[فيديو] المظلات الخاوية تضع تاريخ “سوق الخميس” في العناية المركزة البلدية تضغط المستأجرين برفع الإيجار.. وباعة الخضار يزاحمونهم في أقدم سوق في الساحل الشرقي

القطيف: أمل سعيد

ليست القصة في وجود إجراء بيروقراطي تقليدي بين بلدية محافظة القطيف وباعة سوق الخميس.. بل في كون السوق الذي تحوّل اسمه إلى سوق السبت؛ امتداداً ثقافياً عمره مئات السنين، وهو أحد معالم المحافظة التي تستحق أن تُعامل بأفضل مما يُعامل به السوق الآن.

يستحق السوق أن تتدخل في تطويره وزارة الثقافة وهيئة الآثار والسياحة، وأولى خطوات التطوير هي الحفاظ على مشغّليه من الباعة والمستأجرين، وتُقدّم لهم تسهيلات تساعدهم على استمرار هذا السوق التاريخي، ليعود كما كان، لا أن يُهمَل، وتتحوّل معاملات “بسطاته” إلى إجراءات روتينية.

رمزية تاريخية

سوق الخميس في الماضي.. أو سوق السبت في الحاضر؛ إنه السوق الشعبي الأشهر على مستوى الساحل الشرقي السعودي، سوق له رمزيته التاريخية والتجارية، كان يعج بالباعة والمتسوقين من جميع نواحي المنطقة، ويرتاده آخرون من دول الجوار في الخليج العربي. في وقته الراهن؛ يعيش حال احتضار بدأت منذ أشهر، وهكذا وصف حاله الباعة في شكواهم لـ “صُبرة”.

السوق الذي يقام في الطرف الغربي من مدينة القطيف، اكتسب اسمه من اليوم الذي يقام فيه، يوم الخميس، وبقي محافظا عليه حتى بعد تغيير وقته إلى السبت. ثمة أسواق أخرى في مناطق أخرى، تحمل الاسم ذاته، وربما تقاربه في الشهرة، أشهرها سوق الخميس في خميس مشيط، الذي ربما منح هذه المحافظة الجنوبية اسمها.

جائحة كورونا

لم ينج السوق الشعبي بباعته ومتسوقيه من تبعات “كورونا”، وفرض الإقفال الإجباري عليه على غرار غيره من الأسواق، إلا أنه بعد عودة الحياة إلى جميع الأنشطة؛ لم يستعد حصته من الحياة، بل بقي ينازع الموت البطيء، تدنيه – بحسب الباعة – بسبب قرارات البلدية من نقطة النهاية.

حين تعبر سور السوق من جهته الشمالية، تصدمك صور أماكن البسطات الفارغة، مظلات لا تظلل إلا أرضاً خالية، وحين تجدّ السير جنوباً، وبعد انتصاف السوق تماماً، يدهشك تبدل الحال، فكل ذاك الفراغ العالق بهدب عينيك يتحول فجأة إلى ضجيج وحياة صاخبة، مليئة بأصوات باعة الخضار ومرتادي السوق.

هناك بين الموت والحياة، بين الضجيج والفراغ.. كان لـ “صبرة” وقفة مع من يعنيهم الأمر..

سوق الخضار

رمزي الزين، ورث مهنة بيع الخضار عن الآباء والأجداد، التقته “صُبرة” داخل سوق الخميس الممتلئ ببسطات الخضار والفاكهة، الخالي تماما من باعة الملابس والأواني، كما كان عليه الحال قبل عقود.

عند سؤاله عن سبب وجود الخضارين في السوق؛ أجاب الزين “كنا في سوق الخضار بجانب سوق السمك في حي الشريعة، وهو أقدم أسواق القطيف، وانتقلنا قبل سنتين تقريباً إلى سوق الخميس، من أجل تجديد سوق الخضار، وحين الانتهاء من العمل سيعيدوننا إلى هناك”.

