[تعقيب 1]سوق الخميس.. سوق البضائع ومعترك المعامع قصة تاريخ وثقافة وهوية وإرث وطني في القطيف

عدنان السيد محمد العوامي

مدخل

قبل ثلاثة أعوام، وتحديدًا يوم الاثنين، الأول من يناير سنة 2018م، الرابع عشر من ربيع الثاني 1439هـ نشرت صحيفة صُبْرة الإلكترونية تقريرًا عن زيارة الضابط البريطاني جورج فورستر سادلير للقطيف عنوانه: (ضابط بريطاني يوثِّق وجود سوق الخميس قبل 204 سنوات)([1])، وقد اشتبه محرر التقرير في تحديد المكان الذي ذكر سادلير أنه رأى السوق مقامةً فيه، فنتج عن ذلك الاشتباه اشتباه آخر في تحديد أماكن أخرى ذات صلة.

ولأنني معنيٌّ برحلة سادلير لاعتبارات عدَّة منها أنني نشرتُ – في مجلة الواحة – مقالين انتقدتُ فيهما ترجمتين للرحلة، إحداهما صنعها الأستاذ أنس الرفاعي، والأخرى  من عمل الدكتور عيسى محمد أمين([2])، أعقبتهما  بمحاولة متواضعة ترجمتُ فيها الرحلة ذاتها([3]).

لهذه الاعتبارات رأيتني ملزمًا بالتعقيب على تقرير “صبرة” بمقالة عنوانها: (سوق الخميس كما رأيتها في السبعينيات الهجرية)([4])، وقد تركز اهتمامي- في التعقيب – على تحديد المواقع التي كانت السوق تقام فيها، وما يجلب إليها، ويباع فيها، وأغفلت جوانبَ أخرى قد لا تقل أهميَّةً، وخصوصًا ما عَرف بـ(وقعة الشربة)، أو (سنة الحصارة)، وملابساتها، والاختلافات والاتفاقات في تاريخ وقوعها بين الرواية الشفوية المتداولة وتلك المدونة، ولأن هذه الواقعة رويت فيها كرامات ومعجزات دخلت تاريخنا وتحولت إلى جزء من موروثنا الفلكلوري، فلم تعد تاريخًا، بل أصبحت سجلا للوهم والخرافة، فقد أحسنت “صُبرة” صنعًا بعودتها لسوق الخميس من جديد، فهي مناسبة ملائمة لي كي أدلي برأي متواضع في تلك الواقعة والله ولي التوفيق.

 

لماذا سمَّوها وقعة الشربة؟

خلافاً لما نعرفه اليوم من التأريخ للحدث باليوم والشهر والسنة والقرن؛ سنَّ عوامُّ أهلُنا (عفا الله عنهم) سُنَّة في التأريخ بأن يضعوا للسَّنَة اسمًا يجترحونه من أعظم حدث يقع فيها، كوضعهم (سنة الرحمة) تأريخًا لوباء الهيضة (Cholera) الذي اجتاح البلدان الواقعة على جانبي الخليج كله، ماعدا عمان، سنة 1236هـ([5])، وكتأريخهم الإعصار المدمِّر الذي ضرب الخليج كلَّه فأغرق العديد من السفن مساء يوم الخميس (ليلة الجمعة) 13/3/1344هـ، 30/9/1925م ([6])، بـ: (سنة الطبعة)، والطبعة في اصطلاحهم: غرق السفينة، فيقولون: “طِبْعت المحمل”، أو: “طبعت المركب”، بدل غرقت، وهم يسمُّون الشيء التالف بسبب البلل (طُبْع وطبيع)، والكلمة فصيحة، من الطِبْع، بكسر الطاء، وهو النهر، أو مصرف الماء، وما زالت الكلمة دارجة في العوامية، وربما في غيرها بالمعنى ذاته)([7])، كذلك تأريخهم سنة 1348هـ بـ(سنة الجهاد المثني)([8])، و(سنة الفرار([9])، إلخ. فالشربة هي تأريخ لحرب تسببت فيها شربة ماء، فسمَّوها (سنة الشربة)، وحُوصِرت فيها القطيف فسُمِّيت (سنة الحصارة).

