[1 من 3] سارية وطن.. السيد حسن السيد باقر العوامي [وثيقة] الملك عبدالعزيز يعد أهالي القطيف بافتتاح مدرسة قبل 76 سنة
بستان السيحة وسمر الذاكرة
السيد حسن السيد باقر العوامي
سارية وطن
1/3
عدنان السيد محمد العوامي
لَعَمري لَئِن خَلّى جُبَيرٌ مَكانَهُ
لَقَد كانَ شَعشاعَ العَشِيَّةِ شَيظَما
أَشَمَّ طُوالَ الساعِدَينِ تَرى لَهُ
إِذا القَومُ هابُوا القَومَ أَن يَتَقَدَّما
لَعَمري لَقَد عالىٰ عَلى النَعشِ مُحرِز
فَتىً نالَ قِدمًا عِفَّةً وَتَكَرُّما
فَتىً كانَ أَحيا مِن فَتاةٍ حَيِيَّةٍ
وَأَشجَعَ مِن لَيثٍ بِخَفّانَ مُقدِما
إِذا الأَمرُ نابَ الحَيَّ لَم يُقضَ دونَهُ
وَإِن طَرَقَ الأَضيافُ لَيلًا تَبَسَّما
جرير بن عطية الخطفي
وإنّي اِمرُؤٌ عافي إِنائِيَ شِركَةٌ
وَأَنتَ اِمرُؤٌ عافي إِنائِكَ واحِدُ
أَتَهزَأُ مِنّي أَنْ سَمِنتَ وَأَن تَرى
بِوَجهي شُحوبَ الحَقِّ وَالحَقُّ جاهِدُ
أُقَسِّمُ جِسمي في جُسومٍ كَثيرَةٍ
وَأَحْسُو قَراحَ الماءِ وَالماءُ بارِدُ
عروة بن الورد
لعمري وما عَمري بتأبين مالكٍ
ولا جزعًا ممَّا أصابَ فأوجَعا
لقد غيَّبَ المِنهالٌ تحت ردائهِ
فتًى غيرَ مِبطان العشيَّاتِ أروعا
لبيبًا أنارَ اللُّبَّ منه سماحةً
خَصيبًا إذا ما راكبُ الجَدب أمْرَعا
تَراهُ كمثل السَّيل يندَى بَنانُهُ
إذا لم تجدْ عند امرئ السَّوء مطمَعا
ويومًا إذا ما كظَّك الخصمُ إنْ يكنْ
نَصيرَك فيه، لا تكنْ أنتَ أضْرَعَا
أبَى الصَّبرَ آياتٌ أراها وأنَّني
أرَى كلَّ حَبلٍ بعد حبلك أقطَعا
أقول وقد طارَ السَّنا في رَبابِه
بجَونٍ يَسُحُّ الماءَ حتَّى تَريَّعا
سقَى اللهُ أرضًا حلَّها قبرُ مالكٍ
ذهابَ الغَوادي المُدجِنات فأمْرعا
لَعِشنا بخَيرٍ في الحياةِ وقبلَنا
أصابَ المنايا رهطَ كسرَى وتُبَّعا
وكنَّا كنَدمانَي جَذيمةَ حِقبةً
من الدَّهر حتَّى ظُنَّ لن يتصدَّعا
فلمَّا تفرَّقنا كأنِّي ومالكًا
لطولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً مَعَا
متمم بن نويرة
* * *
من حقِّك أن تقبل هذا المدخلَ أو ترفضَه، فلا ضير أن أقِرَّ لك بأن شهادتي للسمير هنا ليست مجروحة وحسب، بل ومرضرضة أيضًا، ومن العدل ردُّها. كيف لا وأنا أتباهى أمامك بمن أوثقتني به أواصر دُنيا تتأبَّى على الحصر؛ فمن جهة النسب هو ابنُ عمي لِحًّا، أجتمع، وإياه، في جدنا الثاني، جدِّ أبوينا: السيد هاشم ابن السيد سعود العوامي (عليه وعلى جميع موتى المؤمنين رحمة الله ورضوانه)؛ فنحن – من هذه الجهة – من طبقة واحدة، ومن جهة الصداقة ذرَّفت خلطتي به على السبعة عقود، ما افترقنا فيها إلا خمس سنين، هاجر هو فيها فأكبَّ في منفاه على الاستزادة من العلم والمعرفة والأدب، وجثمت أنا في محجري القصيِّ أنام مع النائمين، ولا أصحو معهم حين يصحون. فوثب وأجفلت، وسبق وتخلفت. فلا غرو إن سحَّت عيناي عليه، بما لا تسحه محاجر الفواقد على فلذات الأكباد، وما يزيدني حرقةً ويمضَّني أسىً؛ حرماني أجر تشييعه، فقد بلغني نعيه وأنا في سفر، لم يجدني فيه إلغائي لكل ارتباطاتي والعودة فورًا؛ لكن كانت الخيبة نصيبي الأوفى، فلم أصل إلا بعد أن ووري الثرى (تغمَّده بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته).
