[تعقيب] 3 وقفات في مقال “جعفر سنبل” للسيد العوامي الجش أقدم من القرن الرابع.. الشاعر الزهيري من الملاحة.. وشكر وتقدير
لؤي سنبل
أستميح الأديب الفاضل والمؤرخ الكبير والشاعر الفذ( السيد عدنان العوامي) العذر لأقف معه وقفات ثلاث، بعد قراءتي لمقالاته المفيدة والجميلة المنشورة في(صحيفة صبرة الألكترونية) والتي آخرها(جعفر بن سنبل.. أول سعودي طالب بمصنع تمور قبل 62 سنة):
الوقفة الأولى: وقفة شكر وتقدير:
السيد عدنان العوامي اسم حفر له في قلب كل قارئ ومطلع على تأريخ المنطقة ورجالها، حفر فيه مكانة خاصة لا تنسى ولا تجهل..
وذلك لكثير من الجهات التي تمتع بها.. ويهمنا في هذا الموقف جهة واحدة من جهاته الخيّرة المتعددة ، هذه الجهة هي جهة نشره للمعلومات المتعلقة برجال المنطقة، خصوصاً ممن عبّر عنهم هو بمن(لا يعرفه جيل اليوم).
وكم هي حاجة(قطيفنا) لمن ينهض بهذه المهمة، فالكثير منا يجهل أغلب أدباء وعلماء ووجهاء ورجال المنطقة.. فلو أن كل من له إلمام ببعضهم نشر ما لديه لتكونت لنا رؤية متكاملة عن هذا الوطن الغالي ورجاله المخلصين..
الوقفة الثانية: الجش:
تفضل السيد بقوله “… وعندي أنها من أقدم بلدات القطيف عراقة، فأقدم مصدر وقفت عليه تضمن اسمها هو(خريدة القصر وجريدة العصر) للعماد الأصفهاني…”.
وهذه المعلومة الجميلة ــ مع تتبعي واعتزازي بكل ما يكتب عن(الجش) ــ لم أجد من ذكرها غيره ، وليست بغريبة على السيد، فهو دائمًا يتحف قارئيه بالجديد المفيد.
ولي تعليق حول ( الأقدمية)، لوجود مصدر أسبق من هذا المصدر ذكر الجش ولكن بخطأ أيضاً، وكأن حظّ ( الجش) في المصادر القديمة التصحيف والتحريف.
وهذا المصدر هو “تجارب الأمم وتعاقب الهمم” لمؤلفه أبي علي أحمد بن محمد بن يعقوب (مسكويه) الذي عاش في القرن الرابع الهجري وبدايات القرن الخامس. ذكرها في أحداث سنة 315هـ عند ذكر وقعة ابن أبي الساج مع القرمطي..
وقد كتبتُ في مقام آخر([1]):
وتجدر الإشارة إلى رأي المؤرخ المتتبع الأستاذ عبدالخالق الجنبي، الذي يميل إلى أن هذه القرية باسمها الحالي قرية قديمة، حيث رأى أن اسم الموضع الذي ذكر في تاريخ القرامطة تحت مسمى (الحس) ما هو إلا (الجش)([2])، وذلك في قول المؤرخ مسكويه: “… وورد الخبر بخروج أبي طاهر من هجر بنفسه يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان، فنزل في الموضع المعروف بـ (الحس) وبينه وبين الأحساء مسيرة يومين، وأقام به إلى يوم السبت ورحل من غد…” ([3]).
وهذا الرأي نفسه هو ما ذهب له الباحث والشاعر عبدالله الجشي حيث قال مجيباً على سؤال: ولماذا اشتهرت قرية (الجش)([4]) مقارنة بقرى القطيف الأخرى؟:
“الجش من القرى القطيفية العريقة التي لها ذكر وشهرة في التاريخ القديم، ويشير كتاب (تجارب الأمم) لمسكويه إلى أن زعيم القرامطة أبا طاهر الحسن بن سليمان الجنابي نزل في مسيره من الأحساء للعراق عام 513هـ بموقع (الجش) ويبدو أنه كان لها شأن كبير عند القرامطة”([5]).
الوقفة الثالثة: الشيخ الزهيري:
تفضل السيد بقوله “ولقد فاتني أن أدرج مدح أحد أبنائها البررة لها وهو الشيخ محمد الزهيري عند إصداري لديوانه (الزهيريات…”.
ولنا الشرف أن يكون مثل الشيخ الزهيري أحد أبناء ( الجش) إلا أني فيما أعلم أنه ابن ( الملاحة) البلدة المجاورة شرقاً لبلدة الجش، فكما جاء في ترجمته للعلامة الشيخ عبدالحميد الخطي “استهل فجر حياة الشاعر في قرية (الملاحة) وعبّر الشيخ الخطي عنها بأنها قريته في أكثر من موضع من الترجمة “… ولا نعلم أوهبَ ــ من شعره ــ هذه الطبيعة قصائد تغنّى فيها بمحاسن قريته ومناظرها الملهمة..؟ أم أنسته العاصمة قريته ومفاتـنها ؟”([6]).
