التقويمان الهجري القمري والهجري الشمسي

سلمان الرمضان

يعتمد التقويم القمري على تكرار القمر أطواره 12 مرة مكونا السنة القمرية، ومنذ البداية كان القمر هو الذي يحدد زمن ظهوره بين هلالين في دورة واحدة تختلف بين ٣٠ أو ٢٩ يوماً، حتى مع استخدام السنة الشمسية التي تعتمد حركة الأرض حول الشمس، حيث كان التقويم القمري والشمسي يسيران مع بعضهما، حتى بدأت الأعياد والفصول تتغير مواقعها ومواعيدها، فحدثت تغييرات عدة في التقويم الشمسي إلى أن استقر على وضعه الحالي كتقويم مدني.

 وكان للعرب ـ قبل الإسلام ـ معرفة بالتقويم وإن كانت بسيطة، حيث اعتمدوا رؤية الهلال في دخول الشهر، وسموا أشهرهم بأسماء مختلفة تبعاً لكل قوم، وكانوا يعدون السنة اثني عشر شهراً، وسموا تلك السنين بحوادث معينة كبناء الكعبة، وانهيار سد مأرب في اليمن، وعام الفيل.. وهكذا.

والأسماء الحالية للتقويم القمري لم تُعرف سوى في أواخر القرن الخامس الميلادي، وكان المحرم هو أولها بنفس ترتيبنا الحالي.

العودة إلى النقطة

وتعتمد دورة القمر على دوران القمر في مداره حول الأرض  في ٣،٢٧يوماً، بمعنى أن القمر يعود لذات النقطة بعد تلك المدة. فلو افترضنا بداية الشهر الفلكي هو بداية تلك الدورة فيسعود القمر لتلك النقطة بعد تلك المدة، ولكون الأرض تدور حول الشمس فستكون قد غيرت مكانها مما يستلزم من القمر يومين إضافيين تقريبا حتى يصطف معهما في مستوى واحد لبداية شهر فلكي جديد، وتلك الفترة تساوي:

٥٣،٢٩ يوماً (٢٩ يوما و١٢ ساعة ٤٤ دقيقة و٣ ثوان) x ١٢ شهراً = ٣٥٤ و٦ ساعات و٤٨ دقيقة و٣٦ ثانية (٣٦٧،٣٥٤ يوما)،

بفارق أقل من ١١ يوما بنحو ساعة واحدة عن السنة الشمسية.

 الشهر الشرعي

نحن نعلم أن الشهر القمري الشرعي هو ٣٠ أو ٢٩ يوما، تتوقف على رؤية الهلال، لكننا نتحدث هنا عن تقويم قمري اصطلاحي حسابي اعتماداً على حركة القمر حول الأرض وعلاقتهما مع الشمس، كما تحدثنا عن تقويم شمسي اعتمادا على حركة الأرض حول الشمس.

تروي المصادر التاريخية أن العمل بالتقويم الهجري بدأ في عهد الخلافة الراشدة في عهد عمر بن الخطاب بمقترح من الإمام علي بن أبي طالب، حين دعت الحاجة وتنظيم شؤون الدولة وضع مرجعية للتاريخ يعتمد عليها، رغم أنهم يعتمدون الأشهر الهلالية في تعاملاتهم، وتم الاتفاق على اختيار سنة الهجرة النبوية كمرجع لذلك.

كانت الهجرة في ربيع الأول ووافقت ٢٠ أيلول (سبتمبر) ٦٢٢ م، لكن تم جعل بداية السنة من بداية محرم وهو ما يوافق ١٦ تموز (يولية) عام ٦٢٢ م، وهو ما يوافق امكان الرؤية فيكون يوم الجمعة ١/ ١ / ١ هـ.

كما نلاحظ؛ فإن الشهر القمري يتكون من عدد صحيح هو ٢٩ وكسر، وبالتالي يظل مجموع السنة يحوي كسراً أيضاً، وحتى يصبح الرقم عدداً صحيحاً، تم اللجوء إلى نظام “الكبس” كما في غيره من التقاويم.

وبحسب قاعدة ترك الكسر إذا كان أقل من النصف، وجبره إذا كان مساوياً ـ أو أكثر من ـ النصف، و ذلك الكسر من السنة يجتمع مكوناً نحو ١١ يوماً خلال ٣٠ سنة.

تم الكبس على أساس ترك الكسر في السنة، لكونه أقل من النصف، فتكون بسيطة عدد أيامها ٣٥٤، وإضافته إلى كسر السنة التالية، فيكون مجموعهما أكثر من النصف، وتكون السنة الثانية كبيسة مكونة من ٣٥٥ يوماً، ويتكون ذلك الأمر مع ١١ سنة من ثلاثين، ويعرف ذلك بالدور الكبير، والسنوات الكبيسة هي كما في الجدول التالي:

٢ ٥ ٧ ١٠ ١٣ ١٥ ١٨ ٢١ ٢٤ ٢٦ ٢٩

بسيطة وكبيسة

ولمعرفة السنوات البسيطة يمكن حفظ هذا البيت من الشعر المكون من ٣٠ حرفا:

رب اعف عن ماقد صنعت          وكن لعبد رجا ثوابك

فالحرف المنقوط هو الذي يقابل السنة الكبيسة من الدور، ولمعرفة السنة البسيطة كمثال:

سنة ١٤٣٨/٣٠= ٩،٤٧ والباقي ١٠ وهو موجود في الجدول فتكون السنة كبيسة.