البيئة السياسية في سنة الشربة

وقعت الحادثة باتفاق مؤرِّخي المنطقة بلا استثناء سنة 1326هـ([10])، هذا يعني أنها وقعت في زمن العثمانيين، فيتعين أن نعرف من هم العثمانيون؟ وما هو نمط تفكيرهم، وإدارتهم للحكم. مصادر التاريخ وصفتهم بأنهم ليسوا أهلَ حضارة وفكر، ومسلكهم يقول: إنهم ذوو قوة وغلبة، وتقاليدَ قبيلةٍ، دولتهم عسكرٌ هدفه الفتوح، ووسيلته الغزو، وأداتُه جيشٌ نخبتُه (الانكشارية)، يؤلفونه من الأطفال والصبية، يختطفونهم من أحضان أمهاتهم([11])، وقائده العام صاحب سلطان مطلق، بإشارته تطير رؤوس، وبأخرى تحيى نفوس، أما مُنشِئها فسليمٌ الأول، ابن با يزيد الثاني، يوصف بـ(قاسي الجبروت)، والدموي، والمتعصب، وصل إلى  العرش بالتمرد على والده، وإبعاد إخوته عن السلطة([12]).

عينات من سيرة مؤسس السلطنة

باني السلطنة العثمانية الحقيقي هو السلطان سليمان القانوني، والعينة التي اخترتها من سيرته هي هبَّته لنجدة مسلمي الهند المستغيثين به لينقذهم من بطش البرتغاليين، فأمر بتجهيز (أسطول) من مصر أوكَل قيادته لمعتمده فيها؛ سليمان باشا الخادم، وأثناء تجهيز حملة الإغاثة تملَّح البطل التقي الورِع – أوَّلا – بدم جانم الحمزاوي، وعظام ولده يوسف أمير الحاج المصري؛ مكافأة له على إعادته مصر للسلطنة العثمانية بعد تغلُّبه على أحمد باشا المتمرِّد على السلطان العثماني، ثم تمزَّز بصَلب أمير الصعيد داود بن عمر في باب زويلة غدرًا، وأتبع ذلك بقتل عدد من أمراء الصعيد منهم ابن أبي الشوارب، وزُعير. فعل هذا قبل أن يبدأ رحلته الموصوفة بـ(رحلة الجهاد).

انطلق زحف جهاده إلى جدَّة، فنشْر الرعب فيها، وبلغ عدن، فاستقبله أميرُها عامر بن داود بتزيين المدينة استبشارًا بالمنقذ المغيث، فكافأه بأن استدرجه إلى سفينته، وصلبه ومن في معيَّته من أعيان عدن القادمين لاستقباله، واستولى على عدن، ثم توجَّه إلى الهند تسبقه أخبار (بطولاته) التي اقترفها في مصر وعدن، لكنه نكص مرعوبًا من البرتغاليين، فالبطل مغوار على الضعيف المسالم، رعديد خوَّار لدى القوي الغاشم.