كلمة الكاتب في حفل تكريم السيد العوامي في 13 سبتمبر 2018
قلت مرَّة في حفل تكريم أقامه لأجله منتدى الثلاثاء برعايةٍ كريمةٍ من صاحبه النبيل الأستاذ جعفر الشايب: (إنَّ حديثي عن رجل طبقت شهرته البلد من أقصاه إلى أقصاه، إن لم أقل الوطنَ كلَّه، ووقَّع بصمته على مجمل المنجزات الخيرة فيه: الأدبي منها والمطلبي والخيري، والاجتماعي والمعرفي. إن الحديث عن شخصية كهذه لكن يكون أفضل من حامل التمر إلى هجر، أو بائع الماء في حارة السقَّائين. . .)([1]).
لهذه الأسباب مجتمعة يكون من حقِّ من شاء قبولُ ما شاء، ورفضُ ما شاء مما يتلوه في هذه الورقة من مناقبه ومآثره واعتبارُه صدقًا لا مراء فيه أو عدُّه ضربًا من اللغو لا قيمة له. أمر واحد لا غيره؛ آمَل أن يسمح لي به هو الإذن لي ببيان ما لدي من علم متواضع تصويبًا لسهو، أو تتميمًا لنقص، فالكمال لله وحده جل شأنه.
سيرته بقلمه
في كرَّاس بحوزتي دوَّن فيه بنفسه نبذة من سيرته عنوانه: (المشوار – شيءٌ من سيرتي الذاتية)، فترجم سيرته بما نصه:
الأسرة:
تُعرف الآن – وإلى زمن يمتد قرنًا أو يزيد – بأسرة العوَّامي، وذلك أن جدَّنا الكبير السيد هاشم تزوَّج ثانية بواحدة من مدينة العوَّامية، وفي الليلة التي يكون عندها يقال له: “الليلة السيد عوَّامي”، وبمرور الوقت أصبحت النسبة له لقبًا، وإلا قبل ذلك كان اللقب الشريف الحسيني.
الاسم:
السيد حسن ابن السيد باقر ابن السيد علي ابن السيد هاشم ابن السيد سعود ابن السيد هاشم ابن السيد محمد ابن السيد حسين الحسيني. علمًا بأن لفظة السيد هي الأخرى جاءت متأخرة؛ إذ كان يطلق علينا الشريف فلان، حتى أن وثائق موجودة لدينا بهذا الاسم.
