أحمد بن سنبل.. نموذج المواطن المطالِب بالحقوق [9] بستان السيحة وسمر في الذاكرة
عدنان السيد محمد العوامي
ينحدر من أسرةٍ عُرِفت بالشجاعة والشهامة والنبل والكرم، وإنما قدَّمتُ سجية الشجاعة على باقي صفات الحاج الأخرى؛ لأضعها مدخلا إلى أحد أعلام الأسرة التي ينتمي إليها؛ لنعرف إلى أيِّ الذرى تصعد أصوله. عنيت الحاج علي بن كاظم بن علي بن محمد بن عيسى آل سنبل. وصفه الشيخ فرج بن حسن العمران بهذا الوصف:
(الرجل العظيم، الطائر الصيت، كان يحمل نفسًا جبَّارة، لا تزال طامحة إلى المراتب العليا، حتى تسنَّم ذروة المجد بجدارة واستحقاق، ويؤثر عنه حكايات عجيبة، ومقامات ثمينة قيِّمة، ومواقفُ كريمةٌ محمودة مع حكومة تركيا؛ مع الوالي والمتصرِّف وغيرهما، ولاسيما أوقات دخوله على الوالي في بغداد مع البِعثة من أهالي القطيف، نذكر منهم:
أ – الشهم الغيور أحمد بن مهدي بن مهدي بن نصر الله، المتوفَّى في 1/3/1306هـ([1]).
ب – محمد شاه ابن الحاج حسن الزاير، المتوفى عام 1339هـ، وكلاهما من أهالي القلعة
ج – سلمان بن محمد بن حسين بن صالح الشيوخ، المتوفى في 1/1/1301هـ.
د – عبد الرحيم بن عبد الله بن محسن الفرج، المتوفى عام 1332هـ، وكلاهما من أهالي العوامية.
هـ سلمان بن داود المتوفى أواخر عام 1299هـ وهو من أهالي صفوى.
جاؤوا بغداد في أثناء عام 1299هـ يشكون من ظلم الخرَّاصين في خرص النخيل([2])، ولما دخلوا على الوالي قال: } وَجَاؤُوْا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَشْكُوْن{([3])، فقال بعض الجماعة: } وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِيْن{([4]). قيل وكان الحاج علي السابق الذكر من أجرأ الجماعة على الوالي([5]).
هذه هي الأسرة التي أنجبت الحاج أحمد.
لكن قد يشكل أحد بأن الحلقة مخصصة للحاج أحمد، وليس للأسرة وإن كانت مجيدة، وهذا قول حق لا مرية فيه، فالإمام علي عليه السلام يُنسب إليه هذه الأبيات:
كُن ابنَ مَن شِئتَ واكتَسِب أَدَبا
يُغنيكَ مَحمُودُهُ عَنِ النَسَبِ
فَلَيسَ يُغني الحَسيبَ نِسبَتُهُ
بِلا لِسانٍ لَهُ وَلا أَدَبِ
إِنَّ الفَتى مَن يُقولُ ها أَنا ذا
لَيسَ الفَتى مَن يُقولُ كانَ أَبي
والحاج أحمد لا أحسبه يقول كان أبي، ولا حتى ها أنذا لا أظنها سُمعت منه، وإنما قالها مسلكه وفعاله، سجية ذوي الإيثار ومنكري الذات.
لنعد للشيخ فرج من بداية حديثه فننقل شهادته في حقه: (وفي ليلة الجمعة السادسة والعشرين من الشهر المؤرخ([6])، زرت الشهم الوجيه الحاج أحمد ابن الحاج حسن بن سنبل في وطنه “الجش”، وهي – كما في جزيرة العرب لحافظ وهبة – : جنوب مدينة القطيف، وتبعد عنها أربعة أميال، كما تبعد عن الساحل ثلاثة أميال، محاطة بسور يضم نحو 300 بيت، وبها ثلاث عيون تروي المنطقة([7]).
