“قهوة قريش”.. صنع “التابلاين مجدها.. وقضى عليها الطريق السريع فكرة استثمارية جازف فيها مواطنان من صفوى في ستنيات القرن الماضي
“وفي ظهيرة اليوم المؤرخ؛ صلينا الظهرين جماعة في المسجد الكائن موقعه في مقهى علي بن محمد قريش، من أهالي صفوى، وتناولنا الغداء في إحدى حجرات المقهى”..
صاحب هذا الحديث؛ هو الشيخ فرج العمران الذي عاش بين عامي 1321 و1398هـ. وهذا الكلام كتبه ونشره في كتابه “الأزهار الأرجية”.
واليوم المؤرخ في هذا النص هو يوم الأحد 15 صفر سنة 1391هـ، أي مثل هذا اليوم، قبل 51 سنة.
والمكان هو محطة وقود ومطعم واستراحة، كانت تقع على طريق دولي في ذلك الوقت. طريق كان يمتدّ من الظهران والخبر جنوباً إلى دولة الكويت شمالاً، وهو الوحيد الذي كان موجوداً، ويُعرف ـ حالياً ـ بـ “طريق الكويت القديم”..!
تقع المحطة في موضع يسمّى “الصبيغاوي”.. وهي فكرة استثمارية مبكرة جازف بها آل قريش وشاركه فيها عبدالكريم بن حسن الصفواني، ففكرا وقرّرا، وأقدما على مشروع تجاري واعدٍ جداً، ونجحا نجاحاً حقيقياً، ليعملا معاً على خدمة المسافرين سنواتٍ طويلة، في المشروع الذي عُرف بـ “قهوة قريش”..!
الشيخ فرج العمران (1321 ـ 1398هـ)
كلام الشيخ العمران يتحدث عن توقف رحلة سفر إلى العراق في المحطة التي كانت بعيدة جداً عن القطيف، بمقاييس ذلك الزمن. انطلقت الرحلة صباح ذلك اليوم، وتوقفت ظهراً في “قهوة قريش”، للصلاة والراحة وتناول الغداء. الشيخ العمران قال إنه كان على متن حافلة طراز 1968م، وبرفقته مجموعة من شخصيات القطيف المعروفين في زمنهم..
كان معه:
- سائق الحافلة: رجل من أهالي عنك يدعى نايف بن عبدالله الثواب، برفقته الحاج علوي بن علوي الجراش من أهالي المدارس،
- مقاول الرحلة أحمد بن الحاج عبدالله العوى،
- الشيخ عبدالرسول بن الملا حميد الجواد من أهالي الجراري،
- الحاج محمد بن الشيخ سليمان آل سيف من أهالي القلعة، (وهو والد الدكتور عبدالرزاق آل سيف، وجد الشيخ زكي آل سيف لوالده)،
- السيد شبر ابن السيد ابراهيم بن السيد شبر من أهالي تاروت،
- الحاج محمد بن الحاج رضي الشايب من أهالي تاروت،
- الملا عبدالمحسن بن محمد النصر من أهالي سيهات،
ولم يكن الشيخ العمران ومرافقوه الوحيدين الذين يتوقفون في هذه المحطة التي تحولت إلى طلل في واجهة مزرعة الآن. كل من يسافر إلى العراق يتوقف فيها للراحة والتزود بالوقود والأغذية.
طريق الكويت القديم الرملي، والدائرة تحدد موقع العين الجوفية
1380 ـ 1961
قصة المحطة طويلة، تأسيسها وازدهارها، ثم نهايتها. ويقول عادل علي محمد قريش، ابن أحد المؤسسين، إن الفكرة بدأت عام 1380هـ، حين وضع والده وشريكه نواة مشروعهما، وبنيا 3 صنادق من الخشب والزنك، شرق العين الجوفية التي ما زالت موجودة حتى الآن. يقول “أراد الشريكان إنشاء بقالة تموينات وسكن للعاملين وجميعهم سعوديون من أبناء صفوى وعائلة آل قريش، وكان مصدر الكهرباء “الماطور”، وكانت التموينات تصل يومياً بعد جهد في فترة واحدة قبل الظهر، وتُجلب من محلات في القطيف وصفوى، وتصل إلى الصبيغاوي عبر الطريق الرملي”.