التعليم:
حينما بلغتُ من العمر ما يُؤهِّلني إلى التعليم (لم يكن وقتها قد استحدث التعليم النظامي الحالي المعروف بمناهجه ومراحله – الابتدائية، فالمتوسطة، فالثانوية، فالجامعة، وأول مدرسة افتتحت رسمية نظامية كانت في عام 1368هـ)([2])،
(المقصود بالمدرسة هنا: المدرسة الرسمية الحكومية، وقد أرَّخ أخوه السيد علي افتتاحها بسنة 1367هـ – 1948م([3])، وهو اشتباه، والصحيح سنة 1366هـ، وكانت أول الأمر أهلية، فقد طالب بها أعيان البلد ووجهاؤها، ولم يستجب لهم فبادر أحد المتعلمين في البحرين بافتتاح فصل في بيته، أما المدرسة الحكومة فافتتحت في صيف عام 1366هـ. “انظر خطاب الملك عبد العزيز إلى أهل القطيف يعدهم بافتتاح المدرسة”. وكان أول مقرٍّ للمدرسة الحكومية هو المبنى المعروف بعمارة النهاش، الكائن في الركن الشمالي الشرقي من سوق الجبلة “انظر الصورة”، ثم ابتني لها مبنى على ساحل البحر إلى الجنوب من برج (الكوت)([4])، فعرفت بمدرسة البحر، “انظر الصورة”، وحين شيدت مدرسة ثانية على نخل الطف قبالة بلدة الدبابية، عرفت مدرسة البحر “بالمدرسة الأولى”، والأخرى بـ”المدرسة الثانية”، وبعد إعطاء المدارس أسماء سميت الأولى “مدرسة الحسين بن علي”، وسميت الثانية “مدرسة زين العابدين“([5])).
خطاب الملك عبدالعزيز، رحمه الله، إلى أهالي القطيف واعداً إياهم بافتتاح مدرسة سنة 1366
فما جاءت [المدرسة] إلا وقد تزوَّجت، وأنجبت، بل ولديَّ القدرة على التدريس الابتدائي حسب مناهج ذلك الوقت؛ لهذا فإن منهج تعليمي جاء بواسطة الكتاتيب التي كانت هي السائدة – آنذاك – في القطيف والأحساء والبلاد المجاورة، وإن كانت الأخيرة قد استحدث فيها التعليم النظامي بفترة طويلة سابقة علينا.
(أظنُّ أن هذا نسيانًا منه (عفا الله عنه)، وإلا فمصادر التاريخ تنبئ بوجود التعليم النظامي الحديث في القطيف منذ عهد الدولة العثمانية، وأنه استمر إلى أواخره، فقد جاء في (سالنامة) لواء البصرة لعام 1318هـ ما نصه: >ويبعد قضاء القطيف عن مركز اللواء مسافة أربعين ساعة، ويوجد فيه مقرٌّ للحكومة، ومدرسةٌ ابتدائية ([6]).
ولدينا إشارات تدلًّ على أن تلك المدرسة استمرت إلى العهد السعودي، ولم تغلق إلا أثناء الضائقة المالية التي خنقت العالم بأجمعه – والمملكة ليست استثناءً – على أثَر الأزمة الاقتصادية العالمية المعروفة بـ(الخميس الأسود ( Black Thursday)، غبَّ انهيار بورصة وول ستريت في 24 أكتوبر 1929م، 21/5/1348هـ، وهي ما عُرف محليًّا بـ(سنة الجهاد المثني)([7])، أي ضريبة الجهاد المضاعفة، ويبدو أن هذه المدرسة أعيد افتتاحها بعد انتهاء الأزمة في منتصف الثلاثينيات الميلادية، منتصف الخمسينيات الهجرية، واستُقدِم لها مدير من الزبير اسمه سيد رضوان([8])، وكان مقرُّها ضمن مباني الحكومة الكائنة في “دروازة البحر” في الواجهة البحرية الشرقية الداخلية، قبالة سجن القطيف الصراج ([9])، “انظر الصورة”هذه المدرسة، أيضًا، لم تُعَمِّر طويلًا؛ إذ سرعان ما أغلقت بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939م، 1358هـ، فبسبب هذه الحرب تعرضت البلاد لأزمة مالية خانقة لم تنج منها الدولة نفسها، فاضطرتها للتوقف عن دفع رواتب المدرسين، وعن تمويل المدرسة، فأغلقتها، لكن أحد المدرسين بها، وهو علي بن أحمد الغانم (رحمه الله)، بادر لنقل التلاميذ إلى بيته، وجعل منهم نواةً لكتّاب افتتحه في بيته، واستمر يعلِّم فيه حتى وفاته في أوائل الستينيات للهجرة، الأربعينيات للميلاد([10]).
