[موروث] المحموص.. وقدحة ناره الأولى
حسن دعبل
ربما في كل عاشور وهلال حزنه المعتاد، هناك من يقفز للكتابة بتجرد، واجترار تاريخي، وفقر معرفي، عن تاريخية مكتوبة ومدونة لزمن عيش المحموص، وقِدمه وقدحة ناره الأولى، ودخان قدوره، قبل الدموع. بعيداً عن كل التحولات والإنزيحات المكانية، والأنثربولجية.
فمن الوجهة الأنثروبولوجية ومطابخ المحموص وطباخيه، فكل ماهو مطبوخ ينتمي إلى الثقافة، بينما ينتمي كل ماهو نيء إلى الطبيعة. والثقافة هي عن زمن طبخ عيش المحوص، قبل طقوسه.
فهل كانت المآتم تطبخ هذا العيش، قبل صعود الصرخات؟
هنا لا بد لنا، أن نتبين، أو نلم بطبيعة نشأة المآتم وأمكنتها، ومكانتها الاجتماعية، والاقتصادية.
فهل كانت المآتم في المركز، كبقيتها في الأطراف!؟ والأطراف المعنية هنا، هي القرى المتناثرة بين البساتين والأسياف. ولنكن أكثر تقرباً لصورة المكان، ولنسمِّها المآتم الغنية أو الميسورة، والمآتم المتوسطة الحال و الفقيرة. فالمآتم الميسورة هي التي تشرف على مآتمها، وتُنسب لطبقةٍ معينة من المجتمع ميسورة الحال، أو من يأتيها دخل مآتمها أو خراجها من الأوقاف الحسينية.
أما المآتم المتوسطة الحال والفقيرة، فهي التي يأتيها دخلها من تبرعات بسيطة لطبقات متوسطة الدخل وأقله.
فالطبقة الميسورة تنفق بسخاء وبذخ بما يناسب، ويتناسب مكانتها وسلوكها الاجتماعي. فتقيم القراءات وما يترتب عليه من تقديم الزاد والأكل. أما المآتم الأخرى فتنفق حسب مكانتها الإجتماعية، وكفاية المال.
هكذا كانت صورة المآتم في نشأتها الأولى. فالأكل لا يُوزع ولا يُطبخ يومياً. كل مأتم له يوم معروف في عشرة أيامه يطبخ، ويؤكل زاده في بيته أو مأتمه. وهذا ما أعنيه في ثقافة هذا العيش المقدّس. بعد أن أُخرج من شهره الحرام، إلى جغرافية الهوية والمكان، وموائده وولائمه.
وأكرر ما كتبته سابقاً، أنّ منشأ هذا العيش وطبخه، لم يكن في المركز ومآتمه، وثراءه الإقتصادي، وعوائده الوقفية. إنما كان طبقاً شعبياً بحرياً، ومشاعياً إقتصادياً في الأموال والزاد، وبكل مكوناته المطبخية، وطريقة طبخه. وربما هناك نقطة لا يعرفها من أرادوا لهذا العيش إنزياحاته المكانية، واختطافه من سفرة أو مآتم البحاحير، ومن جاورهم من البسطاء، إلى ساحات الصراخ والسواد المتكاثر، والنابت بعشوائية مُتخبّطة. فهناك إشارة تاريخية لنفقات ومصاريف هذه المآتم.
وأنا هنا أشير للعاشور الشعبي والإجتماعي البحري الذي كان. حيث أنه في سنوات الغوص وثراء المحار واللؤلؤ، كانت تُقتطع “اگلاطة” من حساب البحارة شبه سنوية أو قريبة لعاشور تُسمى “اگلاطة المآتم”، أو تبرعات عاشورية، شبيهة ب “اگلاطة لِشيوخ” المعروفة لدى غاصة الخليج، وكانت تُوزع على المآتم المعروفة لأهل الغوص، وهذه ربما تُثبتها سجلات أو دفاتر الغوص في “سنابس، ودارين، والزور”، إن وجدت. أيضاً وفي الفترة الثانية، والمتأخرة لنواخذة صيد الأسماك، وحلّة وطهارة لصيدهم، حيث كانوا ينذرون بصيدهم للمآتم في الأيام التي يدشون فيها البحر، وقريبة لأيام عاشور، وعبّاطهم.
هذه نقاط ربما، لا يعرفها الآن مِمّن يطبخون، ويتسابقون في أكل المحموص، ورمي الفائض منه، وتبذيره بحجة الكثرة والبركات. الحكاية أشبة بالمشاعية الإقتصادية، أكثر منها مُشايعة وتشيّع وتشييع.
جميل وثري طرحك يا حسن
ليس فقط لتعريف الجيل الجديد ، المعلومات التي اوردتها
، تفيذ جمع كثير من الناس ، عن مسألة طبخ و
تقديم عيش المحموص وخلافه من الزاد ! خلال عشرة
ايام عاشوراء …
أخبرني احد الاصدقاء انه كان متواجدا ف المغرب
العربي ، خلال ايام عاشوراء ، فوجد الناس تخرج وتوزع
الماء على المارة او تريقه في الطرقات ف السوم العاشر من محرم ؛
فلما سألهم عن سبب ذلك قالوا له هذا عرف اجتماعي
توارثوه جيلا بعد جيل . ولا يعرفون سبب ذلك !!!