التابلاين
موقع المشروع قريبٌ جداً من خط “التابلاين” النفطي.. يضيف آل قريش “بعد ذلك بدأ العمل في إنشاء المشروع، وكانت “عين الصبيغاوي” النباعة مصدر الماء لهذا المشروع، وتم الإهتمام بالتشجير وزراعة عدد من فسائل النخيل شمال وشرق العين بيد جدي المرحوم “محمد بن علي آل قريش” والمرحوم حسن بن علي الصفواني، كنواة لمزرعة صغيرة، بالإضافة لزراعة مصدات الرياح من أشجار “الإثل” شمال الموقع بشكل عام، لحمايته من زحف الرمال ونزوحها وللتخفيف من سرعة الرياح”.
1383 ـ 1963
ويقول “بعدها حصل الشريكان على الموافقات الرسمية من الجهات الحكومية، لإنشاء محطة المحروقات (بنزين وديزل) وخدمة إصلاح وتغيير إطارات السيارات (بنشر)، بعد إنتهاء شركة أرامكو من سفلتة طريق الدمام أبو حدرية وتشغيله، وبعدها بدات الشراكة بين الوالد مع العم عبدالكريم بن حسن الصفواني وكانت المحطة من الجهة الجنوبية للعين ومبانيها محاذية للطريق، وكان العاملون بداية من حضرموت”.
ما تبقى من مكان التزود بالوقود في المحاطة
1384 ـ 1964
كان الموقع “صنادق”، لكن عائدات المشروع؛ سمحت بتطوير المكان، يقول آل قريش “تم إنشاء مبنى إسمنتي متكامل ليشمل بقالة ومطعماً ومطبخاً وسكناً للعمال ودورات مياه. وكان أول طباخ في المطعم هو العم علي آل فردان.. وبعد إزالة الصنادق تم إنشاء مبنى يحتوي على 3 غرف لاستراحة العائلات في الجهة الخلفية (الشمالية) مقابل المزرعة، لحفظ خصوصية المسافرين، ومقابل ذلك تمّ إنشاء غرفة واحدة للعزاب في الجهة الأمامية الجنوبية، وكذلك دورات مياه منفصلة لكل قسم، كما أنشى مبنى بمسمى مصلى جنوب شرق مبنى المطعم”.
شيّدت المباني على الطراز القطيفي بما فيها الراوزن والأسقف
1386 ـ 1966
ويضيف عادل قريش “ثم جاءت الموافقات الرسمية على حفر بئر ارتوازية فوارة بعمق 90 قدماً بعد إنخفاض منسوب المياه في العين الجوفية، وظلت مياهها متدفقة فوارة لأكثر من 30 عاماً، وبُني حول البئر بركة للاستحمام والغسيل خدمة للمسافرين، كما تم تجهيز مساحة لا بأس بها شرقي مبنى المطعم لتكون حديقة أرضيتها من “الثيل” ترصف بها الطاولات لخدمة الرواد خلال وجبة العشاء”.
ويذكر آل قريش أن أعداد المتوقفين للتزود بالوقود “بنزين و ديزل” وللتموين والراحة من الرواد راحت تتزايد يوماً بعد آخر، فهناك حجاج، معتمرون، سائقو شاحنات نقل البضائع، مسافرون، خاصة بعد إنشاء المطعم والخدمات المرافقة”.
تحولت المحطة إلى معلم في الطريق الدولي، حتى أن بعض مدارس مدينة صفوى كانت تنظم رحلات للطلبة، حسب كلام آل قريش.
