احتياج الحالات الطلابية الخاصة وأسرهم.. في ظل جائحة كورونا
عبدالإله التاروتي*
تمثل الحالات الطلابية الخاصة المختلفة – في ظل جائحة كورونا المستجد – تحدياً حقيقياً تواجهه الأسرة وهي تتعاطى مع طفلها في عملية التعلم هذه، تبعاً لما فرضته الجائحة من إجراءات احترازية وقائية. الأمر الذي تطلب تنفيذ خطة الدراسة عن بعد من خلال منصة مدرستي وغيرها من المنصات والقنوات الاخرى، المحققة لهدف تعلم الطالب من جهة؛ والتواصل مع الهيئة التعليمية وأولياء الأمور من الجهة الاخرى.
وبذلك انتقلت المدرسة من حيزها الجغرافي والمكاني ( الفصل الدراسي ) إلى الفضاء الافتراضي. وهذه النقلة النوعية بطبيعتها تفرز مجموعة من المشكلات التي تواجه عناصر العملية التعليمية (الطالب – المدرسة – أولياء الأمور) ومن له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذه العناصر.
ولعل من أبرز المحطات الواردة في هذه النقلة أن جزء من مسؤولية المدرسة قد انتقلت إلى الأسرة مما يعني ذلك أخذ دور المتابع والمشجع للطالب وذلك فيما يتصل بحضور دروسه عبر القنوات التعليمية المحددة في التعليم الرسمي، أو الأهلي، وكذلك متابعة أداء فروضه وواجباته اليومية؛ مضافا إلى ذلك التهيئة التقنية عبر توفير خدمة الإنترنت وأجهزة الحاسوب وما في حكمها والتي منها ومن خلالها يتحصل ابنها على العملية التعليمية المطلوبة، وهذا يعني المزيد من المهام والمسؤوليات التي تقع على الأسرة بلحاظ الاختلاف الثقافي والاقتصادي بين أسرة وأخرى.
هذا هو الإطار العام الذي ينطبق على جميع طلبة المراحل التعليمية حكومية / أهلية؛ وفرص التغذية والتغذية الراجعة متاحة للكل ضمن هذا الإطار والشكل العام.
ولكن ثمة فئة طلابية مضافا لاشتراكها مع بقية الطلاب في الإطار العام، فإنها تتطلب وقفة انتباه مختلفة نسبياً عما هو عليه وضع الفئات الطلابية الاخرى؛ ونعني بهذه الفئة فئة الحالات الطلابية الخاصة. وإذ نذكر هنا فئة الحالات الطلابية الخاصة لا ينبغي أن ينصرف الذهن حصراً بفئة التخلف العلقي، أو ذوي الإعاقات الحركية، أو المزدوجة، أو متلازمة داون، أو فئة التوحد. وإنما نعني بذلك جميع ما سبق، مضافاً لمن تعاني من نشاط حركي زائد وتشتت انتباه، والصمت الاختياري، وصعوبات تعلم، وبطء التعلم، والمتأخرين دراسياً بل وفئة الطلبة الموهوبين كل ذلك لمقابلة احتياجاتهم المتوافقة وقدراتهم العقلية ومهارتهم المختلفة، وهو أمر ينبغي أن لا نغفل عنه ونحن في زحمة النشاط المستمر واليومي في عملية التعلم عن بعد، الأمر الذي قد يحرم هذه الفئة من الرعاية والاهتمام من دون قصد في حرمانها، خصوصا وأن نسبة غير قليلة منها ليست ملحقة ضمن المسارات الخاصة التي تتلقى الخدمة ضمن فصول التربية الخاصة، أو غير مكتشفة ومشخصة.
وغني عن البيان، فإن التعامل مع هذه الفئات الطلابية الخاصة بطبيعته يختلف كما وكيفا من حيث الإجراءات و المهارات التي تتلقاها سواء من خلال العملية المباشرة وجها لوجه، أو عبر الخدمة الافتراضية عن بُعد، كما هو في الظرف الحالي للجائحة. مما يعني حاجة أسر ذوي الفئات الخاصة إلى الدعم والمعونة النفسية التي تُعينها على مساعدة ابنها في هذه المرحلة الجديدة عليها.
