مدمن يقتل زوجته.. آخر يحطم رأس ابنته.. ثالث تطارده مخابرات روسيا…! قصص خارج حدود المنطق والعقل في عوالم الإدمان
القطيف: شذى المرزوق
لا تندهش أو تستغرب عندما تستمع إلى قصص المدمنين وما يرتكبونه من أفعال وجرائم، فهم تحت تأثير المخدرات والمهلوسات، يصنعون ما لا عين رأت ولا خطر على بال بشر.
ففي هذه القصص، قد يقتل الأب ابنه، ويشكك الزوج في أخلاق زوجته، وبعضهم يذهب بعيداً بعيداً، عندما يعتقد أنه ـ تحت تأثير المخدر ـ مخترع عظيم، تراقبه مخابرات الدول الكبرى، للسطو على مخترعاته.
وإذا كنا أمس نشرنا قصة شاب، أوصلته قصة عشقه لفتاة ليل إلى حد الإدمان، فاليوم نُكمل قصص المدمنين، وننشر المزيد منها عى لسان الاختصاصي في مجمع “إرادة للصحة النفسية” في الدمام جلال الناصر، الذي بين كيف غابت عقول المدمنين بفعل تعاطي المخدرات، وتناسوا أنهم بشر، وتحولوا إلى مخلوقات أخرى، ارتكبت جرائم وأفعالاً خارج حدود العقل والمنطق.
حرصت “صُبرة” على الاسترشاد بآراء اختصاصيين تعليقاً على هذه القصص، في إطار احتفاء المملكة باليوم العالمي لمكافحة المخدرات الذي يصادف اليوم (السبت)..
البداية؛ كانت من قصة شاب سلم نفسه للمخدرات، فأصبحت تسرى في دمه، لا يستطيع الاستغناء عن تعاطي حبوب الكبتاغون، التي نجحت في زرع شكوك داخله تجاه أخلاق زوجته، وجعلته يعتقد أن لها علاقة برجل آخر.
من كثرة المشكلات بين الزوجين، لم تجد الزوجة مفراً من مغادرة عش الزوجية، والذهاب للعيش مع أختها، ولكن حدة تأثير المخدرات على الزوج، جعلته يؤمن أن عليه تأديب زوجته أينما ذهبت، فتعاطى ما يكفي من الحبوب، ليشعر بعدها بشجاعة وقتية، فحمل سلاحاً أبيض، وتوجه إلى بيت أخت زوجته، استقبلته الزوجة، فطعنها طعنات غادرة فارقت إثرها الحياة، ولم يكتف بذلك، وتوجه إلى أختها، ووجه إليها طعنات مماثلة، ولكن عناية الله أبقتها على قيد الحياة، لتنتهي “عنترية الزوج” بسجنه، تاركاً خلفه أبناء يتامى لا حول لهم ولا قوة.
براءة منتهكة
قصة أخرى، بدأت عندما جلست الطفلة أمام أمها متلهفة لأن تشاهد نفسها بمريول المدرسة الازرق. وما أن احتواها حتى استدارت على عجل، وهي تهتف بحماس لوالدتها “سرحي لي شعري قبل أن يحضر أبي، فحتماً سوف يفرح عندما يشاهدني بالمريول”.
كانت الطفلة تختبر مريولها الجديد، فغداً أول يوم في رحلتها الدراسية، وكانت تريد أن ترسم الفرحة على قلب والدها عندما يصل من عمله، وما أن سمعت طرق الباب، حتى تركت والدتها، واتجهت بفرح لاستقباله، إلا أن الأب دخل وعيناه حمراوان بفعل تأثير المخدرات، تصدر منه أصوات تُشبه زئير أسد يدخل غابة قد امتلأت بالحيوانات المفترسة، وعندما شاهد الأب ابنته تتراقص أمامه، ارتسم في مخيلته بأنها حيوان يريد قتله، فما كان منه إلا أمسك المزهرية الضخمة، ورفعها بيديه، وحطمها فوق رأس ابنته، وسالت الدماء على مريولها الأزرق، وعلى شفتيها سؤال كبير لأبيها “لماذا يا أبي؟، ثم غابت عن الوعي قبل أن تتلقى الإجابة”.
تركت الضربة أثرها على وجه الصغيرة، التي شُج رأسها، وجرح وجهها مسبباً عاهة دائمة، حولتها إلى مسخ صغير، وبدلاً من أن تكون برفقة زميلاتها في بداية العام الدراسي، قضت أسبوعها الأول في المستشفى.
أكشن الهلوسات
تبدو تفاصيل قصة مدمن آخر، غارقة في دهاليز أفلام المخابرات التي تصنع أي شيء، مقابل الحصول على المعلومة.
