[تعقيب] الجنبي: “العطش” قرية غير “الجش”.. وعلي العبدي ليس من أهل القطيف 4 وقفات على مقال عدنان العوامي وتعقيب لؤي سنبل

عبدالخالق الجنبي

إلى أستاذنا الفاضل عدنان العوّامي حفظه الله..

اطلعتُ أولاً على ما نشرته صحيفة صُبرة؛ بقلم الأستاذ لؤي سنبل بعنوان (3 وقفات في مقال “جعفر سنبل” للسيد العوامي) بتاريخ 12 – 9 – 2020م.

والذي كتب في الوقفة الثانية مداخلة لمقالة كتبها الأستاذ عدنان العوّامي بخصوص أقدمية بلدة (الجش) القطيفية ما هذا نصّه:

“تفضل السيد بقوله:

“.. وعندي أنها من أقدم بلدات القطيف عراقة، فأقدم مصدر وقفتُ عليه تضمن اسمها هو (خريدة القصر وجريدة العصر) للعماد الأصفهاني ..”.

ثم عقب الأستاذ لؤي بقوله:

“وهذه المعلومة الجميلة – مع تتبعي واعتزازي بكل ما يُكتب عن (الجش) – لم أجد من ذكرها غيره، وليست بغريبة على السيد، فهو دائماً يتحف قارئيه بالجديد المفيد”.

وأردف قائلاً:

“ولي تعليق حول (الأقدمية)؛ لوجود مصدر أسبق من هذا المصدر ذكر الجش، ولكن بخطأ أيضاً، – وكأن حظّ (الجش) في المصادر القديمة التصحيف والتحريف – وهذا المصدر هو (تجارب الأمم وتعاقب الهمم) لمؤلفه أبي علي أحمد بن محمد بن يعقوب (مسكويه) الذي عاش في القرن الرابع الهجري، وبدايات القرن الخامس؛ ذكرها في أحداث سنة 315هـ عند ذكر وقعة ابن أبي السّاج مع القرمطي، وتجدر الإشارة إلى رأي .. عبد الخالق الجنبي؛ الذي يميل إلى أنّ هذه القرية باسمها الحالي قريةٌ قديمة؛ حيث رأى أنّ اسم الموضع الذي ذكر في تاريخ القرامطة تحت مسمّى (الحس) ما هو إلا (الجش)، وذلك في قول المؤرخ مسكويه .. الخ“.

هذا ما أردتُ تدوينه من كلام الأستاذ لؤي نقلته بنصّه باستثناء ما وضعتُ نقطاً مكانه.

وقد عَقَّب على كلامه هذا أستاذنا العوامي، ويهمني أن أنقل نصَّ ما كتبه بخصوص هذه الوقفة؛ أعني الوقفة الثانية المتعلقة بـ(الجش)، فقد قال في ردّه:

الوقفة الثانية – هي: المتعلقة بقدم بلدة الجش، واستدراكه علي بقوله: (ولي تعليق حول (الأقدمية)، لوجود مصدر أسبق من هذا المصدر؛ ذكر الجش، ولكن بخطأ أيضاً، وكأن حظ (الجش) في المصادر القديمة التصحيف والتحريف، وهذا المصدر هو (تجارب الأمم وتعاقب الهمم) لمؤلفه أبي علي؛ أحمد بن محمد بن يعقوب (مسكويه) الذي عاش في القرن الرابع الهجري، وبدايات القرن الخامس؛ ذكرها في أحداث سنة 315هـ؛ عند ذكر وقعة ابن أبي الساج مع القرمطي). إلى آخره”.

عدنان العوامي

ويواصل الأستاذ العوامي حديثه قائلاً:

هذه المعلومة لا أجد غضاضة في الإقرار بجهلي لها، والتماس العذر فيها؛ لأنني لم أطلع عليها، ولكن لا أكتم جناب أخي الأستاذ الفاضل أنني حتى لو اطلعت عليها، فلن أعبأ بها؛ لأسباب ثلاثة:

أولها: التصحيف؛ كما ذكر، فهذه العلّة يحتاج تصويبها إلى قرينة يُستند إليها على الأقل، وقد توافر لي في تصحيف الجش قرينتان؛ أولاهما أنه وقع في رواية علي بن الحسن بن إسماعيل العبدي، وهو من أبنائها كما أعتقد بقرائن أوضحتها في مكانها من المقالة.

