حصاد عاشوراء الحسين

زكريا أبو سرير

 

بعد ختام الموسم العاشورائي من محرم الحرام لعام ١٤٤٣ هجرية، أصبحنا نلملم حصادنا الثقافي ونملأ سلتنا الفكرية من هذا الزخم العلمي الذي تلقيناه من تحت منابر سيد الشهداء، وعند طرح سؤالنا المهم والمعتاد على أنفسنا كل عام بعد انقضاء هذا الموسم الحسيني المبارك: ماذا حصدنا من ساعات خصصناها وقضيناها تحت منابر أبي عبدالله الحسين بما تشكله هذه المجالس من عطاء روحي وفكري وثقافي؟ وما نسبة التغير الذي أحدثته فينا من تطور إيجابي على المستوى الفكري والسلوكي؟ وما الأثر الذي تركته من متابعتنا للبحوث العلمية الذي تلقتها أسماعنا وتدبرت فيها عقولنا وحواسنا؟

 أسئلة في غاية الأهمية ينبغي طرحها على أنفسنا لكي نتأمل في هذا الكم من هذا الحصاد، ولأجل نثبت ما تلقينا من فوائد علمية وأخلاقية، وهي عملية بمثابة المراجعة والمباحثة لأجل تطوير الذات.

حسب تفاوت مستوى الأفهام بين الناس، يحصد كل واحد بقدره من الفائدة العلمية من الخطيب الذي يحضره، فضلًا عن الأجر والثواب، وحسب مستوى مهارة وبلاغة واجتهاد وجهد كل خطيب في اعتماده على مهاراته الخطابية التي تمكنه من إيصال ما يريده من الفائدة إلى النسبة الأوسع من الجمهور القادمين للاستماع إليه، ومن ثَمَّ يرى جمهوره نسبة ما قدمه إليهم على الصعيدين الثقافي والروحي.

موسم عاشوراء يشكل أيقونة علمية ضخمة من الزخم العلمي والروحي عبر ما تبثه هذه المنابر المتعددة أرضًا وفضاءً، ويصعب حضور وتناول كل هذا الزخم الفكري والثقافي والروحي في عشرة أو ثلاثة عشر يومًا؛ لذا جرت العادة أن يقوم كل فرد منا بتخصيص مجموعة معينة من المجالس والخطباء للحضور والمشاركة فيها، وقد لا تتعدى أكثر من مجلسين إلى ثلاثة مجالس، وهو أقصى ما يمكن تنظيمه يوميًّا وخاصة في ظروف جائحة “كورونا” التي ما زالت تحصد في أرواح كثير من البشر، وباعتبار أن هناك عددًا محددًا من القادمين لكل مجلس حسيني، ووقت معين مخصص لكل خطيب على أن لا يتجاوز الأربعين دقيقة، لهذه الأسباب وغيرها فإنها تحدُّ من مقدرة الواحد منا ولا تمكنه من الاستفادة من كل هذه المجالس في أيام عاشوراء.

وبالتأكيد في كل موسم هناك طليعة من الخطباء المتميزين في عطائهم الفكري والثقافي ينتظره الجمهور ويتلهف لهم كل عام للاستماع إليهم، ولما سوف يطرحونه ويقدمونه من فكر على الصعيد الفكري والثقافي والديني والاجتماعي، فيكون من الطبيعي حصة هؤلاء الخطباء هي الأكبر، بل هي حصة الأسد من الجمهور، وعبر طرح بحوث هذه المجموعة المتميزة من الخطباء البارزين تتموج الساحة الفكرية والثقافية والدينية من الأفكار والآراء التي تُطرح من قِبلهم، فأصبحت هي الحراك الثقافي الساخن على الساحة الثقافية والاجتماعية، فيتلقفها بعضهم بين القبول والرفض أو التأرجح، واحترام كل الآراء هو سيد الموقف بين المختلفين لأنه هو سبيل العقلاء.