عن الإيجار؛ يضيف الزين بكثير من الارتياح “قيمة الإيجار 3000 ريال في السنة، وأنا أرى أنه مقبول جداً، وإقبال المتسوقين ممتاز”. ويعزو ذلك إلى أن “أسعارنا منخفضة، ونحن نبيع أقل من محال الخضار الأخرى بكثير، حيث إننا نعتمد في طريقة البيع على معدل الدوران السريع، نأخذ كميات كبيرة ونبيعها بهامش ربح قليل جداً، لذا نبيع بسرعة، وهكذا يتضاعف الربح”.

هذا كان رأي أحد باعة الخضار في السوق، فكيف يرى السوقَ أهلُه..؟

لا نعرف أسباب المشكلة

“دخلت هذه السوق مع أخوتي، وأنا في سنّ الـ8، قضيت فيها أكثر من 30 سنة، والحقيقة لم تعد السوق كما كانت، لا حياة فيها، والإقبال ضعيف جداً، وزادت الأوضاع سوءاً بعد جائحة كورونا”، هكذا بدأ الأربعيني السيد غالب السادة حديثه لـ “صُبرة”.

وعن أسباب منعهم من البقاء داخل السوق، يقول “المشكلة احنا مو عارفين السبب الحقيقي، راجعنا البلدية، وهناك ضعنا أكثر، فمنهم من قال بسبب الإيجار، آخرون عزوا الأمر إلى كورونا؛ لأن سوق الخضار في الداخل، لا يريدون أن يزدحم السوق بباعة الخضار والملابس”.

أما عن رفع الإيجارات؛ فأبدى السادة استياءه من الوضع “رُفعت الإيجارات من 500 أو 750 إلى 2500 للمبسط الواحد، وهذا مبلغ كبير، كبير جداً علينا، أنا أحتاج مثلاً أكثر من مبسط، وعليه يلزمني كم عشان أوفّي؟”.

يضيف بكثير من الألم “كلنا خرجنا من السوق، ومن ترينهم الآن هنا هم جزء بسيط من الباعة، ربما 15 إلى 20 شخصاً فقط، والباقي نيام في بيوتهم، فلا عمل آخر لديهم، ولا مكان يسعنا جميعاً”.

يرى السادة أن أحد أسباب ضعف إقبال الناس على السوق هو “قلة الباعة، مقارنة بما كان عليه السوق”.

مزيداً من الحيرة

بائع العبايات رضا الأصيل، هو الآخر في حيرة من أمره، لا يعرف بشكل قاطع سبب منعهم من عرض بضاعتهم في الداخل، إلا أنه يردد ما يسمعه من باعة آخرين “بعضهم يقول ارتفاع سعر الوحدة إلى 2500، والبعض الآخر يؤكد أنه حينما يخرج بائعو الخضار من السوق؛ سيعيدوننا إليه”.

عن إقبال الناس على الشراء؛ يضيف “نحن الآن نعرض بضاعتنا في المكان المخصص لبضائع الجملة (استكات)، وهي منطقة ترابية، وبالتالي حين يأتي الزبون فإنه يحاول قدر ما يستطيع أن (يطيّح) أسعار البضاعة، ونبقى أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن نقبل بهامش ربح بالكاد يُسمّى ربحاً، أو أن تكسد البضاعة ولا ترجع بيتك إلا بمجهود مهدر لا قيمة له”.

الرسوم أكبر من استطاعتنا

يقف السيد عدنان العلوي بجانب والده السيد هاشم في بسطة تمتد قرابة 7 أمتار، مرحباً بزبونة قد تقترب وتقلب في البضاعة أمامها، وقد لا تأتي مولية وجهها صوب بائع آخر.

العلوي الابن اشتغل في سوق الخميس قرابة 30 عاماً، أما أبوه فيزيد على ذلك بكثير، لحظة وصول “صُبرة” إليه كان متأهباً، وكأنه كان ينتظر سؤالنا، فلم يكد السؤال يكتمل حتى أتى صوته مجيباً، شاكياً “فرضت البلدية رسوماً عالية على الباعة، الجائحة أضرت بكل شيء، نحن أكثر المتضررين، ورفع رسوم وحدات استجار السوق لا يمكننا تحمله”.