والثانية: وقوع التصحيف في كتاب مترجم من التركية، وهو (قانون نامه لواء القطيف)، والتصحيف ظاهرة معروفة في الترجمة من اللغات الأجنبية.

والثالثة: ورود الاسم ضمن حقبة القرامطة، وهي حقبة محفوفة بالشكوك من جميع جهاتها؛ أحداثاً وروايات، ورواة، وليس هنا مكان الخوض في هذه المسألة؛ خصوصاً وأنني تعرَّضتُ لها بالتفصيل في مكان آخر( )“. ا نتهى كلام الأستاذ العوامي.

وبالعودة إلى أصل مقال أستاذنا العوّامي الذي كتب الأستاذ لؤي وقفاته التعقيبية عليه وجدته قد كتب فيها ما هذا نصّه باستثناء ما وضعت مكانه نقطاً للاختصار:

قرية الجش .. وعندي أنها من أقدم بلدات القطيف عراقة، فأقدم مصدر وقفت عليه تضمن اسمها هو (خريدة القصر وجريدة العصر) للعماد الأصفهاني ضمن ترجمته لأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن يوسف السكوني العبدي؛ الجُذَمي؛ إمام العروض في عصره؛ درس العروض على علي بن الحسن بن إسماعيل العبدي بعد عودته إلى القطيف من هجرته في البصرة؛ حيث تقيم أمه فيها تُعلّم الفتيات، وأمه هي الرشيدة بنت الفقيه أبي الفضل بن محمد بن علي بن المؤمل بن تمام التميمي؛ المالكي؛ شاعرة غزلة .. وفد عليٌّ هذا على الأمير عزيز بن المقلد العُيوني، فأنزله محلة تُسمّى العطش سنة 554، فأقام فيها مدة تقارب ثلاث سنين؛ كذا في الخريدة (العطش)، وليس في القطيف بلدة بهذا الاسم فالأرجح أنه خطأ طباعي إذ إنّ الجش ذكرت في (قانون نامه لواء القطيف لعام 959هـ 1552م) ضمن قرى القطيف، وتاريخه قريب – نسبياً – من التاريخ الذي ذكره العماد، وإن أثبتها المترجم باسم (الجيش) بزيادة ياء؛ فالأخطاء في التراجم مألوفة .. ها هي ذي الجش ذات المجد الباذخ علماً وأدباً؛ خرج منها علماء وأدباء يكفينا دليلاً إقامة علي بن الحسن العبدي آنف الذكر ومزاولته التدريس فيها، والله أعلم“.

ولي أنا أيضاً بضع وقفات – أو لنقل ملاحظات – مع أستاذنا العوّامي أرجو أن يتسع لها صدره الرَّحب كما عوّدنا دائماً:

أولاً: العَطَش (ورؤية الأستاذ العوامي أنها خطأٌ طباعيٌّ لـ (الجش)

من الواضح أنّ أستاذنا العوامي قد اعتمد في ذكره لـ(العطش) على ما ورد في الباب الخاص بشعراء القطيف والأحساء والبحرين، والملحق بقسم شعراء العراق والجزيرة العربية من كتاب (خريدة القصر وجريدة العصر) للعماد الأصفهاني، وهو الذي قام بتحقيقه الكاتب العراقي محمد بهجة الأثري عام 1400هـ في بغداد؛ عن مصوَّرة قامت بتصويرها بعثة معهد المخطوطات العربية بالجامعة العربية عن نسخة مخطوطة مكتبة نور العثمانية بإسطنبول، وقد كتب الدكتور الأثري عنواناً لها في آخرها، وهو: (باب خاص بشعراء القطيف والأحساء والحجر)، وكلمة (الحجر) هذه هي القراءة التي دونها الأثري في تحقيقه، ولكنَّ الشيخ حمد الجاسر – رحمه الله – قرأها (البحرين) في تحقيقه لهذا الباب من المخطوطة ذاتها،[1] وكلاهما اعتمد النسخة المخطوطة ذاتها!؛ أعني نسخة مكتبة نور!، وبعد حصولي على صورة أصلية من نسخة مكتبة نور اتضح لي أنّ قراءة الأستاذ الجاسر هي الصحيحة.[2]

