صفوى المتسالمة
حبيب محمود
في مدينة صفوى عيناً؛ تتجاور الأشياء وتتعايش.. وتتسالم. ومن طينةِ الأسرة الواحدة؛ قد ينبتُ الطبيب والمعلم والفنان الموسيقي ورجلُ الأعمال.. وبينهم رجلٌ معمّم. وإذا كان الإنسان ابن بيئته؛ فإن أبناء صفوى تمثيلٌ لهذه البيئة، وإشارةٌ إلى ما يذهبُ إليه دارسو المجتمعات، والمتأملون في ثنائية الانفتاح والتشدُّد..!
صفوى شمالاً، وسيهات جنوباً؛ هما قوسان جغرافيّان إدارياً؛ لما نعرفه اليوم عن “محافظة القطيف”. وكلتاهما على قسماتِ وجهٍ واحد من التنوّع البيئيّ والسكاني والمعيشي.
وبما أنني أعرف عن صفوى أكثر مما أعرف عن سيهات؛ فإنني أفهم عنها ـ أي صفوى ـ أنها ضجيعة بحر ونخيل. وتاريخياً؛ بقيت هذه الواحة المنفصلة عن الواحة الأم ـ القطيف ـ متمسكة بما يجمع أشتات التنوّع في مكان واحد.
جزءٌ من سكّانها مسكونون بالبحر الذي يفتح أفق الإنسان على مساحةٍ واسعة من الأسئلة المفتوحة. البحار ليس مغامراً فحسب، بل وقادراً على استكشاف الآخر، ولديه من الأناة وبُعد النظر ما يكفيه لتقبُّل الآخر. البحّار لا يكتفي بفكرة المكان الذي هو فيه؛ بل يمتدُّ ببصره وبصيرته إلى ما وراء المسافات البعيدة، حيث الآخرون المختلفون موجودون، وحيث إمكانية مواجهة عيونهم، ومصافحتهم، والشراكة معهم.
الجزءُ الآخر من سكان صفوى ريفيُّ الروح، تطلبُ منه الأرض الكثير، فيمنحها أعماراً من أسلافه وأعماراً من جيله، وأعماراً من ذريته. وعلى هذا تستمرُّ أرواح أبناء هذه الواحة التي خرجت من “ديرة” ملمومة في سورٍ متبوعٌ ببحرين: أرزق من الخليج، وأخضر من النخيل.
حتى تاريخ ليس ببعيدٍ؛ كانت “سيحة” صفوى الزراعي ثاني أكبر “سيحة” في القطيف كلها، بعد “سَيحة” الملاحة”.
وما بين البحّار والفلّاح سنخٌ آخر تفرضه طبيعة الاقتصاد الاجتماعي وقوانين “الغني والفقير”، كما هو حال كلّ بلاد الدنيا، ولا مثنويةَ في الأمر، ولا غرابة. كلُّ مجتمع محكومٌ بما يُعرف “طبقية” يرثها الناس ويُمضون عليها حياتهم.
لكن “ديرة” الفلاحين والبحّارة والتجار التي كان فيها 350 منزلاً أواخر القرن التاسع عشر الميلادي (حسب لوريمر)؛ خرجت من سورها، إلى شخصية مدينة عبرت الزمن بسرعة، ورتّبت أمورها على تحوّلات ما بعد النفط، وما بعد البحر، وما بعد النخيل. صارت مدينة، وتحوّلت شوارعها إلى أسواق، و “طعوس” رمالها استحالت أحياءً.
تمدُّن القرية؛ عزّز فيها روح التنوع والتسالم القديم. ربّما مرّت المدينة وبعض أهلها ـ في مرحلة ما ـ بتصادُمٍ ما، لكنّ ذلك التصادُم أملته مرحلةٌ مرتبكة من صراع الأفكار، وتجاذب قوى المجتمع النامية. لكنّ المجتمع الصفوانيّ خرج من تلك التجربة بخبرات تُعينه على النُّضج أكثر. ربما كانت لتلك المرحلة أذيالٌ، وشحنات في نفوس.. وذلك من طبائع ما تفرزه التحوّلات السريعة والكبيرة. لكن ما كان سبباً في التصادم أمس؛ يُمكن تجاوزه اليوم وغداً. وتلك حتميةٌ في مجتمع مثل مجتمع صفوى، حيث يجلس الطبيب والمعلم ورجل الأعمال والشيخ حول “سفرة إيواف”، يأكلون ويتفكّهون، متسالمين ومتحابّين.
احسنتم استاذنا الفاضل الاستاذ حبيب. حفظكم الله ورعاكم. صفوى هي صفوة المدن في الكرم والنخوة “اهل صفوى يطعمون بإيواف”.. َوعليكم عزيزي تفسير المثل.
الجميل في قلمك ان مواضيعك تطرح كل في وقته المناسب احسنت
سلمت وسلم قلمك وانا اقرأ مقالك فكان ذهني يتعايش مع وصفك وكاني اشاهد فيلم سينمائي بين الماضي والحاضر يابن صفوى
ابدعت في وصفك استاذ حبيب عن المجتمع الصفواني .
فأنت سبرت اغواره وعرفت متاهاته وعرفت طريقك ايها الصحفي المبدع.
ولكن شوية( ايواف) وليس سفرة هي تمثل البساطه والزهد.
تحياتي
أحسنتم
بارك الله فيكم وسدد خطاكم
هذا من طيب اصلك