“درعية القطيف”.. من هنا انطلق آل سعود قبل 592 عاماً ليؤسسوا 3 دول خادم الحرمين الشريفين: اسم الدرعية جاء من بلدة قرب القطيف
الدكتورة المري لـ"صُبرة": مانع المريدي الجد الأعلى لآل سعود عاش بالقرب من القطيف
القطيف: ليلى العوامي
في سبتمبر من العام قبل الماضي 2020؛ انتشر مقطع مصور لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، وهو يتحدث عن جزء من تاريخ البلاد، وتحديداً مرحلة سبقت قيام الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ (1727م)، انطلاقاً من بلدة الدرعية، التي شهدت التحالف الشهير بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب.
خادم الحرمين أشار في نهاية المقطع إلى أن تسمية الدرعية جاءت من بلدة قرب القطيف، كان أسلاف الأسرة الحاكمة يعيشون فيها.
ورغم أن المعلومة التي أشار لها خادم الحرمين مثبتة في كتب التاريخ، إلا أنها شكلت “مفاجأة” لكثير ممن يجهلونها، خصوصاً الشباب، فهذه الدرعية لم تعد موجودة على الخريطة، ولا يُعرف بالتحديد مكانها، وإن كان البعض يُشير إلى أنها تقع غرب مدينة الأمير نايف الرياضية على طريق الظهران – الجبيل، فيما يشير آخرون إلى أنها تقع أبعد من ذلك غرباً، على طريق الدمام – الرياض. وتسعى دارة الملك عبدالعزيز إلى تحديد موقعها بالدقة، وقد قطعت شوطاً بعيداً في هذا المجال.
درعية القطيف
الدرعية الأولى كانت بلدة عامرة قرب القطيف قبل 592 عاماً، هذا ما أكده خادم الحرمين الشريفين في المقطع، وهي معلومة يكررها كثيراً في مجالسه، خصوصاً حين يلتقي وفوداً من محافظة القطيف، وهو المعروف عنه شغفه بالقراءات التاريخية، ونقاشاته مع المؤرخين والمهتمين في التراث، وكثيراً ما انعكست هذه النقاشات في الصحف السعودية، على شكل سجالات وتعقيبات وردود كان يكتبها على ما يُنشر في هذه الصحف من مقالات وآراء.
قال الملك سلمان في المقطع الذي نشرته قناة “الإخبارية”، “في عام 850هـ، عندما رحل مانع المريدي من بلدته الدرعية بالمنطقة الشرقية، بدعوة من ابن عمه ابن درع في الرياض، حيث اقطعه غصيبة والمليبيد في الدرعية في وادي حنيفة، وسميت بالدرعية على مانع المريدي أمير الدروع، ومن هنا جاءت اسم الدرعية، وهي بلدة قرب القطيف”.
شاهد مقطع الفيديو:
الهجرة من نجد
وتعليقاً على هذا الموضوع قالت عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل الدكتورة جملاء المري لـ”صبرة” “الدرعية الأولى التي تقع بالقرب من القطيف في شرق شبه الجزيرة العربية، كان يسكنها مانع المريدي جد آل سعود الأعلى، وكان وجود مانع وقومه في هذه المنطقة يعود إلى هجرات حدثت من وسط شبه الجزيرة العربية، قام بها فرع من بني حنيفة بعد تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في اليمامة”.
العودة إلى نجد
أشارت المري، إلى أنه في عام 850هـ، حصل بين مانع المريدي وابن عمه ابن درع، رئيس الدروع في وادي حنيفة، وصاحب حجر والجزعة، مراسلة ومواصلة، وذلك لما بينهما من صلة القربى والنسب، فكلاهما ينتمي إلى حنيفة، وعلى أثر هذه المراسلة انتقل مانع المريدي وأهله من بلدة الدرعية في شرق شبه الجزيرة العربية، إلى ابن عمهم ابن درع في منطقة العارض، فأحسن وفادتهم وأكرمهم، وأعطاهم من ممتلكاته أراضي غصيبة والمليبد، وما بينهما من وسط وادي حنيفة، وأطلق عليها مانع اسم الدرعية، وذلك نسبة إلى الدروع.