وبخصوص (العطش) القطيفية في هذه المخطوطة، فقد كُتبت (العطش) في الكتاب المطبوع على هذه النسخة كما ذكر الأستاذ العوّامي؛ إلا أنّ رأي الأستاذ في أنّ هذه اللفظة هي خطأ طباعي للفظة (الجش) البلدة القطيفية المعروفة لم يُوفّق فيه، فهي مكتوبة (العطش) بكل وضوح في نسخة مكتبة نور العثمانية التي اعتمدها الدكتور بهجة الأثري في تحقيقه، وكُتبت (العطش) كذلك في نسخة المكتبة الفرنسية التي لم يطلع عليها الدكتور الأثري، ولكن بإضافة لفظة إليها بحيث تُقرأ: “جدُّ العطش”، وهي من الأسماء المركّبة المألوفة في إقليم البحرين القديم؛ مثلها مثل: (جدّ حفص)، و(جدُّ علي)، و(جدُّ الحاج) في جزيرة أوال، وبالتالي فإنّه يصعب القول الآن إنّ (العطش) هو خطأ طباعي لاسم بلدة (الجش).

لؤي سنبل

ثانياً: (الحس) في تجارب الأمم لمسكويه ما المانع أنْ تكون هي (الجش)؟

عندما كتبتُ بحثي عن قرى القطيف وقبائلها في (قانون نامه لواء القطيف) الذي كتبه موظفو الدولة العثمانية عام 959هـ، ونشرتُه في بعض المواقع الشبكية عام 2005م، ثم أعدت نشره في مجلة الساحل عام 2006م؛ قلتُ عند حديثي عن قرية الجش ما نقله عني الأستاذ الفاضل آل سنبل باختصار، ونصُّه الكامل كما يلي:

وقرية الجشِّ من القرى القديمة في واحة القطيف التي ظلّت محتفظة باسمها حتى هذا العصر، ويبدو أنها هي المعنية في خبرٍ عن الزعيم القرمطي أبي طاهر بن أبي سعيد الجنَّابي أورده مسكويه في كتابه تجارب الأمم حيث ذكر فيه في حوادث سنة 315 للهجرة مسير هذا الزعيم القرمطي من الأحساء إلى العراق، فذكر أنه نزل بعد يومين من خروجه من الأحساء في طريقه إلى العراق بالموضع المعروف بـ (الحس) – بدون نقط – وهذه المسافة تنطبق على المسافة بين الأحساء وقرية الجش في الزمن الأول لمن يركب الخيول والجمال، وهو ما جعلني أرجّح بقوة أنّ الموضع الذي سُمّي في كتاب مسكويه بـ(الحس) بغير نقط هو (الجش) وقد يكون السبب في ذلك أنّ المصدر الذي نقل عنه مسكويه في تاريخه لم يكن منقوطاً فكتبها كما وجدها، ولم يلتفت إليها محقق الكتاب لعدم إلمامه بمواضع المنطقة، فلم يصححها وكتبها هو الآخر كما وجدها، وإلا فهي الجش وليس الحس“.