يكمل السيد عدنان بمزيد من الأسى “أنا لا أتكلم عن نفسي فقط، فربما حالي أفضل من كثيرين غيري، لكن الوضع سيء، بل سيء جداً، يادوبنا ناكل ونشرب بس، وبمنتهى الصدق أقول إن بعض الباعة حتى هذا لا يجدون إليه سبيلاً، وصلنا لحد أننا نفكر أن نجمع من بعضنا لكي يساند بعضنا بعضاً، وبالذات من وصل بهم الحال إلى ما لا يُطاق”.

عن مراجعة مسؤولي بلدية القطيف، قال “من نراجع؟ في البلدية يقول لنا الموظف: هذا قرار، وأنا عليّ تنفيذه، والرسوم الإدارية مرتفعة في كل مكان”.

لم تعد السوق سوقاً

كان هادئاً جداً وهو يتكلم، لكن نبرة صوته كانت تنبئ عن مقدار الألم. وقد حاول مهدي آل حسين أن يرسم ابتسامة على وجهه، مخفياً خلفها وجعاً كامناً في روحه، “رجعنا إلى السوق بعد كورونا، لكن موظفي البلدية جاؤونا وقالوا: ممنوع تبسطوا، لممنا بضاعتنا وذهبنا لمراجعة البلدية لمعرفة السبب؛ هناك أخبرونا بأنه يجب علينا أن ندفع قيمة الإيجار الجديدة؛ 2500 ريال، عن كل وحدة.

حاول آل حسين وبقية الباعة، أن يتفاوضوا مع موظفي البلدية حول المبلغ، “لأنه مرتفع جداً، إلا أنهم رفضوا، وبعد ذلك قالوا لنا: ممنوع  أي أحد يعرض بضاعته في الداخل، وسننظر في موضوعكم فيما بعد، ومضى شهران على هذا الكلام، وإلى الآن لم نرَ شيئاً، ولا نعلم ما مصير السوق، وهنا لم يكن أمامنا من حل سوى أن نضع معروضاتنا خارج أسوار السوق، من الجهة الشرقية، على الرملة؛ علما أن هذه المكانة كانت تعرض فيها سابقاً البضاعة متدنية الجودة”.

عن حال البيع والشراء يقول “لم تعد السوق سوقاً، لا باعة ولا متسوقين، غير نفر قليل، أغلبهم يمر بك دون أن يراك، والسوق التي كنا نترزق فيها الله؛ أعطوها لباعة الخضار، ولا أدري لم؟، هل من العدل أن يأتوا بباعة الخضار في مكاننا ويخرجونا من السوق؟ ألم يكن أولى بهم لو أنهم نصبوا لهم مخيمات؟”.

يكمل آل حسين حديثه “الأسواق الشعبية موجودة في كل بلاد الأرض، وتحظى بدعم حكومي، وهذا السوق، إضافة إلى أسعاره الرمزية والمنخفضة، يمثل معلماً تاريخياً في المنطقة”.

هنا اقترب بائع آخر؛ عباس علي قمبر، وكأن الكلام أمضَّه وأوجعه “سوق القطيف تراثية، من مئات السنين، معروفة في كل أنحاء المملكة، وفي دول الخليج، يأتوننا من كل مكان، وحقيقة أننا فوجئنا بالقرار، ثم نذهب للمسؤول؛ فيقول: روح للمراقب، نذهب للأخير فيقول: راجع رئيس البلدية، وهكذا من موظف إلى آخر، هذا إن رضوا أن يقابلوك، إلى أن يئسنا واضطرنا الحال إلى وضع بضاعتنا في المنطقة الرملية”.

