الملحم أباً يبكي.. وحيدر العبدالله أمّاً.. والحرز يهجو “وهم الفرادة” احتفالية "ابن المقرب" بيوم الشعر تضع النقد والشعر على منصة واحدة

الدمام: بتول محمد

لم يكن للأمسية أن تتمثل البعد الحضاري والإنساني للشعر في يومه العالمي، كما كانت في لحظة انهيار الشاعر الشاعر هاني الملحم بالبكاء خلال إلقائه الختامي لنص عن متلازمة داون أهداه لابنه عبدالله في عامه الثاني من الطهر.

الأمسية أقامها ملتقى ابن المقرّب، مساء أمس الأول، وبدأت بتقديم الشاعر زكي السالم أعقبها كلمة قصيرة لعضو ملتقى ابن المقرب الشاعر أحمد اللويم ثم محاضرة للشاعر الناقد محمد الحرز.

الحرز قدم المحاضرة، بوصفها جزءاً من كتابه المعد للطبع “الذاكرة الشعرية العربية من البدايات إلى التحولات”. وبدأ الحرز بما سمّاه “موضعة” السؤال ومكون الشعر في الهوية العربية، مقابل الشعر في الثقافات الأخرى.

وهو ما خلق وهم الفرادة أو الاستفراد بملكة الشعر اعتماداً على المعايير الفنية لتحديد شاعرية الشعر بالإضافة إلى تمثيله للهوية بيئيا سياسيا واجتماعياً.

المعيار المعتمد

وحسب الحرز؛ فإن تلك المعايير أنتجت نماذج محدودة في موضوعاتها وسياقاتها وأبنيتها رجوعاً لأفق المعيار المعتمد، مع استثناء وحيد اتخذ الجمال معياراً له، تمثل في أبي تمام. وأوعز الحرز ذلك للطبيعة الشفاهية التي انزاحت مع بدء التدوين مستشهداً برأي أدونيس في بداية التحول مع ظهور النص القرآني والانتقال من اعتماد البديهة إلى اعتماد الرؤية والتفكر في محاولة إثبات حجية النص القرآني، وتفاعلاً مع تأثيرات القرن الثاني الهجري والامتزاج الثقافي والانقداح الناتج عن صراع الهوية.

حسب الحرز أيضاً؛ فإن هذا التفكر أبرز تيارين متقابلين: تيار الكلاسيكيين الذين اعتمدوا خصوصية الشعر متمثلاً باللفظ والأسلوب، وتيار المحدثين الذين اعتمدوا ابتكار المعنى. وقد استمرت سيطرة التيار الكلاسيكي حتى سقوط بغداد.

غير أن الحرز يرى أن هذا التأريخ للحداثة الشعرية العربية إنما هو نتيجة إسقاط أدونيس تحولات الشعرية الغربية على الشعر العربي، في عدم قصدية إحداث التغيير اعتماداً على منهجية دراسة فضاءات التأثير كمنطلق.

ويرى الحرز أن التحليل ينبغي أن يبدأ من النصوص المطروحة، معتمداً شعر المتنبي وتناوله بالدراسات والشروحات منطلقا للحداثة الشعرية العربية حيث ظهرت سمات الخروج عن الكلاسيكية في طرح موضوعات القلق والترحال وتأثير أحداث حياته على نصوصه الشعرية.

ما طرحه الحرز يجعل المتلقي يتساءل عن سبب اعتماد القلق والترحال كموضوعين خارجين عن النسق الشعري العربي المحدود، فيما يظهر للدارس وجود موضوعات شعرية أخرى تخرج عن نسق الموضوعات المعيارية في شكوى الزمان وطبيعة البشر بمختلف مايندرج تحتها من موضوعات.

دموع أب

في الجزء الثاني من الأمسية ظهر الشعر مسكوناً بحداثته المخاطبة للطبيعة البشرية وتساؤلاتها بدءاً بالشاعر هاني الملحم الذي افتتح جولته بقصيدة “الخلود” متخذا المشاعر منبعاً وسياقا للروح الشعرية، ومعضداً هذه الرؤية بـ “ثنائية الحب والشعر”، ثم الهروب إلى الشعر في قصيدة “هروب”، وختاماً بعصف إنساني في قصيدة ” طهر في عامه الثاني”:

عامان مرا بنبض الحمد يا ولدي

مازلت أقرب من قلبي إلى كبدي

مازلت تزرع في عينيّ سنبلة

تهدي الأمان لحقل الروح والجسد

كم جاورت همهمات الليل أسئلة

جوابها الصمت يشكو قسوة الأبد

نسوية

أريد للشاعرة مشاعل العبدالله أن تتلو آيات الآنثى بعده، لكن ـ ولأسباب تقنية ـ جاء أمير الشعراء حيدر العبدالله تالياً وياللمفاجأة بنص نسوي على لسان أم أوفى تشكو من الشعر والشاعر، منتقداً في نصه الذكورية في أكثر موضوعاتها جدلية، اتخاذ المرأة موضوعا للشعر!

إلى ابن أبي سلماي من أم أوفاه
إليه وقد عوفيت من ضيم زلفاه
إلى من أغانيه خدائنه
ولا غرابة إذ كانت فحولته فاه
لسان الفتى نصف ونصف لسانه
فماذا تبقى منه والشعر نصفاه

ثم يبدو أن العبدالله أراد للشعر في يومه أن يكون منفتحاً على الاختلاف ليس فقط كجنس بل على الآخر كثقافة وبيئة , فنقلنا إلى اليابان مخاطبا معالمها البيئية والثقافية والتكنولوجية , كما جاوز اللغة من محليتها العربية إلى تنوعها بمفردات ألمانية وتركية.