[في بلدة الجش ما يقرب من إحدى عشرة عينًا منها الحِنينية أشهر عيون القطيف عذوبة ماء، وأهل القطيف يضربون بها المثل فيقولون – إذا شربوا ماء متناهيَ العذوبة -: (كأنه ما احنيني)، كما يتمثل العرب بما صدَّى، فيقولون: “ماءٌ، ولا كصدَّى”([8]).
جملة معترضة أردت بها تصحيح الخطأ في عدد عيون الجش، فلنكمل ما بقي من شهادة الشيخ في حق مضيفه الحاج أحمد: (وعندما وصلنا إليه رحَّب بنا وتلقانا بالبشرى، وأنزلنا في الحسينية الجديدة التي أسسها سنة 1367هـ، وشيدها وأكمل بناءها سنة 1368هـ، فبتنا عنده في أنس وسرور، وبهجة وارتياح، وبقينا عنده إلى عصر اليوم المؤرخ)([9]).
يوالي الشيخ فرج عرض شهادته فيقول: (الشهم الوجيه الحاج أحمد المولود في 17/3/1326هـ ابن الحاج حسن السابق الذكر، كان يمثَّل أباه المغفور له في كرم نفسه، وحسن أخلاقه، وجميع مزاياه، وتقدمه على أهل وطنه في الرئاسة والبطولة وحسن المنطق، وله أياد بيضاء على أهل وطنه “الجش” منها تأسيسه الحسينية المتقدم ذكرها، وتشييده، إذ هي الحسينية الوحيدة في وطنه . . .)([10]).
شهادة أخرى
يدلي بهذه الشهادة الأستاذ المهذب سعيد أحمد الناجي فعنده؛ أن الحاج أحمد من مواليد مدينة سيهات بالقطيف 1326-1412هـ، عمدة([11]) وشخصية من أعيان القطيف، عاش في سيهات حتى بلغ سن التاسعة، ثم انتقل إلى بلدة الجش، وكان والده عمدتَها، فورث المنصب بعد وفاة أبيه، ورئس المجلس البلدي لثلاث دورات متتالية، وكان مرشدَه الديني الشيخ على المرهون، “وهذه العبارة تشي بأنه عمل (حملة دار) ([12]). شخصيته بارزة، ومعروفة في القطيف، خصوصًا ما يتعلق بالدفاع عن قضاياها، وحل مشاكلها، وقد ورث الحاج أحمد بن سنبل الشهامة والوجاهة والتصدي لقضايا البلد وحلها من أبيه وأجداده، فوالده الحاج حسن سافر إلى البصرة مرتين مع أعيان القطيف لرفع بعض الشكايات إلى الولاة الأتراك، وكان قبله الحاج علي بن الحاج كاظم بن سنبل في وفد من أعيان القطيف إلى الوالي التركي في بغداد يشكون ظلم الخرَّاصين في خرص النخيل([13])، ولم تفت الأستاذ الناجي الإشارة إلى أن الحاج أحمد سكن في ثلاثة بيوت في فريق “حي” الخان القلعة، حاضرة القطيف، فهو منشطر الولاء بين سيهات والجش والقلعة.