منافسة غير عادلة

في حديثه؛ يشير آل قمبر إلى نقطة في غاية الأهمية، تحكم أسعار السلع بأيدي المواطنين والمقيمين “أنا لا أستطيع منافسة الأجنبي في الأسعار، هو يخفّض السعر إلى الحد الذي لا أصمد أمامه، وهذا يرجع إلى طبيعة حياتي وحياته، التزاماتي والتزاماته، أنا عندي زوجة وأولاد، إضافة إلى إيجار البيت ومصاريف لا يعلمها إلا الله”.

يكمل “أدخل السوق كل يوم وهدفي أن أربح شيئا أصل به إلى مرحلة الكفاف، أما المقيم؛ فقد جاء لوحده، خال من كل الضغوط التي  تتكالب عليّ، فلا أسرة ولا بيت، ولا غيرها، هو دخل البلاد ومبلغ الـ 600 إن توفرت سيراها خيراً وبركة، وبمنافسة ولد البلد يحصل على أضعافها، فالألفان تُعيّشه ملكاً، في حين إنها لا تكفي أساسات المعيشة عند المواطن، وقد استبشرنا خيراً بكف الأيدي الأجنبية، ولكن على أرض الواقع، ما زال المواطن يعاني من منافسة المقيم”.

إلى أن يفرجها الله

يعرض  حسن مهدي البيك المشكلة بالأرقام “توقفنا لمدة 8 أشهر، بسبب الجائحة، وحين عدنا علمت بزيادة الإيجارات، وما لحقت أضع بضاعتي؛ حتى جاءني موظف البلدية، مطالباً بالدفع: ادفع أو لا مكان لك. عن نفسي؛ أنا أحتاج إلى وحدتين لبضاعتي، يعني 5000 ريال سنوياً، وهذا يعادل حوالى 100 ريال لليوم الواحد (الأسبوع، باعتبار أن السوق تفتح يوماً كل أسبوع)”.

يضيف البيك “أنا لا أضمن أن أربح هذا المبلغ، فكيف أدفعه للبلدية؟، وماذا أطعم أهلي؟، أنا إنسان متسبب، لا وظيفة ولا راتب تقاعدي، ولا سواه أستند عليه، لذا طلعت خارج السوق، إلى أن يفرجها ربك”.

سعيد حبيب الصنّاع، ليس بائعاً في السوق، هو متسوق، ويعمل أخصائي آثار، فكانت له وجهة نظره الخاصة، يقول “قبل 40 سنة؛ كانت هذه السوق نخيلاً، شاهدت السوق في بداية نشأتها، حيث إنني من سكان المنطقة، كانت عامرة دائماً بالباعة والمتسوقين”.

يكمل  الصناع “بسبب الجائحة توقفت السوق نهائياً، وها هي تعود تدريجاً، قبل شهرين كانت أعداد المتسوقين ضئيلة جداً، وهذا مبرر وطبيعي، أم الآن فالأعداد في ازدياد، خاصة في مثل هذه الأوقات من السنة، عندما يبرد الجو يزداد المتسوقون، ويكثر توافدهم على السوق، سواء المواطنون أو الأجانب”.

رد البلدية

هذا ما وجدته “صُبرة” في حال السوق على ألسنة الباعة وبعض المتسوقين. وبدورها تواصلت مع بلدية القطيف، ونقلت استفسارات الباعة إليهم، فكان هذا الإيضاح:

نفيدكم بأن بلدية وسط القطيف قامت باستدعاء البساطين في سوق الخميس من خلال انذارهم بمراجعة إدارة الاستثمار لتجديد عقود البسطات، وتنظيم السوق حسب الاشتراطات النظامية التي تتطلب اصدار عقود أو تجديد العقود للمواقع التابعة المخصصة للبيع والبسط بشكل نظامي.
وعلى الباعة الراغبين في الاستفادة من السوق بشكل نظامي مراجعة إدارة النظافة والأسواق ليتم اتخاذ الإجراءات النظامية المتبعة“.
سيد محمد المشعل
إدارة العلاقات العامة والإعلام
شاهد الفيديو واستمع إلى مطالب الباعة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×