عاد إلى اليمن، وأرسل إلى أمير المخا الناخوذة أحمد يستدرجه إلى سفينته، وحُذِّر الناخوذة من مغبة الانخداع بوعوده، لكنه لم يصغ، وحمل إليه الهدايا، وكان بصحبته ولداه، وهما صبيان دون سن المراهقة، وما أن وصل إليه حتى أمر بقتله، وقتل ولديه ومن معه من العبيد، واستولى على اليمن، وعيَّن لها واليًا من قبله، وتوجه إلى جدة لأداء مناسك الحج. فالرجل عابد زمانه، ولا فخر. أدى القائد الورع مناسكه مبتدئًا بعمل ديوان في مقام الحنفي، ونصب له كرسيًّا وجلس عليه، وكان قاضي مكة – يومئذٍ – مصلح الدين أفندي، المعروف بمصدر مصطفى، وهو أول قضاة الأروام([13]) الذين تولوا قضاء بيت الله الحرام، فطلبه إلى ديوانه بمقام الحنفي، وأجلسه تحت الكرسي في الأرض، ثم استدعى صوفيًّا من الأروام يقال له موسى، وينبز بقزل آشك، فأمر بضربه – رعاية لحرمة بيت الله، وتقويمًا لنبزٍ لم يستسغه الباشا، وطلع إلى عرفات للحج مع سائر الحجاج، ودارَ في أرض عرفة بخِيَم الناس ومضاربهم، فما أعجبه احتجنه، فالباشا أحق به من صاحبه([14]).

القطيف قبل العثمانيين

ليس من قبيل التبجح ولا الزهو والزهو أن يذكر المرء نِعَم الله على بلده بل هو مندوب شرعًا لقوله جل وعلا: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، الضحى: 11. فقد حبا الله القطيف من النعم الكثير، موقعًا جغرافيًّا مهمًّا، وأرضًا خصيبة معطاء، وعيونًا جارية، ذات أنهار ثرثارة قل نظيرها في هذا الكون الفسيح. وصفها أحد غزاتها البرتغاليين في رسالة بعثها إلى ملكه في لشبونة، بما لم يتنبه إليه أبناؤها، قال: (وبما أن كل الذين رافقوني “في الغزوة” عادوا سالمين عدا اثنين قتلا، وآخر توفي بسبب المرض، فإن عناية الله أحاطتنا لأن أرض البحرين غير صحية كما سبق لجلالتكم معرفة ذلك من خلال موت الجنود الذين رافقوا “سيماو كونيا”، ولأن البحرين لا توفر للقطيف شيئًا – في هذا الباب – أيَّ امتياز، ولو شدة الخضرة وكثافة الغطاء النباتي، لأنه لا يمكن رسم مكان رسم مكان أحسن من هذا في العالم كله) ([15]).

العثمانيون في القطيف

مثلما استبشر أهل اليمن ومسلمو الهند بوصول ممثل المنقذ العظيم – استقبل أهالي القطيف نبأ احتلال السلطان سليمان القانوني بغداد سنة 946هـ، 1534م([16])، فهبُّوا لفسخ نير المستعمر االبرتغالي عن رقابهم، وبعثوا وفدًا إلى بغداد وسلموه مقاليدهم في من سلم من الأطراف والنواحي([17])، فصاروا مصداق قول القائل:

يا من تيمَّم عمروًا يستجير به

أما سمعتَ ببيت فيه سيَّارِ؟

المستجير بعمروٍ عند كربته

كالمستجير من الرمضاء بالنار

ومنذ ذاك والقطيف تقاسي الأمرَّين، كغيرها من البلدان المنكوبة بالتُّرك؛ إذ لم يدَعوا وسيلة من وسائل البطش والتنكيل إلا ومارسوها مع الأهالي، من النهب والسلب وغصب الممتلكات، وفرض الإتاوات، والغرامات والضرائب، حتى بلغ الجور ذروة عنفه باستحواذ ولاتهم على تركة المتوفَّيْن من الشيعة؛ لأنهم – في نظرهم – ليسوا مسلمين، فلم يكن للناس بدٌّ من المقاومة، فاضطرت، الدولة لإصدار قانون أسمته قانون نامه لواء القطيف سنة 959هـ، 1556م، بوقف ذلك التعنت([18])، ومع ذلك استمر الولاة في جورهم واعتداءاتهم، واستمر الأهالي في مقاومتهم حتى بلغت ذروتها سنة 999هـ، فاضطر عدد من كبراء القطيف وعلمائها إلى الهجرة إلى البحرين، برفقة زعيمهم الشيخ عبد الله بن ناصر المقلد وشاعرهم الشيخ جعفر الخطي إلى البحرين([19])، وتتوالى الثورات، ونزوح السكان، إلى أن تغلب بنو خالد على الترك، وأجلوهم عن المنطقة، في هذه الفترة شهدت المنطقة، وخصوصًا القطيف – فترة رخاء، واستقرار وازدهار، فأوقفت التعديات وخفضت الضرائب حتى أن المكوس صارت لا تتجاور: 1% فقط([20])، وردت الأملاك المغتصبة لمالكيها، وألغي ما نسميه اليوم التمييز المذهبي، وأقِر الشيعة على أسلامهم.