عبدالكريم بن حسن بن علي الصفواني
تطوير
توسع العمل تطلب تطوير طريقة العمل “توفير المحروقات على رحلتين يومياً، فيما كانت المواد التموينية والغذائية تأتي من خلال ثلاث رحلات يوميا، صباحية، توفير الخبز الطازج والبيض لوجبة الإفطار، بالإضافة للمواد المطلوبة بشكل عاجل من معلبات والمتوفرة القطيف المشتراة من عصر اليوم السابق.
وقد يعود السائق للاستعداد للرحلة الثانية قبل وجبة الغداء، لإحضار الدجاج واللحم والسمك الطازج، ويجدها جاهزة للتحميل، ثم يعود السائق لإبلاغ الوالد بالطلبات الناقصة، ليحضرها أحد الشريكين عصراً في الرحلة الثالثة”.
ويقول آل قريش إن المحطة كانت تؤمن تمويناتها اليومية من محلات معروفة في القطيف وصفوى، بينها: محل حسن الدهان، محل سعيد أحمد المحروس، محل مهدي الحمادي، سوق السمك وسوق الخضروات في القطيف.
هكذا بدأت المحطة، وهكذا ازدهرت.. لكن هذا الازدهار آل إلى زوال نتيجة التحولات الجديدة التي جاءت بعد عام 1401 ـ 1980. ففي عهد الملك خالد بن عبد العزيز ، رحمه الله، تم تأسيس طريقان سريعان مهمان، الأولى طريق الظهران الجبيل السريع، والآخر طريق أبو حدرية السريع. وبعد دخولهما مرحلة التشغيل انتقلت حركة النقل المكثفة إلى الطريقين السريعين الجديدين، وهكذا لم تعد هناك حاجة إلى “قهوة قريش” التي تقع على طريق مزدوج قديم.. فاضطرّ أصحابها إلى تركيز نشاطهم في الزراعة فأصبحت حاليا تسمى “مزرعة الصبيغاوي”.
الوجبة بـ 3 ريالات
كان سعيد الصفار صاحب حملة سفر إلى العراق، وابنه حسن سعيد يتذكر المحطة جيداً، يقول “كنا إذا خرجنا متأخرين من موقف الباص في باب الشمال بالقطيف نتوقف في محطة البدراني للعشاء والصلاة، ومن ثمَّ نواصل حتى العراق، ولكن هناك أياماً كثيرة كنا نخرج مبكرين بعد الظهر، فننزل محطة الصبيغاوي، ونحمل معنا طعام الغداء لكامل الحملة”.
يضيف “ومن يريد السباحة في عينها الموجودة خلف البقالة؛ يذهب للاستحمام ونصلي المغرب وبعدها نواصل طريقنا”.
ويقول “أتذكرها جيداً فهي استراحة تقع على خط الكويت القديم، وتستغرق الرحلة من القطيف إليها ساعة، وهي محطة لأي سيارة تمر بذلك الشارع، فيها مطعم وبقالة. وكان المسافر إذا أراد أن يطلب الغذاء يدفع 3 ريال قيمة صحن من الكبسة وعليها ربع دجاجة وهي مفتوحة 24 ساعة لخدمة المسافرين على خط الكويت”.
ورد “عين الصبيغاوي” وموقعها في مصادر كثيرة، منها:
1 – العدد الثامن من حولية “أطلال” عام 1404هـ 1984م والتي تصدر عن الإدارة العامة للآثار والمتاحف بوزارة المعارف السعودية، وقد ذكرت العين تحت مسمى “عين السبغاوي”.
2 – كتاب “Flora Of Eastern Saudi Arabia” لمؤلفه الأمريكي “James P Mandaville” المنشور لأول مرة عام 1990م (مرفق غلاف الكتاب وصورة الشاشة للصفحة التي بها بيانات العين مأخوذة من الإنترنت ).
3 – إحدى الخرائط الطبوغرافية التي توضح طبوغرافية محافظة القطيف (مرفق جزئية محافظة القطيف).
أنا أيضآ اضيف صوتي إلا رأى إبن أخي العزيز والجار
جهاد سعيد قريش بإضافة معلومات مقرونة بالصور
وإذا هنآك موافقة من الكاتبة المبدعة ليلى العوامي
من حيث المبدأ سوف نقوم بالبحث عن الصور
وتجميع المعلومات..
