عكس التيار.. نحو تصحيح المفهوم

زكريا أبو سرير

 يُعدّ مصطلح “التيار” مصطلحا علميا فيزيائيا. وهو الحركة التي تنتج بفعل تحرك جزء من الجسم السائل أو الغازي، ومثاله تيار النهر السريع، أو تدفق الشحنات الكهربائية المتدفقة عبر نقطة محددة، وهو عبارة عن سيال كهربائي يجري في مسار موصل للكهرباء، وقد يستخدم مصطلح تيار عند بعض المجتمعات التي تكثر فيها الحوادث الطبيعية كالصواعق الرعدية، عندما تصطدم موجاتها بأحد التيارات الكهربائية.

وقد وظف في ما بعد مصطلح تيار في أورقه الثقافة بشكل عام. وبات يعتبر من المصطلحات الحديثة في الفكر والثقافة، حيث يتم الإشارة إلى أي فكر بالتيار، بالمعنى أن أي مجموعة تنتهج او تتبنى فكرا معينا أو توجها واحدا فيشار إليها حينئذ بالتيار الفكري أو المنهج الثقافي.

عندما نشأت الحركات الفكرية المتنوعة والمختلفة في المجتمعات، نتيجة التطورات الذي حصلت في الفكر البشري والتكنولوجي، رافق هذا التطور والتوسع  و التنوع الفكري، توجهات وافكار مختلفة، ولكي يعرف كل فكر بمنهجه و بما يحمله أو يتبناه الآخر، تم وصف هذه التوجهات المختلفة بالتيارات، فأصبح هناك تيارات متعددة، كالتيار السياسي و الصناعي و الاقتصادي، و الديني و الثقافي، وكذلك انشق من هذه التيارات تيارات أخرى، بعضها تشكل علي شكل قوالب حزبية، و من نفس وانشطرت عن هذه الأحزاب مجموعات أخرى متنوعة منها يمينية ويسارية و قومية و ووطنية و دينية.

إن كل مجتمع يتمتع  بتعددية في التيارات الفكرية يمكن أن يعبر عنه بالمجتمع الحي،  حيث يتسم هذا المجتمع بالوعي والثقافة والتنوير. ان التنوع الفكري يثري المجتمع ويعطيه قيمة ومكانة مميزة بين المجتمعات الأخرى، فهو كالنهر الجاري، وخاصة إذا وجد في هذا التنوع الفكري، حالة من التعايش والقبول، حيث تكون الاستفادة الفكرية من وجود هذا الاختلاف الثقافي والفكري  في عملية التطوير والتنمية البشرية.

إن ظهور حالات الاحتراب والعنف بين التيارات المتنوعة نتيجة الاختلاف في وجهات النظر، فلا معنى له سوى أن مثل هذا المجتمع مازال لم يصل بعد إلى درجة الوعي والإدراك، حيال قبول الآخر المختلف عنه، وأي مجتمع يفقد ثقافة الاختلاف، يعد مجتمعا فاقدا لثقافة السلم والتعايش، و قد يصل به الحال إلى الحرمان من التنمية الفكرية والاستقرار الأمني وفقدان التطور في البنية التحتية و الرفاهية الاقتصادية.

قد يلحظ من بعض المنتسبين لبعض هذه التيارات الثقافية أو الفكرية نقدهم السلبي واللاذع، اتجاه تيار فكري آخر، بسبب اختلافه معه جزئيا أو كليا، وليس القصد هو منع التعبير عن الرأي والرأي الآخر أو النقد، لأي توجه  أو اي تيار فكري، وإنما تكمن المشكلة في عدم تقبل الاختلاف، أو قراءة الفكر الآخر من زاوية أحادية، بحيث يراه لا يتناسب مع ما يطرح في هذا التوقيت حسب اعتقاده.

ينبغي الاشارة إلى أن لكل تيار فكري خط وتوجه معين، وعليه من المفهوم أن لكل تيار فكري خصوصيته و برنامجه الذي يسير عليه، وفق ذلك الفكر وتلك الثقافة، لأجل تحقيق أهدافه، فعامل الوقت بالنسبة له عبارة عن إنجازات، وليس كما يفهمه الآخر عبارة عن مناسبات مجردة.

لهذا ينبغي على كل التيارات الفكرية المختلفة، أن تفهم وتستوعب هذا التنوع الثقافي والفكري المجتمعي، بحيث لا يشير للآخر علي انه عكس التيار، بسبب اختلافه معه في الفكر أو الثقافة أو البرنامج العملي. الساحة تسع الجميع، والجمهور حر في قبول أو رفض أي نوع من هذه التوجهات او التيارات الفكرية والثقافية.

وبهذا القبول العام نحقق ثقافة التسامح واللاعنف والسلام والوعي و التطور والتنمية والازدهار و الرفاهية الاقتصادية.  ولنتذكر نظرية  الإمام علي عليه السلام، حين قال : الناس صنفان اما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، ولا أظن لو بحثنا أو فتشنا في كل أروقة الثقافات والأديان منذ مهبط سيدنا آدم ( ع) حتى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ( ص) إلى يومنا هذا سنجد تلخيصا لمفهوم التعامل مع الآخر غير هذه النظرية الإنسانية والاجتماعية، بل لا يوجد في الدنيا كلها غير هذين الصنفين من التعامل مع الآخر،  بملاحظة أن الامام علي ( ع)، قال هذا القول في زمن لم يكن الناس فيه علي اتجاه واحد او دينا واحدا او مذهب فكري واحد، بل أطلق هذا المبدأ  في زمن كانت الاختلافات والتنوعات الفكرية والدينية والثقافية قائمة، فما كان هناك من خيار أفضل من اتخاذ هذا المبدأ الإنساني، الذي من خلاله يحفظ لكلٍ حقه وكرامته ومكانته الاعتبارية في تحقيق العدالة الإنسانية والاجتماعية.

 اتمنى في ختام هذا المقال قد اوصلت فكرة عكس التيار، الذي قد تقال لتيار فكري معين قد ينتهج  فكر وثقافة معينة، وفق ثقافته واعتقاده بها، مع ما يمتع جميع التيارات الفكرية  بروح  التسامح والتعايش وقبول الآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×