ولفت الدكتورة المري إلى اختلاف آراء المؤرخين في رحيل مانع المريدي من الدرعية الأولى إلى ابن عمه ابن درع في وادي حنيفة، “بعضهم قال إن الأسباب كانت اقتصادية، وهذا احتمال ضعيف، لأنه من المعروف أن اقتصاد شرق الجزيرة العربية كثيراً ما جذب المهاجرين إليه، وقد تكون هذه الأسباب الاقتصادية ناتجة عن ضغوط سياسية من جانب الدولة الجبرية التي كانت تحكم شرق الجزيرة العربية حينذاك”.
أسباب بيئية
وأشارت أيضاً إلى أن هناك من أرجع الهجرة إلى أسباب بيئية، “وهي أن مانع وقومه كرهوا المنطقة، بسبب الرمال التي بدأت تغزو المنطقة، أو أسباب صحية حيث استوبؤها وأنهكتهم حماها. وهناك احتمال آخر قد تكون لرغبة ابن درع في التقوي بمانع وأسرته في منطقة العارض، لذلك استقر مانع المريدي في الدرعية، وأصبح رئيساً لقومه، فأصبحت الدرعية إمارة يتوارثها مانع وأبناءه وأحفاده، إلى قيام الدولة السعودية التي تكونت من هذه الإمارة، وانطلقت منها لتوحيد نجد والمناطق الأخرى من شبه الجزيرة العربية، حتى أصبحت الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى”.
الدولة السعودية الأولى في الدرعية
بعد أكثر من ثلاثة قرون من هجرة مانع المريدي من درعية القطيف إلى درعية نجد، تأسست الدولة السعودية الأولى بعد الاتفاق الشهير بين الإمامين محمد بن سعود، ومحمد بن عبدالوهاب.
واستطاعت هذه الدولة الفتية من التوسع حتى سيطرت على غالبية مناطق الجزيرة العربية وحتى خارجها. وبقيت الدرعية عاصمة لهذه الدولة التي استمرت لأكثر من 75 عاماً (1233هـ – 1818)، حتى سقوطها على يد جيش محمد علي باشا، الذي سيطر على الدرعية ودمرها، وأحرقها.
من النسيان إلى قائمة “يونيسكو”
رغم قيام الدولة السعودية الثانية بعد ذلك بأعوام قليلة (1240هـ 1824م)، الا أنها اتخذت من الرياض عاصمة لها، وكاد النسيان يطوي الدرعية، التي أصبحت في العقود الأخيرة جزءاً من الرياض، مع التوسع العمراني السريع الذي شهدته العاصمة، وتقع إلى الشمال الغربي منها.
في العقود الثلاثة الأخيرة حظيت الدرعية باهتمام رسمي، خصوصاً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، منذ أن كان أميراً لمنطقة الرياض، حيث ركز الجهود من أجل الارتقاء بها وإعادة تأهيلها، لتكلل هذه الجهود بتأسيس هيئة تطوير بوابة الدرعية (1438هـ – 2017)، بهدف تطويرها وربط جهود تأسيس حاضرها بمستقبلها.
وتسعى هيئة تطوير بوابة الدرعية (DGDA) لتطوير منطقة الدرعية الأثرية التاريخية، وإبراز الاحتفاء بالثقافة السعودية وبالتراث الغني المتنوع الذي يزخر به تاريخ المملكة.
وتضم الدرعية مجموعة من المواقع التراثية التي تعتبر متاحف مفتوحة في الهواء الطلق، ومبانٍ تراثية منتشرة في حي الطريف المدرج على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو). وتعمل الهيئة على جعل منطقة الدرعية واحدة من الوجهات الأولى في المنطقة، لاحتضان أنشطة تبادل المعرفة التاريخية والثقافية.