أيها الناشط البيئي.. هل أنت منافق..؟!

حبيب محمود

كثيراً ما يُباغتني سؤالٌ شخصيٌّ حادٌّ حول مسألة البيئة، وما أحمله من زعم حبّي إياها، وتحسّري على تآكل بساتين النخيل ومساحات المنغروف. وغالباً؛ ما يؤول السؤال إلى إجابة مازوخية عنيفة؛ هي أنني ـ وكثيرين أمثالي ـ نحملُ خصلةً من نفاق بيئيّ دون أن نشعر..!

منذ سنواتٍ؛ وأنا أقطنُ في حيٍّ كان ـ فيما مضى من الزمن ـ بستاناً وارفاً سخيّاً بعاليات النخيل وتقارب أشجار التين واللوز والرمّان، ومفروشاً بالخضرة المبللة بمساقي المياه. وعلى مسافة أمتار من شقّتي الآن؛ “كنت” أرود عيناً ارتوازية برفقة أبناء عمٍّ لي..!

ثم ها أنذا؛ مستقرٌّ في مكان جُزِّرت نخيله، وطُمرت مساقيه، وتغوّلت مباني الإسمنت فيه حتى أنني لم أعد أشعرُ بشيء حيال المكان. المعضلة؛ هي أنني عاشقُ نخيل، وحين تلمحُ عيناي مشهد “عضروب”؛ يأخذني الأسف على تساقط السعف وموت النخلة واقفة..!

مثل هذه النسخة من التضادّ الخفيّ بين ما أحمله تجاه البيئة من عقيدة، وبين ما أمارسه؛ أجدها في كثيرٍ من المحسوبين على نُشطاء البيئة. تجد الواحد منا يدافع عنها، وحياته كلها في مكان شهد دماراً صارخاً لها. النخيل، المغروف، مثلاً.

قبل عامين؛ قاطعنا في “صُبرة” فعّالية بيئية لأنها أُقيمت في موقع مدمّر بيئياً..!

وذات فعّالية أخرى؛ تسمّرتُ إصغاءً لمحاضر يدافعُ عن بيئة الصحراء، وهو شريك في واحد من أكبر المخططات السكنية التي دمّرت بيئة البحر. والأعجب أن القاعة كلّها تسمّرت مثلي تعاطفاً مع الطرح البيئي البليغ..!

والذين يتذكرون، معي، مهرجان النخلة الذي أُقيم في القطيف مرتين أو ثلاثاً، قبل سنوات؛ أدعوهم إلى زيارة المكان نفسه، ليشاهدوا بأعينهم كيف أن المساحة التي احتفلوا فيها بالنخلة؛ أقيم عليها مبنى تجاري، وجُزّرت النخلات التي كانت في المكان..!

يبدو أننا من جماعة “يقولون ما لا يفعلون”. وإلا؛ فإن الناشطين البيئيين في العالم؛ يمارسون الدفاع عن رؤيتهم بدءاً من أنفسهم. الذين يحرّمون قتل الفيلة لا يقبلون باقتناء ـ أو شراء ـ منتجات العاج. ومن يدافع عن الثعالب والنمور لا يقبل حتى هدية من فرائها.. وعلى أساس “عقيدة” الحياة الفطرية؛ يعيشون ويموتون..!

لكننا ـ في الشرق ـ يمكن أن نبكي على الاحتطاب الجائر؛ وفي الشتاء نشتري الحطب لتدفئة “كشتات” البر، دون أن نسأل عن مصدر الحطب.

ويمكن أن نعلك الكلام عن بيئة البحر وجور الصيادين، وفي الوقت نفسه نتلذذ بسمك “الصويفي” و “البالول”، وسائر الأنواع التي تُصطاد قبل اكتمال نموّها. وفي سائر العام نشتري الربيان دون انتباه إلى وقت صيده. حالنا مع البيئة سارٍ على هذا المنوال المضحك..!

هل نحن منافقون من دون أن ندري..؟!

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×