[تعقيب] مع السنبل في وقفاته الثلاث
عدنان السيد محمد العوامي
اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي
اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي
وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ
صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ
عصفتْ كالصَّبا اللعوبِ ومرّت
سِنةٌ حُلوةٌ، ولذَّة ُ خَلْس
وسلا (الجشَّ) هل سلا القلبُ عنها
أَو أَسا جُرحَه الزمانُ المؤسّي؟
ليعذرني شوقي بك في وضع الجش مكان مصر، فقد أصابني شبيهُ ما أصاب عوف بن محلم الشيباني في سمعه، فأوجب عليه الاعتذار فقال:
إن الثمانين وبُلِّغتَها
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وبدَّلتني بالشَّطاط انحنا
وكنت كالصَّعدة تحت السنان
وقاربت مني خطاً لم تكن
مقارباتٍ، وثنت من عنان
وبدلتني من زماع الفتى
وهمِّه همَّ الجبان الهدان
ولم تدع فيَّ لمستمتع
إلا لساني وبحسبي لسان
وكان هذا الشعر يليق بي تمامًا لو عدل الشطر الأخير لصيبح:
ولم تدع فيَّ لمستمتع
إلا بنانًا واهنًا من زمان
نعم، لقد صيِّرتني الثمانون صيرورة عوف، فلم تبق لي إلا بنانًا مرتعشًا يتلقى الوحيَ من دماغ شنٍّ هرِم، أحسن ما فيه السهو والغفلة، فإن كان لديَّ ما يشفع لي فهو شغفي حدَّ التولُّه بكل حبة تراب من أرض هذا الوطن الحبيب، فلا غرابة أن تجدَني – في غمرة التولُّه بالجش ورجالاتها – أنسب إليها الشيخ محمد الزهيري، وهو سليل جارتها الملاحة، وهذا يلزمني الاعتذار للبلدتين، فأشكر لأخي الأديب الأستاذ لؤي أن أتاح لي الفرصة لهذا الاعتذار في ما ساقه أثناء وقفاته الثلاث، وألتمس منه الإذن بالاعتراض عليه في الأولى من وقفاته، والعذر في الثانية:
الوقفة الأولى – قوله: (السيد عدنان العوامي اسم حفر له في قلب كل قارئ ومطَّلع على تاريخ المنطقة ورجالها، حفر فيه مكانة خاصة لا تنسى ولا تجهل، وذلك لكثير من الجهات التي تمتع بها. ..)، هذا ثناء من أخ نبيل ينفخ فيَّ الفخر والاعتزاز، لكنه – في الوقت ذاته – يحرجني لما فيه من غلوٍّ، فهو يعلم أن من الشخصيات التي مرت في ما كتبت مَن تكدمت أقدامهم، ومجُلت أكفهم وتثلمت أظافرهم مشقَّة وعناء، ومن تعرض للأخطار في خدمة هذا التراب وأهله، فماذا عملت أنا كي أستحق كل هذا الإطراء؟ ليس أكثر من معلومات سنحت فسمحت بها، ولم يكلفني إخراجها أكثر من جُليساتٍ أمام شاشة صغيرة ولوح أصغير، وضنَّ بها آخرون ربما لديهم أكثر مما لديَّ بما لا يصح فيه القياس، ولو أن هؤلاء الآخرين أخرجوا ما لديهم من كنوز لتحقق ما تمنَّاه الشيخ لؤي: (وكم هي حاجة قطيفنا لمن ينهض بهذه المهمة، فالكثير منا يجهل أغلب أدباء وعلماء ووجهاء ورجال المنطقة.. فلو أنَّ كل من له إلمام ببعضهم نشر ما لديه لتكوَّنت لنا رؤية متكاملة عن هذا الوطن الغالي ورجاله المخلصين).
أوافقه في هذه الجزئية الأخيرة من وقفته هذه، فقبلنا قال السري الرفاء الموصلي
إذا العبء الثقيل توزَّعته
أكفُّ القوم خفّ على الرقاب
وأشكو له شكاة بشارة عبد الله الخوري الأخطل الصغير:
أفحتمٌ عليَّ إرسال دمعي
كلما لاح بارقٌ في محيّا؟
أأنا العاشق الوحيد لتلقىٰ
تبعاتُ الهوى على كتفيّا؟
فما أكثر حملة القلم والعلم والعمل في هذه الأرض الطيبة.
الوقفة الثانية – هي: المتعلقة بقدم بلدة الجش، واستدراكه علي بقوله: (ولي تعليق حول “الأقدمية”، لوجود مصدر أسبق من هذا المصدر ذكر الجش، ولكن بخطأ أيضًا، وكأن حظّ “الجش” في المصادر القديمة التصحيف والتحريف .وهذا المصدر هو “تجارب الأمم وتعاقب الهمم” لمؤلفه أبي علي، أحمد بن محمد بن يعقوب (مسكويه (الذي عاش في القرن الرابع الهجري وبدايات القرن الخامس، ذكرها في أحداث سنة 315 هـ عند ذكر وقعة ابن أبي الساج مع القرمطي). إلى آخره.
هذه المعلومة لا أجد غضاضة في الإقرار بجهلي لها، والتماس العذر فيها، لأنني لم أطلع عليها، ولكن لا أكتم جناب أخي الأستاذ الفاضل أنني حتى لو اطلعت عليها فلن أعبأ بها؛ لأسباب ثلاثة،
أولها: التصحيف، كما ذكر، فهذه العلة يحتاج تصويبها إلى قرينة يُستند إليها على الأقل، وقد توافر لي في تصحيف الجش قرينتان؛ أولاهما أنه وقع في رواية علي بن الحسن بن إسماعيل العبدي، وهو من أبنائها ، كما أعتقد، بقرائن أوضحتها في مكانها من المقالة.
والثانية: وقوع التصحيف في كتاب مترجم من التركية وهو (قانون نامه لواء القطيف). والتصحيف ظاهرة معروفة في الترجمة من اللغات الأجنبية.
والثالثة: ورود الاسم ضمن حِقبة القرامطة، وهي حقبة محفوفة بالشكوك من جميع جهاتها؛ أحداثًا وروايات، ورواة، وليس هنا مكان الخوض في هذه المسألة، خصوصًا وأنني تعرَّضت لها بالتفصيل في مكانٍ آخر( ).
الوقفة الثالثة – هي: نسبتي الشيخ محمد الزهيري إلى الجش، فتعلم أخي النبيل أنني أنا مراجع ديوان الزهيري، ومصححه وكاتب تصديره، وتعليقاته؟ فلو اعترفت بهذه الزلة فسوف تكون (فضيحة بجلاجل)، فاغفرها لي غفر الله لك، وهي ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة من زلات صاحبك الهرم، فقد أبلته الثمانون، أطال الله عمرك.
ختامًا لك جزيل الشكر وفائق الامتنان على إضافاتك وتصحيحاتك الجميلة.
اقرأ أيضاً
وأيضاً