أبعاد إنسانية في دعاء كميل
الشيخ علي الفرج
تمثّل العديد من التعاليم الدينية استجابة للنداءات الإنسانية العالية، وبخاصّة ما يرتبط منها بجوانب التراحم والتوادّ بين الناس، والحثّ على التكافل الاجتماعي بينهم والارتقاء بالحس الإنساني في التعامل مع المحيط. وهي قيم ومبادئ احتضنتها وبثّتها العديد من الآيات القرآنية الكريمة. وقد جاءت كثير من النصوص الدينية صدًى لهذه الآيات وترجمة لها ولما حملته من تلكم المبادئ والقيم.
ولعلّ من أبرز هذه النصوص: الثروة الروحية الواسعة التي صدرت عن أدعية أهل البيت (ع)، كما هي الحال مع أدعية الإمام علي أو أدعية الإمام الحسين ومعها الصحيفة السجّادية التي ضمّت الأدعية الواردة عن الإمام علي بن الحسين السجّاد (ع). إذ تعدّ هذه الأدعية ثروة روحية لا ينبغي أن تظلّ حكرًا على المجتمع الإمامي، وذلك لما تحمله من مضامين إنسانية عالية ينبغي التوقّف عندها مليًّا. ومثالًا ذلك يمكن الوقوف مع فقرات ثلاث من دعاء كميل الوارد عن الإمام علي (ع) وتأمل بعض مضامينها:
1- في بداية هذا الدعاء يقول الإمام علي (ع) معظمًا رحمة الله تعالى: «اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء»، ففي هذه الافتتاحية يسأل الإمام (ع) الله تعالى حاجته متوسّلًا في ذلك برحمته التي تتّسع «لكلّ شيء»، ما يعني أن رحمة الله تعالى لا تخصّ فئة دون أخرى أو أتباع معتقد دون آخر، أو مخلوقًا دون بقية المخلوقات، وإنما هي رحمة تتّسع لِـ «كل شيء».
2- والفقرة الثانية هي قوله (ع): «وهو يضج إليك ضجيج مؤمل لرحمتك، ويناديك بلسان أهل توحيدك، ويتوسل إليك بربوبيتك». وهي فقرة تحكي عن موقف الإنسان يوم القيامة فيما لو عذّب بدخول النار، فإنّه يدعو الله تعالى متوسّلًا، كذلك، برحمة الله سبحانه. وتوسّل الإنسان في هذه الحال ملؤه الأمل في الاستجابة، ذلك أنه يضجّ ضجيج «مؤمِّل» وليس ضجيج «الآيس» من الرحمة. ومناداته لله تعالى هي مناداة أهل التوحيد، والموحّدون لله تعالى يمثّلون الغالبية العظمى من الناس، وهي دائرة واسعة جدًّا تتخطّى الانتماءات المذهبية وحتّى الدينية.
3- والفقرة الثالثة قوله (ع): «هيهات، ما ذلك الظن بك، ولا المعروف من فضلك، ولا مشبه لما عاملت به الموحدين من برِّك وإحسانك. فباليقين أقطع، لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك، وقضيت به من إخلاد معانديك، لجعلت النار كلها بردًا وسلامًا، وما كان لأحدٍ فيها مقرًّا ولا مقامًا. لكنك تقدست أسماؤك، أقسمت أن تملأها من الكافرين، من الجِنة والناس أجمعين، وأن تخلد فيها المعاندين. وأنت، جل ثناؤك، قلت مبتدئًا وتطولت بالإنعام متكرمًا: ﴿أفَمَنْ كَانَ مُؤمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾؟!».
ففي هذه الفقرة، يقطع الإمام علي (ع) بأن الخلود في النار يكون لفئتين من الناس، وهما:
- الجاحدين: الذين وصلوا إلى الحقّ واقتنعوا به، ولكنهم جحدوه وكفروا به.
- والمعاندين: المكابرين والمتغطرسين على الانصياع إليه.
ومن خلال المشاهدة والمعاينة الخارجية، لا تمثّل هاتان الفئتان نسبةً كبيرة من المجتمعات الإنسانية، وهو ما يتطابق مع مضمون الفقرة بأنه لولا هاتين الفئتين صغيرتي العدد، لجعل الله النار يوم القيامة بردًا وسلامًا.