على أنَّ الواضح أن الإقبال على تلك المدارس كان ضعيفًا؛ لأسباب عديدة ليس منها الزهدُ في التعليم يقينًا؛ بدليل قيام بعض الأهالي بإرسال أبنائهم للدراسة في مدارس البحرين النظامية، ولدينا – على ذلك – كثيرة منها الأستاذان سلمان بن صالح الصفواني، ومحمد حسن النمر (رحمهما الله)، فبعد أن أكملا تعليمهما هاجرا للعراق لمواصلة الدراسة فيها، وأصدر الأول صحيفة “اليقظة”، وأصدر الثاني صحيفة البهلول([11])، أما هنا فقد قام علي بن أحمد بن غانم بأخذ من رغب في إكمال تعليمه من الطلبة وواصل تعليمهم في كتَّابه المشار إليه آنفًا، وذهب الباقون إلى البحرين، وأكمل تعليمه لدى الأستاذ علي التاجر منهم عبد الكريم بن سلمان الخنيزي، وحسن بن صالح الجشي، وعبد العزيز الشيخ علي آل حسان، وغيرهم تغمَّدمهم الله برضوانه([12])).
وتحت عنوان: (المشوار – من مسيرة حياتي) قال:
(جئت إلى هذه الحياة بلا إرادة مني ولا وعي لما يدور حولي حينما ولد بي في الثامن والعشرين من شهر شوال عام الخامس والأربعين بعد الثلاثمائة والألف هجرية (28 / 10 / 1345 هـ)، ولقد تولتني والدتي السيدة النجيبة كريمة المقدس الشيخ حسين الشيخ محمد علي الشيخ علي الشيخ أحمد ابن الشيخ حسين بن أحمد بن علي بن عبد الجبار آل عبد الجبار بعنايتها وعطفها وتغذيتها تحت رعاية وإحاطة جدتي – والدتها – كريمة المرحوم الحاج حسنعلي بن الحاج حسن بن الحاج مهدي الخنيزي، والد الرجال العشرة الذين أحدهم الزعيم العالم المجتهد الحليم الشيخ علي – أبو عبد الكريم الخنيزي – وأحدهم الورع المقدس الزاهد الشيخ محمد علي، وأحدهم الزعيم صاحب الخدمات الوطنية الاجتماعية – الحاج أحمد، والحاج جعفر الذي قتل في واقعة الشربة عام 1326هـ([13]). كما نشأت في ظل وحنان الوالد المقدس السيد باقر السيد علي السيد هاشم السيد سعود السيد هاشم السيد محمد السيد حسين الحسيني العوامي، ويجدر أن أشير إلى أن الجد السيد علي كان زعيمًا في البلاد ولا كالزعماء الذين لهم أعداء وأصدقاء، ولهم مريدون وكائدون، إنه يتمتع بزعامة فريدة، فهو محل تقدير جميع شرائح المجتمع دون استثناء، وكان مهيبا يحاط بالإجلال والتقدير، وكان متفانيا في خدمة البلاد وأهلها، وكان كريمًا وذا عطف وسماح لافتين للأنظار، وكان على جانب قوي من الإيمان إذا قَنَتَ في صلاته تتحادر دموعه، وكان صدوقًا في تعامله، يلتزم بالكلمة، ولذلك صار محل ثقة الناس والمجتمع في إسنادهم إليه وقف الوقوفات، والولاية على الأيتام، ولشدة ورعه يظن البعض أنه عالم مجتهد، حتى أن البعض كان مقلدا له ظانًّا باجتهاده، وبقي على ذلك الظن بعد وفاته بثلاثين سنة. هذه المعلومات استقيتها – ونسيت الأكثر – من المرحومين الشيخ الخطيب الشيخ ميرزا حسين البريكي، وحسنعلي المرزوق، وحاج أحمد البقشي، وعبد الله عبد الله الجشي، فمن شاء فليصدق، ومن شاء غير ذلك فشأنه ونفسه. ولقد ولد به في 1 صفر عام 1267هـ، وانتقل إلى جوار ربه عام 1339هـ.