وفد القطيف لمبايعة الملك سعود سنة 1373، وأحمد بن سنبل هو الأول من اليمين جلوساً، ثم عمدة سيهات عبدالله بن حسين بن نصر، ثم الشاعر عبدالله الجشي، ثم الشيخ علي المرهون. ومن اليمين وقوفاً: السيد أمين الماحوزي، أحمد العلقم، صالح بن مسلم، السيد محمد باقر العوامي
أحمد بن سنبل الموقف والدور
يضيف الأستاذ لؤي محمد شوقي آل سنبل، عن مصادره، إضافات مهمة منها عضويته في اللجان والمؤسسات الأهلية والرسمية مثل مؤسسة تشجيع الطلاب وهي مؤسسة خيرية مهمتها مساعدة الطلاب المعوزين، ووجوده المتميز بجانب أعيان القطيف كالزعيم الوطني على بن حسن أبي السعود، والشيخ محمد علي الخنيزي والشيخ منصور آل سيف، وعمدة القلعة الحاج عبد الله بن نصر الله، ومصاحبته للسيد حسن العوامي في الوفود ورفع المطالب، إلى جانب مطالباته بتوفير المراكز الخدمية كالمدرسة والمستشفى وغيرها لبلدته الجش وجاراتها. ليس هذا كل ما سجله التاريخ لهذا الرجل الوطني، بل وجدت بين أوراقه بعض المطالبات مرفوعة بتوقيعه فقط، كما كمطالبته بعدم إغلاق الميناء القطيف([14]).
معلوماتي الشخصية عن الحاج أحمد
أتذكَّر أنني قلت من قصيدة رثيت بها الشاعر محمد سعيد بن الحاج أحمد الجشي (رحمه الله):
ما بكيناك ميِّتًا، فالبرايا
كلُّها، للرَّدى، تَناهَى سبيلا
كم طَوَى الموتُ أنفسًا لم يُلامِس
جفنُنا، في فِراقِها، مِنديلا
لو بكينا، إلاَّ الأحبَّة، مَيْتًا
رخص الدمع فاسْتَهلَّ ذَليلا
قل لمن يندِب الرجالَ جُسومًا:
عَمرَك الله! كم تظلُّ جَهُولا؟
إنما تُندَبُ الرجالُ نفوسًا
عاطراتِ الشذا، وتُبكَى عُقولا
فإذا مضَّنا الأسى وجرَعنا
علقمًا من شجا الفراقِ وبيلا
فلأنَّ الرَّدى أبَتْه علينا
شاعرًا يحمل الهوى إزميلا
عاش للوجد والهيام وإن لم
يبغِ عن مدرج الفخار بديلا
لم يَحِد خُطوةً عن الدرب لمَّا
أن تردَّت خُطىً، وعادت نُكُولا
خرَّ، في مُوحِل الهوان، رجالٌ
حسبوا غايةَ الحياة وُحُولا
فتردَّوا، على الطريق، صَغارًا
وأبى الطودُ، شامخًا، أن يميلا
نعم، الجسوم لا تبكى، وإنما تبكى المواقف والأعمال، والحاج لم يكن شاعرًا، لم يتعشق الغيد الكواعب، ولم تخلب لبه الحسان الفواتن ، وإنما عشق أرضه حتى النخاع، ودافع عنها في زمرة المدافعين الخلَّص، ففي سنة لا أذكر تاريخها حدث حادث بشع؛ إذ اكتُشِف أن طبيبًا هو الوحيد في البلد وقتها؛ لم يخن ويعتد على شرف المهنة التي أقسم على الحفاظ عليه وحسب، بل افتضح أمره باعتدائه على شرف إحدى العفيفات جاءت تستشفي عنده، فأحدث ذلك دويًّا جَبُن إزاءه من جبُن، وواجه من واجه، ووقف بجانب الطبيب نفرٌ من المتسلقة النفعيين، معتصمين بمسجد ضرار، فموهوا على السلطة زاعمين أن القضية كيدية، فانقلب الفاجر مَلكًا، والذئب حملا، والسفاح ضحية، وكان أبو منصور الأشد صلابة بين المواجهين، فعرضه ذلك التشدد للخطر، فامتطى عزيمته متوكلا على الله مصطحبًا أحد مسانديه في الموقف، فولَّيا وجهيهما شطر مكة حيث يقيم الأمير عبد الله الفيصل (رحمه الله)، فطيب خاطرهما، وضمن لهما الأمان، فلم يتعرض لهما أحد بسوء.
