خلال عقدين.. المهنة “الثانوية” رفعت عدد خطباء القطيف إلى حدود 500 خطيب معلمون ومهندسون ومتقاعدون مارسوا الخطابة في أوقات الفراغ.. ثم احترفوها

القطيف: صُبرة

يُقدّر عدد الخطباء الناشطين في محافظة القطيف، الآن، في حدود 500 خطيب، طبقاً لما ذكره الباحث لؤي آل سنبل الذي يُرجّح أن العدد ربما كان أكثر من ذلك بكثير، استناداً إلى تخمينات وملاحظات. آل سنبل يُشير إلى عدم وجود أي إحصاء للأعداد، لكنه يميل إلى تقديره بحكم تتبّعه وبحثه في هذا المجال منذ سنوات طويلة، وأنتج، في هذا الحقل، كتاباً يسرد سيرة 48 خطيباً من الجيل الأول. ومن المخطط له أن يصدر الكتاب خلال أيام، تحت عنوان “على أعتاب الحسين”.

في الوقت الراهن؛ يمكن وصف “الخطابة” في المحافظة بأنها لم تعد مهنة أساسية، كما كانت في السابق. بل يمكن القول إنها جزءٌ من ظاهرة اجتماعية يمكن وصفها بـ “المهنة الثانوية” لدى قائمة طويلة من المشتغلين بالخطابة. فهناك خطباء تمثل الخطابة، بالنسبة لهم، عملاً إضافياً. ويقول آل سنبل “بعضهم معلمون ومهندسون وموظفون إداريون، وبعضهم متقاعدون أيضاً”.

لؤي سنبل

ظاهرة

وهي ظاهرة انتشرت في العقدين الأخيرين، لكنّها كانت موجودة قبل ذلك، ولكن بشكل محدود. وعلى سبيل المثال؛ في العوامية؛ كان الملا أحمد آل شيخ أحمد ـ رحمه الله ـ يمارس الخطابة في المساء، في حين كان موظفاً في مشروع مكافحة الملاريا، قبل أن يُنقل إلى إدارة الرعاية الصحية لاحقاً. كما كان يمارس الفلاحة في قطعة نخل جنوبيّ البلدة.

ومثله الملا محمد علي آل ناصر في القديح، الذي أمضى أكثر من 30 سنة موظفاً في الضمان الاجتماعي، والشيخ محمد خليل أبو زيد الذي تقاعد من المؤسسة العامة للسكة الحديدية.

الملا أحمد آل شيخ أحمد

اشتغال ديني

وبالعودة إلى ما قبل ذلك بعقود؛ يُلاحظ أن “الخطابة” كانت جزءاً من الاشتغال الديني أيضاً. كثيرٌ من الخطباء كانوا علماء دين في الأساس، وجاءت الخطابة لتُضيف نشاطاً أفاد من التحصيل العلمي وحوّل الدروس الفقهية والعلمية إلى فعل منبري قدّم الكثير للمجتمع، عبر هذا الدور الأساسي في أغلب مجتمع القطيف.

كما أن جزءاً من الخطباء الأوائل؛ كان يتسببون في حياتهم ضمن سعيهم إلى الكسب. بعضهم عمل في تعليم القرآن الكريم، وتولّى الوكالات الشرعية في المحاماة وأعمال المأذونين الشرعيين، وكتابة الوصايا، والوراقة (كتابة الكتب). كانت الحياة صعبة، والخطابة وحدها ربما لم تكن كافية لتوفير الدخول المالية المعينة على مواجهة أعباء الحياة.

لذلك؛ لم تكن الخطابة ـ وحدها ـ مهنة ذات مردود اقتصادي أساسي، كما هو الحال في وقت الراهن. وعليه؛ كان بعض الخطباء البارزين يسافر إلى خارج القطيف، في أيام عاشوراء، من أجل ممارسة الرسالة والكسب المادي معاً. منهم من كان يسافر إلى البحرين، وعمان، والأحساء، لكنّ عددهم كان قليلاً قياساً بخطباء القطيف اليوم.

استقدام

وحسب بحث لآل سنبل؛ فقد اعتادت القطيف قبل عشرات السنين استقطاب خطباء من خارج المنطقة أكثر من إيفادها، وكانت العراق تحديداً في المقدمة، وفي ذاكرة القطيف أسماء خطباء كثر كانوا يقصدونها سنوياً ويمكثون فيها ما يشاء الله لهم، وخصوصاً في شهري محرم وصفر.

ويُشير آل سنبل إلى بحث للسيد حسن العوامي وثّق فيه أن خطباء من العراق توافدوا على القطيف منذ أواخر عشر الستين بعد الثلاثمائة وألف.