كانت الحياة – مع عفَوِيَّتها – حلوة ولذيذة، وتبعث البهجة والسعادة في النفس، فلقد كان الوالد والعم السيد سعيد والعم السيد هاشم – وهو شقيق الوالد – دائمي الالتزام مع عم الوالد – العم المقدس العلامة السيد ماجد السيد هاشم العوامي – ولا أحتاج أن أمرّ بتعريف على حياة هذا العالم الجليل فأبناء جيلي وما قبله يعرفونه تمامَ أو بعض المعرفة، ويكفي أن يذكر الجمهور يوم توديعه في سفره إلى حج بيت الله الحرام عام 1366هـ وكيف الشوارع قد غُصَّت بالمودعين ومدير شرطة القطيف ” سعيد محروس ” وبعض أعوانه يدافعون الناس للحيلولة دون عرقلة سير الموكب([14]).
مسيرة عملية:
في سرده لهذه المرحلة من حياته قال: “وشيء لابدَّ من ذكره هو الجانب المادي وشحته، بل ضيقه بشدة، فأنا لم أكن تاجرًا، ولا من فئة الملاَّكين لتكون ثروتي معرضة بسبب ما يطرأ على منتوجات القطيف من هبوط متلاحق أدى إلى انعدامها بفعل تغير أنماط العيش والحياة، ولم أكن مغامرًا فنجحت، ثم هَوَيْت، ولم أكن من شريحة العاملين بالأجر اليومي الذين قد يجدون أو لا يجدون.
لقد نشأتُ في ظل أسرة من أعلى الأسر في جانبها العلمي والاجتماعي، ووقت نشوئي كانت برعاية زعيمها ” السيد ماجد ” بعد أن خلَف أخاه “السيد علي”، فكان والدي – رحمه الله – يوفر لي ولأخوتي جميع الحاجيات – حسب قدرته – ولاشك أن قدرته المادية كانت محدودة جدًّا جدًّا، فلم نكن نأتدم اللحم إلا مرتين في الأسبوع، ولم نكن نفطر إلا على الماء الحار “قنداغ”([15])، أو كأس صغير من الشاي الفاتح، مع قرص صغير من الخبز، ولي – كلّ يوم خميس – ” بيزه “، وهي جزء من (64) جزء من الروبية الهندية، ولم أعمل للكد كادحًا إلا بعد وفاة السيد ماجد. ولا أنسى أنه قد مرت بنا ظروف من الخلاف والدعاوى الكثيرة المتشعبة بحيث أرهقتنا بلا مزيد عليه من البذل والتعب والمعاناة، وما انتهت إلا ونحن – أسرة السيد باقر – تثقل كواهلنا الديون. إلا أن تلك الظروف فائقة الصعوبة أكسبتنا خبرة وقوة وصلابة وجلدًا ومعرفة بأحوال المجتمع، ووقتها سُمِح لي وللأخ السيد علي بالعمل الوظيفي – وكان محظورًا – على أن يكون في البلدية، وقد تم ذلك، وكان ذلك في شهر ذي القعدة عام 1373هـ بالنسبة للأخ السيد علي، بوظيفة مساعد محاسب، وفي شهر محرم 1374هـ بالنسبة لي بوظيفة سكرتير المجلس البلدي، ألا أنه ما أسرع أن حدثت أمور أبعدت الأخ من عمله)، عام 1956م، 1375هـ)، فحملت على كاهلي براتب كانت بدايته (350) ريالا مسؤولية بيوت ثلاثة، ومرت ظروف وأحداث بيانها لا تفيه هذه العجالة، وخرجت من العمل الوظيفي عام 1379هـ وراتبي (590) ريالا، ونزلت ميدان المحاماة، ولي بها خبرة ممتازة سابقة فتكلل عملي بالنجاح المتفوق بالنسبة إلى أقراني، وزاولت المهنة في القطيف والدمام والخبر والأحساء ورأس تنورة، ومرة ذهبت إلى الكويت، وأخرى إلى لبنان، وثالثة إلى الهند في قضايا وكيلا عن آخرين، إلا أنني لم أباشر المقاضاة هناك – لعدم السماح لغير حملة الشهادات الجامعية – لكنني حللتها.