وأما القصيدة التي فاتت السيد، فقد فاتت من قبله العلامة الخطي أيضاً، لأنه وقت جمعه الديوان لم يكن مطّلعاً عليها، وبعد أن نشرها العلامة العمران في أزهاره واطلاعه عليها، وفي أخريات حياته وحيث طلب منه الديوان المخطوط لنشره، طلب نسخها من الأزهار لتدرج في الديوان، إلا أنهم نسوا إدراجها، وذلك كما سمعت منه رحمه الله.
وكنت أتوقع رؤيتها في أوراق الحاج أحمد آل سنبل، لأن العلامة العمران كما يبدو نقلها من أوراقه، ولكني بحثت فيما أتيح لي من تراث ضخم عند الحاج أحمد فلم أرها، بل رأيت قصيدة أخرى فات ذكرها في الديوان أيضاً([7]) ، فيناسب ذكرها هنا، حفظا لها من الضياع، ويكون في نشرها وفاء للشيخ الزهيري.
وقد كتب أعلاها “قصيدة محمد الزهيري أبو عبدالجليل، في شكايته من جهة سيبة (العمارة)([8]) بالملاحة”:
جاءت بوجه كالقمر
في جنح ليل من شعر
قبضت على طرف الردا
فقبضت قلبي لا يفر
من أنت؟ قالت: غاية الـ
ـعشاق من كل البشر
قلت اسمحي لي بالوصا
ل سويعة أقضي الوطر
قالت أشاور جيرتي
لأكون منك على حذر
قلت اتركيني واذهبي
لا تجعليني في خطر
أبدلت حبكِ بغضة
في القلب ترمي بالشرر
فتركتها تعدو على
وجل بقلب منذعر
وغدوت في منصور باشا
ذي(*) الكمال المفتخر
أنشئ وأنشد مدحه
اسم به……. (**) الثغر
عبدالحسين الماجد الـ
ـحسن ابن صالح الأبر
يا أيها المنصور والـ
ـحر الكريم المدّخر
ها أنتما بدرا سعود
لا نحوس ولا كدر
قد كنتما للخير أسـ
رعَ فيه من لمح البصر
فلكم وكم لكما من الـ
ـمعروف( ما) لا ينحصر(***)
إنفاقكم في الله جاهاً
منه نستسقي المطر
أم عدلكم في الحكم حتـ
ـى حيّ ميت في الحفر
ومكارم الأخلاق…………
………… منها مغتفر(****)
وعجبت لما أن شكوت
عميم ظلم ينتشر
من ظالم خرق الطريق
بكل قبح مشتهر
فأجبتما أن سوف نكشف
عنك ذيّاك الضرر
وشكوت عندك مرتين
وكنت لست بمصطبر
حاشاك من عيب أخا الـ
ـعليا وحاشاك الخطر
فكأنك الشمس المنيرة
نورها يغشي البصر
وبها حياة الناس إن
ظهرت وإن غلس السحر
لا جدّ جدٌّ للزهيري
لا ولا جدي زهر
إن لم أكن أهجو الذي
فيها تآمر أو حفر
مستضعف أنا بين
قوم لا حديث ولا خبر
كلا ولا ذكر جميل
عند لهجة من ذكر
فحباك ربك مع أخيك
كذا بنيك يا أغر
بالمصطفى وبآله
والصحب هم خير البشر
صلى عليهم ربهم
ما دام في البحر الدرر
وأرجو أن تكون قراءتي للقصيدة قراءة صحيحة ، فمع وضوح الورقة إلا أن الخط يوقع في اللبس أحياناً.
ونكرر الشكر والثناء للسيد الفاضل والدعاء له بمزيد التوفيق لنشر تراث المنطقة.
———–
([1]) الجش.. عراقة تاريخ وإشراقة مستقبل(مخطوط).
([2]) قرى القطيف في قانون نامه لواء القطيف عام 959هـ.
([3]) تجارب الأمم وتعاقب الهمم، أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه، ج5 ص 98 ، في أحداث سنة 315هـ.
([4]) جاء في الصحيفة(قرية الجشي) ، ومعروف أن المقصود هي(الجش).
([5]) عبدالله الجشي.. رحلة اللؤلؤ والقوافي ، عكاظ، العدد: 1721، السبت 4/2/1427هـ، 4 مارس 2006م.
([7]) راجعت الديوان بنسخه الثلاث: المطبوع بمراجعة السيد عدنان العوامي،المصفوف بالكمبيوتر، المخطوط(بخط الشيخ الخطي والملا سليم الجارودي والشاعر محمد سعيد الجشي) ، فلم أجدها.
([8]) العمارة: نخل بسيحة الملاحة.
* في الأصل (ذو).
** كلمة لم أستطع قراءتها.
*** كتب العجز هكذا (فيه لا ينحصر) ولعل الصواب ما أثبته.
**** البيت ناقص في الورقة.
اقرأ الأصل
هكذا هم الكتاب الحقيقيون، وهكذا هم مروجي الأدب الرفيع، أصحاب القلم الفاخر، والذوق الراقي، نرتشف من معينهم المعطاء، ونرى الجمال والأخلاق الرفيعة في كتابتهم، شكرا صبرة.