في مطلع النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري (1206، أو 1208هـ) دخلت القطيف في حكم الدولة السعودية الأولى، واستمرت حتى سقوط الدرعية على يد إبراهيم باشا بن محمد علي باشا سنة 1233هـ، 1818م([21])، فعادت المنطقة إلى قبضة العثمانيين ثانية، لكن بقفازات مصرية([22])، وبعودتهم عادت المصادرات، ونزوح السكان حتى اختفى بعض الأسر عن المسرح، عرفنا منها أسرة آل الصنديد([23])، كذلك أسرة آل ابن مجلي، فهذه – أيضًا – اختفت من القطيف، ولم يبق لأيٍّ منها ذكر إلا تخميسًا واحدًا من نظم أحد أعلامها وهو الشيخ حسن بن مجلِّي الخطي من أهل باب الشمال، حسبما ذكر محقق التخميس الشيخ فرج ابن الشيخ حسن العمران (رحمه الله)([24]).

لحسن الحظ أن عقب هذا العلم موجودون في وادي الفرع بالمدينة المنورة، ومنهم علماء أفاضل، وهم يعرفون أصلهم، وتراث جدهم الشيخ حسن احتفظت ببعضه كتب السير والتراجم. ولا علم لي إن كان طبع منه شيء أم لا([25])، وغير بعيد أن تكون  أسر أخرى مثل آل طوق الكريمة الموجودة الآن في دولة البحرين قد هاجرت في الظروف ذاتها.

حين نصل في مسيرتنا إلى سنة 1228هـ. نجد أن السلطنة العثمانية أخذت تلفظ آخر أنفاسها الأخيرة، فقد دبَّ الخوَر في أوصالها، وسادت فيها الفَوضى، وعمَّ الفساد حتى عجزت عن حماية نفسها، بَلْه حماية المواطنين، فوقعت البلد فريسة بين غارات البدو وقراصنة البحر، وجور الولاة([26])، فبرغم قانون نامة آنف الذكر، نجد أن تعديات الولاة، وجندهم على ممتلكات الأهالي وفرض الإتاوات الباهظة على السلع والمزارع، ومصادرة تركة المتوفِّين الشيعة استمرت ممارستها بذريعة أنهم غير مسلمين، ذلك ما تضمنته رسالة موجَّهة من المقيم البريطاني في الخليج لويس بيلي إلى ممثل الحكومة البريطانية في الهند بشأن قيام قائم مقام قضاء القطيف علي بك أفندي بمصادرة (10%) من تركة المتوفين الشيعة رغم عجزه عن الحد من تعديات البدو على ممتلكات الأهالي([27])، وزاد الطين بلَّة ابتعاث السيد طالب النقيب لمعالجة الأوضاع، فما قصر الرجل في شيء، نهب الدور والقصور، وأوسق السفن بغالي اللآلئ، وثمين الذهب([28])، من ثروات أشبعت جشعه لنفائس المال وجليل العقار متحدِّيًا حثَّ أعشى همدان بني زريق على انتهاز غفلة الناس عن أموالهم في قوله:

يَمُرّونَ بِالدَهنا خِفافاً عِيابُهُم

وَيَرجِعنَ مِن دارينَ بُجرَ الحقائِبِ

عَلى حينِ أَلهى الناسَ جُلَّ أَمورِهِم

فَنَدلاً زُرَيقُ المالَ نَدلَ الثَعالِبِ

فليس بنو زريق وحدهم يجيدون ندل المال، بل هناك ولاة أشراف يفوقونهم خبرة ومهارة.