السيد حسن العوامي

ويعلّق آل سنبل “كنت أعتقد بأنها ظاهرة قديمة أبعد من هذا التاريخ بكثير، لما ذكروا من أن بعض قدامى الخطباء القطيفيين قد تأثروا ببعض خطباء العراق، فقد جاء في  ترجمة السيد محمد المعلم “وقد تتلمذ على ثلة من الخطباء، لكنه لم يتأثر إلا بطابع الخطيب الفاضل الحاج ملا قاسم السماوي”  والسيد المعلم ولد في أواخر القرن الثالث عشر وتوفي سنة 1360هـ، وورد في ترجمة الملا حسن الجامد بأنه “أخذ الخطابة وهو في ريعان شبابه، وكان يوم ذاك في الرابعة عشرة سنة، على يد الخطيب الماهر الشيخ ملا علي ابن عياش”. وابن عياش هذا توفي سنة 1326هـ، وقيل عن الجامد أيضاً بأنه كثير الاتصال بالخطباء الوافدين من العراق والاستفادة منهم، والاستفادة عادة تكون في بدء التعلم، وإذا لاحظنا أن مولد الجامد كان بين عامي 1285و 1295هـ فيتأكد لنا أن هذه الظاهرة قديمة، إلا إذا كانت موجودة وانقطعت ثم عادت في هذا التاريخ.

ملا حسن الجامد

حسب آل سنبل، أيضاً، فإن استقدام الخطباء من العراق توقف في عام 1400. وقبلها كان الخطباء يستضافون من قبل أحد الأعيان، فيتنقلون في نواحي القطيف للخطابة ويعودون إلى منزل المضيّف، وقد أشير لهذه الظاهرة في بعض الكتابات، كما عند الأستاذ عبد علي آل سيف في حديثه عن الحاج محمد تقي آل سيف الذي “وظف علاقاته التي بناها في أسفاره للدول الإسلامية والشيعية منها على الخصوص، وما كان يجده هناك من تطور للمنبر والعطاء الحسيني في استقدام الخطباء من العراق منذ نهايات السبعينات من القرن الهجري المنصرم، فاستمع الحاضرون من هؤلاء الخطباء في مجالس العزاء إلى فن جديد من الأداء لم يكن معهوداً من قبل إلا في حدود ضيقة وكم هائل من الثقافة والمعارف.

وكان يتحمل جميع مسؤولية استقدام الخطيب من العراق تحديداً، ويوفر له السكن الملائم، ووسيلة التنقل إلى مجالسه في القطيف وسيهات وصفوى وغيرها وحتى في حدود تاروت بين مناطقها المتعددة حتى مغادرته إلى بلده معززاً مكرماً، استمر ذلك إلى بداية القرن الجديد الخامس عشر الهجري”.

عبدالعلي السيف

إيجابيات وسلبيات

ولا يخفى أن لهذه الظاهرة إيجابياتها ولها أيضاً سلبياتها، فمن الإيجابيات تلاقح الأفكار والتأثير والتأثر، فالخطيب سيأتي بفكر آخر وطريقة أخرى ومعلومات غير المتداولة في المنطقة، وهذا له أثره الإيجابي على المستمعين وعلى الأرضية الولائية في البلد وعلى الخطباء من حيث التأثر بهم والإفادة من خبراتهم والتلمذة على أيديهم، كما ينقل عن الملا حسن الجامد مثلاً في استفادته الكبيرة من الخطباء العراقيين، بل وتلمذته على يد الخطيب الماهر الشيخ ملا علي ابن عياش، ولعل غيره من الخطباء القطيفيين تلمّذ أيضا على خطباء عراقيين.

ونرى بعض المهتمين أرجع التطور في الخطابة القطيفية لخطيب عراقي فنقرأ للسيد حسن العوامي قوله “ولعل أول من سلك منهجاً جديداً على المنبر لم يكن يعهده المستمع هو السيد سعيد العدناني (أهل البصرة) فقد جاء إلى القطيف”.

وأما السلبيات التي نعنيها فهي أثرهم السلبي في عدم تطور كثير من خطباء المنطقة، وذلك لأنّ وجود الخطباء الأجانب كان مرغوباً فيه من قبل أصحاب المجالس ومن المستمعين، لتميزهم عن الخطباء الموجودين في البلد، وهذا يؤدي إلى هجر خطباء البلد وعدم الالتفاف حولهم كثيراً، وهذه حالة تؤدي إلى عدم تطور خطباء البلد، خصوصاً وأن الموسم الأهم للخطيب هو شهر محرم، فإذا لم يقرأ فيه فما هو الدافع له للتطور والرقي”..؟

ويرى آل سنبل “بعد أن قلّ حضور خطباء من خارج البلد، رأينا تطوراً وازدهاراً كبيراً في خطباء البلد، أكثر مما كان سابقاً، ورأينا بروز عدد كبير من الخطباء، وبعضهم وصل إلى الطبقة الأولى من الخطباء على مستوى العالم الشيعي وليس على مستوى القطيف فقط”.

تعليق واحد

  1. من اشهر الخطباء الذين حظيت بهم القطيف كان السيد حسين الشامي الخطيب البارع الذي كان محور حديثه واستدلاللاته كلها من القران الكريم وكأنه قد كتب القران على شفتيه وكان مفخرة للمنبر ومشجعا لان يستضيف اهل القطيف اصحابهم من مختلف المناطق ليستمعوا له . ولحد الان لم يأت احد يشبه اسلوبه وتركيزه الشديد على القران الكريم.
    لكن تبق القطيف اليوم ببعض خطبائها المبدعين رائدة الخطابة المنبرية على مستوى العالم الشيعي.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×