وأثناء إحدى الجلسات العلاجية، تبين أثر الهلوسات التي يعيشها هذا المتعاطي، الذي كان يسير ببطء، وملامح وجهه قد امتلأت ألماً ومعاناة. وفجأة وقف إلى جانب الحائط، واضعاً يمناه على ركبته، وراح يتمتم بلغة غريبة، وكأنها كلمات وعيد وتهديد، ثم قال “حسبي الله ونعم الوكيل”.
بعدها جلس المدمن على الكنبة، يتحسسها بقلق، وأخبر المشرف على علاجه جلال الناصر، بأن الأمور على ما يرام، وأن كل شيء سيرجع إلى طبيعته، ثم تنهد المدمن ووجه عينيه نحو السقف متسائلاً “والجهاز؟! … هل سيتم نزعه؟
راح المدمن تحت تأثير الإدمان والهلوسة، يحكي عن قصة غريبة الأطوار، صورها له عقله على أنها حقيقة، هذه القصة تلبي رغبته وأمنياته بأنه مخترع مهم، تخشاه مخابرات الدول الكبرى.
تقول القصة ـ بحسب هلوسات المدمن ـ بينما كان عائداً من مشوار طويل، توقف عند محطة وقود، وأثناء ذلك تعرض للاختطاف من قبل ملثمين خطفوه في سيارة جيب، وهناك تم تخديره، وحينما استفاق، وجد نفسه ملقى في سيارته، ولكن هناك أثار دماء تشير إلى إجراء عملية جراحية في ركبته.
على الفور، ذهب إلى المستشفى، وخضع للأشعة، التي بينت أن المختطفين زرعوا في ركبته جهاز تنصت، ثم لاحظ في الليل أن هناك نجماً في السماء يتحرك معه، وعرف فيما بعد بأنه قمر اصطناعي روسي مقترن بجهاز التنصت المزروع في ركبته، وكانت المخابرات الروسية تحاول مراقبته وسرقة أفكاره ومخترعاته من دون أن يشعر.
يعلق الناصر على قصة المدمن “أدخلت مادة “الشبو” المريض في ضلالات المراقبة والعظمة، حيث كان يرى نفسه مخترعاً عظيماً، يستطيع أن يعيد كتابة تاريخ البشرية، وكان يعتقد أن الروس عرفوا بأمر اختراعاته، ويحاولون التوصل إليها بطريقة أو بأخرى، وسرقتها”.
أحمد الصالحي، أحد المهتمين ببرامج الوقاية من المخدرات، قال لـ”صُبرة”، إن عصابات تهريب وترويج المخدرات، لا تألو جهداً في استغلال كل المتغيرات لصالح أجندتها، مستفيدة من الأثر الكبير للإعلام الجديد، وشبكات التواصل الاجتماعي، إما بتزيين وتسهيل تداول ونشر المخدرات والمؤثرات العقلية، وزيادة الطلب عليها، أو باستخدام الوسائل الحديثة في عمليات ترويج ونشر المخدرات”.
أضاف “لا جدال أن تعاطي وإدمان المخدرات والمؤثرات العقلية أصبح واقعاً نراه ونلمسه في كل دول العالم، وبات علينا التعامل معه ومع تبعاته وآثاره السيئة”.
وقال “إن المتعاملين مع هذه السموم يسعون جاهدين لتطوير قدراتهم لضخ كميات أكبر وأصناف أسوأ، وابتكار طرق لتهريب ونشر المخدرات بشتى الوسائل، وفي ظل هذه الثورة الالكترونية التي اجتاحت العالم وغيرت كثيراً من ملامحه، كان لعصابات التهريب وترويج المخدرات نصيب من الاستفادة لتمرير أجندتهم ونشر سمومهم بين البشر بأسهل الطرق وأقلها كلفة، وربما أقلها خطراً، فانتشرت على شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي الدعوات لتعاطي المخدرات، وتجميل صور مدمنيها، وتمجيد أفعالهم وسلوكياتهم والتركيز على التغرير بالنشر”.
وتابع “فئة الشباب الأكثر استهدافاً لتعاطي المخدرات، والأكثر تأثراً وانجذاباً لاكتشاف المجهول، وما زاد الطين بلة أن هذه الفئة العمرية الأكثر تعاملاً مع هذه الشبكات الالكترونية في ظل غياب أسري واضح”.
يكمل “بكل أسف، تبدأ رحلة الضياع وفي الغالب سراً، لا يتم التعرف على حال الإدمان إلا في أوقات متأخرة، وقد سيطرت المادة على المدمن ودمرت قدراته العقلية وحطمت حياته”.