في سلسلة جمرك القطيف مسيرة شعر وتاريخ، التي تنشرها صحبفة صبرة الإلكترونية([29])، وتحت عنوان: (آل جمعة في روايات الوثائق) نقلت الآتي>. . . في سنة 1902 عُين مسؤولٌ مدني متصرفًا للأحساء هو السيد طالب باشا ابن نقيب البصرة، الذي وصل الأحساء في يونيو من هذه السنة، وأبدى السيد طالب نشاطًا كبيرًا في تسوية المشاكل القبلية، لكنَّ تصرفاتِه غير المشروعة كانت بلا حدود، وقد بلغت قِمَّتها في أوائل سنة 1903هـ، حين نَهَبَ بيت حاجي منصور باشا، وهو رجل من البهرة([30]) في القطيف، كان مدير أملاك الدائرة السنّية في الأحساء([31])، وأغنى تاجر في الإقليم كله، وقد اتهمه السيد طالب بعدم الولاء للحكومة التركية، كما أمر بسجن أخيه أحمد بن جمعة([32])، وبلغت الغنائم التي نهبت من بيت حاجي منصور حمولة ثلاث سفن، ورد ذكر رحيلها في تقرير ممثل بريطانيا في البحرين، وأشار القنصل البريطاني في البصرة إلى ما يؤكد وصول السفن وحمولتها إلى مقر السيد طالب في صبيحات([33]) على شط العرب. واستُدعي طالب باشا مؤقتًا في أكتوبر 1903، وعين فائق باشا القائد العسكري متصرفًا خلال غيابه، لكنه لم ينقل نهائيًّا من عمله إلا في فبراير سنة 1905. ويبدو أن معاملته السيئة لحاجي منصور كانت هي السبب الرئيسي في عزله<([34]).

شاهد عيان سياسي يكشف الدسيسة

هي شهادة كتبها رجل بعيد عن الطرفين، لا تربطه بأيٍّ منهما أيَّة صلة ذلك هو الكولونيل راتسلو، كتبه في العاشر من مارس 1903، وفيما يلي تقريره حول خلاف منصور بن جمعة مع طالب النقيب باشا، متصرِّف الأحساء: (إن الحادثة التالية التي وقعت مؤخَّرًا لَتُظهِر احتقارًا وعدم مبالاة لا يصدّق للمظاهر، حين يندفع هذا الحاكم ليرضي غريزة الاغتصاب والشرَه في نفسه، وقد أثارت الحادثة غضبًا عظيمًا بين السكان العرب، ليس في الأحساء فحسب، بل حتى في البصرة وبغداد أيضاً. أحد كبار التجار في القطيف وهو منصور باشا، الممثل المحلّي في قائمة الشخصيات المدنيّة، وهو بالغ الثراء، سرعان ما وجد فيه طالب باشا هدفًا مناسبًا للابتزاز، إلاّ أن منصورًا رفض الانصياع لابتزازات المتصرّف، وفرّ إلى البحرين، ومن هناك إلى بغداد. بعد ذلك بفترة وجيزة، وفي نهاية يناير (1903) على وجه التحديد، اقتحم طالب باشا منزل منصور، وسجن أخاه عبد الحسين، ثم استولى على ممتلكات من ضمنها لآليء يتاجر بها منصور، كانت كثيرة جدًّا. وقد أفاد المستر جاسكن، المعتمد البريطاني المساعد في البحرين؛ أنه في السابع من فبراير (1903) وصل إلى البحرين ثلاثة مراكب كبيرة، محمّلة بالغنائم (المسروقة) يقودها محمد عتيق، الرجل الموثوق لدى المتصرف، وقد علمتُ أن هذه المراكب وصلت بعد ذلك إلى شطّ العرب، وأفرغت حمولتها في السبيليات SIBILIAT  وهو مقرّ إقامة النقيب المحاذي للنهر، والذي يبعد حوالي خمسة عشر ميلاً عن البصرة. وتبريرًا لسلوكه هذا أرسل طالب إلى الوالي (في البصرة) حزمة من (الصحف التحريضية) التي أكّد أنه عثر عليها في منزل منصور، كما أدّعى أنه عثر على عدد كبير من البنادق في ذلك المنزل في الوقت ذاته.