توثيق دوره في خدمة البلد
لدي مجموعة من الوثائق المطلبية المرفوعة للجهات المعنية أضعها بين يدي القارئ – مضافًا إليها الوثائق التي تفضل بها الأخ الأستاذ لؤي سنبل؛ ليرى كم بذل آباؤنا من جهود، ومساع في خدمة بلدهم وناسهم فجزاهم الله أحسن الجزاء.
الثاني من اليمين في مشهد، إيران
ترشيحه لعضوية لجنة ذوي الدخل المحدود لتوزيع أراضٍ مجانية على المواطنين في القطيف
————-
[1]))وفاته في دفتر الحاج مبارك أبي السعود، ص: 7 في 18 3/1306ه، والفرق واضح.
[2]))خرص النخيل: تقدير، أو تخمين مقدار زنة ما تحمله من الثمر، لتحديد مقدار الزكاة. والخراصون، هم يقومون بالخرص، وهم عادة هيئة حكومية تقوم بمهمة الخرص، ومأتى التظلم من أن الخرص، والثمر على عروشه، فيكون عرضة للتلف إما بسبب الأنواء أو الجراد والآفات.
[3]))يوسف: 16.
[4]))يوسف 17.
[5]))الأزهار الأرجية في الآثار الفرَجيَّة، جـ 4/11 – 112.
[6]))الشهر هو: شهر المحرم سنة 1372هـ.
[7]))الأزهار الأرجية في الآثار الفرَجيَّة، جـ 4/11سبق ذكره، وانظر: جزيرة العرب في القرن العشرين، حافظ وهبة، دار الآفاق العربية، القاهرة، د. ت. ص: 75.
[8]))عيون القطيف الفردوس الموؤود، عدنان السيد محمد العوامي، دار أطياف، القطيف، الطبعة الأولى، 2017م، ص: 166 – 167.
[9]))الأزهار الأرجية في الآثار الفرَجيَّة، جـ 4/11سبق ذكره، وانظر: جزيرة العرب في القرن العشرين، حافظ وهبة، دار الآفاق العربية، القاهرة، د. ت. ص: 75.
[10]))الأزهار الأرَجية، سبق ذكره، ص: 114.
[11]))العمدة آنذاك معتمد الدولة في المدينة أو البلدة، مهبًا محترمًا، يقوم بمهام قريبة من مهام القاضي والحاكم، فيصلح بين المتخاصمين حد الردع، والتأديب.
[12]))الحملة دار في اصطلاح متعهدي حملات الحج: رجل دين يتولى تعليم الحجاج مناسك الحج.
[13]))معجم أعلام القطيف (1000 – 1430)، سعيد أحمد الناجي، دار أطياف للنشر والتوزيع، القطيف، الطبعة الثالثة، 1437هـ، 2016، ص: 27.
[14]))وثيقة زودني بها الشيخ عبد الله آل سنبل (مرفقة).
تمنيت من المؤرخ الكاتب ان يكمل قصة المرحوم سنبل مع عبدالله الفيصل وما فعل
هل فعلا عوقب او حوكم الطبيب الذي يجزم الكاتب انه كان مدانا مجرما
ام اقتصر دور الحكومة ان ضمنت للحاج سنبل ان لا يتعرض له احد ممن ناصر الطبيب ومن ضمنهم الدوائر الحكومية
وهذا ما يشي به كلام السيد العوامي
ومعنى ذلك ان الحاج سنبل رحمه الله حصل فقط على ضمان سلامته وليس على معاقبة الطبيب
الشكر والتقدير لشاعرنا وسيدنا الشاعر العوامي على استخراجه وتدوينه لهذه اللآلئ من تاريخ القطيف المجيد . واتمنى ان يتم جمع كل المواضيع المنشورةفي كتاب تقرأه الاجيال القادمة حتى لايأتي احد ويزور التاريخ او ينتقص من قدر القطيف وهي التي اعطت قديما وحديثا للوطن الخير الكثير .فلك يا سيدنا كل الشكر والاحترام على اضاءاتك المنيرة.