ولو طبقناها على سنة ١٤٣٩، فسنجد الباقي ٢٠ وهو غير موجود في الجدول فتكون بسيطة.

ولأنهم جعلوا الأشهر عددية فيعدون الفردية كمحرم وربيع الأول ٣٠ يوما، والزوجية كصفر وشعبان ٢٩ يوما وذلك في السنة البسيطة، وبما أن شهر ذي الحجة وهو الثاني عشر زوجي فيكون ٢٩، ويضاف له يوم في السنة الكبيسة فيكون٣٠ يوماً.

بالطبع ذلك لا يحل الفرق بين السنة القمرية والسنة الشمسية، وإنما لمحاولة تبيان طريقة وضع تقويم قمري نابع من ثقافتنا ومنسوب لهجرة نبينا ﷺ، وسيبقى الفرق مع السنة الشمسية قائماً بنحو ١١ يوماً، ذلك أن السنة الشمسية تقوم على أساس دوران الأرض حول الشمس، وذلك كان معروفاً لدى العرب قديماً وحتى قبل الإسلام، وقد قسموا تلك السنة لمواسم تناسب حياتهم وطبيعة مناطقهم، حيث ربطوا حركة الشمس ظاهرياً في فلكها بالفصول والأجواء، وهذا ما يذكر بما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أن السنة الشمسية هي سنة الفصول، وأن دخول الفصول لا يعني الحالة الجوية، وإنما تعني الفترة الزمنية التي قطعتها الشمس خلال دورتها الظاهرة في السماء وفي مسارها المعروف بفلك البروج، وهو ما يسمى بالسنة الشمسية الهجرية لاحقاً، حيث أن الشمس تقطع في ذلك الفلك ٣٠ شهرياً، بمعدل درجة واحدة يوميا.

وهذا التقويم هو المستعمل في ايران وأفغانستان، وجزئيا في مناطق الأكراد، وموجود في تقويم أم القرى، وذلك عند الإشارة للبروج والطوالع، وتعرف السنة المالية الحكومية أنها تبدأ في ١١ الجدي الموافق لبداية السنة الميلادية، وهو ما أصبح معروفاً بعد ارتباط أجور الموظفين الحكوميين بالبروج قبل سنة، قبل أن يتم التعديل إلى الشهر الميلادي.

أبراج السنة

كانت العرب تقسم تلك السنة بنفس ما احتواه بيت الشعر القائل:

 حمل الثور جوزة السرطان          ورعى الليث سنبل الميزان

 ورمت عقرب قوسا لجدي           نزح الدلو بركة الحيتان

لكنهم كانوا يسمونها بأسماء مختلفة بناء على طبيعة حياتهم بداية من الربيع وهو واقعا بداية السنة الشمسية

وكانوا يسمون أشهرهم كالتالي:

ومن خلال هذا الجدول يلاحظ أن عدد أيام سنتهم ٣٦٥ يوما، ومن خلال ٥ أشهر عدد أيامها ٣١، و ٧ عدد أيامها ٣٠، فاتبعوا طريقة الكبس بزيادة يوم للشهر الأول كل أربع سنوات.

استقر التقويم في ايران بنفس الفكرة تقريباً، فسنتهم تبدأ مع الربيع ومطلع سنتهم هو النوروز (النيروز)، وتكون شهورهم الستة الأولى عدد أيام كل شهر٣١ يوما، والخمسة التالية لها عدد أيام كل شهر  ٣٠ يوما والشهر الأخير ٢٩ في السنة البسيطة و٣٠ في الكبيسة.

فيما يبدأ تقويم أم القرى، السنة الشمسية الهجرية في الخريف، وذلك لأن المصادر التاريخية تذكر أن وصول النبي مهاجراً ليثرب في ٢٠ أيلول (سبتمبر) سنة ٦٢٢ م، ودخل فصل الخريف عند الساعة ٤٧:٠١ بعد منتصف الليل وكانت الشمس في برج السنبلة حقيقة ومنزلتها السماك الأعزل، ولكم ظل الاصطلاح هو برج الميزان هو الشهر الأول للسنة الشمسية الهجري في تقويم أم القرى، وفيه الأشهر الخمسة الأولى كما في الإيراني عدد أيام كل شهر ٣٠ يوما، والشهر السادس وهو الحوت كما في الإيراني ٣٠ يوما والشهر الأخير ٢٩ في السنة البسيطة و٣٠ في الكبيسة، فيما الستة أشهر الثانية عدد أيام كل شهر منها ٣١ يوما، مع العلم أن السنة القادمة التي ستبدأ في ٢٣ سبتمبر، وستكون كبيسة حيث سيكون الحوت ٣٠ يوما، فيما كانت السنة في ايران السابقة ١٣٩٥ هجري شمسي هي الكبيسة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×