هذه الأقوال الأخيرة المتعلقة بالبنادق صحيحة على الأرجح؛ لأن جميع العرب، خاصة أولئك الذين يملكون أشياء ثمينة، يملكون أسلحة، وليس لهذا المبرّر تلك الأهمية التي يمكن ربطها بوضع مماثل في أجزاء أخرى من تركيا).

تقرير آخر معزِّز

يواصل المصدر: >أما فيما يتعلّق بالصحف، فإن ضوءًا غريبًا يلقيه على هذه التهمة، تقرير المستر جاسكن، حيث يقول: >أن محمد بن عتيق زاره يوم التاسع من يناير (1903) وقال له إن طالب باشا راغب في الإطلاع على بعض الصحف العربية الصادرة في مصر أو القسطنطينية أو لندن أو باريس، وذكر تحديداً صحيفة (الخلافة) التي تصدر في لندن، وهل بالإمكان استعارة بعض النسخ؟ ردّ عليه جاسكن بأن المعتمدية البريطانية لم تتلقَ أيًّا منها، ولكن يستنتج بشكل واضح من هذه الحادثة، أن محمد عتيق أُرسِل إلى المعتمدية للحصول على مثل هذه الصحف؛ لكي تُكتَشف – فيما بعد – في منزل منصور. في هذه الأثناء، استطاع منصور باشا – وهو في بغداد – أن يثير اهتمام المشير، وهو قائم بأعمال الوالي أيضًا، ويجيّر هذا الاهتمام لصالحه. اتصل المشير بالوالي وبالقسطنطينية، وأبرق الوالي إلى وزير الداخلية طالبًا منه إرسال لجنة خاصة للتحقيق، لكنه لم يتلق جوابًا. إن الوالي جدّ منزعج ومتضايق من فكرة إلزامه بإجراء التحقيق شخصيًّا، لأنه يعتبر أن هذا الإجراء يعني أن عليه تبرئة طالب، وبالتالي جلب العار لنفسه.

قال لي الوالي إنه يفضّل أن يستقيل، وهو يعتقد يقينًا أن الصحف قد وضعت في المنزل بناءً على أوامر طالب نفسه، ويعرب عن عظيم دهشته واستغرابه من امتناع البريطانيين عن التدخل لصالح منصور؛ لأن هذا الأخير يتعامل تجاريًّا مع تجار اللؤلؤ البريطانيين الهنود، الذين تعود إليهم الكثير من اللآليء التي استولى عليها المتصرّف. هذا هو الواقع على ما أعتقد، ولو أنني لم أتلق أيّة شكاوى من رعايا بريطانيين حتى الآن.. .<([35]).

يُتبع في الحلقة الثانية

اقرأ أيضاً

المظلات الخاوية تضع تاريخ “سوق الخميس” في العناية المركزة

[فيديو] المظلات الخاوية تضع تاريخ “سوق الخميس” في العناية المركزة

ضابط بريطاني يوثق وجود سوق الخميس قبل 204 سنوات

ضابط بريطاني يوثّق وجود “سوق الخميس” قبل 204 سنوات..!