ثيمة الموت

وبصوت هادئ دافئ ونبرة حزينة قدم الشاعر إبراهيم بو شفيع ثيمة الألم مترافعاً أمام الصمت والكتمان بقصيدة “المرافعة” و “مشنقة الأعذار”، و “إلى شاعر كنته”:

سأصمت إن رأيت الصمت صوتا

وألبس جبة الكتمان موتا

ثم في جولته الثانية نزف حنان وحنين وخطابا للوجود في أسئلته البدائية

وأرسم في كهوف الذات وجها

يشابه كل أوجاعي .. السحيقة

سأحمل فوق ظهري ألف عيسى

لأصلبهم فداءً للخليقة

وآتي كعبة الإنسان حجاً

وأشعاري تطوف بها حديقة

تريد الله؟ كن وجعا نبياً

يرى الطريق بلا طريقة

قلق الضوء

هل كانت صعوبات الحضور في أسبابها التكنولوجية إشارة  للقلق من الضوء؟

هل يكون الإنسان حاضراً حين تحضر متعلقاته (ورود، لوحة لوجه امرأة تضحك  بهستيرية، كتب، غيتار، وحتى علبة مناديل، إلا هي لم تكن في الصورة). مشاعل العبدالله تشكيلية إلى جانب كونها شاعرة، وربما أرادت للوحة كمبتكر حديث أن تقول ما لا تستطع قوله في مجتمع اللغة، حضور مختزل جدا بدأ ب” قلق”:

قلق من الضوء النجيّ تجلى

يأبى سوى وجعي أن يكون ظله

ألبسته صوت الغموض مهابة

وبرأسه العاري عليّ أطلّ

 

 

تابع الناقد: “تلك المعايير التي أنتجت نماذج محدودة في موضوعاتها سياقاتها وأبنيتها رجوعا لأفق المعيار المعتمد مع استثناء وحيد اتخذ الجمال معياراً له تمثل في أبي تمام”.

فيمّا كان “التأريخ للحداثة الشعرية العربية” والتحولات التي مر بها مسيطراً على المحاضرة، وفسر الحرز، قائلاً: “نتيجة إسقاط أدونيس تحولات الشعرية الغربية على الشعر العربي؛ في عدم قصدية إحداث التغيير اعتمادا على منهجية دراسة فضاءات التأثير كمنطلق”.

ويرى الحرز أن “التحليل ينبغي أن يبدأ من النصوص المطروحة، معتمداً شعر المتنبي وتناوله بالدراسات والشروحات منطلقاً للحداثة الشعرية العربية حيث ظهرت سمات الخروج عن الكلاسيكية في طرح موضوعات القلق والترحال وتأثير أحداث حياته على نصوصه الشعرية”.

بكاء في “طهر”

وألقى الشاعر هاني الملحم قصيدةً أهداها لأطفال متلازمة داون، وقد خصّ بها ابنه عبدالله ذا العامين، مبدياً تعلقه به، مشيراً إلى معاناة الآباء والأمهات الذين يرعونهم، وشهدت تلك اللحظات انهيار الشاعر بالبكاء في أثناء الإلقاء.

الذي افتتح جولته بقصيدة “الخلود” تلاها “ثنائية الحب والشعر”، ثم الهروب إلى الشعر في قصيدة “هروب” وختاماً قصيدة ” طهر في عامه الثاني”:

عامان مرا بنبض الحمد يا ولدي

مازلت أقرب من قلبي إلى كبدي

مازلت تزرع في عينيّ سنبلة

تهدي الأمان لحقل الروح والجسد

كم جاورت همهمات الليل أسئلة

جوابها الصمت يشكو قسوة الأبد

“نسوية”

اتخذ الشاعر حيدر العبدالله، من المرأة موضعاً للشعر، مقدماً نقداً شعرياً للذكورية، مستخدماً مفردات من اللغتين الألمانية والتركية:

إلى ابن أبي سلماي من أم أوفاه
إليه وقد عوفيت من ضيم زلفاه
إلى من أغانيه خدائنه ولا

غرابة إذ كانت فحولته فاه
لسان الفتى نصف ونصف لسانه
فماذا تبقى منه والشعر نصفاه

 

الموت هادئ والحنين ينزف

بصوت هادئ دافئ ونبرة حزينة قدم الشاعر إبراهيم أبو شفيع قصائده “المرافعة” و”مشنقة الأعذار” و”إلى شاعر كنته”:

سؤال البدء كيف هنا أتينا
يحاصرني ويزرع بي شقيقة
يضيق الوقت من عمري فأهوي
إلى بئر الخيالات العميقة
وأرسم في كهوف الذات وجها
يشابه كل أوجاعي السحيقة

تريد الله ؟ كن وجعا نبيا
لكي( تلي) الطريق بلا طريقة

“قلق الضوء”

فيمّا أرادت الفنانة التشكيلية والشاعرة مشاعل العبدالله، رسم لوحة بكلماتها في قصيدة “قلق”:

قلق من الضوء النجيّ تجلى

يأبى سوى وجعي ليصبح ظلا

ألبسته صوت الغموض مهابة

وبرأسه العاري عليّ أطلّ

واختتم الشاعر زكي السالم الأمسية بالمسرح الأثيري، موزعاً كلمات الشكر للمشاركين والمنظمين والمتابعين.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×