باقر الزاهر.. سيذكرني قومي إذا جدّ جدهم [10] بستان السيحة وسمر في الذاكرة
عدنان السيد محمد العوامي
اسم واطأ المسمى، خَلقًا وخُلقًا، فالاسم زاهر، ذو خلق زاهرٍ، وضَّاء، تسبقه بشاشةٌ باسمة يحييك بها قبل أن تسبقه أنت بالسلام. تشع ملامحه بألق الطيبة، ويقطر مبسمه بعذوبة الحب الصادق.
قال في التاج: الزاهِرُ: (الذي يزهر بالليل)، هذا تعريف السراج، يضيء للمدلجين في ليل الحيرة والتيه، كما أبو عبد الحميد يعين بالرأي والنصح والنصف من استنصحه أو احتكم إليه.
الزاهر في شبابه (من أرشيف العائلة)
لا أجد مشاحة إن تلوت ما قال فتى حمدان:
هُوَ المَوتُ فَاختَر ما عَلا لَكَ ذِكرُهُ
فَلَم يَمُتِ الإِنسانُ ماحَيِيَ الذِكرُ
فنحن نراه حيًّا بعمله. نتابع:
سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم
وَفي اللَيلَةِ الظَلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ
وها أنا أتذكره ما حييت، وأتلو قول أبي فراس عينه:
وَلَو سَدَّ غَيري ما سَدَدتُ اكتَفوا بِهِ
وَما كانَ يَغلو التِبرُ لَو نَفَقَ الصُفرُ
وأقول: لا، ليس إلى هذا الحد، أيها الأمير، فما كان فردٌ نهايةَ الكون أبدًا، كائنًا من كان، وهذه الأرض كانت وما زالت مُنجبًا ولودًا، وأبو عبد الحميد أنجب من خلفه سيرة ودورًا، سواء من الصلب، أو الخلطة، كغيره ممن أنبت هذا التراب الخصيب.
ترجم له الأستاذ زكي علي الصالح، فقال: (الحاج باقر بن أحمد الزاهر، وجيه من وجهاء العوامية، وأحد رجالها الموقِّرين، ولد في العوامية عام 1337هـ، وفيها نشأ وترعرع. تعلم القرآن الكريم على يد والدته، ثم تعلم الكتابة فأجادها، اشتغل بادئ حياته في الزارعة، وقد تولى منصب العمدوية من عام 1384هـ، حتى تقاعد عام 1400هـ). كان خلال فترة عمدويته محلاًّ لحب الناس، وتقديرهم، و[نال] حُظوةً خيِّرة من خلال خدماته الجليلة، وكان على جانب من الورع والتقوى، ومحل ثقة كثير من علماء المنطقة. توفي يوم الثلاثاء 21/2/1416هـ) ([1]).
ومن هذه الثقة أنه كان أحد معتمدي الشيخ عبد الحميد الخنيزي (الخطي) قاضي محكمة الأوقاف والمواريث الجعفرية في صرف تعويضات العقارات المنزوعة ملكيتها لصالح الشوارع، كذلك الأوقاف المباعة، والمستبدلة والمنقولة([2])، كما انتخب لعضوية المجلس البلدي في ثلاث دورات متتاليات([3]) لم يتسنَّ لي معرفة تواريخها.
عرفته عن قرب، سمحًا كريمًا، وقد اخترته حكمًا في قضية خلاف شخصية بيني وبين جار ملاصق لأرض ابتعها في قرية الجراري لأقيم عليها منزل سكني، وكانت البلدية قد اقتطعت من أرض ذلك الجار ما كانت تقتطعه من الأراضي بعنوان الذراع المعماري، فحاول تعويضه من أرضي.
كان ذلك عام 1380هـ، أي قبل توليه منصب العمدوية بما يقارب الأربع سنين، إذن فالرجل معروف بوجاهته قبل تولِّيه منصب العمدوية.