وإذا كان أستاذنا أبو أحمد يرى أنّ القول بأنّ (الحس) في نصّ مسكويه هي (الجش) “يحتاج تصويبها إلى قرينة يُستند إليها على الأقل“، فأنا أعرض للأستاذ أربع قرائن، وليست قرينة واحدة تدلُّ على أنّ لفظة (الحس) – الواردة حصراً في مخطوطة مكتبة (أيا صوفيا) لكتاب (تجارب الأمم) ما هي إلا تصحيف لفظة (الجشّ) القرية القطيفية المعروفة، فمن هذه القرائن:

  • القرينة الأولى: هي هذا التشابه اللفظي الكبير لكلي اللفظتين: (الحس)، و(الجش)، فاللفظتان هما لفظة واحدة باستثناء أنّ الأولى خالية من النقط.
  • القرينة الثانية: هي أنّ هذا الخبر الذي رواه مسكويه يذكر أنّ خروج أبي طاهر الجنّابي من الأحساء كان بنيّة الذهاب إلى العراق، وكلنا نعرف جغرافياً أنّ القطيف التي من قراها الجش تقع في الطريق إلى العراق.
  • القرينة الثالثة: هي قوله إنّ بين هذا الموضع (الحس) وبين الأحساء يومان فقط، ومسافة يومين هي المسافة المعروفة قديماً بين واحتي القطيف والأحساء، وهو ما ذكره أبو الفداء في (تقويم البلدان) عند تعريفه بكلي الواحتين؛ القطيف والأحساء.
  • القرينة الرابعة: وهي أنّ بلدة الجشّ هذه كان لها – على ما يبدو – شأنٌ لدى القرامطة، فهي التي سيضع أبو طاهر الجنابي الحجرَ الأسود عند إحدى عُيونها عندما سيقتلعه من الكعبة سنة 317هـ؛ أي بعد عامين فقط من هذه الحادثة التي ذكر مسكويه نزوله في هذا المكان الذي سُمّي بـ(الحس).

ومع كل هذه القرائن التي ذكرتها، فإنني أتمنى من أستاذنا أبي أحمد أن يعيد النظر في قوله عن هذه المعلومة إنه لن يعبأ بها لو كان وقف عليها؛ كما قال في تعقيبه على الأستاذ لؤي، وإنْ أبى، فإنني أستعطفه بالذي جعله يرى أنّ (العطش) في نصّ العماد الأصفهاني هي محرّفة عن (الجش)، أن ينظر بعين العطف والرأفة إلى كون (الحس) الواردة في نصّ مسكويه هي (الجش) أيضاً، فهذه البلدة القطيفية الحبيبة تستحقُّ أن تكون هي المعنية في النصّ الثاني.

ثالثاً: علي بن الحسن العبدي بصريٌّ ليس من أبناء الجش ولا القطيف

ومما لفت نظري أيضاً في تعقيب أستاذنا العوامي على الأستاذ لؤي هو اعتقاده بأنّ علي بن الحسن بن إسماعيل العبدي هو من أبناء الجش بقرائن قال إنه قد أوضحها في مكانها من مقالته، وهو مخالف لما يُعرف من ترجمة هذا العبدي عند المؤرخين من أنه بصري المولد والنشأة والسكن.

وعليٌّ هذا هو أبو الحسن علي بن الحسن بن إسماعيل بن الحسن بن أحمد بن معروف بن جعفر بن محمد بن صالح بن حسّان بن حصن بن المعلى بن أسد بن عمرو بن مالك بن عامر بن معاوية بن عبد الله بن مالك بن عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس؛ كذا ذكر نسبه القفطي[3] وياقوت الحموي.[4]

وجده الأعلى عامر بن معاوية بن عبد الله بن مالك بن عامر بن الحارث هو الجد الأعلى لبني الخارجية، وهي قبيلة من عبد القيس قدمت العديد من الشخصيات والقادة والأدباء والشعراء؛ منهم:

  • السيد بن بشر أحد الصحابة الذين قادوا عبد القيس في حربهم ضد المرتدين كما ذكر الرشاطي في كتابه (اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار).
  • زياد الأعجم؛ شاعر عبد القيس المعروف في زمن الدولة الأموية.
  • أبو الجويرية العبدي، وهو أيضاً شاعرٌ معروف في زمن الدولة الأموية.
  • العريان بن إبراهيم بن الرجّاف سيد بني مالك بن عامر بن الحارث العبديين في جواثى الذي هزم صاحب الزنج في البحرين وطرده منها إلى البصرة.
  • علي بن مرّة بن علي؛ الجد الأعلى لقبيلة آل مُرّة المعاصرة كما بيّنتُ ذلك في بحث منشور.

