مع كفاح البوعلي من جمعية سيهات، وبعد انتهاء الدورة، بدأت أتساءل لماذا لا تكون هناك مكتبة جميلة في القطيف؟، ورأيت أن تأثير هذه المكتبة سيكون كبيراً لو شارك الأطفال فيها، ومن هنا دخلت عالم كتب الأطفال، واليوم مكتبة حكاية قمر هي للقطيف بأكملها.
مواجهة التحديات
ولم يكن الطريق أمام التاروتي في تأسيس مكتبة “حكاية قمر”، مفروشاً بالورد، وإنما واجهت عقبات كبيرة، وقد أهلتها تجربة تأسيس المكتبة للفوز بجائزة الإصرار التي تقدمها وزارة الموارد البشرية، للشباب المقبلين على المشاريع. وتقول التاروتي “رأى المحكمون أن قصة تأسيس المكتبة تستحق الجائزة”.
وتُكمل “أطلقت الوزارة هذه الجائزة، لتحفيز الشباب على مواجهة التحديات التي واجهتم في تأسيس مشاريعهم، وشاركت في الجائزة، وأوضحت حقيقة التحديات التي واجهتني، وكان أولها الحصول على تصريح رسمي من وزارة الإعلام، وفي هذه الفترة، يُمنع على المرأة الدخول في المؤسسات الرسمية، ولابد من وجود أخ أو زوج لمساعدتها، وذلك لعدم وجود كوادر نسائية، وفي البداية، تلقيت الرفض في الحصول على تصريح، واعتبرت الرفض مؤشراً بأن أبتعد عن هذا الطريق، ولكن كان لدي نوع من التحدي، وكان هناك مؤشر مقابل، يلمح لي بإمكانية الحصول على تصريح، بالفعل حصلت عليه”.
تجربة عالم النشر
ورغم امتلاك التاروتي تصريحاً يمكنها من تأسيس دار نشر منذ افتتاح المكتبة عام 2011، إلا أن هاجس النشر لم يشغلها بقدر هامس اختيار نوعية الكتب داخل المكتبة. وتقول “مع مرور السنوات والتعرف على كتب الأطفال، قررت خوض تجربة النشر، وبدأت أنشر قصصاً للأطفال في المنطقة تحديداً، ولكن وجدت أن هذه القصص لا تليق بأن تخرج كمنتج، لتعبر عن منطقة القطيف، حتى لو كانت تخص الأطفال”.
وتقول “جلست أفكر كثيراً، لو توجهت لنشر قصة دون المحتوى المناسب، نكون قد خلقنا فقاعة لا قيمة لها، ستؤثر على شخصية الطفل لاحقاً، ومن هنا كنتُ حريصة كل الحرص على اختيار الكتاب الذي له قيمة، وشعرت أهمية كبيرة أن يكون لنا دور في تصويب المسار، وتحمل كامل المسؤولية، لذا بادرنا بالعمل على تقديم نماذج حقيقية تليق بالمجتمع، وهو ما حقق التميز لمكتبة ودار حكاية قمر، وجعلها تكتسح عناوين الصحافة المحلية”.
نفخر بأسماء سعودية
وأقرت التاروتي بتأخر أدب الطفل في المملكة والعالم العربي. وتقول “هذا التأخر ليس بسبب ضعف الإنتاج، ولكن بسبب تأخر مستوى أدب الطفل في العالم العربي، مقارنة بدول العالم، ولكن هذا النوع من الأدب بدأ يسلك طريق إثبات الذات، لذا ولدت دور نشر قوية مهتمة بكتب الأطفال، وسيكون لهذا الأمر دور في ظهور أسماء لأدباء سعوديين يكتبون للطفل، وإن كنا نفتخر بوجود أسماء سعودية موجودة بيننا منذ العام 2008 أو سبقها بوقت قليل”.
وأضافت “مازلنا في الخطوات الممهدة لطريق أفضل، وهيئة الثقافة والنشر والترجمة ستلعب دوراً كبيراً في أدب الطفل على مستوى الكاتب السعودي، وعلى مستوى المنطقة، هناك توجه لإصدار كتب الأطفال في القطيف، ونتمنى أن تكون هذه الإصدارات منافسة على مستوى العالم العربي”.
عالم النشر
وحرصت التاروتي في لقائها على التطرق عالم النشر وأسراره، وآليات التعامل معه، وقالت “المملكة سهلت نشر الكتاب ذاتياً، ولكن إذا لم نكن على علم مسبق ولنا تجارب في النشر، سيكون من الصعب أولاً عدم معرفتنا بهذا العالم الواسع، وإذا أراد كاتب الطفل التعامل مع دار نشر ما، فقد يقع في مشكلة إيجاد النص الذي يراعي كل الشروط والمتطلبات، فأصل الكتاب هو النص، وبعد النص، يأتي دور الإخراج الفني لقصص الأطفال، وهذا الإخراج له شروطه ومواصفاته مقارنة بإخراج كتب الكبار”.
تجربة غياب الزوج
ولم تشأ التاروتي أن تختتم لقاءها دون التطرق إلى جوانب من حياتها العائلية، وتأثيرها المباشر على مسيرتها العملية وتقول “أردت أن استفيد من تجربة غياب زوجي السيد فاضل الشعلة سنوات عدة، في الانخراط أكثر في حياتي الخاصة، وأن أختبر نفسي، هل أنا قادرة على تحقيق ذاتي أم لا، وأشكر الله أن منّ علي بقوة جعلتني قادرة على مواجهة الحياة، والتوسع في مشاريعي الخاصة”.
وأضافت “التجربة كانت ثرية، وأنا ممتنة لهذه المرحلة من حياتي، وأرى أن التقاطعات بين الزوجين مهمة للغاية، تجعل الحياة في النقاشات أحلى”.
وتابعت “أنا ممتنة أيضاً لوجودي في عائلتي الكبيرة، وأفتخر بأخواني، وأبي وأمي، فأنا عشت في أسرة لها اهتماماتها الثقافية والاجتماعية والدينية، وأعزو ثقافاتي وعلاقتي بالكتب لمكتبة عائلتي، والمجالات التي تفتحت عيناي عليها من خلال عمل أخواتي في المسرح والإنشاد والخط، هذه التوليفة جعلت لكل منا إبداعه الخاص”.
موقع صبرة يا حبيب ويا معصومة نطالب بإعادة سلسلة مقالات نساء مقهورات في .صحيفتكم الموقره