 المراقب للساحة العاشورائية لهذا العام، قد يلحظ تميزه عن بقية الأعوام السابقة، إذ تميز في جانبين مهمين وقد نجد تفاعل بنفس الدرجة على الساحة الثقافية، وهما: المنبر والذي يتشكل في المجالس الحسينية وهو سيد الجاذبية، وعلى الواقع الافتراضي القلم، على المنصات “السوشال ميديا”، إذ أخذ التنافس الفكري والثقافي بينهما يتحرك بنفس المستوى من التفاعل الثقافي .

وهذا التفاعل الثقافي في اعتقادي ناتجه الوعي والإدراك على الجانبين: المنبر والقلم، وسواء أكان نتج عن هذا التموج اتفاق أو اختلاف، فإن حاصله أنتج حراكًا ثقافيًّا وتوعويًّا في الوسط الاجتماعي والديني والثقافي، وأضاف فكرًا إضافيًّا إلى مكتبتنا الفكرية والثقافية، وترك أثرًا بحثيًّا في عقول المتعطشة للعلم والكاشفة للمعرفة.

ولا شك أن بقية البحوث التي لم يسعف الوقت لتناولها والاستماع والإنصات إليها واستيعابها في هذه المدة القصيرة، سوف يبرمج لها وقت لاحق للاستفادة منها، ولن تترك سدى باعتبارها ضمن الأيقونة البحثية العاشورائية لهذا الموسم، وهذا ينسحب كذلك على الكم الهائل من المقالات الثقافية التي كتبت وأعدت من بعض الكتاب لهذا الموسم، وفيها كثير من الفوائد التي ينبغي الرجوع إليها وقراءتها والتأمل فيها.

وحتى لا تذهب هذه الحصيلة العلمية والثقافية في مهب الريح؛ فإني أقترح أن تتبنى إحدى مؤسساتنا الثقافية بجمع هذا الزخم العلمي والديني والثقافي الذي تم إنتاجه في هذا الموسم من قبل بعض الخطباء وبعض الكتاب، وحفظه في كتاب بعنوان: “الإنتاج الديني والثقافي لموسم عاشوراء لعام ١٤٤٣ هجرية”.

وهكذا يُجمع كل عام هذه الحصيلة العلمية والثقافية من الجانبين وتعدُّ في كتاب، وبعد مرور أعوام من هذه المواسم العاشورائية سنجد أنفسنا قد كوَّنا وبنينا وأسَّسنا مكتبة عاشورائية ثقافية متنوعة وغنية بالمعلومات والبحوث العلمية والتاريخية.

وهذا الزخم العلمي سوف يستفاد منه في الحاضر والمستقبل للأجيال القادمة، وتكون نافذة للخارج يطلع عليها الآخرون ليروا الإنتاج الثقافي لهذه المنطقة في الموسم الحسيني، وهذا سوف يترك أثرًا إيجابيًّا عند الآخر، وكذلك يساهم في التعرف على الشعيرة العاشورائية التي يحييها هذا الطيف الوطني وهذه الطائفة المسلمة الكريمة، وهذا يساعد على استبدال بعض المفاهيم الخاطئة التي يحملها الآخر من الأطياف الوطنية البعيدة عنا، وشيئًا فشيئًا سنراه قد فهم واستوعب شعائرنا، بل لا يستبعد مشاركته معنا في المواسم القادمة بإذن الله تعالى .

كما لا يفوتنا أن نتوجه بالشكر الجزيل إلى الجهات المسؤولة في تنظيم الأمن وجميع الجوانب المهمة الأخرى، وكذلك جميع أصحاب المآتم الحسينية على جهودهم الكبيرة والقيمة، وخاصة ما يرتبط بالإجراءات الوقائية والاحترازية، وجميع الكوادر العاملة والمتطوعة في خدمة المآتم وخدمة المستمعين القادمين إليها، أعاده الله علينا وعليكم في أحسن حال.

نسأل الله تعالى أن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

تعليق واحد

  1. أحسنت استاذي فكره حلوه نجمع المعلومات ويصدر كتاب سنويا” للحاضر والمستقبل حتئ يسهل على الخطيب و المستمع بعدم شتات الأفكار والمعلومات .

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com