“مروا من هنا”

أثير السادة*

مثل زائر لا يُمل تمر أسراب الطيور في هجرتها عبر هذا المكان، وهي تقطع المسافات في تحولات الفصول، بعضها يختار السواحل، والبعض الآخر يستريح على أطراف المزارع وأغصان الشجر، في منظرها وهي تملأ الفضاء والأرض بألوانها وأصواتها ما يوقظ كل الحواس، ويوقظ الحياة في اتساع المكان..الشواطئ التي غطت في صمت رهيب بعد أن غادرتها المراكب للأبد ستبسط راحتيها لاحتضان هذه الوجوه الزائرة بعد أن نسيت كل الأناشيد والحكايات التي كانت تعرفها، والمزارع التي نادمت طويلاً عصافيرها باهتة اللون راحت تتلون وهي تستقبل ذخائر الربيع من الطيور التي تزهو بتعدد ألوانها.

راصدو الطيور ومثلهم المتربصون لها بالشباك والبنادق هم أكثر الناس دراية بهذه الزيارات الموسمية، يرصدونها في نزهة التصوير أو نزهة الصيد، وبين نوايا الاثنين مسافة لا تسمح لهما بالالتقاء، فيما يغيب على الكثيرين من الواقفين بعيدا عن هاتين الضفتين أسرار هذه الطيور وأخبارها، فلا مناسبة ولا كتاب ولا حتى وسيلة لبلوغ المرام في معرفة أحوال الطيور المهاجرة.

من لا يدقق كثيرا في زحام الطيور التي تعبر الأجواء لن يجد ما يملأ كأسه بالفضول، فكل الطيور من شرفة عدم الاكتراث تبدو سواسية، بينما يهب الإمعان في النظر طريقا لاكتشاف التنوع في صور الطيور التي اختارت أن تتغزل المكان ما بين موسمي الخريف والربيع.

لفرط الدهشة بها تحتفل بعض المجتمعات بهذا العبور الجميل في موسم الهجرات، ولفرط التهور في التعامل معها اندفعت بعض المنظمات إلى التذكير بضرورة حماية هذه الطيور من أفعال البطش والقنص والبيع، وبين هذا وذاك اختار الصديقان حسن الدبيس وباسم النصر أن يضيئوا القناديل حول واحدة من هذه الهجرات، وأن يكتبوا سيرة بالحبر والريشة والعدسة والموسيقى ليمنحوا الحدث قيمة فنية وثقافية، الاثنان يحضران ويجمعان ويرتبان حدثاً هو بمثابة تحية لطائر مر من هنا، وجلب معه البهجة والكثير من الفضول والأسئلة، وهما يطمعان في معرض “مروا من هنا” أن يفتحوا الباب للاحتفاء بالطيور المهاجرة، في موعد ليس ببعيد عن اليوم العالمي للطيور المهاجرة، وكأنها دعوة لجعل موسم الهجرات مناسبة اجتماعية وثقافية وفنية، باعتبار هذه الهجرات نصاً من نصوص المكان الذي نحيا فيه، هجرات تذكرنا بأن ماتبقى من هذا التنوع البيئي، بين الطبيعة البحرية والزراعية، يستحق أن يدافع عنه، وأن يبنى عليه ضمن مشاريع بيئية، قائمة على التوازن في معادلة الأسياف والأرياف.

يبدا طريق الألف ميل بخطوة، وأول خطوة على طريق الاحتفاء بالطيور المهاجرة قد يكون معرضا صغيرا عابرا، يوصلنا إلى التفكير بكرنفال شعبي لاستقبال هذه الطيور وتوديعها.

___________

*من صفحته على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×