ومنهم هذا الراوي الأديب أبو الحسن علي بن الحسن العبدي، والذي هو من أهل البصرة كما نصّ على ذلك أكثر من ترجمه، ومنهم القفطي في كتابه (إنباه الرواة على أنباه النحاة)؛[5] حيث قال في ترجمته:

من أهل البصرة؛ شيخ فاضل؛ له معرفة بالأدب والعروض، وله في ذلك مصنفات، ويقول الشعر، ويترسَّل؛ قرأ الأدب بالبصرة على أبي علي بن الأحمر وأبي العباس بن الحريري، وأبي المعزّ بن أبي الدنيا، وتصدَّر ببلده البصرة، وأقرأ الناس الأدب والحديث والعروض، ونعم الشيخ كان فاضلاً وثقة“.[6]

ومنهم العماد الأصفهاني الذي قال في ترجمته من الخريدة:[7]

الأديب أبو الحسن علي بن الحسن بن إسماعيل العبدي البصري من عبد القيس، بن أفصى، بن ربيعة؛[8] شاب من أهل العلم وأصحاب الحديث؛ متوقد الذكاء، وله يد في علم العروض والقوافي؛ كان خدم ببغداد سنة سبع وخمسين وخمس مئة، فلما انحدرت في نيابة الوزير إلى البصرة في شوال من السنة رافقني إليها، وكنا نتناشد الأشعار، ونتذاكر طرف الأخبار، ومدة مقامي بالبصرة إلى أن خرجت منها في جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين، ما كان يخل بمحاضرتي“.

وقد روى عنه العماد الأصفهاني كثيراً في الخريدة، ولا سيما أخبار شعراء شرق الجزيرة العربية، وهو صاحب الفضل في معرفتنا بالشاعرين القطيفيين؛ الحسين بن ثابت الجَذَميّ العبدي القطيفي صاحب القصيدة التي ذكر فيها الكثير من بطون عبد القيس وقبائلها، والشاعر الآخر هو إبراهيم بن أحمد بن يوسف الجذمي العبدي الذي ذكره الأستاذ في كلامه.

فهذا الرجل كما نرى هو بصري من عبد قيس البصرة، وكان مجيئه إلى بلاد البحرين لمدح أمرائها العُيونيين الذين يلتقي معهم في عامر بن الحارث من عبد القيس لأنّ العُيونيين من بني مُرّة بن عامر بن الحارث، وهذا الشاعر من بني مالك بن عامر بن الحارث، فهو قريبٌ منهم في النسب، والبلد لأنّ البصرة أقرب مدن العراق إلى البحرين، ولهذا كان يقصدهم، ويمدحهم ويتكسب بشعره لديهم فقط، ويعود إلى بلده البصرة، ولا يوجد دليلٌ أو قرينة معتبرة تقول إنه من القطيف؛ فضلاً عن القول إنه من الجش.

رابعاً: الجَذَمِيُّ من عبد القيس بفتح الجيم، وليس بضمّها

ومما لفت نظري أيضاً في كلام الأستاذ العوّامي هو أنه ضبط لفظة (الجذمي) للمنسوب إلى جذيمة عبد القيس بضمّ الجيم؛ في حين إنّ المعروف في النسبة إليهم هو (الجَذَميّ) بفتح الجيم.

قال السيوطي في (لب اللباب في تحرير الأنساب)؛ الصفحة: ٦١

الجذمي بفتحتين إلى جذيمة بطن من ربيعة

وفي (عمدة القاري؛ شرح صحيح البخاري) للعيني؛ ج12؛ الصفحة 569:

الجَذَميّ – بفتح الجيم والذال المعجمة -: نسبة إلى جذيمة عبد القيس“.