سوق الخميس كما رأيتها في السبعينيات الهجرية

الشاعر العوامي مصححاً: سوق الخميس كما رأيتها في السبعينيات الهجرية


 

([1])الرابط: https://chl.li/0jGHj .

([2])مجلة الواحة، العدد 46،  الرابط: https://chl.li/qxvU3 ، والعدد 47، الرابط: https://chl.li/GYh2A

([3]) مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2016م.

([4])ا الرابط: https://chl.li/CDPFV   .

([5])عنوان المجد في تاريخ نجد، الشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر، النجدي الحنبلي، حققه وعلق عليه عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، مطبوعات دار الملك عبد العزيز، الرياض، الطبعة الرابعة، 1402هـ، 1982م، جـ1/459.

([6])رجالٌ عاصرتهم، السيد علي السيد باقر العوامي، العوامي، مجلة الواحة، بيروت، العدد، 21،  الربع الثاني، 2001م، ص: 89 -93، الرابط: https://chl.li/Fcn6B، وكتاب رجال عاصرتهم، للسيد علي نفسه، الطبعة الثانية، طبعة محلية محدودة، 1434هـ، 2012هـ، ص: 177.

([7])تقول: نزلت الطِبْع: مشت فيه، مثل أبحرت السفينة: سارت في البحر، قال لبيد بن ربيعة:

فَتَوَلَّوا فاتِراً مَشْيُهُمُ                   كرَوايا الطِّبْعِ هَمَّتْ بالوَحَل

([8])رجالٌ عاصرتهم، السيد علي السيد باقر العوامي، العوامي، مجلة الواحة، بيروت، العدد، 18،  الربع الثالث، 2000، ص: 72 ، الرابط: https://chl.li/Wk3Fn ، والعدد 20، الربع الأول، 2002، الرابط: https://chl.li/OgDDO، وكتاب رجال عاصرتهم، للسيد علي نفسه، الطبعة الثانية طبعة محلية محدودة، 1434هـ، 2012هـ، ص: 85، و119.

([9])أوراق من ذاكرة النسيان، علي بن حسن أبو السعود، أعده وراجعه وعلق عليه عدنان السيد محمد العوامي، معد للطبع، ص: 131.

([10])ساحل الذهب الأسود، محمد سعيد المسلم، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1962م، ص: 192.

([11])الإنكشارية جريمة العثمانيين التي انقلبت لعنة عليهم، وليد فكري، سكاي نيوز العربية، 23 ديسمبر، 2019.

([12])العلاقات العراقية الإيرانية، سعد الأنصاري، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ 1987م، ص: 22، والبلاد العربية والدولة العثمانية، ساطع الحصري، دار العلم للملايين، بيروت، 1960م، ص: 33.

([13])الأروام، والروم يراد بهم في الاصطلاح القديم: الترك. انظر: أنوار البدرين، الشيخ علي ابن الشيخ حسن البلادي، مطبعة النعمان، النجف الأشرف، 1380هـ، 1960م، ص: 377.

([14])البرق اليماني في الفتح العثماني، قطب الدين النهروالي المكي، أشرف على طبعه حمد الجاسر ، منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، ، الرياض، الطبعة الأولى، 1387هـ، 1967م،ص: 70 – 77.

([15])مساهمة المصادر والوثائق البرتغالية في كتابة تاريخ البحرين خلال النصف الأول من القرن السادس عشر، أحمد بو شرب – المغرب، مجلة الوثيقة، مركز الوقائق التاريخية بدولة البحرين، العدد الرابع، ربيع الآخر، 1404هـ، يناير 1984م، الملحق الثالث، ص: 138..

([16])أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ستيفن هيمسلي لونگريك، ترجمة جعفر الخياط، مطبعة المعارف، بغداد، 1968م، ص: 36– 40.

([17])المرجع نفسه ص: 40.