على مأدبة طعام بحضور الشيخ عبدالحميد الخطي
حادثة دلتني على ذكائه وحصافة رأيه
في عام 1389هـ، كنت قائمًا بعمل رئيس بلدية القطيف أثناء تمتعه بإجازته السنوية، وكانت فترة عصيبة على البلدية، والسبب اشتباه في وجود وباء الكوليرا، فاتخذت الدولة عدة إجراءات احترازية منها اعتماد مبالغ مالية كبيرة لردم المستنقعات، وتوفير الماء الصالح للمناطق المستحدثة غير المزودة بالمياه الصالحة للشرب، وغير ذلك من الإجراءات الاحترازية، في وضع كهذا لا يخلو الأمر من تخبط وارتباك، من ذلك قيام اللجنة المشكلة لتنفيذ المشاريع بتسوير عيون الماء ، وهي عملية لا نفع منها بتاتًا، لأن المياه تسيح خارج الأسوار، فتسقي النخيل، ويرتفق منها الناس. كذلك تكليف عمد القرى والضواحي بمنع الناس من استعمال مياه الشرب من تلك العيون والآبار، فتدافع بعض العمد على توقيع التعهد بالالتزام بالمنع, وحين دور الحاج باقر امتنع عن التوقيع، وقال بلهجته العوامية العذبة: أول قفلوا العيون كلها، واعطونا حراس مسلحين على كل العيون ومجاريها، ووفروا مياه نقية صالحة للشرب بدل العيون والآبار ومجاريها. هذا ما وجدته تحت توقيعه رحمه حين أحيلت المعاملة إلي في البلدية.
وفد القطيف الذي سافر إلى الرياض معزياً في الملك فيصل، سنة 1395م، بمنزل الشباب الجامعي. من اليمين السيد جعفر الماجد والحاج باقر الزاهر ونصر الشيخ ومحمد سعيد الخنيزي (أبو فؤاد) والشيخ عبدالحميد الخطي وأحمد آل سنبل والشاعر محمد سعيد الخنيزي وعبدالجليل الزهيري. وفي الصورة حسين السنان وأمين البريكي ومحمد سعيد الجشي والدكتور غازي القطري وعبدالعلي البحارنة. (الصورة من أمين الزهيري)
الزاهر حاضراً مجالس الناس في العوامية (من أرشيف محمد أمين أبو المكارم)
دوره ونشاطه المطلبي ومشاركاته
دور الحاج باقر يشبه إلى حد بعيد دور الحاج أحمد بن سنبل في بعض الوجوه، فقد وقع لهى شيبه لما وقع لابن سنبل وصاحبه في القضية التي أوردتها في الحلقة الخاصة به، فقد اكتشف الأهالي وجود شخص يسكن أحد بساتين العوامية، ويستخدم بيته في أعمال مخلة منافية لأخلاق المجتمع، فوقف مطالبًا بترحيله عن البلدة، وقد نحج بالرغم من معارضة البعض له.
أما مشاركاته أعيان القطيف ووجهائها في المطالبة بتوفير الخدمات فقد أشرت في الحلقة (9) السابقة الخاصة بالحاج أحمد بن سنبل إلى أن لدي مجموعة من الوثائق المطلبية المرفوعة للجهات المعنية، شارك رفقاءه أعيان القطيف بالتوقيع معهم عليها، فلم يتسع المجال لها هناك، وكان من حسن الصدف أن بعض هذه الوثائق تحمل تواقيع صاحب هذه الحلقة إلى جانب توقيع الحاج أحمد، فآمل ان يتسع لها صدر صبرة في هذه الحلقة.
توفي رحمه الله عام 1415هـ([4])، (رحم الله أبا عبد الحميد، رحمة الأبرار).
————
([1])العوامية تاريخ وتراث، زكي علي الصالح، دارالكنوز الأدبية، بيروت، الطبعة الثانية، 1998م، ص: 339.
([2])الأخيرة رواية مشافهة من الشيخ زكي ابن الشيخ عبد الكريم الخنيزي..
([3])خيوط من الشمس، محمد سعيد بن الشيخ علي الخنيزي، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1490هـ، 2000م، جـ1/310.
([4])وقف الرامس، نبيه الإبراهيم، مقال على الإنترنت، الرابط: https://chl.li/vKnWV
الف رحمة ونور تنزل على روحك الطاهرة ابي الغالي
كان رجل راقي بسيط يمتلك ضمير حي
يبحث عن رضا الله في جميع اعماله لذلك التف حوله الناس واحبوه
رحل جسده وبقي ذكره الطيب
الف ورحمة تنزل عليك يابويي الغالي
فعلا خسرنا علم لن يتكرر
حشرك الله مع محمد وال محمد
رحمك الله يا ابى عبدالحميد …
الف رحمه ونور تنزل على قبرك ياجدي