بين البحراني وتلميذه البهبهاني.. بعد انتهاء الصراع المرير اجعل قلبك يتسع لكلّ الخطوط والأطياف والمذاهب والديانات

الشيخ علي الفرج

شهد تاريخ العلم والعلماء على مرّ العصور مواقف تباينت بين عنصري الخير والشر، أو لنقل بين ما كان ينبغي وما لا ينبغي، وكان أبطال تلك المواقف علماء هم أعرف وأعلم بخصائص النفس الإنسانية، وكذلك ما يتمخض من نتائج تعود بالضرر الجسيم على من يقصّر في تهذيب وكبح جماح نفسه.

من تلك المواقف ما كان في أوج الصراع المرير بين المدرستين: الأصولية، وهي التي تعتمد في استنباط الأحكام الشرعية على الاستدلال بالقرآن والسنة والعقل والإجماع.
والأخبارية، وهي التي تعتمد على أحاديث وروايات أهل البيت (ع) فقط.

وكانت بداية الصراع سنة ١١٧٥هجرية، حيث كان زعيم الأخبارية الشيخ يوسف البحراني (ت ١١٨٦ هجرية)، وفي الطرف المقابل زعيم الأصولية الوحيد البهبهاني (ت ١٢٠٥ هجرية)، الذي يُعدّ واحداً من تلامذة الشيخ البحراني، إلا أنّ الصراع بين المدرستين في الآراء قد ظهرت تداعياته على الساحة بصورة تبعث في نفس قارئها التأمل وربما الاستنكار، لكنّها – في الواقع – تحمل في ثناياها درساً أخلاقياً وموعظة لكلّ إنسان عاش في تلك الفترة وما بعدها، فللتربية أساليب متعددة، منها تجسيد الخطأ أمام المتعلّم ومشاهدة آثاره عياناً، فيأخذ المتلقي من الموقف العظة والعبرة، ولا يرتكب أخطاء مشابهة في حاضره ومستقبله.

ومما اشتهر عن الشيخ البحراني، الهدوء، بعكس تلميذه البهبهاني الذي كان فيه ميل إلى الانفعال، وهنا أذكر ثلاثة أمثلة في المفارقة بين التشدد العنيف من التلميذ وأخلاق الأنبياء للأستاذ:

المثال الأول
حضر الشيخ البهبهاني لعدة أيام في درس الشيخ يوسف البحراني، الذي كان أكبر فقهاء عصره والممثّل الأخير للطريقة الأخبارية، وبعد أيام أعلن البهبهاني أنه يريد أن يجلس على كرسي درس البحراني ويدرّس بدلاً عنه، وطلب من البحراني أن يوصي تلاميذه بالحضور في درسه، فأبدى الشيخ البحراني (ره) استجابة سريعة وحضر الطلاب عند الأستاذ الجديد. (ترجمة الشيخ في تحقيق الحدائق الناظرة ج١/ ص١٦).

المثال الثاني
لما سئل البهبهاني عن الصلاة خلف الشيخ يوسف، كان جوابه: (لا تصح).
ولما سئل الشيخ يوسف عن الصلاة خلف البهبهاني، كان جوابه: (تصح).
ولما رأى استغراب السائل قال الشيخ يوسف:
وأيّة غرابة في ذلك!، إنّ واجبي الشرعي يحتم عليّ أن أقول ما أعتقد، وواجبه الشرعي يحتم عليه ذلك، وقد فعل كلٌّ منّا بتكليفه وواجبه. وهل يسقط عن العدالة لمجرّد ألّا يصحح الصلاة خلفي؟. (الدرر النجفية ج١/ ص٢٠).

المثال الثالث
توفي الشيخ يوسف في كربلاء المقدّسة، وصلى عليه الشيخ الوحيد البهبهاني بوصية منه (قدّس سرّه) ودفن بالحائر الشريف بالرواق الحسيني الأطهر عند رجلي شهداء كربلاء. (ترجمة الشيخ في تحقيق الحدائق الناظرة ج١/ ص٣٧).

النتيجة
اجعل قلبك يتسع لكلّ الخطوط والأطياف والمذاهب والديانات، ولا يكن قلبك ضيّقاً حرجاً، يحبّك الله، ففي النهاية يبقى الإنسان (إما أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق)، وقال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج 40).

تعليق واحد

  1. كل خلاف لا تؤمن نتائجه وليس بالضرورة ان يقف عند حد ما اشرت اليه.. ما جرى في عام 1232هـ في كاظمية العراق كان دليلا على ان الخلاف لا يتوقف احيانا عند رأي ورأي مردود عليه فقط بل ربما يصل به الى حد الاقصاء والتعدي والقتل والتنكيل بالمخالفين ومن يلوذ بهم والتبرير لكل ذلك ايضا .. تقليب صفحات تاريخ الخلاف موجع احيانا ولكن جميل ان ننتقي منه ما ينير لنا سبل قبول الاختلاف والتعايش معه بسلام ومحبة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×