نعرفها مذ كنا اطفال باسم قهوة قريش وانا من مواليد 1964 ،، ولا تزال تذكر باسم قهوة قريش واذكر اننا توقفنا بها وقت المغرب قبل توجهنا للعراق في عام 1972 تقريبا عمري كان وقتها 8 سنوات ، زمان كان جميل جدا
شكرا للجميع الأستاذة ليلى وابن الخال عادل قريش والصديق والجار الوفي ناجي الصفواني ورحم الله الشيخ فرج العمران والخال الغالي المرحوم ابو طالب علي قريش والمرحوم الطيب الذكر أبو ناجي عبد الكريم الصفواني.
لي طلب هنا لو سمحتم، وهو صياغة المقالة بصورة تناسب التأريخ وتوضع في ويكيبيديا.
لأن تراث صبيغاوي لا يمكن أن ينسى لما لها من واقع سياحي وخدمة المسافر والرحال من أهل البوادي المحيطة.
شكرا لكم لقد ذكرتمونا بتلك الحياة الجميلة، التي لا زلنا نأس بذكرياتها، وكيف كانت صبيغاوي متنفسنا رائعا، وتحوطنا كرم الخال المرحوم ابو طالب علي قريش الذي ترك بصمة في نفوس القرى المحيطة ابو معن وأم الساهك وغيرها بطيبته وحسن عشرته.
نعم لقد ذهبنا لها في رحلة مدرسية(مدرسة ابن كثير المتوسطة بالقطيف سنة1403 /1404 ولقد جلبنا معنا خروفا وذبحناه ثم سلخناه ثم طبخناه واخير اكلناه واتذكر ان هناك بركة ماء بمولد(ماطور) وكنا نتنقل بين كثبان الرمال المحيطة بالمكان وكانت تجربة جميلة وممتعة…فشكرا لكم لبعثكم الذكريات الجميلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا إبن المؤسس الثاني عبدالكريم حسن علي الصفواني لما تأسست القهوة والمحطة كان عمري مايقارب السادسة..وأنا من مواليد 1374..
أولا-خط التابلين موجود وكان الطريق مسفلت ولم يكون خط ترابي ..
ثانيا- أرض المنشأة مستأجرة
من الدولة بأسم علي قريش وعبدالكريم الصفواني قبل بناء القهوة والمحطة التي انشأها والدي والعم علي قريش وعرفت في صفوى بالصبيغاوي وليست بقهوة قريش ..
ثالثا- جميعآ يعلم بأن الواحات المتواجده في صحراء المملكة كثيره ولاسيما بالمنطقة الشرقية ويوجد بها الكثير من اشجار النخيل والأثل ولاسيما إذا وجد نبع ماء حولها..
رابعا- عين الماء القديمة المتواجده بالموقع حسب معلوماتي كانت تزود مدينة طمرت تحت الرمال بالمياه..
واتذكر بأن والدي والعم علي أخذوا عمال من صفوى لازالة الرمال وعمل جدران حولها من الحجاره وجزوع النخيل
وأنتم ذكرتم ذلك في نهاية المقال ..
خامسا – لدى إبن العم عادل ورقة تثبت بأن الإثنين اساسا القهوة والمحطة وبعد خلاف بينهما قاما بتقسيم المهام والمسؤولية والربح كل على حدا..
وفي الختام آمل لكم التوفيق
والسلام عليكم..
ناجي عبدالكريم حسن الصفواني
موضوع مشوق وفيه ذكريات من عمق التاريخ. شكرا للنشر
حاولت نقل الاعتراض ولم أتمكن والتعليق طويل بعض الشيئ
هل هنآك وسيلة بعمل Copy
جهد كبير جداً اعجبني كثيراً يشكر جميع من ساهم في جلب المعلومات وتقصي الأحداث بمن فيهم الكاتبة والصحيفة، احتاج إعادة الاطلاع عليه فما ذكر كنز ثمين ..