واختلاف هذه الفئات يفرض بطبيعته أيضا اختلافا في الأسلوب إذ ليست جميع هذه الفئات تسير وفق مسطرة واحدة بالتالي خطة واحدة؛ بل تحكمها الفروق الفردية التي تفرض العمل بين هذه الحالات. فهم قد يتفقون من حيث تصنيف حالاتهم، لكن يختلفون في الخطة المرسومة لكل واحدة منها، وهذا مبدأ أساسي يضبط أيقاع العمل مع الحالات الطلابية الخاصة وغير الخاصة، من خلال معالجتها لقصور في مهارة، أو تعزّز وتنّمي من مهارة أخرى تتوافر لهذه الحالة ولا تتوافر لحالة أخرى ضمن تفاصيل تحكمها الفروق الفردية. فعلى سبيل المثال: قد تكون الصعوبة في القراءة مثلاً لدى طفلين ناتجة عن مشكلة في الإدراك السمعي لأحدهما، بينما هي ناتجة عن مشكلة في الإدراك البصري لدى الطفل الآخر، وتبعا لذلك فلكل واحد منهما خطته الفردية المتناسبة وطبيعة حالته.
مسار العمل المقترح
تبعاً لهذه الظروف الطارئة فإن مسار العمل مع هذه الفئة يأخذ مسارين لا غنى لأحدهما عن الآخر، فهما يتكاملان من حيث المنطلق والنتيجة، وهي خطوط عامة يمكن أضافة أو تعديل ما يراه المطلع مناسبا ويلبي احتياجاته.
المسار الأول: يتصل بالمدرسة ويتم ذلك من خلال تزويد الإرشاد الطلابي المعلمين بقائمة الحالات الطلابية الخاصة والتي كانت تتلقى خدمات الرعاية خلال العام الدراسي المنصرم أو الاعوام السابقة وذلك كي يرسم المعلم خطته التي تلبي احتياجات هذه الفئة ضمن المتغيرات والموارد المتاحة لديه، ومن أهمها:
- تكليف هذه الفئة بالواجبات التي تحقق الحد الأدنى من المهارات المطلوبة. وكذلك فيما يتصل بالاختبارات النهائية كحالات بطء التعلم.
- تجزئة الهدف إلى مهارات فرعية وذلك بأن يقوم المعلم بتحليل المهمة إلى مهمات فرعية لتحديد أي المهارات الفرعية أكثر أهمية.
- اعطاء هذه الفئة جانباً من التركيز وشد الانتباه من خلال عبارات التشجيع والتعزيز وذكر الاسم بالتحديد أثناء المشاركة في منصة التيمز مثلاً.
- إيلاء هذه الفئة أولوية من قبل المدرسة أثناء مراجعتها ضمن جدول الزيارات الذي تنفذه للقاء الطلبة وأولياء أمورهم بالهيئة التعليمية.
- توظيف المعلم لمهاراته وخبراته المهنية في اكتشاف الحالات حتى يمكن رصدها ومن ثم المساعدة في تقديم الخدمات المساندة لها.
- التواصل مع وحدات الخدمات الإرشادية، ومراكز خدمات التربية الخاصة لمقابلة احتياجات هذه الفئة بما يذلل من الصعوبات التي تواجه الآسرة والطفل من خلال خدماتها المساندة التي تقدمها، إما عبر تحويل الحالة لدراستها، أو عبر خدمات الهاتف الاستشاري.
المسار الثاني: يتصل بالأسرة، وهنا لا بد من الاشارة إلى أننا لا نفترض في جميع الأسر امتلاكها لمهارة تعليم وتدريب ابنها من ذوي الفئة الخاصة خصوصاً تلك الحالات التي تتطلب تخصصا في مجال العمل مع الفئات الخاصة، لكننا نفترض حساً إنسانياً يعتمر بداخلها تجاه فلذة كبدها نسعى من خلال الاستفادة من هذه الجذوة والعاطفة لمدها ببعض الخبرات والإرشادات التي تسهل لها من مساعدة ابنها ومنها:
- تزويد المدرسة بالمعلومات التي يتوافر لديها عن حالة طفلها، والخدمات التي كان يتلاقها قبل التحاقه بالمدرسة خصوصاً لطلبة الصف الأول الابتدائي، أو ما طرأ عليه من تغيرات في السلوك خلال فترة الإجازة.
- ملاحظة سلوك الطفل واستجاباته المختلفة والتي يبديها أثناء عملية التعلم، هل يبدي تململ وضجر، وعدم مبالاة أثناء عملية دخول المنصة ومتابعة شرح المعلم؟ أم في حالة تفاعل ونشاط ودافعية؟ وفي أي من المواد يبدي استجابته الايجابية، وأيها تكون سلبية؟ وبعد كم حصة تظهر لديه الاستجابة السلبية؟
- التأكيد على ضبط الانفعال من قبل الأسرة حال تعليم الطفل، وتجنب الضرب، والمقارنة بينه وبين إخوانه أو أحد الأقارب أو الزملاء تفادياً لما قد يترتب عليه من ردة فعل سلبية تجاه من تمت مقارنته به والتي قد تتمظهر بعدة سلوكيات عدوانية لفظية / بدنية، أو حالة من الانكفاء والانطواء بالتالي ضعف دافعية التعلم لديه، وهو ما لا نرغب في وصول الطفل إلى هذا المشكلة.