([18])قانونة نامه لواء القطيف لعام 959ه، فيصل الكندري، المجلة العربية للدارسات العثمانية، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي، والمعلومات، زغوان، تونس، العدد 15، و16، اكتوبر – نوفمبر، 1997م، ص: 357.

([19])ديوان الشيخ جعفر الخطي، تحقيق عدنان السيد محمد العوامي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى 2005، جـ1/268.

(([20]دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، طبعة جديدة معدلة ومنقحة، أعدها قسم الترجمة بمكتب أمير دولة قطر، وطبع على نفقة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، القسم التاريخي، دون تاريخ ، جـ3/1422.

([21]) تاريخ الأحساء الأحساء السياسي، محمد عرابي نخلة، منشورات ذات السلاسل، الكويت، 1400هـ، 1890م، ص: 34.

([22]) تاريخ الأحساء الأحساء السياسي، محمد عرابي نخلة، منشورات ذات السلاسل، الكويت، 1400هـ، 1890م، ص: 34.

([23])أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين، الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي، مطبعة النعمان، النجف الأشرف، 1380هـ 1960م، ص: 337، ووقفية صدقات عز الدين أبو السعود وصلتها بتاريخ القطيف، عدنان السيد محمد العوامي، مجلة الواحة، العدد 13، الربع الأول، 1419هـ 1998م، ص: 122-127، ورحلة يراع، الكاتب نفسه، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت الطبعة الأولى، 1440هـ، 2018م، ص: 33.

([24]) موقع العتبة الحسينية  الرابط https://chl.li/56Ep1 .

([25])تخميس ابن مجلي الخطي لقصيدة السيد الحميري، قدم له وعلق عليه، العالمة الجليل الشيخ فرج العمران القطيفي، مطبعة النجف، 1387هـ، ص: 19.

([26])ساحل الذهب الأسود، محمد سعيد المسلم، منشورات دار مكتبة الحياة، الطبعة الثانية، 1962م، ص: 187 – 194.

([27])الحكم والإدارة في الأحساء، والقطيف وقطر، دراسة وثائقية، د. عبد الله ناصر السبيعي، مطابع الجمعة الإلكترونية، الطبعة الأولى، 1420هـ، 1999م، ص: 187، وص: 312، الهامش 402.

([28])دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، القسم التاريخي، طبعة جديدة معدلة ومنقحة، أعدها  قسم الترجمة بمكتب أمير دولة قطر، د. ت. جـ3/1473.

([29])  https://chl.li/X3L1U .

([30])أرجح أنها خطأ في الترجمة صوابه: البصرة، فهو منها حقيقة، ولا يوجد في القطيف بهرة، إلا أن يكون تاجرًا، أو عابرًا.

([31])مصطلح “الأحساء< في التنظيمات الادارية العثمانية يشمل القطيف، أيضًا.

([32])لعله خطأ من المترجم، فالصحيح أن أخاه هو عبد الحسين، ولم يذكر أنًّ له غيره.

([33])مر في الحلقة السابقة – وسوف تتكرر هنا – أن قصره في السبيليات في أبو الخصيب، ولعلها ما أخطاء الترجمة.

([34])دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، القسم التاريخي، طبعة جديدة معدلة ومنقحة، أعدها  قسم الترجمة بمكتب أمير دولة قطر، د. ت. جـ3/1473.

([35])مجلة الواحة، العدد الأول، محرم، 1416هـ. مايو، 1995م، ص: 114 – 122. عن:

PERSIAN  GULF  GAZETTEER, PART  1,  HISTORICAL AND POLITICAL  MATERIALS, PRECIS  OF  TURKISH  EXPANSION  ON  THE  ARAB LITTORAL  OF  THE  PERSIAN  GULF  AND  HASA  AND  KATIF  AFFAIRS. CHAPTER 7. BY  J.  A.  SALDANA,  1904 I.O.R  R/ 15/ 1/ 724

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×