إقامة قصيرة في الكويت:
بعد أيام ثلاثة من الإقامة في البحرين غادرتها إلى الكويت، وشهرا كاملا أقمت بها، وخلال إقامتي أسست علاقات صداقة إنسانية وأدبية مع كثير، وأذكر منهم المرحوم ” عبد الرزاق البصير ” الخطيب الذي توجه فيما بعد إلى ما يتعلق بالأدب والسياسة وأحداث الساعة، وصار يكتب في مجلة العربي الغراء – ولعله أصبح أحد منسوبيها – وصارت تشركه الدولة في بعض الوفود الأدبية للخارج، كما أذكر العلامة ” الشيخ علي الكوراني”، الذي كان ممثلا للإمام الحكيم في الكويت، وأذكر المرحوم ” باقر خريبط ” صاحب مجلة “صوت الخليج”، التي أوشكت أن أنتسب إليها، إلا أن باكورة العمل هو أن طلب إعداد ملف عن الطيران السعودي، من بداية تكوينه والمراحل التي قطعها، وتصوُّر ما يمكن أن تصل إليه، ومثل هذا التكليف يتعذر علي القيام به، لأنه يتطلب رجوعا إلى المملكة، وقياما بالدراسة، والاتصال بمسؤولي الطيران وغيره، ولعدم إمكانية ذلك لم أرتبط بالمجلة.
إلى العراق ولقاء السفير السعودي:
وبعد الشهر توجهت إلى العراق، وفي الكاظمية رأيت بعض الأخوة من البلاد وظننتها فرصة طيبة أن نجتمع بسفير المملكة؛ لأن الأخوة يشتركون في عامل الخروج من القطيف، وهم من أدباء البلاد ورموزها، لكن هاجس القلق كان آخذا بمشاعرهم، حتى أن بعضهم غادر إلى كربلاء ليتحاشى المضايقة بطلب اشتراكه في الذهاب إلى السفارة وملاقاة السفير، وبعضهم تصور خطرا أكبر، لذلك عزمت على الذهاب بمفردي، ووقتها كان السفير معالي الشيخ محمد الشبيلي (رحمه الله) الذي يعجز اللسان – لساني على الأقل – عن حصر مآثره وكريم أخلاقه، وفيض نداه وجوده، فاجتمعت به وتحدثنا طويلا، وتكرر الاجتماع، فرأيت فيه الرجل الحكيم الذي يزن الأمور بميزان العقل، ويفكر بروية وبصيرة نافذة، ونظر للحاضر والمستقبل، وتوثقت العلاقة بحيث ألزم أن أزوره كل يوم، وأتغذى معه ما دمت في الكاظمية، ويطلب حضوري لأي مناسبة، حتى لو كنت لتوي خارجًا من عنده، وما أكثر مناسباته.
محمد الحمد الشبيلي، سفير ووزير سعودي. عمل وزيرًا لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وسفير المملكة العربية السعودية في كل من العراق وباكستان والهند وأفغانستان وماليزيا.، ولد في عنيزة في عام 1330 هـ الموافق 1910م، وتوفي يوم الخميس 13 صفر 1409 هـ الموافق 27 أكتوبر 1988م.