وقال صدر الأفاضل في (شرح المفصل في صنعة الإعراب)؛ ج2: 26:

أما جذمي في جذيمة، فلأن الجذيمة جذيمتان: جذيمة بن عبد القيس، وجذيمة أسد، فالنسبة إلى جذيمة عبد القيس بالفتح على الأصل، وإلى جذيمة أسدٍ بالضم“.

وجذيمة عبد القيس هؤلاء هم أهل القطيف منذ ما قبل الإسلام وبعده، ومنهم الجارود الجَذَميّ العبدي سيد عبد القيس المطلق في أيام البعثة، ومانعهم عن الارتداد عن الإسلام، ومن بني جذيمة آل سَلم؛ الذين منهم علي بن مسمار حاكم القطيف وقت ظهور أبي سعيد الجنابي، ومن جذيمة أيضاً آل عباس الذين أسقطوا حكم القرامطة في القطيف في أواسط القرن الخامس الهجري، ثم أسقط حكمهم العُيونيون.

ملحق الصور:

ترجمة الشاعر القطيفي أبي إسحق؛ إبراهيم بن أحمد بن يوسف الجَذَميّ العَبديّ كما تبدو في نسخة المكتبة الفرنسية رقم (Arabe 3327) من كتاب (خريدة القصر وجريدة العصر) للعماد الأصفهاني، وفيها ذكر الموضع القطيفي باسم (جدّ العطش). 

قصاصة من الصفحة رقم 298 من مخطوطة مكتبة أيا صوفيا لكتاب (تجارب الأمم)، ويبدو فيه الموضع الذي كُتب (الحس)؛ التي من الواضح أنها (الجش)، ولكن بدون نقط؛ كما يبدو في هذه القصاصة ذكر المسافة بين هذا الموضع، وبين الأحساء وأنها مسيرة يومين كما هو واضح في السطر الأخير..

قصاصة من الطبعة الباريسية لكتاب (تقويم البلدان)؛ فيها ترجمة القطيف، وقد ذكر أنّ المسافة بينها وبين الأحساء: مسيرة يومين، وهي ذات المسافة التي ذكرها مسكويه في خبره بين الأحساء والموضع الذي كُتب (الحس)، والذي استشهدت بهذه القرينة على أنّ المراد به هو (الجش).

———-

[1] حمد الجاسر: شاعران مغموران من القطيف؛ السكوتي العبدي والحسين بن ثابت العبدي (مجلة العرب ع4، س3؛ يناير 1969؛ الصفحات 379 – 383).

[2] العماد الأصفهاني: خريدة القصر وجريدة العصر (مخطوطة مكتبة نور عثمان بإسطنبول رقم 2/ 1732) الورقات 166 – 169.

[3] علي بن يوسف القفطي: إنباه الرواة على أنباه النحاة؛ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (القاهرة: دار الفكر العربي 1986م) ج2: 242.

[4] ياقوت بن عبد الله الحموي: معجم الأدباء (القاهرة: مكتبة عيسى البابي الحلبي 1936م) ج13: 88.

[5] علي بن يوسف القفطي: إنباه الرواة على أنباه النحاة؛ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية 1986م)؛ ج2: 243.

[6] علي بن يوسف القفطي: إنباه الرواة على أنباه النحاة؛ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية 1986م)؛ ج2: 243.

[7] محمد بن محمد بن حامد بن محمد = العماد الأصفهاني الكاتب: خريدة القصر وجريدة أهل العصر؛ تحقيق محمد بهجة الأثري (بغداد: المجمع العلمي العراقي 1955م)؛ ج4 م1: 683.

[8] كذا في المطبوع، والصحيح: “من ربيعة”، وكثيراً ما تتصحف “من” إلى “بن” عند النسّاخ.

اقرأ أيضاً

مقال السيد عدنان العوامي الأصل

جعفر سنبل.. أول سعودي طالب بمصنع تمور قبل 62 سنة

تعقيب لؤي سنبل

[تعقيب] 3 وقفات في مقال “جعفر سنبل” للسيد العوامي

تعقيب العوامي على تعقيب سنبل

[تعقيب] مع السنبل في وقفاته الثلاث

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×