أمي.. الدار بعدك خالية
ولاية موسى الرويعي
فاطمة حبيب العليوات.. هذه هي أمي؛ التي اشتقت أن أشم رائحة شعرها وألمس نعومة يديها وأتبادل معها الحديث، أشكو لها ألمي وحزني وأتقاسم معها فرحي، تغمرني بضحكاتها ودعائها.
أمي عمرها 61 عامًا حينما رحلت، لكنها كانت تنبض بالحياة والأمل ولا تلهج إلا بالحمد.
كانت أُميّة لا تقرأ ولا تكتب، لكنها حافظة لآيات من القرآن الكريم وأماكن السور.
24 من شهر محرم، يوم ليس كسائر الأيام، فلم يمر مرورا سهلاً، وإنما ترك صبغته الحزينة تلفنا جميعاً، أنا وأخوتي مازلنا في كابوس الرحيل لم نستيقظ منه بعد، ودعنا جسدها وأرواحنا وقلوبنا تعتصر ألماً.
“الطيبة الحنونة” هكذا يعرفها الناس، أمي أول الحاضرات في مجالس العزاء، كانت لا تخرج من المنزل إلا لحضور المأتم، وكان لها مكان مخصص في المجلس، مكان (أم علي الرويعي)، لقد أصبح خالياً منها، أظنه يبكيها مثلي تماماً.
قد تترك أمي المناسبات العائلية كالأعراس، لكنها لا تترك واجب الفواتح ولا تترك مجالس الحُسين والموالِيد أبدًاً، أتذكر وقت رجُوعها من المجلس حين كنا نجتمع حولها لتعطينا من توزيعات المأتم ما لذ وطاب؛ نحن لن نجوع من هذا كله، ولكننا سنجوع من طعام أمومتها. كم هو صعب أن تفقد حبيبا لكن الأصعب أن يكون حبيبك المفقود هو أمك، فهذا يعني أن تفقد الحضن الدافئ، والنهر الذي يتدفق منه طعم الحياة.
أمي..في كل شيء لها ذكرى وفي كل ناحية لها أثر، ليلة الكريكشون كنا نخرج معاً لنأخذ الحلويات والمكسرات من أهل المنطقة، وحينما نعود للمنزل لانفتح أكياسنا إلا بعد أن تجلس معنا، تأخذ نصيبها لتوزعه على أحبابها وجيرانها، وستعود المناسبة من جديد وأمي قد رحلت لرب مجيد.
أمي.. كريمة ويدها معطاءة، أُمي لا تملك شيئاً فكل ما عندها ليس لها، لابد أن تعطي وتهدي وتقاسِم وتتشارك، لا يدخل بيتنا زائر ويخرج خالي اليدين، ولا تزور أحداً ويديها خالية هكذا كانت أمي.. العطاء الذي لا ينضب أبداً.
رغم انقطاع عادة طرق الأبواب إلا أنها لم تنقطع من باب بيتنا، تعودنا أن تأتي سيدة فقيرة للمنزل وتطرق الباب فتخرج لها أمي وتقدم لها ماتيسر من صدقة. أينك اليوم يا طارقة الباب؟ هل أتعبك رحيل أمي مثلنا؟
توفي جدي وهي صغيرة، فتعهدت عائلتها بدءاً من جدتي حتى خالاتي وأخوالي، عشرة أشخاص، رحم الله المتوفين منهم، لم تتوان عن تقديم الرعاية لهم، كل فرد منهم أخذ نصيبه من حنانها وطيبتها وزادها. لم تتأخر يوماً في تقديم الصدقة عنا وعن نفسها وأحبتها وعن كل من تعرفهم.
أُمي أنس البيت وبهجته، عندما يأتي أحد للمنزل ولا يراها يبحث عنها وعن أنسها وطيب محياها.
حينما تعبت في الآونة الأخيرة وأصبحت غير قادرة على النهوض والمشي؛ حزنت كثيراً لأنها لا تستطيع الخروج والقيام بواجباتها اليومية تجاه جيرانها، لم يبق لها غير الدعاء في جوف الليل لنا ولهم ولكل من تعرف.
مرضها غشينا كغيمة مظلمة، لكن أحبابها لم يتركوا السؤال عنها، كانوا ينتظرون مني البشارة بسلامتها، وخرجت سالمة لتلتحق بالرفيق الأعلى والحمدلله على كُل حال..
في وجودها لم يمر عليّ ليل موحش، واليوم كل الليالي موحشة.
الطيبون يغادرون الأرض سريعًا، وكأنهم يقولون للناس لا مكان لنا بينكم، وأمي كانت من الطيبين.
الله يرحمها ويحشرها مع محمد وال محمد ?
رحمها الله و اسكنها فسيح جناته، من أقسى الأشياء في الحياة و أشد مرارة هي فقدان الأم، ألم و شوق وحزن، أسأل الله لها الرحمة و لكم جبر القلوب، و رحم الله جميع أمهات المؤمنين والمؤمنات
رحمها الله وحشرها مع محمد وآله الأطهار.. فعلًا من يفقد حبيب كأنما فقد جزء من روحه ف كيف لو كان الحبيب أحد والديه?!..
رحمها الله رحمة الأبرار وحشرها من أحبت ووالت محمد وآل محمد جعلها الله رفيقة لخدمة الحسين الذين يأنسون بالحسين .. كأنك تتحدثي عن المرحومة أمي نفس الصفات نفس الأفعال .. وكأنك تتكلمين عن أمي .. أمي رحلت وفي قلبها حسرة وألم لم تكتمل أمنيتها في بناء صرح باسم الحسين . رحم الله أمك وأمي وجميع الأمهات اللاتي رحلن عن هذه الدنيا الفانية وأبدلهن جنة لاكدر فيها ولانغص نعيمها لاينفد بحق محمد وآل ىمحمد ..