وأذكر على وجه التحديد اثنتين، إحداهما، وجبة أقامها داعيا رئيس طائفة البهرة ” الشيخ برهان الدين “، وكان في زيارة إلى العراق، ومعه ولده ” السيد نجم الدين ” المُهيَّأ أن يكون خليفته من بعده، وآخرون لا أذكر أسماءهم، وقد حدث بيني وبين السيد نجم تعارف في حديث متشعب الجوانب، وقد دعاني لزيارتهم في الهند، وأعطاني العنوان، إلا أنني لم أتصل به حين زيارتي الهند للعلاج عام 1400 هـ.
——-
([1])سلسلة أعلام الوطن، السيد حسن العوامي – عطاء للوطن، الطبعة الأولى، 2019م، ص: 61.
([2])الكراس المار ذكره في المتن.
([3])انظر: الحركة الوطنية شرق المملكة العربية السعودية، السيد علي ابن السيد باقر العوامي، دار الريس للكتب والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، جـ1/96.
([4])البرج الشمالي الشرقي من سور القلعة (حاليًّا مبنى الهاتف الآلي، والكوت، سنسكريتية: الحصن، أو القلعة، أو جدار القلعة أو سور المدينة، أو القصر. وهنا برج كبير، بداخله مساكن الجند، ومخازن المؤن والماء، والذخيرة. انظر:
Oxford Hindi English dictionary Edited by Mcgregor, Published in India by Oxford Uiversity press 1993, p: 215.
([5])انظر: كتابنا: قطوف وحروف، أطياف للنشر والتوزيع، ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 1440هـ، 2018مـ ص: 38 – 39.
([6])من وثائق الأحساء في الأرشيف العثماني 1288- 1331هـ، د, سهيل صابان، إصدار نادي الأدبي، الطبعة الأولى، 1439هـ، 2009م، ص: 27.
([7])عن الجهاد المثني انظر: الحركة الوطنية شرق المملكة العربية السعودية، السيد علي ابن السيد باقر العوامي، سبق ذكره، جـ30-32.
([8])الحركة الوطنية شرقي السعودية، السيد علي العوامي، سبق ذكره، جـ1/96، والهامش (22)، ص: 146.
([9])انظر: صورة مجمع الدوائر الحكومية داخل القلفعة، وللتوسع انظر: كتابنا (قطوف وحروف، مقالة (التعليم في القطيف – ماضِيه القريب وبدايات التحديث)، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 1440هـ، 3018م، ص: 37 – 38.
([10])الحركة الوطنية شرق المملكة العربية السعودية، السيد علي ابن السيد باقر العوامي، الطبعة الأولى، جـ1/ 117، والهامش: 22، ص: 172 – 173، والثانية، جـ1/96، والهامش (22)، ص: 146.
([11])نماذج من صحافة أبناء الجزيرة العربية في الخارج، محمد عبد الرزاق القشعمي. مركز حمد الجاسر الثقافي، مطبعة سفير، الرياض، الطبعة الأولى، 1430هـ.
([12])كتابنا: قطوف وحروف، مقالة: (التعليم في القطيف، ماضيه القريب وبدايات التحديث)، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1440هـ، 2018م، ص: 38 .
([13])دفتر الحاج مبارك أبو السعود، ص: (9). انظر صورة الصفحة.
([14])المشوار (بعض من مسيرة حياتي، مجلة الواحة، بيروت، العدد: 19، الربع الأخير، عام 2000م.
([15]) أصلها: قند داغ، فارسية تعني: الماء المغلي يصب في الفنجان مع السكر. انظر: المعجم الذهبي، فارسي عربي، د. محمد التونجي، نشر المستشارية الثقافية للجمهورية الاسملامية الإيرانية بدمشق، توزيع دار الروضة، بيروت، طبعة 1993م، وفي الاصطلاح المحلي: ماء يصب في مِقلى القهوة بعد حميه على النار، ويشرب مباشرة، استشفاء من احتقانات الحنجرة والبلعوم.