- إدراك الأسرة بأن التعلم عن بعد، ومن خلال المنصات التعليمية المختلفة تمثل تجربة ومهارة جديدة سواء بالنسبة للأسرة أو الطفل، ومن طبيعة التعامل مع أي تجربة جديدة مصاحبتها لجانب من القلق والتوتر، وهذا أمر طبيعي لا ينبغي تضخيمه ومن ثم نقل هذه الاستجابة والخبرة السلبية المكتسبة، إلى الطفل مما يترتب على ذلك المساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر في ضعف ثقة الطفل بمهاراته وذاته والتي هي حجر الأساس في اكتساب أي مهارة من المهارات ومنها عملية التعلم عن بعد لأنهاء تتطلب تنفيذ أوامر ،واتخاذ قرار وجميعها تتطلب استجابة تنطلق من الثقة بالذات.
قائمة المؤشرات
لا بأس أن نذكر مجموعة من المؤشرات التي قد تعين الأسرة في التعرف على جانب مما تلاحظه على طفلها وهذه المؤشرات ليست بديلاً بحال من الأحوال عن إجراء فحص الذكاء وصعوبات التعلم في الجهات ذات العلاقة، وإذ نعرضها فتأتي في سياق تنمية الجانب المعرفي للأسرة والرفع من مستوى الملاحظة المقصودة لدى الأسرة وهي ترصد سلوك الطفل خلال عملية التعلم، فمن خلالها تتم التغذية الراجعة التي تزود بها المدرسة لمعالجة المشكلة التي تعترض الطفل منذ بداياتها الأولى. فلا يخفى إن تحديد المشكلة وتشخيصها في بداياتها الأولى قد تأخذ وقتا، لكن رسم خطتها العلاجية سهل، بينما التأخر بحث المشكلة وتشخيصها قد يكون سهل في التشخيص لكنه صعب في رسم وتنفيذ الخطة العلاجية. من هنا تأتي أهمية تزويد الأسرة أو المدرسة بأي ملاحظة تتعلق بمسار الطفل التحصيلي والسلوكي لما يساعد هذا في تقديم الخدمة المناسبة للطفل ومن ثم مساعدته في تجاوز المشكلة.
وفيما يلي مجموعة من المؤشرات حسب “زكريا الشربيني” والتي تساعد الأسرة في تسجيل ملاحظاتها ومنها
- التأخر في الكلام أي التأخر اللغوي.
- وجود صعوبة عند الطفل في اكتساب الاصوات الكلامية أو إنقاص أو زيادة أحرف أثناء الكلام.
- ضعف التركيز أو ضعف الذاكرة والاحتفاظ بالمعلومات.
- صعوبة الحفظ.
- صعوبة التعبير باستخدام صيغ لغوية مناسبة.
- صعوبة في مهارات الرواية أو الحكاية.
- استخدام الطفل لمستوى لغوي أقل من عمره الزمني مقارنة بأقرانه.
- وجود صعوبات عند الطفل في الامساك بالقلم واستخدام اليدين في أداء مهارات مثل: التمزيق، والقص، والتلوين، والرسم، والقذف.
- وجود صعوبة في التمييز بين اليمين واليسار.
- وجود صعوبة في تعلم الوقت.
- وجود صعوبة في اتباع التعليمات.
- صعوبة في المقدرة على التصور البصري عند التعامل مع الاشكال والمجسمات، مثال ذلك ( لو أعطينا الطفل خطين يحملان عدداً متساوياً من النقاط ولكن أحد الخطين أطول من الآخر، أي النقاط متباعدة، لوجدنا أن الطفل يعتقد أن هناك نقاطاً أكثر في الخط الأطول )
- الخلط بين أصوات الحروف المتشابهة مثل: (ح وَ خ. ع وَ غ. حروف وَ خروف)
ختاما .. إن عملية التعاون ومد جسور التواصل بين البيت والمدرسة وما يتصل بهما من جهات ذات العلاقة كوحدات الخدمات الإرشادية، ومراكز التربية الخاصة ومكاتب وإدارات التعليم، والمستشفيات والمراكز الصحية، ومراكز التأهيل هي خطوة رئيسة ومهمة في مساعدة طلبة الحالات الخاصة سواء في الوضع الدراسي الطبيعي، أو في هذه المرحلة الطارئة ضمن خطة التعلم عن بُعد لا ينبغي تأجيل الاستفادة منها.
* ضو فريق العمل، وحدة الخدمات الإرشادية بمكتب تعليم القطيف.
كيف لي الحصول على محتوى الكلام القيم الخاص بالاستاذ عبد الاله التاروتي إذ أنه يخدمني كثيرا جدا في مجال عملي الارشادي؟ وقد تعذر علي نسخه من الموقع