أكد أن “علينا أن نكون فعلاً أكثر وعياً لما يدور حولنا، متواصلين مع أبنائنا تواصلاً حقيقياً، وأن يكون حوارنا متبادلاً جدياً، حتى نصل لحمايتهم وأبعاد كل من يحاول أن يخترق عقولهم”.
تعافي المدمن
بحسب الاختصاصي النفسي أسعد النمر، فإنه “بالامكان تدارك حال الادمان لدى أبنائنا باحتوائهم ومساعدتهم على تخطي التجربة الادمانية، وذلك بالتعاون مع الاختصاصيين”، مبيناً أن فترة التعافي هي “فترة يواجه فيها المدمن صعوبات التأقلم الجديد، وهو خارج حال الإدمان، مواجهاً أعراضاً كثيرة يقع تأثيرها في اطار مؤشرات تتعلق باحتمالات الانتكاسة إنْ لم يتم تفاديها”.
الأعراض الانسحابية
قال النمر لـ”صُبرة”، “تمتد فترة مساعدة المدمن على التخلص من الأعراض الانسحابية (سحب السموم) بحسب خطة العلاج، ووفق نوع المخدر ونمط المدمن. وتعتمد هذه الخطة على خطوات متدرجة، يسهم فيها الطاقم الطبي والنفسي المعني في معالجة الإدمان”.
وشرح أن “هذه الخطة المتدرجة الخطوات تساعد المدمن على التخلص من أعراضه الانسحابية، حتى يصل لفترة نقاهة، و لا يتلقى خلالها أي عقار فسيولوجي”.
أضاف الاختصاصي النمر “يعتمد علاج المدمن في فترة الانسحاب على نوع المخدر، كما تُتخذ إجراءات متدرجة للتخلص من الأعراض الانسحابية، سواء أكانت جسدية أو نفسية، حتى يصل المدمن لمرحلة التوقف النهائي، من دون أية أعراض انسحابية”.
العلاج المتدرج
يستطرد النمر “التوقف عن تعاطي المخدرات ليس بالأمر اليسير، كما يظن البعض أنه يشبه الإقلاع عن التدخين، إذ يمكن للشخص التوقف عن التدخين بطريقة لا تقتضي التدرج، لكن في الإدمان على المخدرات، ليس هناك إلا خيار واحد للتعافي؛ هو العلاج الطبي والنفسي المتدرج”.
وأوضح أنه “عندما يتوقف المدمن عن تعاطي المادة المخدرة؛ يبدأ بالشعور بأعراض الانسحاب جسدياً ونفسياً، حينها يكون في المرحلة الأصعب، ويستطيع المدمن أن يقاوم بمساعدة طبية ونفسية، رغم التأثيرات الفيسولوجية والنفسية عليه، وذلك ضمن المتابعة الاكلينيكية في المستشفى حتى يصل إلى فترة النقاهة”.
المحطة الأصعب
يكشف النمر، عن صعوبة أخرى تتعلق في فترة ما بعد خروج المدمن من المستشفى، حتى يعود لممارسة حياته الطبيعية، يقول “حياته ارتبطت تفاصيلها الصغيرة في فترة سابقة، عندما كان مدمناً، وهي المحطة الصعبة في حياة المتعاطي في مرحلة تعافيه، إذ عليه التعايش مع الومضات الذاكرية المؤثرة داخله”.
وعرّف النمر الومضات الذاكرية بالمؤثرات الفسيولوجية النفسية، وقال “هي أي ذكريات انفعالية ارتبطت بالتعاطي وتأثيراته الجسدية والنفسية والاجتماعية”، مضيفاً أن “هذه الذكريات تقفز إلى عقل المدمن المتعافي بطريقة شرطية، فحينما يعود للبيئة التي اعتاد التعاطي فيها، سواء أكانت بيئة مكانية مثل المنزل أو حتى بيئة اجتماعية تتمثل في الأشخاص الذين كان يشاركهم التعاطي، أو بيئة عملية مثل الأنشطة التي كان يمارسها، فإن هذه البيئة تعتبر مجموعة مثيرات شرطية، تستثير ذاكرته الانفعالية، وهذه الممارسة الحياتية لا بد له أن يواجهها ويقاوم ما تستثير فيه من ومضات ذاكرية المـُشرَّطة بالمادة الادمانية وبتأثيرها الفيسولوجي والنفسي”.
اقرأ أيضاً:
أكله دود بطنه.. عمّه دلّه على الحشيش.. وورطه في المخدرات 14 سنة
[الدمام] «خارطة طريق» للحماية من الإدمان.. «الإصلاح قبل العقاب»
بعد 15 عاماً من المخدرات والكحول.. شريكة الحياة تمدّ يد الإنقاذ